إعـــــــلان

**بذور الزهور** · 18-01-2018, 08:28 PM

حياكم الله وبياكم الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات: يسر
فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
أن يقدم لكم: تفريغ:
الحلقة الثانية والعشرون من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني
( (22) نور الدين محمود والإصلاح الشامل (خط الزمن))

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فأهلًا ومرحبًا بكم في هذا اللقاء المبارك، وأسأل الله -عز وجل- أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين.

مع الحلقة الثانية والعشرين من "خط الزمن"
وما زلنا مع قصة فلسطين. في الحلقة اللي فاتت شفنا موقف عماد الدين زنكي –رحمه الله- وكيف غير من أوضاع العالم الإسلامي، وكيف حرك الشعوب الإسلامية للجهاد في سبيل الله، كيف كانت القضية في عينيه في منتهى الوضوح، تحرير العالم الإسلامي من الصليبيين، وكيف كان الطريق إلى ذلك أمرًا واضح جدًا في عينيه؛ وحدة وجهاد كما ذكرنا في الحلقة السابقة.

في آخر الحلقة ذكرنا مقتل عماد الدين زنكي -رحمة الله-، وظن الكثير من المسلمين في وقت مقتله أن الأمة ستتأثر تأثرًا سلبيًا كبيرًا بموته، طبعًا الأمة فقدت علم كبير من أعلام الجهاد في سبيل الله، وعلم كبير من أعلام الدعوة إلى الله ومن الحمية لدين الله، لكن هذه الأمة يعوضها ربها -سبحانه وتعالى- دائمًا خيرًا، فربنا -سبحانه وتعالى- عوض الأمة خير تعويض بهذا الإنسان العظيم الذي خرج من صلب عماد الدين زنكي –رحمه الله- وهو نور الدين محمود الشهيد –رحمه الله-.

نور الدين محمود –رحمه الله-
نور الدين محمود شخصية من ألمع الشخصيات في تاريخ الأمة الإسلامية، ومن أعظم الشخصيات في تاريخ الإنسانية قاطبة، وأنا أنقل لكم بعض الكلمات التي قالها في حقه ابن الأثير –رحمه الله- قال: "طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفي الإسلام وإلى يومنا هذا، فلم أرى بعد الخلفاء الراشدين، وعمر بن عبد العزيز، أحسن سيرةً من الملك العادل نور الدين"
يعني في تقييم ابن الأثير –رحمه الله- أن نور الدين محمود -رحمه الله- أفضل شخصية على مدار 450 سنة من تاريخ الأمة الإسلامية. الكلام ده يا إخواني مبيجيش من فراغ، الكلام ده بيجي عن دراسة وافية وواعية لتاريخ هذا الإنسان المجدد العظيم نور الدين محمود –رحمه الله-.

صفاته وخلقه –رحمه الله-

- متعبدٌ ذاكرٌ لله
هذا قائد رباني بمعنى الكلمة، مع أن تولى الحكم وهو عنده 30 سنة، يعني شاب صغير لكن –سبحان الله- كان يقضي ليله في قيام الليل،كان دائم الاستغفار بالأسحار، كان قاريء للقرآن الكريم باستمرار، كان دائم الدعاء لله -عز وجل-.

- وقور كثير الصمت طيب المجلس
كان كثير الصمت، وهذه الصفة أخذها من أبيه، أبوه برضه عماد الدين زنكي كان كثير الصمت وكان دائم الفكر، يفكر في الله -عز وجل- وفي ملكوت الله عز وجل- ولا يتكلم بالكلام إلا الكلام المحسوب القليل. كان وقورًا تمام الوقار غير متفحش لا يخرج منه أبدًا السوء، كان طيب المجلس -رحمه الله-.

