وقف الشاب الطويل حسن سلامه أمام كسارة الحجارة في الجبل يديرها بكل قوة و عنفوان و ضع الحجارة الكبيرة في فم الكسارة من جهه لتنزل حصمة و ترابا ناعما من الجهة الأخرى، كان الهواء يثير الغبار الأبيض الناعم من الكسارة فيغطي وجهه و شعره و تبيض ملابسه و عندما انتهى حسن من تفتيت الحجارة التي أمامه في الكسارة نزل الى بطن الجبل فوضع الديناميت و مد خيط الفتيل مسافة عشرة امتار تقريبا ثم أشعل الفتيل و اختبأ فانطلقت الشرارة تحرق خيط الفتيل حتى وصلت الديناميت فإنفجر و بإنفجاره تكسرت الصخور القاسية من الجبل و بعد هدوء الانفجار عاد حسن ليلم الحجارة الكبيرة و يضعها في فم الكسارة من جديد و يطحنها رملا ناعما و حصمة جاهزه للبيع ليأتي عمال البناء بسيارات الشحن الكبيرة يحملون الرمل و الحصمة و يستعملونها في بناء البيوت و العمارات الضخمة في يافا و الرملة و اللد.
هكذا كان حسن رجلا قويا يكسر الصخور و يطحن الحجارة و يتعامل بالديناميت. كان يحب تراب و صخور بلاده و حجارة أرضه و كان ينظر الى جبل قوليه فيراه شامخا قويا ، و يتذكر طفولته فيه حين كان يلعب مع رفاقه في المغامرات المنتشره فيه ، و حين كان يرافقه ابن عمته (محمد ياسين ) ليتدرب على إستعمال البندقية و المسدس و إصابة الهدف.
إستيقظ حسن من نومه مذعورا و استيقظ جميع من في المنزل مذعورين لسماع اصوات إطلاق الرصاص في كل انحاء قرية (قوليه) و انطلق حسن الى بيت ابن عمته الشيخ محمد ياسين القريب يسأله ما الخبر....
- ما القصة ؟ ما الخبر ؟ لماذا يملأ الجنود الإنجليز الشوارع ؟ لماذا يطلقون الرصاص في كل إتجاه؟
- أنظر هناك: بيت خالتي البقرات إنهم يطلقون النار على البقرات الأربع في الساحه و انظر: ها هو ابن خالتي ينزف الدم من وجهه و يرتمي على الأرض يا الله....
و خالتي تركض تجاه ابنها فيرمونها بالرصاص . ما الذي يحدث؟
يسحب الشيخ محمد ياسين حسن سلامه الى الداخل و بعد هدوء حال يجيبه:
- يا حسين هؤلاء الإنجليز إحتلوا أرضنا. و هم يضايقون العرب في كل قراهم و جبالهم ووديانهم و امس اشبههوا ان احدا من شبان هذه القرية (قوليه) قد القى الحجارة على دورية من جنودهم و اليوم هم ينتقمون من اهل البلد بهذا الشكل العنيف
و لم يكد ينتهي محمد ياسين من كلامه الا و صوت المكبر يعلن حضور الحاكم العسكري الإنجليزي للقرية...
- إعلان هام ... على أصحاب البيوت التالية أسماؤهم مغادرة بيوتهم استعدادا لنسفها حالا..
و يقفز حسن سلامه من مقعده و كأن حية لذعته أو كأن كهرباء مسته ماذا ؟ ماذا؟ أحسن بيوت القرية تنسف؟ و أين يسكن أبناؤها ؟ أين ينامون؟ ملابسهم ، ماذا سيلبسون اذا حرقت؟الأسرة ؟ الأثاث؟ الطناجر؟الصحون؟ كل المنزل ينسف هكذا؟ و بسهوله؟ و فعلا يترك أصحاب البيوت الأربعة منازلهم و يقفون مع أهالي القرية كلها يراقبون عملية نسف بيوتهم
الحقد النقمة الثورة الأسى الثأر الف الف عاطفه تثور في نفس حسن و في نفس ابن عمتهمحمد ياسين فيقرران:
- لن نسكت سوف نجمع الرجال الذين نثق بهم و ندربهم هنا في جبل (قوليه) على إستعمال السلاح و إصابة الهدف و سنحارب الإنجليز و سنحارب أيضا اليهود الصهاينه الذين يحضرون لبلادنا كمهاجرين بينما يعطيهم الإنجليز وعودا بمساعدتهم في تكوين دولة لهم في أرضنا فلسطين و قرر حسن أن يخبر صديقه محمود درويش الذي يشتري منه الرمل فانتظر قدومه لتحميل الرمل المتفق عليه و أخبره عن إتفاقه هو و ابن عمته (محمد ياسين) و عن خطة التدرب على السلاح و اتفق معه على الإلتقاء في المغارة التي في بطن جبل (قوليه) صباح اليوم التالي...
ثم ذهب الى ابن خالته و حدثه بذلك و استعد للإلتقاء به في المكان نفسه.
و إنتظر قدوم صاحب السيارة الكبيرة من( العباسية) (زكي عبدالرحيم) ليخبره أيضا و هكذا جمع حسن سلامه و ابن عمته محمد ياسين الرجال الأقوياء الأوفياء من قريتهم (قوليه) و القرى المجاورة كالعباسية و المزيرعة و دير طريف و من المدن القريبة كالرملة و اللد و أخذوا يؤلفون الفرق لمقاومة الإنجليز.
و بعد مدة قال حسن لنفسه:
- اليوم أنزل متخفيا الى مستعمرات اليهود القريبة و أتجول في الشوارع أدرسها و أتعرف على طبيعتها و أتجول في تل أبيب أسمع الأخبار التي يرددها اليهود هناك,
و في المساء إلتقى مع أصحابه في المغارة و قال لهم:
- لقد سمعت اليوم أن قافلة من اليهود الصهاينة قد حضرت الى حيفا عن طريق البحر و ستتوجه الى (رأس العين) قرب القدس في قطارين كبيرين فماذا ترون؟
قال ابن عمته محمد ياسين:
- نعد أنفسنا للهجوم عليها طبعا..أنا أحضر الديناميت الذي لدي.. و أنت تحضر الديناميت الذي عندك يا حسن
قال محمود: و أنا أيضا إشتريت قبل مدة من أحد صيادي السمك كمية كبيرة من الديناميت كان يستعملها لصيد السمك و سأحضرها أيضا و سوف أحضر بعض السكر الذي أضفناه للديناميت زاد من قوة إنفجاره هكذا قال لي الصياد.
قال حسن: و أنا سأذهب في جولة على الشبان المتدربين أدعوهم للمشاركة في هذا الهجوم
- حسنا… تفقنا … الى اللقاء ....
انطلق الرجال لإحضار أسلحتهم التي كانوا يخبئونها في المغارات السرية في الجبال و انطلق حسن و ابن عمته و أحضرا ثلاثة جمال محملة بالديناميت و البارود و زرعوا سكة الحديد بالألغام ووقف الرجال كل في المكان الذي حدده له حسن سلامه و طوقوا المنطقة استعدادا للهجوم.
تحرك القطار من حيفا متجها الى رأس العين و ما أن وصل المنطقة حتى إنفجرت العربات الأمامية و انقلب القطار و بعد برهة أعطى حسن سلامة الإشارة للرجال فهجموا على القطار و انهالوا بالرصاص من كل جهة و سقط الأعداء الصهاينة قتلى و جرحى و استنجدوا باللاسلكي بأصحابهم الإنجليز فحضرت قوات ضخمة لمساعدتهم إلا أنهم وجدوا أن العرب قد إنسحبوا من أرض المعركة بكل خفة حسب تعليمات قائدهم و خبأكل مناضل سلاحه في مغارات سرية و عادوا إلى قراهم و أعمالهم و كأن أمرا لم يكن...
