الحـكمـة
جلسَ أحمدُ أمامً جدِّه يستمعُ إلى قصّةٍ من قَصَصِه الشّائقةِ المفيدةِ .كان جدُّه يحدِّثُه في هذه المرّةِ عن لقمانَ الحكيمِ، ويحكي له بعضَ أقوالِه وحِكَمِه . وهنا سأل أحمدُ جدَّه قائلاً :
- ما معنى الحكمةِ يا جدِّي؟ وكيفَ يكونُ الإنسانُ حكيماً ؟
راحَ الجدُّ يشرحُ لحفيدِه معنى الحكمةِ والحكيمِ قائلاً :
-الحكمةُ يا أحمدُ هيَ أن تضعَ الأمورَ في مواضعِها، أيْ أن تُحسِنَ التصرُّفَ بمنطقٍ وعقلٍ.. وفي الوقتِ المناسبِ..
قال أحمدُ :
- مثلُ ماذا يا جدِّي؟
قال الجدُّ :
- إذا تسرّعتَ في القولِ من غيرِ تفكيرٍ فهذا مخالفٌ للحكمةِ، وإذا لم تتصرّفْ بسرعةٍ في بعضِ المواقفِ فأنتَ غيرُ حكيمٍ، وإذا استخدمتَ الشدَّةَ حيثُ يجدي اللينُ أوِ العكسُ فأنتَ كذلكَ غيرُ حكيمٍ ، وإذا تدخَّلتَ فيما لا يعنيكَ فأنت بعيدٌ عنِ الحكمةِ، وكذا يا أحمدُ لو قطعتَ حديثَ اثنين يتكلّمان في أمرٍ مهمٍّ.. وهكذا يا بُنَيَّ فإنّ للحكمةِ وجوهاً لا تُحصى .. ولكنّ ضابطَها جميعاً - كما رأيتَ- وضعُ الأمورِ في مواضِعِها..
قالَ أحمدُ :
-فهمتُ يا جدِّي.. قرأتُ أنّ أحدَ العقلاءِ كانَ يتمنّى لو كانتْ له عُنُقٌ طويلةٌ كعُنُقِ الزَّرافةِ حتى يطولَ وقتُ خروجِ الكلمةِ من فمِه، ليكونَ قد فكَّرَ فيها جيِّداً قبلَ أن يقولَها.. هذه حكمةٌ يا جدِّي أليس كذلك؟
فرحَ الجدُّ بفهمِ حفيدِه وسرعةِ إدراكِه، وقالَ له:
-أحسنتَ يا أحمدُ.. هذا مثالٌ رائعٌ.. إنّ طولَ التفكيرِ في الكلمةِ قبلَ قولِها وجهٌ من وجوهِ الحِكمةِ..
قال أحمدُ :
-فهمتُ يا جدِّي..وسأحاولُ – إنْ شاء اللَّهُ تعالى – أن أطبِّقَ ذلكَ في جميعِ تصرُّفاتي..
وذاتَ يومٍ زارَ الجدَّ صديقٌ من أصدقائِه لأمرٍ مهمٍّ، وطلبَ الجدُّ إعدادَ مائدةٍ للضيفِ . دخلَ أحمدُ بالمائدةِ ، ووضعَها أمامَ الضيفِ، وفجأةً سقطتْ ذُبابةٌ في طبقِ الطعامِ،لم ينتبهْ إليها إلا أحمدُ؛ فقد كان الرجلان منهمكيْن في الحديثِ، ووجدَ أحمدُ الضيفَ يهُمُّ بالأكلِ من الطبقِ. أراد أحمدُ أن يتكلّمَ ويخبرَ جدَّه ، ولكن دار في رأسِه حديثُ الحكمةِ الذي طالما سمعَه من جدِّه: أمنَ الحكمةِ أن يقطعَ حديثِ اثنينِ يتكلّمان في أمرٍ مهمٍّ ؟ لا..لا.. ولكنّ الرجلَ سيأكلُ من طعامٍ ملوّثٍ، ومن الحكمةِ أن يخبرَ جدَّه بسرعةٍ ولو قطعَ عليه الحديثَ، هذا أهمُّ من الأوّلِ. أسرع أحمدُ يقولُ :
- جدّي .. جدّي..
نظر الجدُّ إلى حفيدِه نظرةً تُشعِرُ بعدمِ الرِّضى ، لأنه قطعَ حديثَه مع الضيفِ، ولكنَّ أحمدَ ، قال لجدِّه :
- يا جدي ... لا تغضبْ مني .. إذا استمعتَ إلى ما سأخبرُك به علمتَ أني تصرفتُ بالحكمةِ التي علمتَني إياها ..
ثم أخبر جدَّه بأمرِ الذبابةِ ، فضحك الجدُّ ، وحملَ الطبقَ فأبعدَه ، وقالَ لحفيدِه :
-أحسنتَ يا أحمدُ .. لقد طبَّقتَ وجهاً من وجوهِ الحكمةِ؛ إذ تصرَّفتَ في الوقتِ المناسبِ بما ينبغي. .باركَ اللهُ فيك يا بُنَيَّ .. أنا مطمئنٌ الآنَ أنك أصبحتَ تعرفُ معنى الحكمةِ وتطبقُها في حياتِك..
تعليق