الحمد لله مدبر الشهور والأعوام , ومصرف الليالي والأيام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للأنام ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام
قبل ألف وأربعمائة وأربع و ثلاثين سنة كانت أرض الحرمين على موعد مع حادثة عظيمة وقصة مثيرة ، نصر الله بها الدين ، وقلب بها الموازين .
من منا لا يعرف هذه القصة ، وحرف الهاء الذي يشير إليها لا يغيب عن أنظارنا ، فهو بجانب كل رقم نؤرخ به أيامنا .
مكة .. محمد صلى الله عليه وسلم .. أبو بكر ... قريش .. مؤتمر الندوة .. الاغتيال .. الغار .. العنكبوت .. ذات النطاقين .. سراقة .. أم معبد .. الأنصار .. المدينة النبوية .
و إن في السيرة لخبرا ، وإن في الهجرة لعبرا ، وإن في دروسها لمدكرا
ولكن مداوِ المؤرخين ما تركت من العبر إلّا وسجّلت
وأقلام الأدباء ما تركت مبهما إلّا وفسّرت
القصّة تردّدت وتردّد صداها في مسمعنا حتّى تمنّينا لو أنّنا كنّا في قوافل من هاجروا وارتحلنا في ركاب من صدقوا
وبايعنا فيمن بايع حييب الله على الهجرة
حتّى تهطل دموع الحسرة حرّى تشقّ مساريها في قلوبنا التي أنهكتها نار الحنين
وتتماثل في خواطرنا السقيمة قول خير الأنام
" ذهب أهل الهجرة بما فيها "
ولكن حسبك
أما و إنّهم ذهبوا بهجرتهم الأولى
أما و إنّ لنا هجرة تولد كلّ عام
أما و إنّ لنا بيعة تعاهد كلّ عام
اصنع هجرتك بنفسك
اصنع بيعتك بنفسك
واستقٍ غيضا من فيض عزم هذا الرجل
http://www.youtube.com/watch?v=Fr-GNZIDgeI
أما وقد أوصىى الحَبِيبُ عليه الصلاة والسلام أُمَّتَهُ بما فيه نصيبهم من الهجرة وحظّهم من البيعة ، فَحَثَّهُم عَلَى العِبَادَةِ في الهَرجِ وَأَوقَاتِ الفِتَنِ، وَعَدَّ ذَلِكَ مِن أَفضَلِ الأَعمَالِ وَأَحَبِّهَا إِلى اللهِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «العِبَادَةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِلَيَّ» (رَوَاهُ مُسلِمٌ).
العِبَادَةُ في الفِتنَةِ كَالهِجرَةِ، وَالهِجرَةُ في الإِسلامِ وَلا سِيَّمَا في زَمَنِ الغُربَةِ وَالفِتنَةِ سَبَبٌ لِلمَغفِرَةِ وَالرَّحمَةِ، قَالَ تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:110]، في أَوقَاتِ الفِتَنِ -وَمَا أَكثَرَهَا في هَذَا الزِّمَانِ- تَتَفَرَّقُ القُلُوبُ وَتَتَشَتَّتُ النُّفُوسُ، وَتَذهَلُ العُقُولُ وَتَختَلِفُ المَوَازِينُ، وَيَختَلِطُ الحَقُّ بِالبَاطِلِ وَيَخفَى الصَّوَابُ، وَتَضعُفُ الهِمَمُ وَتَطِيشُ الأَحلامُ وَيَغلِبُ اتِّبَاعُ الهَوَى، وَيَكُونُ النَّاسُ في أَمرٍ مَرِيجٍ وَيُصرَفُونَ عَنِ الهُدَى، وَيَكثُرُ أَئِمَّةُ الضَّلالِ وَيَبرُزُ رُؤُوسُ الزَّيغِ، وَيُصبِحُ المَعرُوفُ مُنكَرًا وَالمُنكَرُ مَعرُوفًا، وَيَنصَرِفُ النَّاسُ إِلى الزَّخَارِفِ وَيَطمَئِنُّونَ إِلى الدُّنيَا، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا أَعَزَّ مِن مُؤمِنٍ يُهَاجِرُ إِلى رَبِّهِ بِقَلبِهِ، وَيُحَلِّقُ بِنَفسِهِ عَمَّا فِيهِ غَيرُهُ مِن اختِلاطٍ وَاضطِرَابٍ، وَيُفَارِقُ مُجتَمَعَاتِ الفَسَادِ وَالإِفسَادِ، وَيَكُونُ كَالسَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ إِلى الإِسلامِ، الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم وَأَموَالِهِم وَأَهلِيهِم، وَتَرَكُوا البُلدَانَ وَفَارَقُوا الأَوطَانَ، وَخَرَجُوا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاتَّبعُوهُ وَجَاهَدُوا مَعَهُ.
