♥ صـديقتـي خَـدَعتنـي !
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ذاتَ يومٍ كانت أمـل تسيرُ في الطريق ، فرأت فتاةً مُتَّكِئةً على عصا ، تسيرُ بِبُطءٍ شديد ، وليس معها مَن يُؤنِسُها ، فرَقَّت لحالِها ، وقرَّرت أنْ تُصاحِبَها وأنْ تأخُـذَ بيدِها وتُساعِدَها .
فتقدَّمت إليها وحَيَّتها ، فرَدَّت عليها ورَحَّبت بها .
أمسكت أمـل بيدِها ، وبدأت تسيرُ معها ، وتُجاذِبُها أطرافَ الحديث .
سارتا طويلاً .. وتكلَّمتا كثيرًا .. حتى أصبحتا صديقتين .
أظهرت الفتاةُ حُبَّها لـ أمـل ، وثِقتَها فيها ، ورغبَتَها في التَّعَلُّمِ منها ، والاستفادةِ مِن خِبرتِها .
وكانت أمـل لا تبخلُ عليها بشئ ، حتى وإنْ كان ذلك سيُعطِّلُها عن بعض مصالِحِها .
فكانت تُرَحِّبُ بصديقتِها ، وتَسعـدُ بالحديثِ معها ، والاستماعِ لها ، وإفادتِها بما عندها .
وكانت أمـل تدخلُ كُلَّ يومٍ لـ حديقـةٍ غَنَّاء .. تستمتِعُ بجمالِها .. وتشربُ من عذبِ ماءِها .. وتستنشِقُ طيبَ هواءِها .. وتَشُمُّ روائحَها العَطِرة .. كما تزرعُ فيها بعضَ البذورِ التي تتطلَّعُ لرؤيةِ ثِمارِها ، ونيلِ أجرِها .
فـ قرَّرت أمـل أنْ تأخُـذَ صديقتَها لـ تلك الحديقـة ، لـ تُشاركَها مُتعتَها ، ولـ تبذُر بذورًا جديـدةً مِثلَها ترجو ثوابَها … وبالفِعل أخـذتها معها .
فرِحت صديقتُها بتلك الحديقـة ، وأخـذت تتنقَّلُ بين أشجارِها ، وتستمتِعُ بكُلِّ لحظةٍ تقضيها فيها .
وأثناءَ تنقُّلِها تُقابِلُ أمـل في أماكنَ عِـدَّة ، فتشكرُها على اصطحابِها معها لهـذه الحديقـة الغَنَّاء ، وتدعـوا لها .
مَـرَّ شهـرٌ … شهـران … ثلاثـة … أربعـة ….
ثُـمَّ …..
اكتشفَت أمـل أنَّ صديقتَها تخدعُها ، وتكـذِبُ عليها .
لم تكن أمـل تتوقَّعُ ذلك مِن فتاةٍ بَـدَت على ملامِحِها الطِّيبَـة .
قالت : رُبَّما أكونُ واهِمَـة ..
لكنَّها علِمَت فِعلاً أنَّها كاذِبَـة .
تساءلَت أمـل في دهشـة :
لماذا خدعتني وأبـدت ثِقتَها بي ..؟!
لو كانت تثِقُ بي فِعلاً ما كَذَبَت عليَّ .. ما خدعتني .. ما صارَحت غيري وكَـذَبَتني .
لكنَّها مع كذِبِها عليَّ وخِداعِها لي ، فقـد أخطأت مرتين :
المرةَ الأولَى : حين لم تُحسِن اختيارَ صديقتِها ، فاختارت صديقةً غيرَ أمينةٍ على أسرارِها ؛ إنْ كانت أسرارُها حقيقةً وليست كَذِبًا .
والثانيـةَ : حين كَـذَبَت علَىَّ، فـ خَسِرَت قلبًا أَحبَّها ، وسقطَت من نظري .
بعـد هـذا التفكير وهـذه الكلمات التي حَدَّثَت أمـل بها نفسَها ، وبينما هيَ تسيرُ مع صديقتِها التي خدعتها ، وتُمسِكُ بيدِها ، سحَبَت أمـل يدَها ، وطرَحَت تلك الصديقـةَ _ التي لم تعُـد صديقـةً _ على الأرض ، وذهبَت .
نادتها الفتاة : ماذا حَـدَثَ يا أمـل ..؟! انتظـري يا صديقتي !
قالت أمـل في نفسِها : لم أَعُـد صديقتكِ .
و واصلَت سيرَها دُون التفاتٍ إليها .
لكنَّها تعلَّمت درسًا من مُصاحبةِ تلك الفتاة ؛ وهـو :
ألَّا تُصدِّقَ كُلَّ مَن تُكلِّمُها ، وألَّا تثِقَ بكُلِّ مَن تُقابِلُها .
وما أَوَدُّ إيصالَه هنا ، أُوجِـزُه في هـذه النِّقاط :
1- الصـداقـةُ شئٌ جميل ، والصديقـةُ الصالِحةُ تُعينُكِ على الطاعـةِ والتَّمسُكِ بشرع الله ، لكنْ لا يعني هـذا أنْ تُصادقي كُلَّ مَن تُقابليها ، أو أنْ تثقي بكُلِّ مَن تعرفيها أو لا تعرفيها .
2- احتفظي بأسراركِ لنفسِكِ ، ولا تُخبري بها أحـدًا أيًا كان ، وإنْ وَثقتِ به تمامَ الثِّقَـة ؛ فـ سِـرُّكِ أسيرُكِ ، فإنْ بُحتِ به صرتِ أسيرَتَه .