انتشر الإنجليز في اليوم التالي في القرى المجاورة كان هناك ثلاثة قتلى عرب استشهدوا في المعركة منهم ابن عمة حسن الشهيد محمد ياسين و بدأوا يسألون في قرية (قوليه) عن حسن و ذهبوا الى والده الشيخ:
- أين حسن ؟ اين إبنك حسن أيها الشيخ لقد كان يحاربنا أمس فأين إختفى؟
و لكن والد حسن لم يكن ليعرف أين حسن و حتى لو عرف فهل سيخبر الأعداء ؟ و أضاف الإنجليزي بغضب و عنف:
- كلكم هكذا ...كلكم تخفون الثوار و لا تعترفون بأماكنهم ... سنريكم العذاب !!
خذوا هذا الرجل و عذبوه و انسفوا بيته ! انسفوا بيته حالا!!
أما حسن فكان قد أصيب في أثناء المعركة برصاصة في رقبته فانسحب بهدوء و أشار الى زميله محمود درويش فعاونه في الوصول الى مغارة في الجبل مكث فيها الى اليوم التالي...
قال محمود: جرحك يا حسن بليغ .. و أخشى إن سكتنا عليه أن تزداد خطورته فما العمل؟
هل أحملك الى المستشفى في يافا؟
قال حسن: لا إن المستشفيات مراقبة و الإنجليز يبحثون عن المناضلين فيها. و لكنني أعرف مناضلين لهم بيارة في يافا خذني إليهم و هناك نستدعي الطبيب.
حمل محمود زميله حسن على الفرس و اتجه به الى يافا ليلا و هناك و في بيت أحد الزملاء ،حضر الطبيبان زهدي الدجاني و حمدي التاجي الفاروقي للإطمئنان على صحته: و أخرجا الرصاصه من رقبته و أعطياه العلاج المناسب.
كان هذان الطبيبان يخدمان المناضلين الثوار بكل إخلاص و تضحية و كم كانا يتعرضان للمشاكل و الصعوبات من الإنجليز و لكنهما كانا يبذلان أعظم الجهود لإنقاذ الجرحى من المناضلين.
مضت ثلاث سنين من عام 1936 الى 1939 و حسن و رفاقه يحاربون الإنجليز و اليهود بشتى الطرق و الحيل متخذين أسلوبا خاصا بهم و هو إضرب بسرعة و بشده ثم إنسحب بسرعة و بخفة من أرض المعركة و انتشر اسم حسن سلامه في كل مكان...
قال الجندي الإنجليزي لرفيقه:
- متى سنقضي على حسن سلامه ؟ إنه رأس البلاء ...الاف الجنود الإنجليز بكل اسلحتهم و عتادهم و هو يقاومهم و ينزل بهم الخسائر الجسيمة .
قال رفيقه :
- أتدري؟ لقد تقابل مع قائد منطقة القدس (عبد القادر الحسيني) و هذا يعني مزيدا من المشاكل لنا و لكنني علمت أن الحكومة قد عينت العشرات من رجال المخابراتفي القرى العربية، و رصدت المكافآت المالية الضخمة مقابل القبض عليه حباأو ميتا .
كان حسن قد ألف من رفاقه جماعات و فصائل، كل مجموعة يرأسها أحد المناضلين.
و كل فصيل أو فرقه أطلق عليها إسما. فهذا فيصل خالد بن الوليد و ذاك فيصل عمرو بن العاص و ذاك فيصل الأقصى و فصيل الوحدة العربية و فصيل القيادة ...الخ..و كان يجتمع مع رؤساء الفصائل يخطط لعمليات الهجوم على مستعمرات اليهود و على الجنود الإنجليز و على قطارات السكك الحديدية و أسلاك الهاتف ...الخ.و يقوم كل فصيل بالمهمة المطلوبه منه ثم يكتب الشيخ حسن سلامه تقريرا عن الأعمال التي قامت بها الفصائل و يرسله الى القيادة في سوريا من (ديوان الثورة العربية الكبرى) في فلسطين بتوقيع (خادم دينه ووطنه).
جاء عام 1939 و بدأت الحرب العالمية الثانية و اشتركت إنكلترا في الحرب ضد الألمان و بدأت جيوشها تحارب في أوروبا و في كثير من الأماكن في العالم فكيف تستطيع مواصلة التصدي لهؤلاء العرب و هم يحاربونها ليل نهار ؟
لقد لجأت للحيلة فطلبت من ملوك الدول العربية و رؤسائها الضغط على الثوار الفلسطينيين لوقف المعارك ضدها.
و هي تعدهم بكل صدق و إخلاص أن تنظر في مطالبهم و تحلها حلا عادلا بعد الحرب العظمى)...!
تنجح هذه المكيده و تتوقف جميع العمليات العسكرية في فلسطين ضد الإنجليز لأن الملوك و الرؤساء العرب تأملوا أن تقوم بريطانيا حسب الوعد بوقف هجرة اليهود و يفكر الشيخ حسن سلامه في نفسه و يقول:
- أنا متأكد من نية بريطانيا غير حسنه، و لكننا سوف نتقيد بالأوامر السياسية فعسى أن تنفعنا سننتظر نهاية الحرب و يدنا على زناد البنادق و ستكون فرصة لي للزواج.
و يحدث حسن زميله عبدالقادر الحسيني بنيته في الزواج فيشجعه هذا و يتزوج امرأة فاضلة هي السيدة مريم الخواجة و تنجب له ابنته الأولى (جهاد) ثم ابنه (علي) في عام 1941 و اخيرا ابنته (نضال) و يبدأ الأب يفكر من الآن كيف سيكون إبنه علي قائدا من بعده مدافعا عن أرضه..
هل سكت الإنجليز عن ملاحقة حسن سلامه بعد توقف المعارك؟...لا ... فالغدر في طبعهم لذلك ترك حسن و رفاقه أرضهم الغالية، و سافروا سرا الى العراق و تدرب حسن سلامه و عبدالقادر الحسيني في الكلية الحربية في بغداد ثم سافرا الى ألمانيا.مانيا. حيث تدربا في كلية عسكرية هناك على إستعمال أحدث الأسلحة ، و صنع القنابل و تعلم حسن الهبوط بالمظلات (الباراشوت).
يقابل حسن زميله (ذو لكفل عبداللطيف) في ساحة ح ايث لكلتدربا في كلية عسكرية هناك على إستعمال أحدث الأسلحة ، و صنع القنابل و تعلم حسن الهبوط بالمظلات (الباراشوت).ية العسكرية يقول له:
- يجب أن نعود الآن الى فلسطين بعد أن أتقنا فنون الحرب.
و يجيب (ذو الكفل عبداللطيف):-
يقابل وكيف نحسن زميله (ذو لكفل عبداللطيف) في ساحة الكلية العسكرية يقول له:
عود و بريطانيا تحاصر و تراقب حدود فلسطين جوها و بحرها؟ يقول حسن- يجب أن نعود الآن الى فلسطين بعد أن أتقنا فنون الحرب.:
- لقد فط- لقد فكرت بالأمر يا صدج- لقد فكرت بالأمر يا
و صديجيب (ذو الكفل عبداللطيف):
يقي و لذلك و جدت أن الدخول - وكيف نعود و بريطانيا تحاصر و تراقب حدود فلسطين جوها و بحرها؟ يقول حسن:
لفلسطين سيكون عن طريق الجو.
- و كيف والإنجليز يراقبون الجو و الطائرات المعادية.راقبون الجو و الطي- لقد فكرت بالأمر يا صدقي و لذلك و جدت أن الدخول لفلسطين سيكون عن طريق الجو.ائرات المعادية؟
- ستدخلها بطائرة أميريكية!
