إعـــــــلان

**بذور الزهور** · 16-01-2018, 01:42 PM

حياكم الله وبياكم الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات: يسر
فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
أن يقدم لكم: تفريغ:
الحلقة العشرون من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني
( (20) الملك المخادع على القدس (خط الزمن))

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فأهلًا ومرحبًا بكم في هذا اللقاء المبارك، وأسأل الله -عز وجل- أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين.

مع الحلقة العشرين من حلقات "خط الزمن"
وما زلنا مع قصة فلسطين، في الحلقة اللي فاتت الحقيقة كانت حلقة مأساوية، تعرضنا فيها لأزمات كبيرة جدًا مرت بالأمة الإسلامية بصفة عامة، ومرت بفلسطين بصفة خاصة، تعرضنا للحروب الصليبية، وكيف استطاع الصليبيون أن يؤسسوا في سنة 490 ه إمارة الرُّها في جنوب تركيا وفي شمال العراق وشمال سوريا، واستطاعوا أن يؤسسوا إمارة أنطاكية في شمال غرب سوريا، واستطاعوا كذلك أن يصلوا إلى بيت المقدس وأن يحاصروا القدس في غياب كامل عن الحمية الإسلامية للجيوش الإسلامية المبعثرة هنا وهناك في المدن المختلفة،

بل على العكس وجدنا تمويلًا ودليلًا وإعانة وهدايا للجيوش الصليبية في طريقها من أنطاكيا إلى بيت المقدس، كل ذلك لتجنب القتال مع الصليبيين، طبعًا نوع كبير جدًا من الذلة والمهانة وقعت على الأمة الإسلامية فتحت فيها الأبواب للصليبيين فدخلوا حتى وصلوا إلى بيت المقدس، وهناك ارتكبوا المذبحة الشنيعة وقتلوا 70 ألف مسلم في يوم واحد في فتحهم لمدينة القدس، وكانت المأساة دي في 22 شعبان سنة 492 ه ودا بيوافق 15 يوليو سنة 1099م.

دخول الصليبيين بيت المقدس وتنازعهم على الحكم فيها
طبعًا لما دخلوا بيت المقدس عملوا زي ما قلنا المرة اللي فاتت صلاة الشكر، على أنهم فُتحت لهم الأبواب في بلاد المسلمين، وحصل مباشرةً في نفس اليوم اللي دخلوا فيه إلى القدس تنازع على سلطان القدس، مين اللي يحكم القدس.

لماذا اشتد التنازع على الحكم فيها؟
وطبعًا التنازع دا كان أشد من التنازع اللي كان أنطاكية أو الرها أو غيرها؛ لأن القدس هي أهم مدينة في العالم للنصارى، وأهم مدينة لكل الديانات، تُعظم بكل الديانات، يعني مكة والمدينة طبعًا أعلى قدرًا عند المسلمين، لكن لا يعظمها اليهود والنصارى، لكن مدينة القدس تُعظم من كل الديانات، تعظم من المسلمين ومن اليهود ومن النصارى. فالذي يحكم هذه المدينة له مكانة اجتماعية عالية جدًا، راقية جدًا في كل العالم ليس فقط عند النصارى، فتنازعوا عليها تنازعًا شديدًا، وحصلت صراعات كثيرة ليس المجال لتفصيلها.

وصول حكم بيت المقدس إلى جودفري دي بويون
وفي النهاية وصل الحكم لـ جودفري دي بويون اللي هو كان رئيس أكبر الجيوش الفرنسية القادمة من شمال فرنسا ومن غرب ألمانيا.
البابا أوربَن الثاني اللي هو حرك كل الجموع دي كان مات قبل دخول الجيوش الصليبية إلى أرض القدس، يعني ما يعرفش أن القدس فُتحت، وتولى بعده واحد اسمه باسكال الثاني، وماكانش لسه مثبت أقدامه بحيث أنه ينازع جودفري دي بويون الحكم المباشر لمدينة القدس، فاستلمها جودفري دي بويون.