- زاهد تمام الزهد
كان زاهدًا تمام الزهد مع أنه كان يحكم المسلمين، كان زاهدًا تمام الزهد لدرجة أن زوجته أحيانًا كانت تعاني وتطلب منه أن يعطيها من المال فيقول لها: "أنا لا أملك إلا ثلاثة دكاكين فقط في حمص" وهو الدخل اللي بيخشله كله من الـ 3 دكاكين دولت، ويقول: "لا أخوض النَّار من أجلك، الأموال التي أمتلكها الآن أو أنا أقف عليها الآن هي أموال المسلمين وليست أموالي" وعاش حياة الزهد –رحمه الله-. وهذه سيرة كل المجددين في تاريخ هذه الأمة.

- عالمٌ فقيه
وكان عالمًا –رحمه الله- كان عالم بالفقه، وكان من العلماء الحنفيين – من الفقة الحنفي- وكان طبعًا كان كل يعني الزنكيين من الفقه الحنفي، وكان مؤلفًا لكتاب كامل عن الجهاد في سبيل الله. كان إنسان يا أخواني متكامل بشكل الحقيقة مبهر.

- وكان طالبًا للشهادة في كل حياته
وعلى فكرة نور الدين محمود –رحمه الله- لم يموت شهيدًا؛ مات على فراشه، لكنه عُرف في زمانه وعُرف في أزماننا وإلى يوم القيامة يسجل هذا في كل مصادر التاريخ الإسلامي بنور الدين محمود الشهيد.
لماذا؟
لكثرة طلبه للشهادة، لكثرة ما تكلم به وتحدث به مع أقرانه، مع أصحابه، مع إخوانه، وذكر في خطبه من كونه يطلب الشهادة في سبيل الله، فأعطاه الله -عز وجل- هذا اللقب وإن لم يمت في ميدان المعركة "مَن سألَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ الشَّهادةَ بصِدقٍ، بلَّغَهُ اللَّهُ مَنازلَ الشُّهداءِ، وإن ماتَ علَى فراشِهِ" صححه الألباني.

خطاب الخليفة العباسي يصف فيه نور الدين محمود
اتسع ملكه -سبحان الله- حتى صار أقوى ملوك زمانه -رحمه الله- مع ذلك كان أشد المتواضعين، جاله خطاب لطيف قوي من الخليفة العباسي، والخطاب ده بيذكر فيه الخليفة العباسي الصفات التي أنعم بها على نور الدين محمود. طبعًا الخليفة العباسي صورة وهمية لا معنى لها في وجود نور الدين محمود، لكن كان واخد على شغل المنافقين، والطبل الذي يقوم به المنافقون للزعماء وكثرة الصفات والأسماء، فذكر أسماء كثيرة جدًا لنور الدين محمود، أنا أقول لكم هذه الأسماء، وأنا أقول لكم أن كل هذه الصفات حقيقة كانت موجودة فعلًا في نور الدين محمود، لكن هنشوف رد فعله.

قال له إيه؟ قال له: "اللهم أصلح المولى السلطان الملك العادل، العالم العامل، الزاهد العابد، الورع المجاهد، المرابط المثاغر، نور الدين وعدته" –يعني عدة الدين-، "وركن الإسلام وسيفه، قسيم الدولة وعمادها، اختيار الخلافة ومعزها، رضي الإمامة وأثيرها، فخر الملة ومجدها، شمس المعالي وملكها، سيد ملوك المشرق والمغرب وسلطانها، مُحي العدل في العالمين، مُنصف المظلوم من المظلومين، وناصر دولة أمير المؤمنين"
الكلام ده كان بيقوله الخليفة العباسي علشان يُقره نور الدين محمود ليُلقَى على خطب -أو في ذيل خطب- كل مساجد المسلمين تحت الخلافة العباسية، - يعني هما دائًما يدعوا في آخر الخطب للخليفة العباسي ويدعوا لنور الدين بهذا الدعاء-.

