إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحلقة الثانية عشر من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحلقة الثانية عشر من سلسلة خط الزمن للدكتور راغب السرجاني




    الحمدلله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

    الأرض المُقدسة كتبها الله عزوجل لكل مؤمن متمسك بشرع ربه سبحانه وتعالى
    وأي إنسان يبدل نعمة الله كفرا بعد أن منَّ الله عزوجل عليه بالهداية فلا يستحق هذه الأرض أبدًا





    عمرو بن العاص وفتح فلسطين



    رابط مشاهدة الحلقة على اليوتيوب:







    لتحميل الحلقة بجودات مختلفة من هنا:

    http://way2allah.com/khotab-item-19315.htm



    جودة عالية avi

    http://way2allah.com/khotab-mirror-19315-23688.htm



    رابط صوت mp3

    http://way2allah.com/khotab-mirror-19315-23689.htm



    رابط الحلقة على الساوند كلاود:

    http://way2allah.com/khotab-mirror-19315-219841.htm





    رابط تفريغ بصيغة pdf
    http://www.way2allah.com/media/pdf/19/19315.pdf




    رابط تفريغ بصيغة word


    https://archive.org/download/timeline12/timeline12.doc

    التعديل الأخير تم بواسطة آمــال الأقصى; الساعة 28-01-2018, 01:00 AM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.


  • #2



    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد، فأهلًا ومرحبًا بكم في هذا اللقاء المبارك، وأسأل الله -عز وجل- أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.

    مع الحلقة الثانية عشرة من برنامج خط الزمن، وما زلنا مع قصة فلسطين، في الحلقة اللي فاتت شُفنا المواقف العظيمة التي ثبت فيها رجال الإسلام أمام الجحافل الرومانيَّة الضخمة، وانتصروا الانتصار المهيب على القوات الرومانية في موقعة اليرموك، وشفنا انكسار شوكة الرومان وانسياح الجيوش الإسلامية العظيمة في داخل الشام، شُفنا تحركات في داخل سوريا، في داخل لبنان، في داخل الأردن، وفي داخل فلسطين، قُلنا إنّ سيدنا أبو عبيدة بن الجراح بعد موقعة اليرموك بدأ يقسّم الجيوش الإسلامية وكان من نصيب فلسطين أن يذهب إليها الصحابي الجليل عمرو بن العاص -رضي الله عنه وأرضاه- ليبدأ سلسلة من الفتوح المجيدة في داخل البلد المباركة فلسطين.



    وقفة مع الصحابي الجليل عمرو بن العاص
    • شُوِّه تاريخ كثير من عمالقة الإسلام منهم عمرو بن العاص
    الحقيقة قبل ما نتكلم على خط سير حملة عمرو بن العاص -رضي الله عنه- في داخل أرض فلسطين محتاجين نقف وقفة مع هذا الصحابي الجليل، أنا بقول إنّ التاريخ الحقيقة للأسف الشديد شُوِّه كثيرًا، وزُوِّر كثيرًا، وسيرة بعض العظماء والكرماء من أبناء الأمة الإسلامة بالذات شُوِّهَت في صفحات التاريخ المتعددة؛ لأهداف كثيرة ولغايات متعددة من هنا وهناك، لكن المحصّلة النهائية أن هناك بعض الشخصيات زي عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وزَيّ غيره من عمالقة الإسلام شُوّه تاريخهم بشدة حتى ظهرت الأعمال الإعلامية والسينمائيّة وغير ذلك تطعن فيهم وقَلَّما يجود الزمان بأمثال هؤلاء الكرام.
    • تقييم النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص
    عمرو بن العاص -رضي الله عنه وأرضاه- أنا مش هدافع عنه بكلماتي، أنا هأذكر كلمات الحبيب -صلى الله عليه وسلم- في ذِكْر شخصيته، أنا هقول لكم تقييم الرسول -عليه الصلاة والسلام- لهذه الشخصية كان شكله إيه.
    قال -صلى الله عليه سلم- في حق عمرو بن العاص والحديث صحيح، قال:
    "أسلم الناسُ وآمن عمرُو بنُ العاصِ" حسَّنه الألباني، وأكيد الناس كلها فاهمة كويس معنى كلمة الإسلام والفرق بينها وبين كلمة الإيمان إذا جُمِع الإسلام مع الإيمان، الإسلام ممكن يكون بالظاهر لكن الإيمان في سويداء القلب، هذا يثبته له مَن؟ صلى الله عليه وسلم، وهذا الكلام يا إخواني ويا أخواتي مُتَابَع بالوحي، ولو كان هناك أيّ انحراف عن جادَّة الصواب في مثل هذه الجملة ما سكت وحي السماء أبدًا عن مثل هذا التقييم الرائع من حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- لهذه الشخصية الرائعة عمرو بن العاص -رضي الله عنه وأرضاه-.