خداع جودفري دي بويون جموع الناس
علشان يعمل برضه تمثيلية يقنع بيها الناس أن هو راجل ديني وراجل جاي علشان المسيح وعلشان الصليب وعلشان النصارى، سمى نفسه حامي بيت المقدس، يعني مرضاش يسمي نفسه ملك، قال أنا حامي بيت المقدس، ومرضاش يلبس تاج من الذهب لبس تاج من الشوك، وقال: "لا ألبس تاجًا من الذهب في بلد لبس فيها المسيح تاجًا من الشوك"، وعمل التمثيلية دي.

خداع المؤرخين المسلمين بهذا الشخصية أيضًا
وهذه التمثيلية انطلت على جموع كثيرة من المؤرخين لا أقول غير المسلمين ولكن المسلمين، يعني غير المسلمين معروف بيزوروا التاريخ بتاعهم، يكتبوا زي ماهما عاوزين يكتبوا، والتاريخ كما تعلمون يسجله المنتصر. فكتبوا الكلام بتاعهم على هواهم، لكن كيف ينقل المسلمون أن هذا الرجل اختاره النصارى لتقواه وورعه ولطيبة قلبه؟!
والله يا إخواني ويا أخواتي هذا الكلام مكتوب في مراجع إسلامية أن جودفري دي بويون اختاروه علشان هو طيب القلب، وعلشان هو ورع، وعلشان هو تقي، تخيلوا أن هذا الكلام يُكتب بعد أن ذبح في اليوم السابق -24 ساعة بس- سبعين ألف مسلم في المسجد الأقصى في مدينة القدس، تخيلوا، طبعًا غياب كامل للرؤية عند هؤلاء المؤرخين، ويحتاج فعلًا أننا نعيد كتابة التاريخ الإسلامي.

ماذا فعل جودفري دي بويون ليفرض نفوذه على كل فلسطين؟
جودفري دي بويون خد القدس، طيب عايز بقى يعمل مملكة، هي القدس مدينة، وعايز يعمل مملكة كبيرة، وطموحه في كل فلسطين، والأرض المباركة فلسطين بكاملها، فعايز يعمل مملكة.

1. تخلص من كل المسلمين واليهود في بيت المقدس
فبدأ يوسع الأملاك بتاعته لكن قوته العسكرية ضعيفة، الجيش اللي معاه ليس جيشًا كبيرًا يستطيع أن يتحرك هنا وهنا، فطلع من مدينة القدس بعد ما استقرت الأوضاع داخل مدينة القدس، وطبعًا ذبح كل المسلمين زي ما قلنا، وحرق –واسمعوا الكلمة دي- كل اليهود، اليهود طبعًا مش بيعيشوا في القدس علشان العهدة العمرية، لكن اليهود كانوا بيعدوا يزوروا مدينة القدس علشان هي مدينة مقدسة عندهم، أي يهودي كان موجود في داخل القدس جَمعه وحَطه في الكُنَيِّس اليهودي هناك، وحرق الكنيس بمن فيه من اليهود.

علشان تعرفوا الحرب العنصرية اللي كان عاملها الصليبيون ضد أي حد مخالف ليهم، حتى -زي ماشفنا قبل كدا- حرقوا ولا قتلوا واغتصبوا النصارى الأرثوذكس في طريقهم لحد ما وصلوا بلاد المسلمين، حرب إبادة عرقية على أعلى مستوى.

2. احتل المدن التي توجد حول فلسطين
فـ جودفري دي بويون خد الجيش بتاعه وبدأ يحتل المدن اللي حوالين القدس، احتل يافا، واحتل اللد، واحتل الرملة، واحتل نابلس، واحتل بيسان، واحتل طبرية.

