يـا بـني
متى أراك حافظاً للقرآن ؟
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ، والصلاة والسلام على من بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً .
ولدي الحبيب ! إذا كان لكل أمة تاريخ يحتفون به ، ومجد يحافظون عليه ، فإن لأمة الإسلام تاريخاً مجيداً ، ومجداً تليداً ، لا يرجع إلى تقادم الزمن ومرور الأيام ، ولكن إلى سمو الهدف وشرف الغاية ونبل المقصد.
قال تعالى: { الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [ابراهيم: 1].
فأي هدف أسمى من ذلك الهدف ؟ وأي غاية أشرف من إنقاذ البشرية وإخراجها من ظلمات الشرك والجهالة إلى نور التوحيد والعلم ؟
إن القرآن الكريم هو مصدر عزة هذه الأمة وقوتها ونهضتها ، فمتى هجرت الأمة هذا القرآن فأقامت حروفه ، وضيعت حدوده ، وتركت تحكيمه والتحاكم إليه والعمل به ، فإن الضعف مآلها والهزيمة نصيبها والدائرة عليها .
واجبك تجاه القرآن
وأنت يا بني .. أمل الأمة في عودة أمجادها من جديد .. أنت الفجر القادم بتباشير العزة وأزاهير النصر والتمكين ..
وإذا سألت من أين أبدأ ؟
أجبتك : ابدأ بالقرآن .. فالقرآن هو سفينة النجاة من كل فتنة ومخرج الأمان من كل محنة ، قال تعالى: { وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } [الشورى: 52]
فالواجب عليك يا ولدي أن تؤمن بهذا الكتاب إيماناً كاملاً لا شك فيه ، قال تعالى : { الم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 1-2]
وأن تتلوه حق تلاوته كما قال تعالى : { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ } [العنكبوت: 45]
وأن تحفظه في صدرك ولا تضيع شيئاً من أحكامه ، كما قال تعالى : { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [ص: 29]
وأن تأتمر بأوامره وتنتهي عن نواهيه كما قال تعالى : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [الحشر: 7]
وأن تعمل بمحكمه وتؤمن بمتشابهه كما قال تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } [آل عمران: 7]
احترام القرآن
ولدي الحبيب : أجمع المسلمون على وجوب احترام القرآن وتعظيمه وتنزيهه وصيانته قال النووي رحمه الله : " قال العلماء رحمهم الله : النصيحة لكتاب الله تعالى هي : الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله ، لا يشبهه شيء من كلام الخلق ، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين ، والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله والاعتناء بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم بمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ، ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته ".
آداب تلاوة القرآن
ولدي الحبيب : كلام الله ليس كغيره من الكلام ، ففضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وتعظيم القرآن من تعظيم منزله تعالى ، قال تعالى : { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء: 88]
ولذلك كان لتلاوة القرآن آداب ينبغي للقارئ التأدب بها ومن ذلك
1- أن يقصد بقراءته وجه الله تعالى ، وتعلم أحكام كتابه ، وتنفيذ أمر ربه بتلاوة القرآن الكريم .
2- أن يكون طاهراً متوضأً نظيف البدن والثياب ، لقوله تعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة: 77-79]
3- ويستحب التسوك قبل البدء في القراءة ، لأنه من تمام الطهارة والنظافة .
4- وينبغي أن يكون المكان الذي يقرأ فيه طاهراً نظيفاً ، فلا يقرأ في المزابل والحشوش ودورات المياه .
5- وينبغي أن يقرأ بتدبر وتفكر وخشوع وسكينة ووقار ، لقوله تعالى :
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد: 24]
ويتعوذ في بداية القراءة ، لقوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [النحل: 98]
7- ويحافظ على البسملة في بداية كل سورة ما عدا سورة التوبة .
8- ويحافظ على أحكام التلاوة أثناء قراءته مع تحسين صوته ، لقوله تعالى :
{ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } [المزمل: 4]
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « زينوا القرآن بأصواتكم ، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً ». رواه أبو داود وصححه الألباني.
9- أن يتجنب وضع المصحف على الأرض أو على رجليه من أسفل ، ويتجنب العبث بصفحاته دون حاجة .
10- أن يتجنب كل ما يذل بالخشوع أثناء التلاوة أو السماع كالضحك والتثاؤب والعبث بالثياب أو الأعضاء وفرقعة الأصابع والكلام دون حاجة .
11- أن يمسك من القراءة إذا عرض له ريح حتى يتكامل خروجها ، ثم يعود للقراءة وليتوضأ إذا أراد أن يمسك المصحف .
12- وإذا عرض له تثاؤب فليمسك من القراءة وليدفعه فإنه من الشيطان ، فإذا انقضى عاد إلى القراءة .
13- أن يمسك من القراءة إذا غلبه النعاس حتى لا تختلط عليه آيات القرآن ويفوت عليه التدبر الذي هو غاية القراءة .
14- أن يقرأ من المصحف ولو كان حافظاً لأن من قرأ من المصحف اجتمعت له عبادتان : عبادة التلاوة وعبادة النظر في كلام الله تعالى .
15- أن يعمل بكل ما يسمع من القرآن، فيأتمر بأوامره وينهتي عن نواهيه ويقف عند حدوده قال ابن عمر رضي الله عنهما : " لقد عشنا برهة من الدهر ، وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها ، وأوامرها وزواجرها ، وما ينبغي أن يقف عنده منها ، ولقد رأينا رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره وما زاجره ، وما ينبغي أن يقف عنده ، ينثره الدقل"- أي رديء التمر.
بمشيئة الله
تعليق