فماذا كان رد فعل نور الدين محمود؟
بعت له جواب قال له: "رجاءً أن توقف كل هذا الدعاء، وأن تكتفي بقولك: اللهم وأصلح عبدك الفقير نور الدين بن زنكي" هكذا في قمة التواضع، وهو على رأس الدولة الإسلامية، ويا إخواني كل ما ذكره الخليفة العباسي هو حقيقةً في هذا المجاهد الورع التقي نور الدين محمود –رحمه الله-.

- من كلماته العظيمة في موقعة حارم
وكان من كلماته العظيمة في موقعة حارم وهي من المواقع الكبرى في تاريخه، قال: "اللهم انصر دينك ولا تنصر محمودًا؟ ومن محمود هذا حتى يُنصر؟" يعني يقلل جدًا من قيمة شأنه، لكن هذا دين رب العالمين –سبحانه وتعالى- فكان هذا من دعائه، وقال فيه كلمات كثيرة لا يتسع المقام لشرحها.

نور الدين محمود مؤسس الدولة الشاملة
أنا أقدر أقول أن نور الدين محمود –رحمه الله– لو أنا عايز ألخص كل حياته في كلمة واحدة أقول: "نور الدين محمود أسس الدولة الشاملة". في ناس ممكن تفتكر أن أنا بتكلم على واحد درويش، أو واحد معتزل للناس، واحد قعد في الكهف بتاعه بيعبد ربنا، لا ده إنسان مختلط بالناس تمام الاختلاط، نجح في كل مجالات حياته، وهكذا تحرر الأمم يا إخواني، مش مجرد انتصار في موقعه، مش مجرد جيش بيعده، لا دولة شاملة متكاملة.

- استقدم العلماء ولم يقتصر على أصحاب المذهب الحنفي
استقدم العلماء من كل مكان، ولم يستقدم علماء المذهب الحنفي فقط –مع أنه كان حنفيًا- لكن من كل المذاهب، وعمل اجتماع لعلماء المسلمين في داخل حلب، ثم في داخل دمشق بعد أن فتح دمشق وضمها لمملكته، عمل اجتماع لعلماء المسلمين لكل المذاهب حتى يأخذوا رأي واحد في قضايا المسلمين، فكر عالي جدًا وتوحيد المسلمين في أسمى معاني التوحيد، وطبق الشريعة في كل أركان مملكته.

- عمل إعداد عسكري منظم
يعني مش كان مهتم بالجوانب الدينية وسايب الأمور العسكرية، لا أبدًا كان مهتم بإنشاء القلاع وإنشاء الحصون، وإعداد الجيوش، والحشد العسكري الكبير، والحمام الزاجل هذا عُرف في زمان نور الدين محمود، وعمل له هيئة خاصة بالحمام الزاجل عشان يتناقل البريد من مكان إلى مكان في أرجاء المملكة الكبيرة.
كان عنده خطط إدارية وسياسية على أعلى مستوى، كان عنده مفاوضات على أعلى مستوى، قتال عسكري على أعلى مستوى.

- اهتم بالإعمار والانشاءات
وفوق كل ده كله عمل حاجة غريبة جدًا، عمل إعمار عالى جدًا جدًا في الدولة التي كان يحكمها، إعمار احنا في زمن حرب واحنا في زمن ضوائق، واحتلال وأمور صعبة، ومع ذلك كان مهتم بإنشاء المدارس، وإنشاء المساجد، وإنشاء المستشفيات.
المستشفى النورى نسبة إلى نور الدين محمود الذي أنشأه في دمشق قعد يشتغل يا إخواني ويا أخواتي أكثر من 800 سنة متصلة، متخيلين أنشأه نور الدين محمود في القرن السادس الهجري، وقعد شغال لحد أوائل القرن الثالث عشر الهجري، يعني 8 قرون متصلة وهو شغال –سبحان الله-، فعلًا آثاره لا يمكن أن تعد.