- كيف ؟ ومن أين؟
- لقد إتفقت معأحد الميكانيكيين ليساعدنا في تصليح طائرة حربية أميريكية سقطت هنا و قد هيأناها للطيران و..
- و لكن أين المطار الذي سيستقبلنا في فلسطين؟
- لا لن ننزل في مطار ... سننزل من الجو نستعمل الباراشوت و نهبط في أرضنا كم أنا مشتاق إليها؟ يركب حسن سلامه (أبو علي) الطائرة وكذلك زميله ذو الكفل عبداللطيف و إثنان من الألمان و الميكانيكي و يغادرون المطار ليلا في ضوء القمر و يتجهون الى فلسطين و كل واحد يضع يده على قلبه و في الطريق و فوق سماء تركيا تقريبا صاح الطيار ...
- خلل فني طاريء أصاب الطائرة لن نستطيع مواصلة الطيران..
و يتقدم منه حسن منفعلا :
- و لكننا نريد الوصول الى فلسطين فكيف ذلك؟
- ليس بإستطاعتنا ذلك...فلا يمكننا مواصلة التقدم و إلا سقطنا في البحر و أكلتنا الأسماك هناك.
- و ما العمل اذن؟
- نعود الى المطار الذي أقلعنا منه...
و عادوا الى المطار و ابتدأت عملية تصليح الطائرة و حسن سلامه على أعصابه ، و بعد حوالي عشرة أيام قال الميكانيكي:
- إنتهينا من تصليح الطائرة...
- إذن نطير الآن...قالها حسن بلهفه.
- بل ننتظر عشرين يوما على الأقل ننتظر ليلة يكون فيها القمر بدرا لنستطيع النزول بالمظلات و انتظر حسن و رفاقه شهرا آخرا و ركبوا الطائرة و اتجهوا الى فلسطين..
قال قائد الطائرة :
- كل شيء تمام يا سيد أبو علي سنصل فلسطين بعد دقائق و قال أبو علي:
- و الخرائط هل معك الخريطة التي ستحدد فيها نقطة الإنزال؟
- نعم إنها هنا إستعدوا ستنزلون بعد قليل.
جهز حسن مظلته و تأكد من مظلة زميله ذو الكفل عبد اللطيف ثم مظلة السلاح و جهاز اللاسلكي بالإضافة لبعض الأكياس من الذهب الذي أحضروه للصرف على الثورة و الثوار و شراء المزيد من الأسلحة لهم و رفع حسن يده أهبة الإستعداد لزملائه الميكانيكي و رفيقه الألماني و قفز عند إعطائه الإشارة...
هوب..هوب..قفز حسن و من ورائه قفز الجميع و انفتحت المظلات لتنزل في منطقة كلها أشجار و بساتين..
قال حسن و هو يهبط:
- هذه ليست المنطقة التي رسمناها في الخرائط لنزولنا إنها منطقة شجرية و نحن خططنا للنزول في منطقة صحراوية بعيدة عن أعين الأعداء لا بد أن قائد الطائرة قد أخطأ المكان.
و هذا ما حصل بالفعل نزلوا في منطقة قرب مدينة أريحا تنتشر فيها البيارات و البساتين و علقت مظلة الأسلحة في الأشجار فلم يستطع حسن العثور عليها و يعد دقائق التقى بزميله الميكانيكي فقال له:
- أين ذو الكفل عبد اللطيف أين باقي الركاب؟
- لا أكاد أرى أحدا لقد فتشت المنطقة فلم أعثر على غيرك يجب أن نختبأ و إلا تعرضنا للخطر إذا علمت بريطانيا بدخولنا فلسطين.
و فعلا أحست بريطانيا بوجود شيء غريب في البلاد فلقد إكتشفت بعض معاونيها (المخابرات) فلاحا يبيع للصائغ قطعة ذهب ألمانية فاستدرجه حتى علم مصدرها و كمية الذهب التي لديه ثم قبض عليه و كذلك شاهدت دورية إنجليزية مظلة على قمة شجرة و بعض الإسلحة مبعثرة! فجن جنونها و انطلق الجندي يبلغ القيادة و يقول بإنفعال
- سيدي لا بد أن أحدا قد دخل البلاد من الخارج..
- و من تظن؟
- لا أدري بالضبط و لا بد أن نعرف ذلك.
- إذن جهزوا الدوريات و انطلقوا في منطقة أريحا كلها و فتشوا كل بيت وبيارة و إعتقلوا كل مشتبه به لنعرف الحقيقة. و في قرية تدعى (مخماس) بين القدس و رام الله إستطاعت قوات بريطانيا العثور على (ذو الكفل عبداللطيف) و قد كسرت ساقه نتيجة سقوطه على الأرض من المظلة.
كما و ألقوا القبض على قائد الطائرة و مساعده و بدأت عمليات التعذيب ليعترفوا عن رفاقهم فأما ذو الكفل عبد اللطيف فقد فقد النطق نتيجة التعذيب و لم يبلغ عن زميله و أما مساعد الطيار و رفيقه فقد إعترفا باسم حسن سلامه و الميكانيكي و سلما نفسيهما أسيري حرب.
ظل حسن سلامه يسير في الجبال مع رفيقه الميكانيكي يختبيء نهارا و يسير ليلا الى أن وصل قرية (العباسية) حيث أصحابه القدامى و نزل في بيت صديقه الحاج محمود درويش الذي أخفى سر وجوده عن الجميع لأن قوى الإنجليز كانت تحضر كل مدة لتفتيش بيوت القرى المجاورة.
قال الحاج محمود للشيخ حسن:
- لقد إزداد إنتقام الإنجليز منا و إزدادت حملات التفتيش تعسفا و إنتقاما من الأهالي و أنا أخاف أن يكشف أمرك، و لذلك أرى أن تسافر للشمال الى حيفا عند جماعة القسامين.
إستأجر الحاج محمود سيارة سائقها رجل شجاع لا يهاب الإنجليز و أحضر زوجته معه حتى يبعد الشبهات عن الركاب و لبس حسن سلامه عباءة صوف طويلة و حطة و عقال على أنه (درزي) و قالوا للسائق إنهم سيعطونه مبلغا كبيرا من المال إذا إستطاع الوصول بسلام الى حيفا..
ثم إنهم إختاروا يوما ماطرا مطرا غزيرا للخروج من العباسية الى حيفا و إستطاعوا المرور بسلام من ثلاثة مراكز للتفتيش ووصلوا الى حيفا حيث أودع الإثنان حسن سلامه و زميله الميكانيكي عند عائلة عربية لها بيارات كبيرة قرب حيفا . و بعد مدة سافر حسن سلامه الى بيروت و التقى زميله عبدالقادر الحسيني و تحدثا:
- يا حسن ، لقد إنتصر الإنجليز كما ترى في الحرب العظمى ضد الألمان و كنا ننتظر بعد انتصارهم أن يرحلوا عن فلسطين و أن يفوا بوعودهم بإيقاف هجرة اليهود الصهاينه الى فلسطين و لكن الأمر مختلف تماما إنهم يساعدون اليهود الصهاينة في انشاء المزيد من المستعمرات و يساعدونهم في إحضار أحدث أنواع الأسلحة و تخزينها في مستعمراتهم و أنا أرى أن علينا الدفاع بشرف عن أرضنا فلا وعود إنجلترا و لا وعود فرنسا و لا أميركا و لا حتى العالم كله ستنفعنا إن لم ندافع و نحارب نحن عن وطننا.
قال حسن:
- هذا فعلا ما أراه المهم توفر السلاح.
