السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يستقبلُ المسلمونَ في كلِّ مكانٍ أعيادَهم الشرعيةَ جذلينَ فرحينَ بطاعةِ اللهِ عز وجل وإتمامِ العباداتِ، سائلينَ اللهَ قبولَ صيامِ وقيامِ رمضانَ وأعمالِ عشرِ ذي الحجةِ في مظهرٍ يعزُّ مثيلُه في الأممِ الأخرى التي تحتفلُ بأعيادٍ بشريةٍ غيرِ إلهيةٍ ترتبطُ بأشخاصٍ، أوْ أسرٍ، أوْ تحيي ذكرى قصصٍ خرافيةٍ أوْ كهاناتٍ وحكاياتِ حبٍّ خادشةٍ للحياء.
وأعيادُنا مليئةٌ بالفرحِ والسرورِ ولا مكانَ للحزنِ فيها خلافًا لبعضِ الأممِ كالأعيادِ الجنائزيةِ لدى الفراعنةِ، وكعيدِ الغفرانِ اليهودي في الثامنِ منْ أغسطس وهوَ يومُ حزنٍ وبكاءٍ على حائطِ المبكى، ومثلِ عيدِ تشينغمينغ الصيني الذي يجمعُ بينَ الحزنِ والفرح؛ حيثُ يزورُ أبناءُ قوميةِ هان وبعضُ الأقلياتِ القوميةِ قبورَ موتاهم ثمَّ يستمتعونَ بجمالِ الربيع. فالحمدُ للهِ الذي جعلَ عيدَنا يومَ زينةٍ وبسمة
وليسَ لأعيادِنا صلةٌ قريبةٌ أوْ بعيدةٌ بقتلِ الإنسانِ وتهجيرِه وإفسادِ الأوطانِ وتدميرِها كما في عيدِ الشكرِ الأمريكي الذي تحتفلُ بهِ الأمةُ الأمريكيةُ في رابعِ خميسٍ منْ شهرِ نوفمبر كلِّ عامٍ، وتأكلُ الدِّيكةَ الروميةَ لتتذكرَ جرائمَها الوحشيةَ وإبادتها للهنودِ الحمرِ في حكايةٍ جديرةٍ بأنْ تكونَ وصمةَ عارٍ وخزيٍ لا موسمَ احتفالٍ ولا عطلةً رسميةً أوْ ملتقًى بهيجًا للعائلةِ الأمريكيةِ يندرُ مثيلُه على مدارِ السنة. فأيُّ فطرةٍ تلكَ التي تحتفلُ بقتلِ مائةِ مليونِ إنسانٍ وسلخِ فراءِ رءوسِهم وتخريبِ ديارهم؟![1]
ولدى اليهودِ عيدُ الأبوريم الذي يجبُ على اليهودي فيهِ السكرُ حتى الثمالةِ، ويُسمَّى أيضًا عيدُ التماثيلِ المضحكةِ؛ لأنَّهم يصنعونَ تماثيلَ من القشِ لمنْ يرونهم أعداءً ويعلِّقونها في المشنقةِ بطريقةٍ هزلية تفضحُ نفسيةَ القوم! فالحمدُ لله الذي سلَّم أفراحنَا من الجنايةِ ليكونَ عيدُنا خيرًا وسلامًا.
وأعيادُنا نحنُ أهلُ الإسلامِ فرصةٌ للاجتماعِ على عدَّةِ مستويات؛ إذْ تجتمعُ الأمةُ على انتظارِ العيدِ وفي الاستعدادِ له، وتضجُّ المساجدُ والأماكنُ بالتكبيرِ والتهليلِ قبلَه، ويشتركُ النَّاسُ في لبسِ الجديدِ خلالَه وفي التهاني والبسماتِ يومَه، ويؤدي المسلمونَ الصلاةَ في صباحهِ الباكرِ بمنظرٍ مهيبٍ تخرجُ لهُ الأمةُ برجالِها ونسائها وأطفالِها ملتزمةً بالضوابطِ الشرعيةِ في منعِ الاختلاطِ بينَ الجنسينِ والفصلِ بينَ الذَّكرِ والأنثى في المحافلِ والمجامع. وفي كلِّ هذا رسالةٌ صريحةٌ للمصلحينَ مفادُها أنَّ هذهِ الأمةَ لا يجتمعُ شتاتهُا ولا يلتئمُ أمرُها إلاَّ على كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم. وفي هذا المعنى الكبيرِ الشريفِ تنغيصٌ على المجرمينَ الذينَ يريدونَ تفريقَ الأمَّةِ المحمَّديةِ وبعثرةَ شئونِها والعبثَ بتأريخها وقواسمها المشتركة؛ فالحمدُ للهِ الذي أبقى أعيادَنا رمزَ قوةٍ واستعلاءٍ ووحدة.