3. اتجه إلى سياسة السلام مع المدن التي لم يستطع فتحها بالقوة
لكن مش قادر يحتل كل المدن الموجودة في فلسطين، وبالذات إن في بعض المدن على قوة كبيرة، وبعض المدن ما زالت في يد الحامية العبيدية، زي مدينة عسقلان، وزي مدينة أُرسوف، وزي مدينة عكا، طيب يعمل إيه؟ بدأ يعمل معاهم سياسة –سبحان الله- قديمة حديثة، وشوفوا كدا الكلام دا واسمعوه وتدبروه علشان تعرفوا ازاي أعداءنا بيغزوا بلاد العالم الإسلامي، وازاي المواقف دي بتتكرر واحنا يبدوا أن إحنا مابنقرأش التاريخ.

قرر أن يقوم مع المدن التي لم يستطع أن يفتحها بالقوة، قرر أن يقوم معها بمباحثات سلام، فبدأ يعمل نوع من السلام مع هذه المدن الفلسطينية الإسلامية الموجودة في داخل فلسطين، مع إن في إيديه القدس وفي إيديه أكتر من مدينة إسلامية واجبة التحرير على المسلمين.
فعمل معاهدة سلام مع أرسوف، عمل معاهدة سلام مع عكا، معاهدة سلام مع قيسارية، ومعاهدة سلام مع عسقلان.

ما الذي سيحققه من معاهدات السلام مع هذه المدن؟
طيب كيف يمد هذا السفاح يده بالسلام؟ إيه اللي هيحققه؟ شوفوا هيحقق إيه:

أولًا: هيحقق اعتراف من المسلمين بمملكة بيت المقدس النصرانية
ودا لعله أكبر المكاسب اللي ممكن يحققها، خلاص المسلمين بيعملوا معاهدة؛ معناها معاهد مع رجل يملك هذه البلاد، نُقره على القدس في سبيل أن يُقرنا نحن على عسقلان أو على قيسارية أو على جزء من أرض فلسطين.

ثانيًا: اكتساب أيدي عاملة من المسلمين
هو في نفس الوقت في حاجة للأيدي العاملة، خلي بالك هو جاي يعيش في هذه البلاد، معاه الجيش بتاعه، والجيش بيتناقص تدريجيًا، فعايز ناس تشتغل في المزارع، وناس تصنع له الأشياء، وناس تبنيله، حتى القلاع العسكرية اللي هو بيبنيها العسكرية محتاجة ناس يبنوها، فهيجيب منين؟ هيجيب الناس المسلمين اللي موجودين في هذه البلاد بعد عقد معاهدات السلام ييجوا يشتغلوله بالأجرة في بلاده.
طبعًا الكلام دا كله يا إخواني ويا أخواتي مؤقت لحد ما يتمكن من القوة ويجيله مدد من أوروبا وساعتها هيلغي كل هذه المعاهدات، ويقتحم فلسطين بكاملها.

ثالثًا: تنشيط حركة التجارة في داخل فلسطين
في نفس الوقت هينشط حركة التجارة في داخل فلسطين.

- والكلام دا ليه؟
الكلام دا لأن جودفري دي بويون ماعهوش أسطول، والأسطول الفرنسي في ذلك الوقت كان ضعيف جدًا، وأقوى أسطول في مياه البحر المتوسط كان أسطول إيطاليا، وأسطول إيطاليا دا مكون من أسطول جنوة وبيزا والبندقية اللي هي فينيسيا، فدي أقوى أساطيل، بس الأساطيل دي أساطيل تجارية مش أساطيل عسكرية، يعني هو مش هيقدر يساعده إلا إذا ضمن فلوس.

- فيعمل إيه؟
قاله تعالى شجع التجارة في بلاد فلسطين وبلاد الشام، هفتحلك مجال تجيب البضاعة بتاعتك من إيطاليا ومن العالم كله وتبيعها في أرض فلسطين وأرض الشام، والناس دي معاها فلوس وعاشت فترات طويلة في ترف وثراء فممكن يشتروا منك في سبيل أنك تجيبلي الجنود تلو الجنود من أوروبا، وتجيبلي السلاح تلو السلاح من أوروبا، يعني معاهدة تبادل منافع، الجمهوريات الإيطالية هتاخد تجارة، والجيش الصليبي في القدس هياخد سلاح وياخد جنود.