و يجيب عبد القادر الحسيني:
- لقد إتفق المفتي (الحاج أمين الحسيني) و جامعة الدول العربية على تزويدنا بالسلاح من القاهرة و لينان و سوريا و لقد تم تعييني قائدا لمنطقة القدس و رام الله و أريحا و الخليلو أما أنت يا حسن فقد تم تعينيك قائدا في المنطقة الوسطى لفلسطين: مدن اللد و الرمله و يافا و قرى سلمة و العباسة و قوليه..
و أما منطقة حيفل فلقد سلمت قيادتها للملازم (محمد حمد الحنيطي) و أما اللواء الشمالي من فلسطين فقد سلمت قيادته للقائد فوزي القاوقجي.
ثم سلمت قيادة اللواء الجنوبي من فلسطين و غزه للقائد طارق الإفريقي.
و أجاب حسن بكل حماسه :
- هذا هو اليوم الذي أتمناه إما النصر و إما الشهاده و ستكون منطقتي الجحيم بعينه لهؤلاء المستعمرين و المحتلين و سيكون لقائي بك بإذن الله في فلسطين الحره الكريمة أو في الجنه مع الشهداء و الأبرار.
انطلق حسن الى فلسطين و انطلق كل الثوار الى مواقعهم و أعاد حسن الإتصال بالفصائل و المعاونين في القرلى و المدن و أعاد توزيع المهمات و الأسلحه لهؤلاء المناضلين..
و توفر السلاح و أقسم الجميع على الجهاد المقدس ضد الأعداء و بدأ العمل على الجاد: (يا فصيل خالد بن الوليد و يا فصيل عمرو بن العاص أيها القادة جميعا يا ثوار سلمة و يا مناضليها الأشاوس سنبدأ جهادنا المقدس و سيكون أسلوبنا هو (إضرب و أهرب) ... الضرب بسرعة و العودة الى قواعدنا بسرعة اقضاض مفاجىء و ضرب قوي و سريع و لن نرحم الأعداء ساعة مننهار أو ليل.
و تأتي إشارة طلب النجده للقائد حسن سلامه (أبو علي) من قرية سلمه المجاورة.
ففي صباح 8/12/1947 قال أحد الرجال للقائد:
- أن اليهود من المستعمرة القريبة (هاتكفا) يهاجموننا بإستمرار و نحن نريد الهجوم عليهم بدل الوقوف موقف الدفاع.
قال حسن: نعم الرأي إجمع مجاهديك الآن و تعالوا أطلعكم على المواقع اليهودية المحصنه في المستعمرة و طرق الوصول اليها فلقد زرت المستعمرة متخفيا غير مرة استعدادا لذلك و سيكون هجومنا باليل حتى تفاجىء عصابات الأرغون و الهاجناه الصهيونية في الظلام.
قال أحد المناضلين: أيها القائد ، إن مستعمرة (هاتكفا) من أقوى و أحصن المستعمرات إنها خط الدفاع عن مدينة تل أبيب.
قال حسن: هذا صحيح و لكننا سنقوم بهجوم مفاجىء و سريع لا يتوقعونه.
دخل القائد و الجنود المستعمره مساء ، ودكوا و ضربوا الإستحكامات العسكرية الصهيونية و نسفوا مخازن الإسلحة و هرب رجال الهاجناه المسلحون.
- إنظروا إنهم يهربون الى تل أبيب لقد نجحت الخطة...
قال حسن: سنرفع العلم الفلسطيني على أعلى عمارة، و سننسحب بسرعة و خفة كما دخلنا قبل أن يطلع الصباح ، و قبل أن يصل إليهم أصدقاؤهم الجنود الإنجليز لقد قمنا بعمل رائع هذه الليلة دمرنا فيه معظم أسلحة العدو..
و عندما عاد الشيخ القائد وجد أحد معاونيه يركض تجاهه و يقول:
- أيها القائد لقد نسفوا مركز قيادتك في عمارة ملجأ الرجاء.
قال حسن: كيف ؟ من نسفه ؟ و الحراس هل إستشهد أحد منهم؟
قال الرجل: لقد تسلل في الليل شخصان على الغالب ووضعا المتفجرات في أساسات العمارة و انسحبا و بعد برهه دوى الإنفجار القوي... و إنهار البناء و لقد استشهد ستة أشخاص كانوا في المركز و جرح آخرون..
قال حسن بحزن: رحمهم الله ... يجب أن نعرف الجاني و ننتقم لأرواح شهدائنا.
و بعد فترة قبض على إثنين من الإنجليز و أحضر للقائد حسن: لقد إعترف هذان الشخصان بأنهما اللذان وضعا المتفجرات في مركز القيادة لقد أغراهما اليهود بميلغ كبير من المال إذا قضيا على حسن سلامه...فما الرأي الآن؟
قال حسن: يعدمان بالرصاص جزاء عملهما.
وقف أبو علي مع زوجته أم علي يتحدثان و حمل الأب إبنه الصغير عليا..كان عمره لا يتجاوز السنوات السبع... قال علي
- أعطني هذا ياأبي...
- هذا مسدس ماذا تريد أن تفعل به.
- أريد أن أضرب به الأعداء مثلك ياأبي...
تأثر حسن كثيرا و قال لأم علي:
- أوصيك يا أم علي بإبننا هذا إذا مت في سبيل وطني فسيحمل الراية من بعدي و سيدافع عن أرضه و أرض آبائة لقد إستشهد زميلي (عبدالقادر الحسيني) و أرى أن المعرك تزداد قسوة و شدة يوما بعد يوم و سلاحنا يتناقص و الإنجليز يخدعوننا و يسلحون اليهود...
و بينما كان حسن يتحدث جاء الخبر أن (راس العين) في خطر لقد إستولى عليها الصهاينة.
إنطلق حسن يركب سيارته الزرقاء و يتجه الى (راس العين) و يخاطب نفسه:
- كيف يستولي عليها الصهاينة ؟ أين جنودنا الذين يدافعون عنها لقد وضعت خيرة الجنود للمحافظة على (راس العين) وها قد مضى شهران و هي تحت سلطتنا إنها مصدر الماء الوحيد الذي يزود بيوت اليهود في مدينة القدس و يجب المحافظة عليها لمنع الماء عن الصهاينة...
و يقطع عليه معاونه الصمت قائلا:
- لا تخشى شيئا أيها القائد...لقد طلبنا النجدات (و الفزعات) من شباب المدن و القرى المجاورة استعدادا للهجوم و سندافع عن رأس العين و سنعيدها بإذن الله.
و ما إن وصل القائد اللى المنطقة حتى أعاد تنظيم قواته ووصلت النجدات و عين لكل محارب مكانه استعداد لبدء الهجوم و أطلق القائد الإشارة و إبتدأ الهجوم...الله أكبر الله أكبر..و تدافع الشباب..
كان حسن أول المهاجمين و ما أن وقف قرب سيارته يراقب تقدم المناضلين و تقهقر القوات الصهيونية حتى صاح معاونه...
- سيدي إنتيه .. إنتبه..
كانت قذيفة مدفع تقع في تلك اللحظة بالقرب من القائد و تصيبه بشظية في صدره و تدفق الدم غزيرا...
فدفعه معاونه الى داخل السيارة و اتجه به الى مدينة اللد، الى المستشفى هناك...
رأى المناضلون ما حل بقائدهم فازداد حماسهم و إزدادت ضرباتهم ضد قوات أعدائهم ووصلت سرية عراقية الى منطقة راس العين لنجدة المحاربين فما أن رآها الصهاينة حتى إنسحبوا تاركين منطقة رأس العين و مياهها الوفيرة و عادت رأس العين لأصحابها العرب. و بقي الرجال المحاربون لحمايتها لحمايتها. و لكن اليهود لم يغفروا لحسن سلامه إنتصاره عليهم و إستعادة منابع (رأس العين) منهم. فلما علموا أنه في المستشفى أرسلوا طائرة حربية تدك المستشفى و تضربه بالقنابل فلم يستطع الأطباء إجراء عملية اللازمة لحسن فزادت حالته سوءا و جراحه خطورة و سأل عن (رأس العين) فأخبروه الشباب المناضلين قد إستعادوها، عندها قال...