- كان مهتمًا بالرياضة
وفي نفس الوقت كان مهتم جدًا بحاجة غريبة جدًا كان مهتم بالرياضة، كان مهتم برياضة البولو -اللي هي لعب الكرة من فوق الخيول- وطبعًا كان بيعملها عشان يدرب الناس على حركة الخيول، وعلى الفروسية، وعلى الجهاد في سبيل الله.
وكان أحيانًا العلماء ييجوا له ويلوموه ويقولوا له: أنت عمال تلعب والبلاد محتلة؟ يقول لهم: أنا مبلعبش، أنا بدرب الناس على الجهاد في سبيل الله، لكن أحيانًا النفوس بتمل، ومبتحبش تجاهد في سبيل الله في أرض المعارك فبعلمها في أرض الرياضة. فكر عالي جدًا، ومستوى راقي جدًا من الحكم.

تسلم إمارة حلب وليس كل البلاد التي كان يحكمها أبيه
استلم الحكم –رحمه الله- سنة 541 بعد مقتل أبيه استلمه في حلب وليس في كل البلاد التي كان يحكمها عماد الدين زنكي.
ليه الكلام ده؟
لأن عماد الدين زنكي زي ما قلنا لما مات ترك 4 أولاد حقيقة، لكن كان أكبرهم اتنين: سيف الدين غازي، ونور الدين محمود، فسيف الدين غازي يعني هو اتولى أمور الموصل، ونور الدين محمود –رحمه الله- اتولى أمور حلب.

كأن الله اختاره لمواجهة الصليبيين
وكأن الله –سبحانه وتعالى- قد وضعه في هذا المكان -في حلب- طبعًا هو الأخ الأصغر بالنسبة لسيف الدين-، تولى هذا المكان ليكون في مواجهة الصليبيين؛ لأن الله –عز وجل- يعلم أنه في قلبه حب شديد للجهاد في سبيل الله، أخوه طبعًا سيف الدين غازي كان برضه من الأتقياء الورعين، حكم الموصل حوالي 3 سنوات ثم مات، وخلفه بعد ذلك أولاده، لكن كان في تنسيق مستمر بينه وبين نور الدين محمود في حروب الصليبيين.

لما اتولى نور الدين محمود كان الصليبيين ساعتها عندهم مملكة بيت المقدس، طبعًا دية واخده فلسطين كلها ونص لبنان، وكانوا مملكة طرابلس واخده نص الجانب التاني الشمالي، ومملكة أنطاكية اللي هي في شمال غرب سوريا وأجزاء من آسيا الصغرى، أما مملكة الرُها فقد سقطت في عهد أبيه، ولم يبقى منها إلا مدينة واحدة هي مدينة تل باشر.

يا ترى هيتصرف إزاي نور الدين محمود مع الوضع اللي احنا بنتكلم عليه ده؟ مع وجود هذه الإمارات الصليبية المختلفة، وياترى هيكون رد فعل المسلمين إيه للتصرف بتاعه؟ ده اللي هنعرفه إن شاء الله بعد الفاصل.

ماذا فعل نور الدين محمود بعد توليه للحكم؟

- السعي لضم دمشق تحقيقًا للوحدة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، قبل الفاصل اتعرفنا على شخصية رائعة من شخصيات التاريخ الإسلامي؛ وهي شخصية نور الدين محمود –رحمه الله- وشفنا إن قصته كانت واضحة جدا من البداية؛ قصة تحرير البلاد الإسلامية واستكمال الجهود العظيمة التي كانت قام بها أبوه عماد الزنكي –رحمه الله- ورحم الله كل المجددين في تاريخ هذه الأمة العظيمة؛ أمة الإسلام.
يا ترى إيه اللي عمله نور الدين محمود أول ما استلم الحكم؟ في الحقيقة برضه كانت نفس القضية اللي بتشغل أبوه هي اللي بتشغله قضية الوحدة والجهاد. هو عارف كويس جدًا أن الطريق إلى تحرير البلاد الإسلامية هو الوحدة والجهاد. أول ما استلم الحكم طبعًا كان فاضل 3 ممالك صليبية طبعًا إمارة الرُها أسقطها أبوه، لكن كان في مشكلة كبيرة أنه علشان يوصل لهذه الإمارات الصليبية لابد أن يضم دمشق.