طيب التجار دول هيبيعوا لمين؟
فقال نعمل معاهدات سلام مع المدن الفلسطينية فتصبح سوق لهذه التجارة الإيطالية.

رابعًا: بث الانقسام داخل المجتمع الفلسطيني
في نفس الوقت هيعمل انقسام داخل المجتمع الفلسطيني ودي في غاية الأهمية، في ناس هتوافق على مباحثات السلام، وفي ناس هترفض مباحثات السلام، ويحصل صراع بين الفلسطينيين دا موافق ودا رافض، وقد يقتتل الإخوة في داخل البلد الواحد والمستفيد الأول هو الجيش الصليبي في القدس.

خامسًا: تسكين روح العداء بين المسلمين والصليبيين
في نفس الوقت هيسكن روح العداء، لأن هو لما يعمل هذه المعاهدة خلاص اللي جوا القدس دا واحد صاحبي، واحد صديقي عاملين مع بعض معاهدة سلام بنبيع ونشتري مع بعض مفيش أي مشاكل، فروح العداء في الشعب المسلم هتروح، سنة ولا اتنين ولا تلاتة ولا عشرة هننسى، وتصبح دولة الصليبيين دولة صديقة موجودة في داخل القدس، تُصادق عسقلان وقيسارية وغيرها من مدن المسلمين.

سادسًا: استغلال الصليبيين فترة المعاهدة في الراحة والاستعداد
برضه في نفس الوقت هي فترة استعداد هناخد فيها راحة، المسلمين القضية بعيدة عن دماغهم واحنا عمالين نجهز ونعد وتجيلنا الجيوش تلو الجيوش وقوتنا هتبقى أكبر، وبعد كدا هنبقى نخلف المعاهدة في آخر الوقت.

سابعًا: فرض جزية على المسلمين
وفي نفس الوقت يا إخواني بيفرض في هذه المعاهدة –تخيلوا شوفوا الخِسة والذلة التي عند المسلمين- يفرض في هذه المعاهدة من معاهدات السلام جزية يدفعها المسلمون، والمسلمين بعد كل هذه الكلمات اللي قلناها وافقوا على مباحثات السلام، ومنهم من باع الأرض والعرض والوطن، وحط إيديه في إيدين جودفري دي بويون علشان يعمل معاهدة سلام باع فيها أجزاء من فلسطين، والكلام دا كله مؤقت لحد ما تكتمل القوة لـ جودفري دي بويون وهياكل فلسطين كلها زي ما هنشوف إن شاء الله بعد الفاصل.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
كنا قبل الفاصل بنتكلم على اقتحام الجيوش الصليبية لأراضي المسلمين، وعلى رد فعل المسلمين للأسف كان رد فعل مخزي، وشفنا الأبواب بتتفتح للصليبيين بمنتهى السهولة، ومفيش أي نوع من المقاومة من المسلمين، وشفنا سياسة جودفري دي بويون السفاح الذي عقد معاهدات سلام مع بعض المدن الفلسطينية تجنبًا لشرها فترة من الزمن.

نقض الصليبيين لمعاهدات السلام بعد أن أتتهم الامدادات
ثم بعد ذلك ما الذي حدث ياإخواني؟ بمجرد أن أتت له القوات من هنا وهناك، بدأ يخرج برا حدود القدس، ويخرج برا حدود المعاهدات والاتفاقيات، ويخون هذه العهود، ودا شيء مش مستغرب، بالعكس، الناس اللي بتستغرب أن يخون اليهود أو النصارى عهودهم هؤلاء لم يقرأوا كتاب الله -عز وجل-، يقول ربنا -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: "أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" البقرة:100.