الحمدلله الحمدلله الآن اطمئن و أموت مرتاح البال لقد وعدت عبدالقادر الحسيني أن أقابله في الجنة و أنا ذاهب للقائه...
هكذا كان حسن رجلا قويا يكسر الصخور و يطحن الحجارة و يتعامل بالديناميت. كان يحب تراب و صخور بلاده و حجارة أرضه و كان ينظر الى جبل قوليه فيراه شامخا قويا ، و يتذكر طفولته فيه حين كان يلعب مع رفاقه في المغامرات المنتشره فيه ، و حين كان يرافقه ابن عمته (محمد ياسين ) ليتدرب على إستعمال البندقية و المسدس و إصابة الهدف.
إستيقظ حسن من نومه مذعورا و استيقظ جميع من في المنزل مذعورين لسماع اصوات إطلاق الرصاص في كل انحاء قرية (قوليه) و انطلق حسن الى بيت ابن عمته الشيخ محمد ياسين القريب يسأله ما الخبر....
- ما القصة ؟ ما الخبر ؟ لماذا يملأ الجنود الإنجليز الشوارع ؟ لماذا يطلقون الرصاص في كل إتجاه؟
- أنظر هناك: بيت خالتي البقرات إنهم يطلقون النار على البقرات الأربع في الساحه و انظر: ها هو ابن خالتي ينزف الدم من وجهه و يرتمي على الأرض يا الله....
و خالتي تركض تجاه ابنها فيرمونها بالرصاص . ما الذي يحدث؟
يسحب الشيخ محمد ياسين حسن سلامه الى الداخل و بعد هدوء حال يجيبه:
- يا حسين هؤلاء الإنجليز إحتلوا أرضنا. و هم يضايقون العرب في كل قراهم و جبالهم ووديانهم و امس اشبههوا ان احدا من شبان هذه القرية (قوليه) قد القى الحجارة على دورية من جنودهم و اليوم هم ينتقمون من اهل البلد بهذا الشكل العنيف
و لم يكد ينتهي محمد ياسين من كلامه الا و صوت المكبر يعلن حضور الحاكم العسكري الإنجليزي للقرية...
- إعلان هام ... على أصحاب البيوت التالية أسماؤهم مغادرة بيوتهم استعدادا لنسفها حالا..
و يقفز حسن سلامه من مقعده و كأن حية لذعته أو كأن كهرباء مسته ماذا ؟ ماذا؟ أحسن بيوت القرية تنسف؟ و أين يسكن أبناؤها ؟ أين ينامون؟ ملابسهم ، ماذا سيلبسون اذا حرقت؟الأسرة ؟ الأثاث؟ الطناجر؟الصحون؟ كل المنزل ينسف هكذا؟ و بسهوله؟ و فعلا يترك أصحاب البيوت الأربعة منازلهم و يقفون مع أهالي القرية كلها يراقبون عملية نسف بيوتهم
الحقد النقمة الثورة الأسى الثأر الف الف عاطفه تثور في نفس حسن و في نفس ابن عمتهمحمد ياسين فيقرران:
- لن نسكت سوف نجمع الرجال الذين نثق بهم و ندربهم هنا في جبل (قوليه) على إستعمال السلاح و إصابة الهدف و سنحارب الإنجليز و سنحارب أيضا اليهود الصهاينه الذين يحضرون لبلادنا كمهاجرين بينما يعطيهم الإنجليز وعودا بمساعدتهم في تكوين دولة لهم في أرضنا فلسطين و قرر حسن أن يخبر صديقه محمود درويش الذي يشتري منه الرمل فانتظر قدومه لتحميل الرمل المتفق عليه و أخبره عن إتفاقه هو و ابن عمته (محمد ياسين) و عن خطة التدرب على السلاح و اتفق معه على الإلتقاء في المغارة التي في بطن جبل (قوليه) صباح اليوم التالي...
ثم ذهب الى ابن خالته و حدثه بذلك و استعد للإلتقاء به في المكان نفسه.
و إنتظر قدوم صاحب السيارة الكبيرة من( العباسية) (زكي عبدالرحيم) ليخبره أيضا و هكذا جمع حسن سلامه و ابن عمته محمد ياسين الرجال الأقوياء الأوفياء من قريتهم (قوليه) و القرى المجاورة كالعباسية و المزيرعة و دير طريف و من المدن القريبة كالرملة و اللد و أخذوا يؤلفون الفرق لمقاومة الإنجليز.
و بعد مدة قال حسن لنفسه:
- اليوم أنزل متخفيا الى مستعمرات اليهود القريبة و أتجول في الشوارع أدرسها و أتعرف على طبيعتها و أتجول في تل أبيب أسمع الأخبار التي يرددها اليهود هناك,
و في المساء إلتقى مع أصحابه في المغارة و قال لهم:
- لقد سمعت اليوم أن قافلة من اليهود الصهاينة قد حضرت الى حيفا عن طريق البحر و ستتوجه الى (رأس العين) قرب القدس في قطارين كبيرين فماذا ترون؟
قال ابن عمته محمد ياسين:
- نعد أنفسنا للهجوم عليها طبعا..أنا أحضر الديناميت الذي لدي.. و أنت تحضر الديناميت الذي عندك يا حسن
قال محمود: و أنا أيضا إشتريت قبل مدة من أحد صيادي السمك كمية كبيرة من الديناميت كان يستعملها لصيد السمك و سأحضرها أيضا و سوف أحضر بعض السكر الذي أضفناه للديناميت زاد من قوة إنفجاره هكذا قال لي الصياد.
قال حسن: و أنا سأذهب في جولة على الشبان المتدربين أدعوهم للمشاركة في هذا الهجوم
- حسنا… تفقنا … الى اللقاء ....
انطلق الرجال لإحضار أسلحتهم التي كانوا يخبئونها في المغارات السرية في الجبال و انطلق حسن و ابن عمته و أحضرا ثلاثة جمال محملة بالديناميت و البارود و زرعوا سكة الحديد بالألغام ووقف الرجال كل في المكان الذي حدده له حسن سلامه و طوقوا المنطقة استعدادا للهجوم.
تحرك القطار من حيفا متجها الى رأس العين و ما أن وصل المنطقة حتى إنفجرت العربات الأمامية و انقلب القطار و بعد برهة أعطى حسن سلامة الإشارة للرجال فهجموا على القطار و انهالوا بالرصاص من كل جهة و سقط الأعداء الصهاينة قتلى و جرحى و استنجدوا باللاسلكي بأصحابهم الإنجليز فحضرت قوات ضخمة لمساعدتهم إلا أنهم وجدوا أن العرب قد إنسحبوا من أرض المعركة بكل خفة حسب تعليمات قائدهم و خبأكل مناضل سلاحه في مغارات سرية و عادوا إلى قراهم و أعمالهم و كأن أمرا لم يكن...
انتشر الإنجليز في اليوم التالي في القرى المجاورة كان هناك ثلاثة قتلى عرب استشهدوا في المعركة منهم ابن عمة حسن الشهيد محمد ياسين و بدأوا يسألون في قرية (قوليه) عن حسن و ذهبوا الى والده الشيخ:
- أين حسن ؟ اين إبنك حسن أيها الشيخ لقد كان يحاربنا أمس فأين إختفى؟
و لكن والد حسن لم يكن ليعرف أين حسن و حتى لو عرف فهل سيخبر الأعداء ؟ و أضاف الإنجليزي بغضب و عنف:
- كلكم هكذا ...كلكم تخفون الثوار و لا تعترفون بأماكنهم ... سنريكم العذاب !!