ومنْ أعظمِ مزايا عيدي الأمةِ الإسلاميةِ وضوحُ البعدِ الاجتماعيِ فيهما؛ فقدْ فرضَ اللهُ زكاةَ الفطرِ قبلَ يومِ الفطرِ وسنَّ النبيُ الكريمُ صلى الله عليه وسلم إهداءَ ثلثِ لحمِ الأضحيةِ للفقراءِ يومَ الأضحى؛ واعتادَ أغنياءُ المسلمينَ على إخراجِ زكواتِهم وصدقاتِهم في شهرِ رمضانَ وعشرِ ذي الحجةِ؛ طلبًا لمضاعفةِ الأجرِ، واغتنامًا لفضلِ الزمانينِ، وإغناءً لفقراءِ المجتمعِ عنْ ذلِّ السؤال.
وقدْ يختفي المعنى النبيلُ للعيدِ إنْ لمْ يسعَ الفردُ لإسعادِ غيرهِ وجلبِ الفرحِ والسرورِ لنفوسِ الآخرينَ، بدءًا بالعائلةِ الصغيرةِ فالأسرةِ الكبيرةِ مرورًا بالجيرانِ والأصدقاءِ دونَ إغفالٍ لفقراءِ المجتمعِ وأراملهِ وأيتامه. وقدْ درجتْ بعضُ العوائلِ الكريمةِ على استضافةِ أطفالٍ أيتامٍ في احتفالِها بالعيدِ ليشاركوهم الفرحةَ ويعوضوهم عنْ غيابِ أهلهم؛ فالعيدُ لليتيمِ المحرومِ، يصدقُ عليهِ قولُ الشاعرِ المصري عبدِ الرحمن شكري:
إذا جاءه عيدٌ من الحولِ عاده *** من الوجدِ دمعٌ هاطلٌ ووجيبكأنَّ سرورَ النَّاسِ بالعيدِ قسوةٌ *** عليهِ تُريـقُ الدَّمعَ وهو صبيب
وفي العيدينِ فرصةٌ مواتيةٌ لابتداءِ الملتقياتِ العائليةِ وحلِّ الخلافاتِ الأسريةِ وإصلاحِ ذاتِ البين؛ إذ العيدُ زمنُ التسامي عن الحقدِ والتحررِ من الأنانيةِ وتجاوزِ المصالحِ الفردية؛ فالحمدُ لله الذي شرعَ أعيادَنا موسمًا للرحمةِ والتآلف.والعيدُ يومٌ جديدٌ تشرقُ شمسُه الجميلةِ على بلادِ المسلمينَ، وقدْ تجدَّدَ النَّاسُ في ملابسِهم وعاداتِهم وكلامهم بلْ وفي نفوسِهم التي خرجتْ منْ أوزارِها ترجو الفوزَ والرضوانَ وفي أرواحهِم المتعلقةِ بنفحاتِ اللهِ في الموسمِ المنصرم. وما أجملَ أنْ يدخلَ العيدُ على المسلمِ وقد اقتبسَ جذوةً منْ بركاتِ رمضانَ أوْ عشرِ ذي الحجةِ، فغدا إنسانًا جديدًا في تعاملِه مع ربهِ ومع نفسهِ ومع أهلِه ومجتمعِه وزملائه! وما أرقَّ مَنْ جعلَ العيدَ يومًا لتجديدِ علاقتِه بزوجاتِه ومؤانسةِ بنيهِ والتوسعةِ عليهم بالمعروفِ ومسامحةِ زملائِه وخدمةِ مجتمعِه الصغيرِ والكبير! وما أحسنَ خلقَ مَنْ صيَّرَ العيدَ فرحةً مضاعفةً للأطفال. فالحمدُ لله الذي جعل من العيدِ يومًا للتجديدِ والتسامي.
وحينَ ينتهي العيدُ وتمضي أيامُه الأنيسةِ يظلُّ في وجدانِ المسلمِ وشعورِه حنينٌ للعيدِ الكبيرِ والفوزِ العظيمِ برضوانِ اللهِ ورؤيةِ الرَّبِ جلَّ جلالهُ ودخولِ أعلى جنانِه؛ فذلكَ اليومُ هو عيدُ الأعيادِ كلِّها؛ ففيهِ السرورُ والحبورُ والبسمةُ والمباهجُ والمسرَّاتُ وما لا يخطرُ على قلبِ بشر. نسألُ اللهَ أنْ يبلِّغنا هذهِ الفرحةَ وتلكَ البهجةَ؛ فإنَّ للمؤمنِ عيدًا ينتظرُه كما قالَ الشاعرُ الكويتيُ يوسفُ القناعي:
خرجَ النَّاسُ يومَ عيدٍ وراحـوا *** رافلـينَ بزيـنةٍ وسـرورِو
أرى العيدَ في رضـا اللهِ عنِّي *** فهو عيدي وبهجتي وحبوري
فاللهمَّ بلغنا ذلكَ الموضعَ الطاهرَ ونحنُ نحمدُكَ على النِّعمةِ بتمامِ الصالحات. والحمد لله الذي هدانا لهذا بفضله وكرمه.
المصدر: موقع صيد الفوائد.
في حفظ الله ورعايته
تعليق