السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نصائح للطلاب والطالبات للمذاكرة والامتحانات
يقول الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - في كتابه: "مع الناس"، في مقالة عنوَنها بقوله: إلى الطلاب:
زُرت من أيام صديقًا لي قبيل المغرب، فجاء ولده يُسلِّم عليَّ وهو مُصفر اللون، بادي الضَّعف، فقلت: خيرًا إن شاء الله؟
قال أبوه: ما به من شيءٍ؛ ولكنه كان نائمًا، قلت: وما له ينام غير وقت المنام؟
قال: ليَسهَر في الليل، إنه يَبقى ساهرًا كلَّ ليلة إلى الساعة الثانية.
قلت: ولِم؟ قال: يستعد للامتحان.
قلت: أعوذ بالله!
هذا أقصر طُرق الوصول إلى السقوط في الامتحان.
لقد دخلت خلال دراستي امتحانات لا أُحصي عددها، فما سقَطت في واحد منها؛ بل كنت فيها كلها من المُجلين السابقين، وما سهِرت من أجلها ساعة، بل كنت أنام أيام الامتحان أكثر مما أنام في غيرها.
فعجِب الولد، وقال: تنام أكثر؟
قلت: نعم، وهل إلاَّ هذا؟!
أفرأيت رياضيًّا - ملاكمًا أو مصارعًا - يَهُدُّ جسده ليالي المباراة بالسهر، أم تراه ينام ويأكل، ويستريح؛ ليدخل المباراة قويًّا نشيطًا؟!
قال: والوقت؟
قلت: إن الوقت متَّسع، وإن ساعة واحدة تقرأ فيها وأنت مستريح، تَنفعك أكثر من أربع ساعات تقرأ وأنت تعبان نعسان، تظن أنك حفِظت الدرس وأنت لم تَحفظه.
قال: إن كانت هذه النصيحة الأولى، فما الثانية؟
قلت: أن تعرف نفسك أولاً، ثم تَعرف كيف تقرأ.
فإن من الطلاب مَن هو بصري، يكاد يَذكُر في الامتحان صفحة الكتاب ومكان المسألة منها، ومنهم مَن هو سمعي يَذكر رَنَّة صوت الأستاذ.
فإن كنت من أهل البصر، فادرُس وحْدك، وإن كنت من أهل السمع، فادرُس مع رفيق لك مثلك، واجْعَله يقرأ عليك.
قال: وكيف أعرف نفسي؟
قلت: أنا أكتب عشر كلمات لا رابطة فيها؛ مثل: (كتاب، مئذنة، سبعة عشر، هارون الرشيد ... ).
وأقْرَؤها عليك مرة واحدة، ثم تكتب أنت ما حفِظتَه منها.
وأكتُب مثلها وأُطْلعك عليها لحظة، وتكتب ما حفِظتَه منها.
فإن حفِظت بالسمع أكثر، فأنت سمعي، وإلاَّ فأنت بصري.
قال: والنصيحة الثالثة؟
قلت: أن تجعل للدراسة برنامجًا تراعي فيه تنوُّع الدروس.
وأحسن طريقة وجَدتها للقراءة أن تمرَّ أولاً على الكتاب كله مرًّا سريعًا، على أن يكون القلم في يدك، فما هو مهم خَطَطت تحته خطًّا، والشرح الذي لا ضرورة له تَضرِب عليه بخطٍّ خفيف، والفقرة الجامعة تشير إليها بسهمٍ.
ثم يأتي دور المراجعة، فتأخذ الكتاب معك، فتمشي في طريق خالٍ، وتستعرض في ذهنك مسائل الكتاب واحدة تِلْو الأخرى.
تتصوَّر أنك في الامتحان، وأن السؤال قد وُجِّه إليك، فإذا وجدته حاضرًا في ذهنك ترَكته، وإلاَّ فتَحت الكتاب فنظَرت فيه نظرًا تقرأ فيه الفقرات والجُمل التي قد أشَرت إليها فقط، فتَذكُر ما نسيتَه، وإذا وجَدت أنك لا تَذكُر من المسألة شيئًا، أعدتَ قراءة الفصل كلِّه.
والرابعة:
ألاَّ تَخاف، والخوف من الامتحان لا يكون من الغباء ولا التقصير ولا الجبن؛ ولكن الخوف من شيء واحدٍ، وهو مَنشؤه وسببه؛ ذلك أن بعض الطلاب ينظرون إلى الكتاب الكبير والوقت القصير الباقي، ويريدون أن يَحفظوه كله في ساعة، فلا يستطيعون، فيَدخُل الخوف عليهم من أن يجيءَ الامتحان وهم لم يُكملوا حفظه.
ومثلهم مثل الذي يريد أن يَمشي على رِجليه من حيِّ المزَّة في دمشق إلى المطار؛ ليُدرك الطيارة وما معه إلا ساعتان، فإن قال لنفسه: كيف أصِل؟ أو ركَض كالمجانين، فتعِب حتى وقَع، لم يَصِل أبدًا.
وإن قسم الوقت والخُطى، وقال لنفسه: إن عليَّ أن أمشي في الدقيقة مائة خُطوة فقط، سار مطمئنًّا، ووصَل سالِمًا.
والخامسة:
أن بعض الطلاب يقف أمام قاعة الامتحان، يَعرض في ذهنه مسائل الكتاب كلها، فإذا لم يَذكرها اعتقَد أنه غير حافظٍ درسَه واضطرَب وجزِع.