خذوا هذا الرجل و عذبوه و انسفوا بيته ! انسفوا بيته حالا!!
أما حسن فكان قد أصيب في أثناء المعركة برصاصة في رقبته فانسحب بهدوء و أشار الى زميله محمود درويش فعاونه في الوصول الى مغارة في الجبل مكث فيها الى اليوم التالي...
قال محمود: جرحك يا حسن بليغ .. و أخشى إن سكتنا عليه أن تزداد خطورته فما العمل؟
هل أحملك الى المستشفى في يافا؟
قال حسن: لا إن المستشفيات مراقبة و الإنجليز يبحثون عن المناضلين فيها. و لكنني أعرف مناضلين لهم بيارة في يافا خذني إليهم و هناك نستدعي الطبيب.
حمل محمود زميله حسن على الفرس و اتجه به الى يافا ليلا و هناك و في بيت أحد الزملاء ،حضر الطبيبان زهدي الدجاني و حمدي التاجي الفاروقي للإطمئنان على صحته: و أخرجا الرصاصه من رقبته و أعطياه العلاج المناسب.
كان هذان الطبيبان يخدمان المناضلين الثوار بكل إخلاص و تضحية و كم كانا يتعرضان للمشاكل و الصعوبات من الإنجليز و لكنهما كانا يبذلان أعظم الجهود لإنقاذ الجرحى من المناضلين.
مضت ثلاث سنين من عام 1936 الى 1939 و حسن و رفاقه يحاربون الإنجليز و اليهود بشتى الطرق و الحيل متخذين أسلوبا خاصا بهم و هو إضرب بسرعة و بشده ثم إنسحب بسرعة و بخفة من أرض المعركة و انتشر اسم حسن سلامه في كل مكان...
قال الجندي الإنجليزي لرفيقه:
- متى سنقضي على حسن سلامه ؟ إنه رأس البلاء ...الاف الجنود الإنجليز بكل اسلحتهم و عتادهم و هو يقاومهم و ينزل بهم الخسائر الجسيمة .
قال رفيقه :
- أتدري؟ لقد تقابل مع قائد منطقة القدس (عبد القادر الحسيني) و هذا يعني مزيدا من المشاكل لنا و لكنني علمت أن الحكومة قد عينت العشرات من رجال المخابراتفي القرى العربية، و رصدت المكافآت المالية الضخمة مقابل القبض عليه حباأو ميتا .
كان حسن قد ألف من رفاقه جماعات و فصائل، كل مجموعة يرأسها أحد المناضلين.
و كل فصيل أو فرقه أطلق عليها إسما. فهذا فيصل خالد بن الوليد و ذاك فيصل عمرو بن العاص و ذاك فيصل الأقصى و فصيل الوحدة العربية و فصيل القيادة ...الخ..و كان يجتمع مع رؤساء الفصائل يخطط لعمليات الهجوم على مستعمرات اليهود و على الجنود الإنجليز و على قطارات السكك الحديدية و أسلاك الهاتف ...الخ.و يقوم كل فصيل بالمهمة المطلوبه منه ثم يكتب الشيخ حسن سلامه تقريرا عن الأعمال التي قامت بها الفصائل و يرسله الى القيادة في سوريا من (ديوان الثورة العربية الكبرى) في فلسطين بتوقيع (خادم دينه ووطنه).
جاء عام 1939 و بدأت الحرب العالمية الثانية و اشتركت إنكلترا في الحرب ضد الألمان و بدأت جيوشها تحارب في أوروبا و في كثير من الأماكن في العالم فكيف تستطيع مواصلة التصدي لهؤلاء العرب و هم يحاربونها ليل نهار ؟
لقد لجأت للحيلة فطلبت من ملوك الدول العربية و رؤسائها الضغط على الثوار الفلسطينيين لوقف المعارك ضدها.
و هي تعدهم بكل صدق و إخلاص أن تنظر في مطالبهم و تحلها حلا عادلا بعد الحرب العظمى)...!
تنجح هذه المكيده و تتوقف جميع العمليات العسكرية في فلسطين ضد الإنجليز لأن الملوك و الرؤساء العرب تأملوا أن تقوم بريطانيا حسب الوعد بوقف هجرة اليهود و يفكر الشيخ حسن سلامه في نفسه و يقول:
- أنا متأكد من نية بريطانيا غير حسنه، و لكننا سوف نتقيد بالأوامر السياسية فعسى أن تنفعنا سننتظر نهاية الحرب و يدنا على زناد البنادق و ستكون فرصة لي للزواج.
و يحدث حسن زميله عبدالقادر الحسيني بنيته في الزواج فيشجعه هذا و يتزوج امرأة فاضلة هي السيدة مريم الخواجة و تنجب له ابنته الأولى (جهاد) ثم ابنه (علي) في عام 1941 و اخيرا ابنته (نضال) و يبدأ الأب يفكر من الآن كيف سيكون إبنه علي قائدا من بعده مدافعا عن أرضه..
هل سكت الإنجليز عن ملاحقة حسن سلامه بعد توقف المعارك؟...لا ... فالغدر في طبعهم لذلك ترك حسن و رفاقه أرضهم الغالية، و سافروا سرا الى العراق و تدرب حسن سلامه و عبدالقادر الحسيني في الكلية الحربية في بغداد ثم سافرا الى ألمانيا.مانيا. حيث تدربا في كلية عسكرية هناك على إستعمال أحدث الأسلحة ، و صنع القنابل و تعلم حسن الهبوط بالمظلات (الباراشوت).
يقابل حسن زميله (ذو لكفل عبداللطيف) في ساحة ح ايث لكلتدربا في كلية عسكرية هناك على إستعمال أحدث الأسلحة ، و صنع القنابل و تعلم حسن الهبوط بالمظلات (الباراشوت).ية العسكرية يقول له:
- يجب أن نعود الآن الى فلسطين بعد أن أتقنا فنون الحرب.
و يجيب (ذو الكفل عبداللطيف):-
يقابل وكيف نحسن زميله (ذو لكفل عبداللطيف) في ساحة الكلية العسكرية يقول له:
عود و بريطانيا تحاصر و تراقب حدود فلسطين جوها و بحرها؟ يقول حسن- يجب أن نعود الآن الى فلسطين بعد أن أتقنا فنون الحرب.:
- لقد فط- لقد فكرت بالأمر يا صدج- لقد فكرت بالأمر يا
و صديجيب (ذو الكفل عبداللطيف):
يقي و لذلك و جدت أن الدخول - وكيف نعود و بريطانيا تحاصر و تراقب حدود فلسطين جوها و بحرها؟ يقول حسن:
لفلسطين سيكون عن طريق الجو.
- و كيف والإنجليز يراقبون الجو و الطائرات المعادية.راقبون الجو و الطي- لقد فكرت بالأمر يا صدقي و لذلك و جدت أن الدخول لفلسطين سيكون عن طريق الجو.ائرات المعادية؟
- ستدخلها بطائرة أميريكية!
- كيف ؟ ومن أين؟
- لقد إتفقت معأحد الميكانيكيين ليساعدنا في تصليح طائرة حربية أميريكية سقطت هنا و قد هيأناها للطيران و..
- و لكن أين المطار الذي سيستقبلنا في فلسطين؟
- لا لن ننزل في مطار ... سننزل من الجو نستعمل الباراشوت و نهبط في أرضنا كم أنا مشتاق إليها؟ يركب حسن سلامه (أبو علي) الطائرة وكذلك زميله ذو الكفل عبداللطيف و إثنان من الألمان و الميكانيكي و يغادرون المطار ليلا في ضوء القمر و يتجهون الى فلسطين و كل واحد يضع يده على قلبه و في الطريق و فوق سماء تركيا تقريبا صاح الطيار ...
