إن الأسباب وراء ظاهرة تأخر زواج الفتيات تكمن في البعد عن منهج الله و روح الشريعة الإسلامية، ولكن لابد بشيء من التفصيل فيها:
- تعسير أهل الفتاة أمر الزواج على الشاب، والمبالغة في المهور والطلبات المادية غير الضرورية، والتمسك ببعض الأمور التي لا تعدو عن كونها عادات وتقاليد ليست من الدين في شيء. فهناك بعض الأسر تحرص على تقاليدها وإن كانت خاطئة وفيها ما فيها من استنزاف للوقت والمال، أكثر من حرصها على تطبيق شعائر دينها!!.
- رفض الفتاة الزواج رغبة في إكمال دراستها، أو لأنها تريد أن تعمل والخاطب يرفض ذلك، فتقدم العمل والوظيفة على الزواج، مع أن النبي الكريم - عليه وآله الصلاة والسلام- يقول: " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" [حسن لغيره، الألباني- السلسلة الصحيحة:1022]. وهذا ما هو حاصل في مجتمعاتنا، فبعض الفتيات لا يعين المفهوم الصحيح للزواج، وأنه إعفاف وإحصان، وبناء لأسرة مسلمة، فقد طغت المادية، واختفت الموازين الإسلامية.
- عدم قدرة الشاب على النفقة بسبب قلة توفر فرص العمل، وغلاء المعيشة، أو بسبب الراتب المتدني الذي لا يكفي الحاجات الضرورية للأسر
- عدم التكافل والتعاون والتراحم بين ذوي القربى، مما يؤدي إلى تأخر زواج الشاب غير مستطيع النفقة، لأنه لم يجد عوناً من قرابته، أو حتى من يقرضه قرضاً حسناً! وقد يلجأ بعض الشباب إلى الاقتراض من البنوك، أو الحصول على المال بطرق غير شرعية!!.
- بعض الفتيات يرفضن الزواج لأسباب نفسية تتعلق بطبيعة الشخصية وكيفية التربية والتنشئة، والبيئة التي نشأن فيها.. فهناك من تخاف من الزواج ومن تحمل المسؤولية، وهناك من ترفض سلطة الرجال عليها، وهناك من تخشى ألا تقوم بحق زوجها،
- رفض الفتاة الزواج من رجل متزوج، حتى وإن كان هذا الرجل صاحب دين وخلق، ولديه القدرة المالية لأن يتزوج بأخرى، فإنها ترفض فكرة التعدد.
- دور الإعلام الفاسد والمفسد في بث المفاهيم المغلوطة عن الزواج والحياة الزوجية ومسألة تعدد الزوجات، وشن الحملات والمخططات التي تستهدف القضاء على الأسرة.
قال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية - يرحمه الله- في باب الصداق: ((السنة: تخفيف الصداق، وألا يزيد على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، فقد روت عائشة - رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة)، وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيرهن أيسرهن صداقًا)، وعن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألزموا النساء الرجال، ولا تغالوا في المهور). وخطب عمر ابن الخطاب الناس فقال: ألا لا تغالوا في مهور النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. قال الترمذي: حديث صحيح)).
رُوِي أنه " كان بعض الصحابة قد انقطع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه، ويبيت عنده لحاجة إن طرقته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تتزوج؟ فقال: يا رسول الله، إني فقير لا شيء لي، وأنقطع عن خدمتك، فسكت ثم عاد ثانياً، فأعاد الجواب، ثم تفكر الصحابي وقال: والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما يصلحني في دنياي وآخرتي، وما يقربني إلى الله مني، ولئن قال الثالثة لأفعلن، فقال له الثالثة ألا تتزوج؟ قال: فقلت يا رسول الله، زوجني، قال اذهب إلى بني فلان فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني فتاتكم. قال فقلت: يا رسول الله، لا شيء لي، فقال لأصحابه: اجمعوا لأخيكم وزن نواة من ذهب، فجمعوا له، فذهبوا به إلى القوم فأنكحوه، فقال له: أولم. وجمعوا له من الأصحاب شاة للوليمة" [رواه ربيعة بن كعب الأسلمي وإسناده حسن- تخريج الإحياء للعراقي:2/30].
- تيسير أمر الزواج من قِبل أهل الفتاة، فديننا دين يسر لا عسر فيه، والله يريد اليسر لا العسر بعباده.. ﴿..يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ..﴾..{البقرة:185}. فلا داعي لهذا التعقيد في أمر الزواج، ولا داعي للمغالاة في المهور، فماذا ستستفيد المرأة من المهر الغالي إن ابتلاها الله بزوج يشقيها في حياتها!!.
ثم لا داعي لهذه الطقوس المتبعة في الزواج من الألف إلى الياء. بين أمور إما أن تكون تشبهاً وتقليداً لغير المسلمين في عادات فارغة من الرصيد الإيماني توارثها الأجيال دون تدبر أو تفكير وظنوا أنها الحق وما سواه هو الباطل، فالناس ليسوا هم الحكم في الحق والباطل، وليس الذي يقرره الناس هو الحق أو هو الدين، وإقامة الناس حياتهم على شيء لا تحيل هذا الشيء حقاً إذا كان مخالفاً للشرع، ولا تبرره لأن أجيالاً متعاقبة قامت عليه، فالزواج ليس عادة وتقليداً، وإنما هو من الدين، واتباع أحكام الدين هو الأصل.. ثم ليقل الناس ما يقولون!.
- أن يبحث والد الفتاة أو وليها أو غيرهم من محارمها وأهلها عن زوج صالح ذو خلق رضي، فلا حرج في ذلك، فقد عرض عمر - رضي الله عنه- ابنته حفصة - رضي الله عنها- على أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهما- قبل أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك عرض سعيد ابن المسيب ابنته على طالب علم كان يحضر درسه. أو أن تعرض الفتاة على وليها تزويجها ممن تجد فيه الصلاح والتقوى.
قال تعالى:﴿ قالَ إنّىۤ أُريدُ أَنْ أُنكِحَكَ إحْدى ابْنَتَىَّ هـٰتَيْنِ عَلىۤ أن تَأْجُرَنِى ثَمـٰنِىَ حِجَجٍ..﴾..{القصص:27}، جاء في زبدة التفسير: ((فيه مشروعية عرض ولي المرأة لها على الرجل الكفء الصالح، وهذه سنة ثابتة في الإسلام، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على عثمان ثم على أبي بكر - رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم- والقصة معروفة، وغير ذلك مما وقع في أيام النبوة وأيام الصحابة)).
وقال الإمام القرطبي: ((أُنْكِحك: فِيهِ عَرْض الْوَلِيّ بِنْته عَلَى الرَّجُل؛ وَهَذِهِ سُنَّة قَائِمَة؛ عَرَضَ صَالِح مَدْيَن اِبْنَته عَلَى صَالِح بَنِي إِسْرَائِيل، وَعَرَضَ عُمَر بْن الْخَطَّاب اِبْنَته حَفْصَة عَلَى أَبِي بَكْر وَعُثْمَان، وَعَرَضَتْ الْمَوْهُوبَة نَفْسهَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَمِنْ الْحَسَن عَرْض الرَّجُل وَلِيَّته، وَالْمَرْأَة نَفْسهَا عَلَى الرَّجُل الصَّالِح، اِقْتِدَاء بِالسَّلَفِ الصَّالِح)).
منقوله
تعليق