السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة : غرناطة الطنطاوي
جاء أحمد إلى والده فرحاً مسروراً بانتهاء الامتحانات، وطلب منه أن يذهب مع أسرته في رحلة طويلة إلى منطقة جميلة، فيها الأشجار الكثيفة وجداول الأنهار العذبة، كما وعده والده.
في الطريق أوصى أبو أحمد أحمد ألا يبتعد عنهم كثيراً، لأن أشجار هذه المنطقة كثيفة، وقد سمعنا عن أشخاص ضاعوا فيها، ولم يجدوا لهم أثراً.
غضب أحمد من كلام والده، وقال له:
- دائماً تعاملني يا أبي على أني صغير، لقد كبرت فلا حاجة لي لهذه النصائح.
ضحكت أم أحمد وقالت:
- أنت كبير يا صغيري.. ولكن الحرص واجب.. أتمنى ألا تقلقنا كما فعلت بنا في الرحلة السابقة.
ضرب أحمد بقبضته الصغيرة في الهواء تعبيراً عن غضبه، مما أثار ضحك أخته عليه.
فاشتد غضب أحمد وقرر في نفسه أن يثبت لأسرته أنه صار رجلاً.
وصلت العائلة إلى المنتزه ونصبوا الخيمة بمساعدة الجميع، ما عدا أحمد الذي جلس يفكر ويفكر فيما وراء هذه الأشجار الكثيفة.
أحب أحمد أن يستكشف هذه المناطق دون علم أهله.
فلما وجدهم قد دخلوا الخيمة كي يفرشوها، انسحب بهدوء وركض باتجاه الغابة، وكله أمل بمعرفة ما وراء الأشجار، فقد سمع من أصدقائه أن هناك كوخاً صغيراً فيه أقزام كما شاهدوه في أفلام الكارتون، ويلبس هؤلاء الأقزام الملابس الملونة الجميلة، وكل ما يستعملونه صغير جميل ملون.
غاص أحمد في الغابة وهو يبحث عن الأقزام دون جدوى، حتى تعب وعطش وجاع، ولا يحمل معه شيئاً من الطعام والشراب.
فقال لنفسه:
"لابد أن أجد كوخ الأقزام وأدخل إليهم، وأشرب عندهم وآكل، فأنا جائع جداً".
شارفت الشمس على المغيب، وبدأ الظلام يزحف على الغابة، وأحمد يدور ويدور دون فائدة.
أراد أحمد العودة إلى أهله، ولكنه لا يعرف طريق الرجوع، تلفت يمنة ويسرة فلم يجد أحداً.
شعر أحمد بالخوف الشديد، وتذكر تنبيه أهله له، وأن هناك أشخاص ضاعوا في هذه الغابة ولم يعودوا.
- جلس أحمد على صخرة كبيرة وقد أنهكه التعب والجوع والعطش، وأخذ يبكي بكاء مرّاً، وقد ندم على استخفافه بنصيحة أهله، ولكن الندم الآن لا يفيد.
وقف أحمد وأخذ يصيح بأعلى صوته، حتى يسمعه أهله أو أي شخص كان.
صاح أحمد وصاح حتى بحّ صوته واختفى.
أظلمت الغابة وأخذ أحمد يسمع أصواتاً بعيدة مخيفة، انكمش أحمد على نفسه من الخوف، وعاهد نفسه إن أنقذه الله تعالى أن يسمع كلام والديه طول العمر، وألا يخالفهما أبداً.
فجأة صحا أحمد فوجد نفسه بين والديه وإخوته، ودموع الفرح تملأ وجوههم، وأمه تمسح وجهه بمنديل مبلل معطر، وأخته تتحسس كفه الصغيرة، ووالده يحمد الله على رجوع ولده الغالي أحمد إليه.
نظر أحمد إلى أهله بفرح غامر، وقفز وهو يقول:
- سامحوني أرجوكم.. لن أترككم مرة أخرى يا أحبابي.. أنا جائع.. أنا عطشان.. أنا فرحان.. أنا خجلان من نفسي.. سامحوني أرجوكم
تعليق