- خلل فني طاريء أصاب الطائرة لن نستطيع مواصلة الطيران..
و يتقدم منه حسن منفعلا :
- و لكننا نريد الوصول الى فلسطين فكيف ذلك؟
- ليس بإستطاعتنا ذلك...فلا يمكننا مواصلة التقدم و إلا سقطنا في البحر و أكلتنا الأسماك هناك.
- و ما العمل اذن؟
- نعود الى المطار الذي أقلعنا منه...
و عادوا الى المطار و ابتدأت عملية تصليح الطائرة و حسن سلامه على أعصابه ، و بعد حوالي عشرة أيام قال الميكانيكي:
- إنتهينا من تصليح الطائرة...
- إذن نطير الآن...قالها حسن بلهفه.
- بل ننتظر عشرين يوما على الأقل ننتظر ليلة يكون فيها القمر بدرا لنستطيع النزول بالمظلات و انتظر حسن و رفاقه شهرا آخرا و ركبوا الطائرة و اتجهوا الى فلسطين..
قال قائد الطائرة :
- كل شيء تمام يا سيد أبو علي سنصل فلسطين بعد دقائق و قال أبو علي:
- و الخرائط هل معك الخريطة التي ستحدد فيها نقطة الإنزال؟
- نعم إنها هنا إستعدوا ستنزلون بعد قليل.
جهز حسن مظلته و تأكد من مظلة زميله ذو الكفل عبد اللطيف ثم مظلة السلاح و جهاز اللاسلكي بالإضافة لبعض الأكياس من الذهب الذي أحضروه للصرف على الثورة و الثوار و شراء المزيد من الأسلحة لهم و رفع حسن يده أهبة الإستعداد لزملائه الميكانيكي و رفيقه الألماني و قفز عند إعطائه الإشارة...
هوب..هوب..قفز حسن و من ورائه قفز الجميع و انفتحت المظلات لتنزل في منطقة كلها أشجار و بساتين..
قال حسن و هو يهبط:
- هذه ليست المنطقة التي رسمناها في الخرائط لنزولنا إنها منطقة شجرية و نحن خططنا للنزول في منطقة صحراوية بعيدة عن أعين الأعداء لا بد أن قائد الطائرة قد أخطأ المكان.
و هذا ما حصل بالفعل نزلوا في منطقة قرب مدينة أريحا تنتشر فيها البيارات و البساتين و علقت مظلة الأسلحة في الأشجار فلم يستطع حسن العثور عليها و يعد دقائق التقى بزميله الميكانيكي فقال له:
- أين ذو الكفل عبد اللطيف أين باقي الركاب؟
- لا أكاد أرى أحدا لقد فتشت المنطقة فلم أعثر على غيرك يجب أن نختبأ و إلا تعرضنا للخطر إذا علمت بريطانيا بدخولنا فلسطين.
و فعلا أحست بريطانيا بوجود شيء غريب في البلاد فلقد إكتشفت بعض معاونيها (المخابرات) فلاحا يبيع للصائغ قطعة ذهب ألمانية فاستدرجه حتى علم مصدرها و كمية الذهب التي لديه ثم قبض عليه و كذلك شاهدت دورية إنجليزية مظلة على قمة شجرة و بعض الإسلحة مبعثرة! فجن جنونها و انطلق الجندي يبلغ القيادة و يقول بإنفعال
- سيدي لا بد أن أحدا قد دخل البلاد من الخارج..
- و من تظن؟
- لا أدري بالضبط و لا بد أن نعرف ذلك.
- إذن جهزوا الدوريات و انطلقوا في منطقة أريحا كلها و فتشوا كل بيت وبيارة و إعتقلوا كل مشتبه به لنعرف الحقيقة. و في قرية تدعى (مخماس) بين القدس و رام الله إستطاعت قوات بريطانيا العثور على (ذو الكفل عبداللطيف) و قد كسرت ساقه نتيجة سقوطه على الأرض من المظلة.
كما و ألقوا القبض على قائد الطائرة و مساعده و بدأت عمليات التعذيب ليعترفوا عن رفاقهم فأما ذو الكفل عبد اللطيف فقد فقد النطق نتيجة التعذيب و لم يبلغ عن زميله و أما مساعد الطيار و رفيقه فقد إعترفا باسم حسن سلامه و الميكانيكي و سلما نفسيهما أسيري حرب.
ظل حسن سلامه يسير في الجبال مع رفيقه الميكانيكي يختبيء نهارا و يسير ليلا الى أن وصل قرية (العباسية) حيث أصحابه القدامى و نزل في بيت صديقه الحاج محمود درويش الذي أخفى سر وجوده عن الجميع لأن قوى الإنجليز كانت تحضر كل مدة لتفتيش بيوت القرى المجاورة.
قال الحاج محمود للشيخ حسن:
- لقد إزداد إنتقام الإنجليز منا و إزدادت حملات التفتيش تعسفا و إنتقاما من الأهالي و أنا أخاف أن يكشف أمرك، و لذلك أرى أن تسافر للشمال الى حيفا عند جماعة القسامين.
إستأجر الحاج محمود سيارة سائقها رجل شجاع لا يهاب الإنجليز و أحضر زوجته معه حتى يبعد الشبهات عن الركاب و لبس حسن سلامه عباءة صوف طويلة و حطة و عقال على أنه (درزي) و قالوا للسائق إنهم سيعطونه مبلغا كبيرا من المال إذا إستطاع الوصول بسلام الى حيفا..
ثم إنهم إختاروا يوما ماطرا مطرا غزيرا للخروج من العباسية الى حيفا و إستطاعوا المرور بسلام من ثلاثة مراكز للتفتيش ووصلوا الى حيفا حيث أودع الإثنان حسن سلامه و زميله الميكانيكي عند عائلة عربية لها بيارات كبيرة قرب حيفا . و بعد مدة سافر حسن سلامه الى بيروت و التقى زميله عبدالقادر الحسيني و تحدثا:
- يا حسن ، لقد إنتصر الإنجليز كما ترى في الحرب العظمى ضد الألمان و كنا ننتظر بعد انتصارهم أن يرحلوا عن فلسطين و أن يفوا بوعودهم بإيقاف هجرة اليهود الصهاينه الى فلسطين و لكن الأمر مختلف تماما إنهم يساعدون اليهود الصهاينة في انشاء المزيد من المستعمرات و يساعدونهم في إحضار أحدث أنواع الأسلحة و تخزينها في مستعمراتهم و أنا أرى أن علينا الدفاع بشرف عن أرضنا فلا وعود إنجلترا و لا وعود فرنسا و لا أميركا و لا حتى العالم كله ستنفعنا إن لم ندافع و نحارب نحن عن وطننا.
قال حسن:
- هذا فعلا ما أراه المهم توفر السلاح.
و يجيب عبد القادر الحسيني:
- لقد إتفق المفتي (الحاج أمين الحسيني) و جامعة الدول العربية على تزويدنا بالسلاح من القاهرة و لينان و سوريا و لقد تم تعييني قائدا لمنطقة القدس و رام الله و أريحا و الخليلو أما أنت يا حسن فقد تم تعينيك قائدا في المنطقة الوسطى لفلسطين: مدن اللد و الرمله و يافا و قرى سلمة و العباسة و قوليه..
و أما منطقة حيفل فلقد سلمت قيادتها للملازم (محمد حمد الحنيطي) و أما اللواء الشمالي من فلسطين فقد سلمت قيادته للقائد فوزي القاوقجي.