لطالما كانت دمشق حجر عثرة أمام المسلمين
وزي ما قلنا قبل كده أن دمشق هذه كانت حجر عثرة أمام المسلمين فترة طويلة جدًا من الزمن طول عهد عماد الدين زنكي، وحاربت عماد الدين زنكي فترات، وفشل عماد الدين زنكي في إسقاط دمشق وفي ضم دمشق للحكم الإسلامي.
ووقت ما كان نور الدين محمود متولي الحكم في سنة 541 من الهجرة بعد وفاة أبيه، كان على رأس الحكم في دمشق واحد اسمه مجير الدين بن آبق، وده مكنش ليه أي كلمة، أو صوت في داخل دمشق، والحكم كله كان في إيدين واحد اسمه معين الدين أنر، وده كان شخصية فاسدة، وظالمة ومكروهة ومخالفة للشرع، وكثيرة التحالف أحيانًا مع الصليبيين، وأحيانًا مع المسلمين، يعني شخصية متقلبة بحسب المصلحة التي تحكمها.

وكان طبعًا دية كانت مشكلة كبيرة بالنسبة لنور الدين محمود عشان يوصل لفلسطين أو يوصل لإمارة طرابلس، طرابلس أو يحارب حتى أنطاكية لابد أن يؤمن ظهره عند منطقة دمشق. فيعمل إيه؟ حاول إن هو يفكر في ضم دمشق.

تحالف الصليبيين مع الأرمن وتحركهم لإعادة امتلاك إمارة الرُها
لكن كان قبل أن يتحرك لدمشق للأسف الشديد الصليبيين طبعًا شافوا موت عماد الدين زنكي، وشافوا أن القضية أصبحت يعني فيها فرصة لإعادة امتلاك الرُها من جديد، وبالذات أن تولى الحكم شاب صغير عنده 30 سنة، فتحركت الجيوش الصليبية بالاتفاق مع الأرمن اللي كانوا عايشين في أرض الُرها، مع أن الأرمن هؤلاء عاملهم عماد الدين زنكي كما ذكرنا في الحلقة السابقة بمنتهى الرقي، وحفظ دماءهم ورد إليهم أملاكهم، ورعاهم رعاية كاملة، وأقرهم على حريتهم الدينية يعني عمل أشياء كثيرة جدًا في منتهى الرقي، ما كان الصليبيون يعاملون الأرمن النصارى بنفس الطريقة التي عاملهم بها عماد الدين زنكي، ومع ذلك تراسلوا مع الصليبيين وحصل غزو من الصليبيبن لإمارة الرُها من جديد.

انتصار نور الدين محمود عليهم وطردهم من إمارة الرُها
لكن نور الدين محمود –رحمه الله- جهز جيشه وأدب الصليبيين وعلمهم أن عماد الدين زنكي إن كان قد مات فإنه ترك وراءه أسدًا جسورًا هو نور الدين محمود –رحمه الله- وانتصر انتصارًا ساحقًا في إمارة الرُها، وأخذ الأسلاب والغنائم، وكان نصر مجيد في أوائل أيام حكم نور الدين محمود – رحمه الله- ليعلم الجميع أن البلاد -الحمد لله- مازالت في أيد أمينة، وهي يد نور الدين محمود الطاهرة -رحمه الله-.