دا كلام ربنا -سبحانه وتعالى- يصف لنا الدنيا، يصف لنا التاريخ ويصف لنا المستقبل، ويصف لنا الواقع الذي نعيش فيه، الذي لا يقرأ كتاب ربنا -سبحانه وتعالى- لا يلومن إلا نفسه، هو اللي بيوقع نفسه في المشاكل، هو اللي بيشوف الحفر ويقع فيها متعمدًا، طبعًا دا شيء فعلًا يدل على غباء شديد، وعلى بعد شديد عن دين رب العالمين -سبحانه وتعالى-.

كيف يأمن المسلمون لجودفري دي بويون بعد كل نقضه للعهود؟!
المشكلة أن جودفري دي بويون خالف العهد مرة واثنين وثلاثة وعشرة في رحلته الطويلة وهو جاي من أنطاكية لحد بيت المقدس، فكيف يأمن المسلمون لعهده في هذه الأوقات يا أخواني؟ كيف يحافظوا على قليل حياة، يعني مجرد إن أنا أعيش حتى إن شاء الله يوم زيادة، يومين زيادة "وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ" البقرة:96.
هذه الآية نزلت في اليهود وفي كل من اتصف بصفتهم من البشر يُعاقب بمثل ما عوقب به اليهود قبل ذلك من الذلة والمسكنة. ضربت للأسف الشديد الذلة والمسكنة على المسلمين في هذه الفترة المؤسفة في تاريخ الأمة.

تقصير علماء السنة في دورهم في هذه الفترة
طبعًا أنا مش بالوم بس على القواد وعلى الرؤساء اللي كانوا موجودين في ذلك الوقت، لكن ألوم أيضًا على العلماء الذين كانوا يعيشون في هذا الزمن، إحنا بنتكلم على سنة 490 ه – 491 ه، يعني من سنة 463 ه وتحررت هذه البلاد من الاحتلال العبيدي، سواء كانت منطقة الشام بكاملها أو منطقة فلسطين، ووُجد فيها علماء السنة، يعني بقالنا دلوقتي حوالي 27 سنة فيها علماء السنة فلماذا لم يتحركوا؟
تجد بعض الروايات في تاريخ دمشق لابن عساكر يذكر فيها أن العلماء في ذلك الوقت كانوا لا يتكلمون خوفًا على حياتهم، طبعًا دقاق بن تُتُش اللي كان بيحكم دمشق، ولا رضوان بن تتش اللي بيحكم حلب الإثنين كانوا من الحكام الظلمة الفاسدين فمهدد أي عالم يتكلم أنه يُذبح في هذه البلاد، فكل واحد ساكت، ليه؟ كل واحد محافظ على عمره وعلى حياته وعلى سلطانه وعلى كرسيه وعلى كذا وكذا من متاع الدنيا.
طيب الجاهل يجهل والعالِم يسكت فكيف يتعلم الناس؟

لماذا رضيت الشعوب ولم تثور في هذه الفترة؟!
فلا ألوم الحكام وحدهم، ولكن ألوم أيضًا معهم العلماء، بل ألوم –يا إخواني ويا أخواتي- الشعوب التي رضيت بهؤلاء الحكام ورضيت بهؤلاء العلماء، الشعوب يا إخواني التي لا تثور إلا من أجل رغيف العيش هذه الشعوب لا تستحق الحياة، الشعب الذي يستحق الحياة فعلا هو الشعب الذي يثور من أجل عقيدته، من أجل دينه، من أجل أرضه، من أجل عرضه، تتحرك فيه نخوة، يدافع عن نفسه.
ما رأينا دفاعًا عن النفس، حتى عن النفس في حروب الصليبيين، في أوائل دخول الصليبيين إلى بلاد المسلمين، زي ما شفنا الركوع المستمر، والخنوع المستمر لجيوش الصليبيين.