هاجر إلى الله , ارتحل إليه
اصرف بصرك عن هذة الدنيا الفانية وارسم دروب الهجرة وخواتيم الجنان بين مرتمى عينيك
اصدق الله في سرّك واربأ بنفسك عن خيانة العهود وحثّ الخطى بعزم على مسالك الأوّلين
اعتزل معاصيهم , اعتزل ملاهيهم , اعتزل صخبهم , اعتزل دنياهم
وكن غريبا
كن ربنايا راهبا عابدا ترتمي الدنيا بين يديه فلا تحظى منه بلمعة عين طامعة أو هفوة قلب حريص
تزوّد فإنّ خير الزاد التقوى
وتأمّل في تدبّر السلف الصالحين
إذ قال أحدهم لأخيه
مالي أراك تنفق كلّ مالك فلا تبق منه شيئا
فقال له ( ولو أنّ فهمنا الدنيا على ما فهموها عليه لما هنّا)
أرئيت إن كان أحدهم مرتحلا من دار إلى دار
أكان تاركا في الأولى شيئا؟
لا والله
ولكن عفا الله عنا من أين لنا علمكم وصدقكم وحرصكم
http://www.youtube.com/watch?v=CoARfI0j0Ok
هاجر إلى الله
ارتحل إليه
كن ساميا بطموحاتك , هماما برغباتك , عظيما بدعواتك
فإنّ ربّك عظيم لا يتعاظمه شيء
ارق بسنا بصرك إلى السماء
عش أيّامك بين دفّتي مصحفك العطر
ولترافقك أطياف جنّتك ممسيا كنت أو مصبحا
تخلّق بأخلاق الصحابة وتحزّم بسنّة الحبيب المصطفى
كن نورانيا بقلب أبيض نقيّ تقيّ طاهر من شوائب هذة الدنيا
اعف واصفح واغفر فلا شيء يستحق شيء منا ومنكم إلّا الجنّة
واعقل مرادك على هذة
فإنّ من خلقه قد خلقه ومن رزقه علو رؤيته ليس بمعجز أن يرزقك
إذ قال أحد السف الصالحين
لأعبدنّ الله , لأعبدنّ الله , لأعبدنّ الله في الأرض
كما تعبده ملائكة السّماء
لله درّكم ما أقوى إرادتكم و أصدق عزيمتكم
http://www.youtube.com/watch?v=gkdK9wXGZbs
هاجر إلى الله
ارتحل إليه
جاهد نفسك و اغرس في حنايها اليقين بالرحيل و اجتث منها حبّ المظهرة و خبث الرياء ومفسدة الكبر
استعن بالله وسلّ سخيمة صدرها
روّض استعارها وربِّ فيها الصبر على وعن الطاعة والمعصية
سقها إليك مجبرة اليوم
تسر بك مرضيّة غدا إلى جنبات العرش
فمن صبر على جهاد نفسه وهواه وشيطانه غلبهم وجعل له النصر والغلبة، وملك نفسه فصار ملكًا عزيزاً، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غُلب وقُهر وأُسر، وصار عبدًا ذليلاً أسيرًا في يد شيطانه وهواه كما قيل:إذا المرء لم يَغْلِبْ هواه أقامهُ.. ... ..بمنزلةٍ فيها العزيز ذليلُ
ورضي الله عمّن قال
جررت نفسي إلى الله وهي تبكي
حتى جرت إليه وهي تضحك
http://www.youtube.com/watch?v=8pIxGNoFR3s
ومن مكة تنطلق ركائب المهاجرين ملبيةً نداء ربها .. مهاجرةً بدينها ..مخلفةً وراءها ديارها وأموالها .
ومن مطلع كل عام تنطلق ركائب المهاجرين اليوم وغدا ملبية نداء ربها مهاجرة بدينها وهجرتها مخلفة ورائها خرابات الدنيا وركام الفانية
واجعل وصيتك في هجرتك
في أَوقَاتِ الفِتَنِ، تَعظُمُ الصَّوَارِفُ وَتَكثُرُ المُلهِيَاتُ، وَتَشتَدُّ غُربَةُ الدِّينِ وَيَغفُلُ النَّاسُ وَيَذهَلُونَ، وَيُصرَفُونَ عَن رَبِّهِم وَقَد يُخذَلُونَ، وَتَعظُمُ إِذْ ذَاكَ حَاجَتُهُم إِلى مَا يُعِيدُ إِلى قُلُوبِهِم سَكَنَهَا، وَيُضطَرُّونَ إِلى مَا يَمنَحُهَا هُدُوءَهَا وَيجلِبُ إِلَيهَا طُمَأنِينَتَهَا وَرَاحَتَهَا، وَلَيسَ ذَاكَ إِلاَّ في كَثرَةِ عِبَادَتِهِم لِرَبِّهِم وَإِقبَالِهِم عَلَيهِ، وَمَا أَقَلَّ الرِّجَالَ العَابِدِينَ حِينَئِذٍ وَمَا أَعَزَّ وُجُودَهُم! وَمَا أَمَرَّ تَجَرُّعَهُم لِلصَّبرِ وَأَشَدَّ قَبضِهِم عَلَى الجَمرِ......
أضاء الله دروب هجرتكم بالصدق والمجاهدة والصبر والسلوان
وأعاد عليكم بيعته وهجرته أعواما مديدة
وكل عام وانتم على خطا الهجرة تخطون
والى جنة الخلد سائرون
والى ربكم مسافرون
"إلى الله وهذة الدنيا سفر "
واخر ما اختم به كلامي
تعليق