استنصار الصليبيين بأوروبا
بعد هذا الانتصار المهيب طبعًا الصليبيين انزعجوا انزعاج كبير جدًا، وعلموا أنهم أمام أزمات قادمة كبيرة، فاجتمع قواد الصليبيين في القدس وعملوا استشارات موسعة، ووصلوا في النهاية إلى أنه لابد من طلب الإعانة من أوروبا، وأنهم لن يستطيعوا بقوتهم الحالية أن ينتصروا على نور الدين محمود، وجيوشه الإسلامية، بالذات إن في حمية إسلامية عالية جدًا في الأمة الإسلامية كلها دلوقتي، فبدؤوا يستنصروا بأوروبا.

قيام الحملة الصليبية الثانية
فبدأ البابا أوجنيوس الثالث يجهز ما عُرف في التاريخ بالحملة الصليبية الثانية. الحملة الصليبية الأولى هي اللي قام بها البابا أوربن الثاني في بدايات الحروب الصليبية وجمع الجيوش، وحصل غزو العالم الإسلامي زي ما انتوا عارفين والحملة الصليبية التانية دي تجهزت بعد سقوط الرُها وبعد مقتل عماد الدين زنكي وولاية نور الدين محمود –رحمه الله-.
والحملة دية كان على رأسها لويس السابع ملك فرنسا، وكونراد الثالث ملك ألمانيا والنمسا، وكانت حملة كبيرة جدًا ضخمة وعبر بها ملك ألمانيا أوروبا بكاملها وعبر القسطنطينية ووصل إلى آسيا الصغرى.

محاولة إمانويل بن ألكسيوس إعاقة الحملة الصليبية الثانية
والحقيقة يعني في طريقه حاول يعطله إمانويل بن ألكسيوس كومنين -ألكسيوس كومنين امبراطور الدولة البيزنطية كان مات وتولى من بعده إمانويل ابنه –.
وإمانويل هذا حاول أن يعوِّق الجيوش الصليبية؛ لأنه لقى الجيوش الصليبية السابقة لم تعطيه شيئًا في بلاد المسلمين، وخاف على أملاكه البيزنطية الشخصية من الحروب الصليبية أو من الجيوش الصليبية الغربية، لكن لم يفلح، لكن قلل من أعداد الجيش الألماني.

المسلمين في مواجهة الجيش الألماني
وحصل صدام تاني مع السلاجقة في الروم، وحصل تخطف نتيجة الروح العالية عند المسلمين للجيش الألماني، وسبحان الله وصل من الجيش الألماني 5000 مقاتل فقط إلى أرض الشام، مع إن كان طالع من النمسا وألمانيا 200 ألف مقاتل، متخيلين الروح العالية اللي كانت عند الأمة الإسلامية.

تحرك الصليبيين لمحاصرة دمشق
ووصل جيش فرنسا عن طريق البحر إلى القدس، وإلى طبعًا إلى يافا ومنها إلى القدس وحصل اجتماع مع زعماء النصارى في القدس، وبدؤوا يفكروا نعمل إيه؟ ونحارب نور الدين محمود فين؟ نور الدين محمود أملاكه في مملكة طبعًا حلب وما حوله في الرُها بعد إسقاطها، وطبعًا أخوه سيف الدين غازي بيحكم الموصل، طيب نحاربه في أي هذه القطاعات؟ -وسبحان الله- خرجوا برأي غريب جدًا قالوا نحاصر دمشق وناخدها، -دمشق اللي هي في إيدين معين الدين أنر-.

لماذا اتجهوا لمحاصرة دمشق؟
لأن قالوا علشان نوصل لهذه المناطق مع نور الدين محمود لابد أن نسقط دمشق أولًا مع أن دمشق كانت توالي النصارى في فترات كثيرة من حياتها، لكن النصارى طبعًا الصليبيين كان لا عهد لهم بالمرة. وبالفعل جهزوا الجيوش وراحوا حاصروا مدينة دمشق.

استغاثة حاكم دمشق بسيف الدين غازي
واستغاث معين الدين أنر بكل من حوله، ولم يستجب له أحد، فأرسل رسالة إلى سيف الدين غازي الأخ الأكبر لنور الدين محمود يطلب نصرته ضد الصليبيين، يعني راجل بتاع كله زي ما بنقول، وبيشتغل على كل المحاور معندوش مانع يستنصر بالمسلمين مرة، بالصليبيين حسب الظروف.