قيام أربع إمارات صليبية في العالم الإسلامي
طبعًا دا كله تراكمات سنوات، وأدى إلى وقوع العالم الإسلامي تحت سيطرة الصليبيين، قامت لحد دلوقتي 3 إمارات في العالم الإسلامي صليبية، قامت إمارة الرُّها 490 ه، إمارة أنطاكية 491 هـ، إمارة بيت المقدس 492 هـ، وبعد كدا بـ 11 سنة بتقوم إمارة طرابلس، ودي متكونة من مدينة طرابلس في لبنان وما حولها من مدن سواء في لبنان أو في جنوب سوريا، والإمارة دي قامت سنة 503 هـ، وبذلك قامت 4 إمارات في العالم الإسلامي صليبية، وهما دول اللي كملوا معانا لحد آخر الحروب الصليبية.

ومع كل ذلك ما زال هناك أمل في طائفة من المؤمنين الصادقين
طبعًا زي ما أنتو شايفين أنا عارف إن في إحباط شديد عند المشاهدين والمشاهدات، وشايفين أزمات هنا وهناك وتلطيش في المسلمين، يعني –سبحان الله- الواحد نفسه يشم شوية هوا ويقول الحمد لله في أمل، هل في أمل ولا مفيش أمل؟ هل ممكن يحصل وقت يخش فيه الصليبيون أو أعداء أمة الإسلام دون أن يرفع مسلم واحد يده بالدفاع عن حقوق المسلمين؟
أنا أقول لكم يا إخواني دا مش ممكن، لازم يكون في نور، لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال في حديثه الشريف: "ولا تزالُ طائفةٌ من أمتي على الحقِّ ظاهرينَ لا يضرُّهم من خالفَهم حتى يأتيَ أمرُ اللهِ" صححه الألباني.

يعني لازم يكون في طائفة من المؤمنين الصادقين المجاهدين، الذين لا يرجون إلا رحمة الله -عز وجل-، ولا يطلبون إلا رضاه، ولا يطمعون إلا في جنة، ولا يخافون إلا من نار، هي دي الطائفة اللي ممكن تنصر الدين، ولازم تكون موجودة.

ظهور الأمل في منطقة شمال العراق
بس ماشوفنهاش في أرض فلسطين، ولا في أرض الشام، ولا طبعًا في مصر، مصر كانت محتلة بالاحتلال العبيدي بعيد خالص عن القضية، جات منين؟ سبحان الله جات من شمال العراق، منطقة بعيد خالص عن القصة ولم تدخلها الجيوش الصليبية، لكن ربنا -سبحانه وتعالى- يدبر يا إخواني ويا أخواتي، من هذه المنطقة خرج النور الذي أضاء بعد ذلك ظلمات الصليبيين في أرض الشام وأرض فلسطين.

ولماذا شمال العراق؟
واشمعنى شمال العراق؟ شمال العراق –سبحان الله- صدر لنا حركات جهادية كثيرة جدًا في قصة الحروب الصليبية، واحد ورا الثاني ورا الثالث ورا الرابع ورا العاشر جايين من شمال العراق بالذات، طب ليه؟ اشمعنى شمال العراق؟ نرجع ورا خمسين سنة، ونفتكر أسماء قلناها في الحلقات السابقة، نفتكر ألب أرسلان، ونفتكر ملك شاه بن ألب أرسلان، اللي حكم ألب أرسلان من 455 هـ لـ 465 هـ 10 سنوات، ووراه ابنه حكم 20 سنة من 465 هـ لـ 485 هـ، 30 سنة من العلم والجهاد والدعوة والتقوى والصلاة وقيام الليل وقراءة القرآن في هذه المنطقة، في العراق ومنطقة فارس ومنطقة شرق العالم الإسلامي.