كم تعرف من أسماء إخوانك وأحبائك؟ هل تستطيع أن تَسرُدها كلها سردًا في لحظة واحدة؟ لا، ولكن إذا مرَّ الرجل أمامك أو وُصِف لك، ذكرتَ اسمه.
فغيابها عن ذِهنك ليس معناه أنها فُقِدت من ذاكرتك.
والسادسة:
أنك كلما قرأت درسًا، استرَحت بعده، أو انصرَفت إلى شيءٍ بعيد عنه؛ ليستقرَّ في ذهنك.
وإن إعادة القراءة للدرس بعد الفراغ منه مرات، كمن يأخذ صورة بالفوتوغراف، ثم يأخذها مرة ثانية من غير أن يُبدِّل اللوحة، أو يدير الفيلم، فتُطمَس الصورتان.
والسابعة:
أن عليك أن تَستريح ليلة الامتحان وتدَع القراءة، تَزور أهلك، أو تتلهَّى بشيء يَصرفك عن التفكير في الامتحان.
وأن تنام تلك الليلة تسع ساعات أو عشرًا إذا استطعتَ، ولا تخشَ أن تذهب المعلومات من رأسك؛ فإن الذاكرة أمرها عجيبٌ، إن ما يُنقَش فيها في الصِّبا لا يُنسى.
وأنا أنسى والله اليوم ما تعشَّيت أمْسِ، ولكني أذكر ما كان قبل أربعين أو خمسٍ وأربعين سنة، كأني أراه الآن.
وأنت تُبصر في التلفاز فلمًا كنت شاهَدته منذ عشر سنين، فتَذكره، ولو سألتُك عنه قبل أن تدخُل، لَما عرَفته.
والثامنة:
أن تَعلم أن الامتحان ميزان يَصِح حينًا وقد يخطئ حينًا، وأن المصحِّح بشرٌ، يكون مستريحًا يقرأ بإمعانٍ، وقد يَتعب فلا يُدقِّق النظر، وأنه يَنشَط ويَمَل، ويُصيب ويُخطئ، وقد جرَّبوا مُصحِّحًا مرة أعطوه أوراقًا، فوضع لها العلامات والدرجات، ثم مَحَوا علاماته وجاؤوه بها مرة ثانية، فإذا هو يبدِّل أحكامه عليها، وتَختلف درجاته في المرتين أكثر من عشرين في المائة.
وطلبوا من مصحِّح مرة أن يكتب هو الجواب الذي يستحق العلامة التامَّة، فكتَبوه بخط آخر، وبدَّلوا فيه قليلاً، وعرَضوه عليه، فأعطاه علامة دون الوسط.
والمصحِّح ليس في يده ميزان الذهب، وقد يتردَّد بين الستين والسبعين، وقد يكون في هذه العلامات العشر سقوط الطالب أو نجاحه،فما العمل؟
عليك أن توضِّح خطَّك؛ فإن سوء الخط وخفاءَه ربما كان السبب في نِقمة المدرس وغضبه، فأساء حُكمه على الورقة، فأسْقَطها، وأن تُكثر من العناوين، وأن تقطِّع الفقرات وتُميِّزها، وأن تَجتنب الفضول والاستطراد، وقد يَستطرد التلميذ، فيذكر أمرًا لَم يُطلب منه؛ يريد أن يكشِف به عن علمه، فيقع بخطيئة تَكشِف جَهله، فتكون سبب سقوطه.
هذا الذي عليك، وهذا هو الواجب في الامتحان وغيره.
على المرء أن يسعى ويعمل، ولكن ليس النجاح دائمًا منوطًا بالسعي والعمل.
يَمرض اثنان، فيستشيران الطبيب الواحد، ويتَّخذان العلاج الواحد، ويكونان في المشفى الواحد، في الغرفة الواحدة، وتكون معاملتهما واحدة، فيموت هذا، ويَبرَأ هذا.
فلِمَ؟ من الله.
ويَفتح اثنان مَتجرين، ويأتيان بالبضاعة الواحدة، ويتَّخذان طريقة للبيع واحدة، فيقع هذا على صفقة تَجعله من كبار الأغنياء، ويَبقى ذلك في موضعه.
فلِم؟ من الله.
وأنا لا أقول لأحدٍ أن يترك السعي، السعيُ مطلوب، وعلى التلميذ أن يقرأ الكتاب كله حتى الحاشية التي لا يهتمُّ غيره بها؛ إذ ربما كان السؤال منها، وبعد ذلك يتوجَّه إلى الله فيطلُب منه النجاح.
وهذه خاتمة النصائح ولكنها أهمها.
أيها الطالب، إذا أكمَلت استعدادك وعمِلت كل ما تَقدِر عليه، فتوجَّه إلى الله وقل له:
يا رب، أنا عمِلت ما أستطيعه، وهناك أشياءُ لا أستطيعها؛ أنت وحْدك تَقدِر عليها، فاكتُب لي بقُدرتك النجاح، ولا تَجعل ورقتي تقع في يد مصحِّح مُشدِّد لا يتساهل، أو مُهمل لا يُدقِّق، أو ساخط أو تَعبان، لا يَحكم بالحق.
وانظر قبل ذلك في نفسك، فإن كانت على معصية أو تقصيرٍ، فقوِّمها ودَعِ التقصير، وليست هذه الوصفة من عندي، ولكنها وصفة وكيعٍ شيخِ الشافعي:
شَكَوْتُ إلَى وكيعٍ سُوءَ حِفظي فأرشَدَنِي إلى ترْك المَعاصي وقَال بأنَّ هذَا العِلم نُورٌ ونورُ الله لا يُهْدَى لعَاصِي |
تعليق