تحرك سيف الدين غازي ونور الدين محمود لنصرته
وسيف الدين غازي -رحمه الله- لم يخلف ظن معين الدين أنر جهز الجيش بتاعه واتجه لدمشق وخد معاه في الطريق نور الدين محمود وتجمعت الجيوش حول دمشق.

فشل الحملة الصليبية الثانية
وفي الطريق والجيوش لسه رايحة دمشق لقينا معين الدين أنر بيبعث رسالة للصليبيين بيقول لهم: لو مسبتوش هذه الأماكن أنا هسلم المدينة لسيف الدين غازي ولنور الدين محمود وساعتها هما هيحاربوكوا وساعتها خاف الصليبيين من حرب الجيوش الإسلامية المجتمعة، وأنا بقول خافوا مع إن هما أعداد كبيرة إلا أن الله –عز وجل- ألقى في قلوبهم الرهبة من نور الدين محمود، ومن سيف الدين غازي.
فانسحبت الجيوش الصليبية من حول دمشق دون قتال مع الجيوش الإسلامية بقيادة نور الدين محمود وألقى الله الرعب في قلوبهم، بل وعادوا إلى بلادهم وبذلك فشلت الحملة الصليبية الثانية فشلًا ذريعًا.

مواصلة نور الدين محمود الجهاد ضد الصليبيين
نور الدين محمود كمل الطريق وبدأ يحارب الصليبيين وانتصر عليهم أكثر من انتصار من سنة 543 لسنة 545 عمل كذا انتصار بل وقتل ريموند أمير أنطاكية في أحد هذه المعارك، وحتى لما هزم هزيمة مفاجئة من أحد الصليبيين اللي هو كان اسمه جوسلين اللي كان قبل كده أمير إمارة الرُها قبل أن يسقطها أبوه عماد الدين زنكي، هزم هذا الرجل نور الدين محمود في أحد المعارك.
فصمم نور الدين محمود أن يرد الثأر للمسلمين واستطاع بعد عدة شهور أن ينتصر عليه انتصارًا كبيرًا بل وأُسر جوسلين ديكارتنيه اللي هو كان أمير الرُها في ذلك الوقت.

سقوط عسقلان واستغاثتهم بنور الدين محمود
في سنة 548 للأسف الشديد حصل حادث مؤسف وهو سقوط عسقلان، ولحد هذا الوقت كانت عسقلان لم تسقط في داخل فلسطين وهي المدينة الوحيدة التي ظلت في داخل فلسطين حرة، وإن كانت مملوكة للدولة العبيدية التي كانت تحكم مصر في ذلك الوقت، فسقطت عسقلان ومن هذا السقوط يعني أرسلوا رسالة استغاثة لنور الدين محمود.
وحاول نور الدين محمود أن يصل إليها لكن للأسف الشديد كانت دمشق تقف عائقًا له عن الوصول إلى عسقلان -أو إلى فلسطين بصفة عامة.

نجاح نور الدين محمود في ضم دمشق
ومن هنا فكر نور الدين محمود –رحمه الله- أن يضم دمشق ضمًا أكيدًا إلى دولته الإسلامية المجاهدة في سبيل الله، وبالفعل جهز الجيش بتاعه، وفي سنة 549 حاصر دمشق ولم يجد يعني أهل دمشق لهم الجيش العسكري في دمشق أن يجد له طاقة في حرب نور الدين محمود.

ترحيب أهل دمشق بنور الدين محمود
ففتحت الأبواب وخاصة أن الشعب الدمشقي في داخل دمشق كان يهتف باسم نور الدين محمود، طبعًا سيطه واصل في كل مكان، والناس عرفت قيمة عماد الدين زنكي، وقيمة نور الدين محمود، الشعب اتغير بعد مرور هذه السنوات وبدأت العقيدة الإسلامية تتسرب إلى داخل الحصون الدمشقية، ورجع الناس لربهم -سبحانه وتعالى-، واستقبلوا نور الدين محمود استقبالًا عظيمًا حافلًا.