والوزير العظيم جدًا نظام المُلك الطوسي -رحمه الله-، أعظم وزراء الأمة الإسلامية من عهد الخلفاء الراشدين لحد هذا الزمن، وهذا الرجل كان عنده طاقة علمية عالية جدًا، وحب للخير، وأنشأ مدارس كثيرة في كل بقاع العالم الإسلامي التي تحت سيطرة السلاجقة، وعرفت هذه المدارس نسبةً إليه بالمدراس النظامية نسبةً إلى نظام المُلك الطوسي -رحمه الله-، ومحتاجين الحقيقة نفصل كثير جدًا في قصة حياته، لكن ماعندناش وقت في هذه الحلقات.
فنشطت حركة علمية كبيرة جدًا، وحركة جهادية كبيرة جدًا، وحركة دعوية كبيرة جدًا في هذه المناطق.

ظهور الحركات الجهادية لنصرة إخوانهم في فلسطين
فلما دخل الصليبيون إلى أرض المسلمين في الشام وفلسطين شعر المسلمون في شمال العراق –البعيدة عن الأحداث- بالأسى لما يحدث في هذه البلاد المسلمة، والأسى لما يحدث في هذه البلاد المباركة، أرض فلسطين، وأرض القدس، فبدأت تتحرك فيهم الحمية، وبدأت تخرج منهم الطاقات الجهادية.

-كربوغة
خرج منهم كربوغة زي ما قلنا قبل كدا بس جيشه كان ضعيف.
- جا كرمش
وخرج منهم بعد كدا جاكرمش.

- مودود بن التنتكين
وخرج مودود بن التنتكين -رحمه الله- ودي شخصية من أروع الشخصيات في التاريخ الإسلامي اللي للأسف مانعرفهاش، شخصية من أعراق تركية، وعنده حمية عالية جدًا للجهاد، وكان عنده برضه تقوى وورع وقيام وصيام.
وكان عنده طاقات إدارية وسياسية على أعلى مستوى، حرَّك الجيوش لكنه كان للأسف عملاقًا في زمان الأقزام، ما نصره أحد،

-تآمر رضوان بن تتش عليه
بالعكس رضوان بن تتش اللي كان حاكم حلب، اللي مفروض أصلًا أكثر الناس المضارين بالمشكلة، أغلق أمامه الأبواب ودس عليه الدسائس، وقام بالمؤامرات تجاهه، لأنه خايف أنه ييجي يحرر البلاد من الصليبيين وياخدها هو، فوقف ضده مع الصليبيين، انظروا إلى العقول المختلة التي كانت تحكم العالم الإسلامي في ذلك الوقت.

عدم يأس مودود بن تنتكين رغم كل هذه المؤامرات
ومودود بن تنتكين -رحمه الله- لم ييأس، وحارب مرة وإثنين وثلاثة وانتصر في سنة 507 هـ في موقعة كبيرة جدًا، موافق 1113 م، على الصليبيين في فلسطين، تخيل، يعني اخترق العالم الإسلامي كله، جاي من شمال العراق، اخترق سوريا بكاملها، واخترق لبنان، واخترق شمال فلسطين،
ووصل إلى منطقة في جنوب بحيرة طبرية، وانتصر على الصليبيين في موقعة الصَنْبَرة، موقعة من أعظم المواقع في تاريخ المسلمين، وذُل فيها الجيش الصليبي ذلًا كبيرًا، وهرب أعداد كبيرة من الجيش الصليبي هنا وهناك، وقُتل عدد ضخم من الجيش، انتصار فعلًا كبير، والكلام دا كان في 7 محرم 507 هـ، يعني بعد حوالي 16 سنة أو 17 سنة من دخول الجيوش الصليبية إلى أرض الإسلام.