    يقول -صلى الله عليه وسلم- في حديثٍ آخر والحديث صحيح: "عمرو بنُ العاصِ من صالحي قريشٍ" صححه الألباني، انظر هذا هو التقييم وهذا هو التعديل، عمرو بن العاص من صالحي قريش.
    • ماذا وُلِّيَ عمرو بن العاص في زمان النبي؟
    عمرو بن العاص -رضي الله عنه- استخلفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إمارة عمان في زمان الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، وظل عليها إلى أن مات، يعني هذا الرجل يثق -صلى الله عليه وسلم- في دينه وفي ورعه وفي أمانته وفي تقواه إلى درجة أن يولّيه حكم بعض البلاد الإسلاميّة الضخمة، وأن يوليه جمع الخراج، وأن يوليه قيادة الناس، وتعليم الناس أمور الإسلام، هذه والله كرامة كبيرة جدًّا.
    • فتوحات عمرو بن العاص
    عمرو بن العاص -رضي الله عنه وأرضاه- أدخل الإسلام في عمان، ثم أدخل الإسلام في فلسطين، ثم أدخل الإسلام في مصر، وتخيَّل كل إنسان يقوم بعمل من الأعمال الصالحة في كل هذه البلاد يُضاف إلى حسنات هذا الصحابي الجليل عمرو بن العاص، فما أكرمه -رضي الله عنه وأرضاه- من صحابيّ.


    لماذا عمرو بن العاص إلى فلسطين؟
    من البداية سيدنا أبو بكر الصديق اختار عمر بن العاص ليذهب إلى فلسطين لو تفتكروا توزيعة الجيوش الإسلامية في بداية الفتوح الإسلامية للشام قُلنا أربعة جيوش كان الجيش الرابع منها عمرو بن العاص إلى فلسطين، ولعلنا نقف وقفة ونقول ليه عمرو بن العاص بالذّات لفلسطين؟
    - قد يرجع ذلك إلى أن أم عمرو بن العاص -رضي الله عنه وأرضاه-، أمه كانت من قبائل قضاعة، وقبائل قضاعة هذه كانت بالمقربة من شمال الجزيرة العربية وبالقُرب جدًّا من فلسطين، لعل هذا يكون أحد الأسباب، لأنه أعلم بهذه الديار، وأقرب لها رحمًا، وقد يسهل عليه فتح هذه البلاد أكثر من غيره.
    - لكن من المؤكد إنّ برضه الاختيار وقع على عمرو بن العاص؛ لإنه كان عبقريّة عسكريّة فذّة، وكان من أمهر العرب قيادةً للجيوش، وكان من أدهى العرب ذكاءً وحكمةً وقدرةً على تسييس الجيوش بل والشعوب.