اتخاذ نور الدين محمود دمشق عاصمة له
وضُمت بذلك قوة دمشق إلى قوة العالم الإسلامي، وجعل نور الدين محمود العاصمة له في دمشق؛ ليكون قريبًا من الحدود الصليبية -أو حدود الجيوش الصليبية- المحتلة لطرابلس والمحتلة لفلسطين بكاملها في ذلك الوقت.
وعلى فكرة في هذا الفتح الذي قام به نور الدين محمود، مجير الدين آبق -اللي كان حاكم لدمشق- حاول أن يستغيث بالنصارى الصليبيين، ولكن لم يكن لهم طاقة حين ذلك الوقت ضد نور الدين محمود –رحمه الله-.

تفكير نور الدين محمود في ضم مصر
بعد كده استمر برضه في معارك متصلة مع الصليبيين. وفي سنة 558 مات بلدوين الثالث -اللي كان حاكم للقدس- وتولى واحد اسمه إموري -أو عموري- كما يذكر في المراجع الإسلامية، وده هيكون له شأن مع بعض المسلمين في بعض المواقف.
في كل هذه القصة نور الدين محمود عينيه على مصر، وبيقول أن إسقاط فلسطين أو إسقاط الجيوش الصليبية في فلسطين دون التعاون مع مصر هيكون أمر صعب جدًا، ومن ذلك الحين وهو يفكر في ضم مصر إلى مملكته.

أسباب صعوبة ضم مصر في ذلك الوقت
لكن طبعًا كان صعب جدًا؛ لأن مصر كان محكومة بالعبيديين، انتوا عارفين الدولة العبيدية -اللي هي مسماة بالفاطمية-، كانت وقت ما تولى نور الدين محمود – رحمه الله- الحكم كانت مر عليها أد إيه في حكم مصر؟
كانت مر عليها 180 سنة تقريبا، 180 سنة من المكوث في أرض مصر، طبعًا ده رسخ أقدامها تمامًا في أرض مصر، وكان صعب جدًا جدًا على نور الدين محمود أن يغزو مصر وبالذات أن فلسطين متوسطة بين الدولتين، بين الشام من الشمال، وبين مصر من الجنوب.

لكن سبحان الله مع أن هذه الرغبة لم يكن له طاقة بتحقيقها إلا أن الله -عز وجل- اطلع على الصدق في قلبه فيسر له الأحداث التي تمكنه من ضم مصر إلى مملكته، وبالتالي من التجهيز لإسقاط الجيوش الصليبية في فلسطين، ولتحرير فلسطين.

الخاتمة
يا ترى إيه اللي حصل؟ وإيه التجهيز اللي ربنا -سبحانه وتعالى- عمله؟ وإيه الطريقة اللي نور الدين محمود بها استطاع أن يضم مصر؟ ده إن شاء الله اللي هنعرفه في الحلقة القادمة.
أسأل الله -عز وجل- أن يفقهنا في سننه وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تم بحمد الله
شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36

هنـــا
ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع
فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.
في أمان الله

**آمــال الأقصى** · 19-01-2018, 10:41 PM

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.

**عطر الفجر** · 20-01-2018, 10:47 PM

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم

***أمة الرحيم*** · 23-01-2018, 07:57 PM

جزاكم الله خيرًا ونفع الله بكم

***أمة الرحيم*** · 08-02-2018, 01:51 AM

جزاكم الله خيرًا وبارك الله فيكم

إعـــــــلان

الحلقة الثانية والعشرون من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني

الحلقة الثانية والعشرون من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني

تعليق

تعليق

تعليق

تعليق

تعليق