ظهور البطل المجاهد عماد الدين زنكي
وفي هذه المرحلة يا إخواني ظهر نجم أحد الأبطال المجاهدين العظماء في تاريخ الأمة الإسلامية، كان يقاتل كجندي في جيش مودود -رحمه الله-، وهو عماد الدين زنكي -رحمه الله-، كان أحد الجنود في هذا الجيش، وكان شاب صغير كان عنده 24 سنة وقت هذه المعركة، وطبعًا عماد الدين زنكي -رحمه الله- يحمل السيف وهو عنده 12 سنة، ويجاهد في جيوش كربوغة، وجاكرمش، وكل من سبق مودود بن تنتكين -رحمه الله-.
وسبحان الله بعد 3 شهور من انتصار مودود بن تنتكين –رحمه الله- على الصليبيين، دس عليه رضوان ملك حلب -على الأغلب- دس عليه من يقتله من الشيعة الإسماعيلية، فقتله في مسجد دمشق وهو يصلي صلاة الجمعة، لتُغلق بذلك صفحة جهاد من مودود بن تنتكين، ويظهر للعالم الإسلامي كل الفضائح التي كان عليها زعماء وقواد العالم الإسلامي في ذلك الوقت.

لا يموت أبدًا الجهاد في سبيل الله
لكن يا إخواني ويا أخواتي بفضل الله لم يمت الجهاد بموت مودود، ولا يموت أبدًا الجهاد في سبيل الله، وإلى يوم القيامة ستظل الراية مرفوعة، وظهرت أسماء إسلامية كثيرة، منها سُقْمان بن أُرْتق اللي احنا اتكلمنا عليه قبل كدا، اللي هو كان بيحكم فلسطين واتجه إلى شمال الجزيرة، منها بَلْك بن بَهران، منها الغازي بن أرتق، منها آق سُنقُر، أسماء أنا عارف أن معظم المشاهدين والمشاهدات مايعرفوش عنها حاجة، لكنها –سبحان الله- كانت أسماء من أروع الأسماء في تاريخ المسلمين، لكن كل دا في الآخر سلم الأمر لعماد الدين زنكي -رحمه الله- علشان يتولى قيادة المسلمين.

تولي عماد الدين زنكي إمارة الموصل
استلم إمارة الموصل -رحمه الله- في سنة 521 هـ وقعد يحكم المسلمين لسنة 541 هـ مع أن كل الظروف كانت ضده، مع أنه نشأ يتيمًا وحيدًا وقد قُتل أبوه على يد تُتُش بن ألب أرسلان هذا الحاكم الظالم الذي كان يحكم بلاد الشام، مع أنه ماكانش ليه أي إخوة، كان ناشيء وحيد فقط ليس له إخوة من الرجال أو النساء، مع أنه مر بظروف صعبة وساب حلب اللي كان متربي فيها وعاش في الموصل.

مع كل هذه الظروف إلا أن ربنا -سبحانه وتعالى- صنعه على عينه وأنشأه نشأة إسلامية رائعة، كان مجاهدًا، كان عالمًا، كان مغيِّرًا، كان مجددًا، وهو دا اللي هيبتدي صفحة الجهاد الحقيقية مع الجيوش الصليبية.
قصته قصة مؤثرة، وأولاده أصحاب أثر كبير جدًا في حرب الصليبيين، دا اللي هنعرفه بإذن الله في الحلقة اللي جاية.

الخاتمة
أسأل الله -عز وجل- أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تم بحمد الله
شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36

وللمزيد من تفريغات الفريق تفضلوا:
هنـــا
ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع
فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.
في أمان الله

**آمــال الأقصى** · 17-01-2018, 11:38 PM

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.

**بذور الزهور** · 17-01-2018, 11:51 PM

المشاركة الأصلية بواسطة آمــال الأقصى مشاهدة المشاركة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.

اللهم آمين وإياكم

**عطر الفجر** · 19-01-2018, 12:55 AM

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا وتقبل منكم

***أمة الرحيم*** · 23-01-2018, 07:58 PM

جزاكم الله خيرًا ونفع الله بكم

إعـــــــلان

الحلقة العشرون من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني

الحلقة العشرون من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني

تعليق

تعليق

تعليق

تعليق

تعليق