    رؤية واضحة وتجَرُّد كامل.. تَبِعَتهما فتوحاتٌ وانتصاراتٌ متتالية
    سيدنا عمرو بن العاص استطاع بفضل الله أن يفتح زي ما قُلنا ثلاث دول؛ فتح عمان، وفتح فلسطين، وفتح مصر، ونقول يا ترى الكلام دا مردّه إيه؟ آه ممكن يكون مردّه لحكمة ولسياسة ولفروسية ولقيادة وكل هذا الكلام، لكن أنا بقول لكم المردّ الرئيسي في هذه القضية إلى كلمة جميلة جدًّا قالها عمرو بن العاص عندما اختاره الصديق -رضي الله عنه- ليكون رأسًا من رؤوس الإسلام المتَّجهة إلى فلسطين، قال له أبو بكر الصديق أنه يستشيره في عزله أو في أخذه من إمارة عمان وإطلاقه إلى فلسطين، ماذا قال عمرو بن العاص؟
    يقول: "إني سهمٌ من سهام الإسلام، وأنت بعد الله الرامي والجامع لها، فانظر أشدّها وأخشاها وأفضلها فارمِ به"، انظر إلى الكلمات، يعني يقول: أنا ما لي إرادة، أنا سهمٌ من سهام الإسلام، المكان الذي ترى فيه مصلحة الأمة ارمِ به بعد الله -عز وجل- فيه، في فلسطين، في مصر، في عمان، في أيّ مكان، أنا طوع إرادة أمير المؤمنين أو خليفة المسلمين في دَفْعي إلى أيّ مكان جهاد في سبيل الله.

    بهذه الرؤية الواضحة وبهذا التَّجَرُّد الكامل استطاع هذا البطل العظيم أن يُدخل الإسلام إلى عدّة دول وسكّانها على مَرّ العصور بالملايين وكلهم يعمل لحسابه وفي ميزان حسناته، ونسأل الله -عز وجل- أن يرفع من قدره.

    توالي فتوحات عمرو بن العاص للمُدُن الفلسطينية
    بعد موقعة اليرموك تولّى -زَيّ ما قُلنا- عمر بن العاص من جديد قضية فلسطين أو ملف فلسطين، وأخد الجيش بتاعه مباشرةً وعبر نهر الأردن واتجه إلى فتح المُدُن الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى، ولو انتوا تراجعوا الخريطة خريطة تحرُّكات الجيش الإسلامي اللي قاده عمرو بن العاص، هتلاقوه فتح في الأول سباسطيّة، وبعدين نابلس، وبعدين اللُّد، وبعدين يُبنا، ثم عمواس، ثم بيت جبرين، ثم رفح، وفيه بعض الروايات بتقول إن هو فتح يافا، وبعض الروايات بتضيف غزة إلى هذه الفتوحات، لو تلاحظوا إنّ كل هذه الفتوحات تقع شمال وغرب وجنوب القدس، لكن ما قَرَّبش من القدس في هذه الرحلة الطويلة.

    التَّوَجُّه إلى القُدس
    طبعًا القدس كانت أحصن مدينة في فلسطين، وكانت أقوى مدينة في فلسطين، وجوّاها حامية رومانيَّة ضخمة، طبعًا لإنّ هي المدينة المُقَدَّسَة اللي الرومان كانوا مهتمّين بها اهتمام كبير.
    وهو بعد ما خلَّص كل هذه الفتوحات خلاص ما عادش فاضل غير القدس فبيتَّجه إلى القدس، كان فاضل مدينتين في الحقيقة؛ القدس وبلد تانية اسمها قيسارية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، لكن وجد إنّ القدس الآن أصبح الوقت مناسبًا فاتّجه إليها.

    أرطبون الروم في مواجهة أرطبون العرب
    في الطريق إلى القدس التقى بالجيش الروماني الكبير وكان معسكر قبل القدس بقيادة رجل من أشهر قواد الرومان مطلقًا وهو اسمه أرطبون، ولعل كتير جدًّا من المشاهدين والمشاهدات يسمعوا عن هذا الاسم أرطبون الروم هذا كان من أشهر القادة العسكريين في زمانه، وطبعًا الرومان زَيّ ما قُلنا انكسروا بعد موقعة اليرموك، وفرّوا هنا وهناك، لكن الحامية التي كانت موجودة في القدس لم تغادر أماكنها؛ لقداسة هذه المدينة، ولأهمية هذه المدينة عند النصارى الرومان، فبقيت فيها حامية قويّة ومعسكرة في خارج مدينة القدس، وعلى رأس هذه الحامية أرطبون.