3- ساعـدي كُلَّ مَن تستطيعين مُساعـدتَه ، وإنْ لم يَمُد لكِ يَـدَ العـون يومًا .. وقـد قيل : ‹‹ اصنع المعروفَ في أهلِهِ وفي غير أهلِه ، فإنْ صادَفَ أهلَهُ فهو أهلُه ، وإنْ لم يُصادِف أهلَهُ فأنتَ أهلُه ›› .
4- احتسبي الأجـرَ في كُلِّ عملٍ تقومين به ، فما كان للهِ يبقى .
5- مَن تُصاحِبُكِ لمصلحةٍ دُنيويةٍ ، فسُرعان ما سينكشِفُ أمرُها ، وستشعرين بابتعادِها عنكِ بعـد انتهاءِ مصلحتِها ؛ فـ ما كان للهِ دام واتَّصَل ، وما كان لغيره انقطعَ وانفصَل .
6- أَمَرَنا اللهُ تعالى بالصِّدق ، فقال سُبحانه : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ التوبة/119 ، فالخِطابُ هنا مُوَجَّهٌ إليكِ أيَّتُها المُؤمنة .. فهل تستجيبين ..؟!!
7- الكَـذِبُ مِن خِصال المُنافقين ، فهل أنتِ كاذبـة ..؟! هل فيكِ خِصلَةٌ مِن خِصال المُنافقين ..؟! قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( أَربعٌ مَن كُنَّ فيه كان مُنافقًا خالِصًا ، ومَن كانت فيه خِصلَةٌ منهنّ كانت فيه خِصلَةٌ مِن نِفاقٍ حتى يَدَعَها )) وذكـر منها : (( وإذا حَـدَّثَ كَـذَب )) متفقٌ عليه .
8- الصـدقُ طريقٌ للجنة ، والكَـذِبُ طريقٌ للنار ، قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( إنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البِرّ ، وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنَّة ، وإنَّ الرجلَ ليَصدُق حتى يُكتَبَ عند اللهِ صِدِّيقًا ، وإنَّ الكَذِبَ يهدي إلى الفجور ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النار ، وإنَّ الرجلَ ليكذِبَ حتى يُكتَبَ عند اللهِ كذَّابًا )) مُتَّفَقٌ عليه .
9- لا يعني الكَـذِبُ فقط مجرد النُّطق بكلامٍ غير صحيح ، بل إنَّ الكَـذِبَ يكونُ أيضًا في نقل المواضيع الباطلة والأحاديث الضعيفةِ التي لم تثبُت عن رسول اللهِ _ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم _ للمنتديات ، مع عـدم التَّأكُّـد من صحتها قبل نقلها . وكذلك النُّكَت من الكَـذِب ، والمِزاحُ بالكَـذِب ؛ فهناك مِن الأخوات مَن تنقِلُ أو تكتبُ كلامًا مُفزِعًا لتجذِبَ الجميعَ لقراءتِه ، ليكتشفنَ في نهاية الموضوع أنَّه مجرد كَـذِبَـةٍ أو مُزحَـةٍ أو شئٍ مِن لَفتِ الأنظار .. فـ ليُنتَبَـه لذلك .
10- إذا اكتشفتِ أنَّ صديقتَكِ تخدعُـكِ وتكذِبُ عليكِ ، فإمَّا أنْ تُواجهيها ، وإمَّا أنْ تهجُريها ، فاختاري الأصلحَ والأنفعَ لكِ ولها .
11- الكَـذِبُ ليس فيه أبيض ولا أسـود ، بل كُلُّه حـرام ، إلَّا ما أباحـه الشَّـرعُ ؛ وقـد (( رَخَّصَ النبيُّ _ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم _ مِن الكَـذِبِ في ثلاث : في الحرب ، وفي الإصلاح بين الناس ، وقول الرجل لامرأتِه .. وفي رواية : وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها )) السلسلة الصحيحة .
12- (( المرءُ على دين خليله ، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل )) حديثٌ حسن .. و الصَّاحِبُ ساحب .. فانظري أختي مَن تُصاحبين .
13- مِن الكَـذِب مَن يدَّعي أنَّه رأى رُؤيا معينة ، اعتقادًا منه أنَّ هـذا سيكونُ سببًا في هداية مُسلم أو استقامته على شرع الله ، وقـد قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( مَن تحلَّمَ كاذِبًا كُلِّفَ أنْ يعقِدَ بين شعيرتين ويُعذَّب على ذلك )) رواه ابن ماجه وصحَّحه الألبانيّ .
14- مِن أعظم الكَـذِب مَن يكـذِبُ على اللهِ ورسولِه ؛ فيُحِلُّ ما حرَّمَ اللهُ أو يُحرِّمُ ما أحل ، وقـد قال رَبُّنا سُبحانه وتعالى : ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ النحل/116-117 , ويقولُ نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( ومَن كَذَبَ علَىَّ مُتعمِّدًا فليتبوأ مَقعَدَه مِن النار )) رواه البُخارىّ .
15- قـد يكونُ المُؤمِنُ جَبانًا ، وقـد يكونُ بخيلاً ، لكنَّه لا يكونُ كذَّابًا ؛ (( قيل لرسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أيكونُ المُؤمِنُ جَبانًا ؟ قال : نعم ، فقيل : أيكونُ المُؤمِنُ بخيلاً ؟ قال : نعم ، فقيل له : أيكونُ المُؤمِنُ كَـذَّابًا ؟ قال : لا )) حديثٌ حَسَن .
رزقنا اللهُ وإيَّاكُم الصُّحبةَ الصَّالِحة ، وجعلنا وإيَّاكُم مِن الصادقين .
منقول بارك الله فى كاتبه وحفظه
تعليق