ثم سلمت قيادة اللواء الجنوبي من فلسطين و غزه للقائد طارق الإفريقي.
و أجاب حسن بكل حماسه :
- هذا هو اليوم الذي أتمناه إما النصر و إما الشهاده و ستكون منطقتي الجحيم بعينه لهؤلاء المستعمرين و المحتلين و سيكون لقائي بك بإذن الله في فلسطين الحره الكريمة أو في الجنه مع الشهداء و الأبرار.
انطلق حسن الى فلسطين و انطلق كل الثوار الى مواقعهم و أعاد حسن الإتصال بالفصائل و المعاونين في القرلى و المدن و أعاد توزيع المهمات و الأسلحه لهؤلاء المناضلين..
و توفر السلاح و أقسم الجميع على الجهاد المقدس ضد الأعداء و بدأ العمل على الجاد: (يا فصيل خالد بن الوليد و يا فصيل عمرو بن العاص أيها القادة جميعا يا ثوار سلمة و يا مناضليها الأشاوس سنبدأ جهادنا المقدس و سيكون أسلوبنا هو (إضرب و أهرب) ... الضرب بسرعة و العودة الى قواعدنا بسرعة اقضاض مفاجىء و ضرب قوي و سريع و لن نرحم الأعداء ساعة مننهار أو ليل.
و تأتي إشارة طلب النجده للقائد حسن سلامه (أبو علي) من قرية سلمه المجاورة.
ففي صباح 8/12/1947 قال أحد الرجال للقائد:
- أن اليهود من المستعمرة القريبة (هاتكفا) يهاجموننا بإستمرار و نحن نريد الهجوم عليهم بدل الوقوف موقف الدفاع.
قال حسن: نعم الرأي إجمع مجاهديك الآن و تعالوا أطلعكم على المواقع اليهودية المحصنه في المستعمرة و طرق الوصول اليها فلقد زرت المستعمرة متخفيا غير مرة استعدادا لذلك و سيكون هجومنا باليل حتى تفاجىء عصابات الأرغون و الهاجناه الصهيونية في الظلام.
قال أحد المناضلين: أيها القائد ، إن مستعمرة (هاتكفا) من أقوى و أحصن المستعمرات إنها خط الدفاع عن مدينة تل أبيب.
قال حسن: هذا صحيح و لكننا سنقوم بهجوم مفاجىء و سريع لا يتوقعونه.
دخل القائد و الجنود المستعمره مساء ، ودكوا و ضربوا الإستحكامات العسكرية الصهيونية و نسفوا مخازن الإسلحة و هرب رجال الهاجناه المسلحون.
- إنظروا إنهم يهربون الى تل أبيب لقد نجحت الخطة...
قال حسن: سنرفع العلم الفلسطيني على أعلى عمارة، و سننسحب بسرعة و خفة كما دخلنا قبل أن يطلع الصباح ، و قبل أن يصل إليهم أصدقاؤهم الجنود الإنجليز لقد قمنا بعمل رائع هذه الليلة دمرنا فيه معظم أسلحة العدو..
و عندما عاد الشيخ القائد وجد أحد معاونيه يركض تجاهه و يقول:
- أيها القائد لقد نسفوا مركز قيادتك في عمارة ملجأ الرجاء.
قال حسن: كيف ؟ من نسفه ؟ و الحراس هل إستشهد أحد منهم؟
قال الرجل: لقد تسلل في الليل شخصان على الغالب ووضعا المتفجرات في أساسات العمارة و انسحبا و بعد برهه دوى الإنفجار القوي... و إنهار البناء و لقد استشهد ستة أشخاص كانوا في المركز و جرح آخرون..
قال حسن بحزن: رحمهم الله ... يجب أن نعرف الجاني و ننتقم لأرواح شهدائنا.
و بعد فترة قبض على إثنين من الإنجليز و أحضر للقائد حسن: لقد إعترف هذان الشخصان بأنهما اللذان وضعا المتفجرات في مركز القيادة لقد أغراهما اليهود بميلغ كبير من المال إذا قضيا على حسن سلامه...فما الرأي الآن؟
قال حسن: يعدمان بالرصاص جزاء عملهما.
وقف أبو علي مع زوجته أم علي يتحدثان و حمل الأب إبنه الصغير عليا..كان عمره لا يتجاوز السنوات السبع... قال علي
- أعطني هذا ياأبي...
- هذا مسدس ماذا تريد أن تفعل به.
- أريد أن أضرب به الأعداء مثلك ياأبي...
تأثر حسن كثيرا و قال لأم علي:
- أوصيك يا أم علي بإبننا هذا إذا مت في سبيل وطني فسيحمل الراية من بعدي و سيدافع عن أرضه و أرض آبائة لقد إستشهد زميلي (عبدالقادر الحسيني) و أرى أن المعرك تزداد قسوة و شدة يوما بعد يوم و سلاحنا يتناقص و الإنجليز يخدعوننا و يسلحون اليهود...
و بينما كان حسن يتحدث جاء الخبر أن (راس العين) في خطر لقد إستولى عليها الصهاينة.
إنطلق حسن يركب سيارته الزرقاء و يتجه الى (راس العين) و يخاطب نفسه:
- كيف يستولي عليها الصهاينة ؟ أين جنودنا الذين يدافعون عنها لقد وضعت خيرة الجنود للمحافظة على (راس العين) وها قد مضى شهران و هي تحت سلطتنا إنها مصدر الماء الوحيد الذي يزود بيوت اليهود في مدينة القدس و يجب المحافظة عليها لمنع الماء عن الصهاينة...
و يقطع عليه معاونه الصمت قائلا:
- لا تخشى شيئا أيها القائد...لقد طلبنا النجدات (و الفزعات) من شباب المدن و القرى المجاورة استعدادا للهجوم و سندافع عن رأس العين و سنعيدها بإذن الله.
و ما إن وصل القائد اللى المنطقة حتى أعاد تنظيم قواته ووصلت النجدات و عين لكل محارب مكانه استعداد لبدء الهجوم و أطلق القائد الإشارة و إبتدأ الهجوم...الله أكبر الله أكبر..و تدافع الشباب..
كان حسن أول المهاجمين و ما أن وقف قرب سيارته يراقب تقدم المناضلين و تقهقر القوات الصهيونية حتى صاح معاونه...
- سيدي إنتيه .. إنتبه..
كانت قذيفة مدفع تقع في تلك اللحظة بالقرب من القائد و تصيبه بشظية في صدره و تدفق الدم غزيرا...
فدفعه معاونه الى داخل السيارة و اتجه به الى مدينة اللد، الى المستشفى هناك...
رأى المناضلون ما حل بقائدهم فازداد حماسهم و إزدادت ضرباتهم ضد قوات أعدائهم ووصلت سرية عراقية الى منطقة راس العين لنجدة المحاربين فما أن رآها الصهاينة حتى إنسحبوا تاركين منطقة رأس العين و مياهها الوفيرة و عادت رأس العين لأصحابها العرب. و بقي الرجال المحاربون لحمايتها لحمايتها. و لكن اليهود لم يغفروا لحسن سلامه إنتصاره عليهم و إستعادة منابع (رأس العين) منهم. فلما علموا أنه في المستشفى أرسلوا طائرة حربية تدك المستشفى و تضربه بالقنابل فلم يستطع الأطباء إجراء عملية اللازمة لحسن فزادت حالته سوءا و جراحه خطورة و سأل عن (رأس العين) فأخبروه الشباب المناضلين قد إستعادوها، عندها قال...
الحمدلله الحمدلله الآن اطمئن و أموت مرتاح البال لقد وعدت عبدالقادر الحسيني أن أقابله في الجنة و أنا ذاهب للقائه...
تعليق