    ولما وصلت الأنباء إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- إنّ الجيش الروماني المحاصر أو الذي يحمي القدس على رأسه أرطبون لم يُفزعه ذلك الأمر، إنما قال كلمته المشهورة التي هي شهادة عظيمة جدًّا من رَجُلٍ جليلٍ جدًّا في حق صحابيٍّ عظيمٍ جدًّا وهو عمرو بن العاص، قال: "قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب.."، إذا كان عندهم أرطبون وقائد عسكري فَذّ فقد رميناه بأرطبون العرب، ويقصد عمرو بن العاص -رضي الله عنه وأرضاه- ".. فانظروا عَمَّا تنفرج" يعني ننتظر ونشوف الأحداث هتكون إيه، وإن شاء الله هيكون النصر لعمرو بن العاص وللمسلمين وللإسلام في هذه المعارك.

    وصل فعلًا الجيشين قُدَّام بعض، وبدأ عمرو بن العاص عايز يعرف دقائق الحصن اللي عايش فيه أرطبون، أو اللي معسكر جوَّاه أرطبون، فأراد أن يُرْسِل رسولًا ليحكي له عن تحرُّكات الجيش في داخل هذا الحصن الكبير، لكنه خَشِي أن ينقل له الرسول صورة غير صحيحة، فأراد أن يدخل بنفسه إلى داخل حصن الرومان، انظروا يا إخواني هذا تجرُّد كبير جدًّا، هو يريد مصلحة الجيش الإسلامي حتى وإنْ ذهبت حياته هو؛ فداءً لنصر هذا الجيش الإسلامي العظيم الذي يفتح أرض فلسطين، فيه شغل كبير جدًّا يا إخواني والله اتعمل على أرض فلسطين ودماء زكيَّة بُذِلت وخطط وجهد وفكر وعقل، الحقيقة جهد ضخم جدًّا، ربنا -سبحانه وتعالى- مَنّ على المسلمين بعد هذا العطاء الطويل بفتح هذه البلاد المقدسة والمباركة.

    فعمرو بن العاص عايز يخُشّ بنفسه، فتنكَّر في زِيّ رسول، ولم يَذْكُر اسمه، ودخل على أرطبون الروم؛ لكي يتحدّث معه في أمور فتح القدس أو الصُّلْح أو ما إلى ذلك من أمور، هيعملوا مباحثات مع بعضهم، فدخل على أرطبون الروم وبدأ يتكلّم معاه وبدأ ياخد ويدّي، وقوّات جيشنا قدّ كده وقوات جيشكم قدّ كده، واحنا ممكن نعمل كذا أو كذا، وأرطبون الروم يحاول أن يأخذ منه معلومات فيخفي عنه عمرو بن العاص المعلومات، ثم يستطيع أن يأخذ منه معلومات أخرى عن جيشه.
    فأرطبون الروم في منتهى الذكاء فبمجرد ما سمع هذه الكلمات من عمرو بن العاص قال دا مش إنسان طبيعي، دا مش إنسان عادي أبدًا من الجيوش العربية، هذا إمَّا أن يكون قائد الجيش أو الذي يستشيره قائد الجيش، يعني علطول لقط ذكاء عمرو بن العاص وعرف طبعًا هو في منتهى الذكاء عرف إنّ هذا الرجل إمَّا إنه يكون عمرو بن العاص شخصيًّا وإمَّا إنه يكون أحد الذين يستشيرهم عمرو بن العاص شخصيًّا.
    ترى ماذا فعل أرطبون الروم بعد أن عرف هذه المعلومة عن عمرو بن العاص؟
    هذا ما سنعرفه بإذن الله بعد الفاصل فابقوا معنا.



    بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    شُفنا قبل الفاصل الموقف العصيب الذي دخل فيه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عندما دخل إلى حصون أرطبون الروم لكي يعرف مداخل الحصون على هيئة رسول، لكن اكتشف أمره أرطبون الروم من شدة ذكائه وقال: "إن هذا الرجل إما أن يكون هو عمرو بن العاص، وإما أن يكون الرجل الذي يستشيره عمرو بن العاص"، فقرر أرطبون الروم أن يخالف كل الأعراف وأن يقتل عمرو بن العاص، هذا حدث في داخل الحصن.

    وعلطول عمرو بن العاص برضه من شدة ذكائه ودهائه لقط إنّ أرطبون الروم يدبّر له مكيدة لكي يقتله فأراد أن يخرج بحيلة من هذا الموقف، فقال لأرطبون الروم، هو أدرك أنه سيُقتل، فقال لأرطبون الروم: "إنني أنا وعشرة من أقراني نحن نشير على أميرنا بما ينبغي أن يفعله، وأنا لا أستطيع أن آخذ رأيًا واحدًا في هذه القضية، فائذن لي أن أذهب إلى قومي وأعود بالعشرة، فإذا تحدثنا معك أخذنا رأيًا قاطعًا".

    ففكَّر أرطبون الروم وقال واحد يعني قليل، وعشرة كثير، إذن أعطيه فرصة يذهب ويعود بالعشرة معه؛ لكي أقتل العشرة مرة واحدة، ويستريح الجيش الروماني من هذه العقول المفكّرة؛ فسمح له بالخروج، فخرج عمرو بن العاص وأقسم ألا يعود لمثلها أبدًا، ألا يوقع نفسه مرةً ثانية في مثل هذا الموقف.
    وعندما وصلت الأنباء إلى عمر بن الخطاب قال: "لله درّ عمرو بن العاص"، قال: لله دره، ما هذا الفكر؟ ما هذا العقل؟ ما هذا الذكاء؟ قُل: ما هذا التوفيق من ربّ العالمين سبحانه وتعالى؟!

    وخرج، وبمجرد خروج عمرو بن العاص وعدم عودته أدرك أرطبون الروم أن عمرو بن العاص قد خدعه، فقال: هذا والله ليس في الرجال مثله، خدعنا، هذا ليس في الرجال مثله.

    ففعلًا عمرو بن العاص استطاع إنّ هو يعني ينجو بهذه الحيلة، وبدأ يجهز الجيوش، وأخد الجيش بتاعه بالفعل حاصر حصون القدس، كان أول واحد يقف على حصون القدس لحصارها، ودخل أرطبون الروم إلى داخل حصون القدس ليقوّي الحامية الرومانية في داخلها.



    تجمُّع الجيوش الإسلاميّة العظيمة حول القدس
    علطول عمرو بن العاص اكتشف طبعًا بجهده العسكري الضخم ونظرته الثاقبة إنّ هذه الحصون من الصعب جدًّا أن تُفتح بجيشه البسيط؛ فأرسل رسائل مباشرة إلى أبي عبيدة بن الجراح -اللي هو القائد العام على جيوش الشام بكاملها- يستغيثه أن يمدّه بالأمداد، وكان رجل واقعي ليس فيه هناك نوع من المبالغات إنما حسب الحسبة وقال مش هينفع بجيشي المحدود إن أنا أفتح حصون القدس الكبيرة، وبالذات اللي داخلها حامية كبيرة وعلى رأسها أرطبون الروم.

    فأتى مباشرةً أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- وأرسل إلى يزيد بن أبي سفيان أن يتحرك له من لبنان، ومعه معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه وأرضاه-، وأرسل إلى خالد بن الوليد في حمص أن يتوجه هو أيضًا إلى أرض القدس في فلسطين، وأرسل إلى معاذ بن جبل، وأرسل إلى شرحبيل بن حسنة، يعني تجمُّع الجيوش الإسلاميّة بكاملها في أرض فلسطين حول القدس.
    يا إخواني هذه الأرض فعلًًا أرض مباركة احنا بنتكلم عن أسماء الرجل فيها يَزِن أُمَّة، تخيَّل تجمُّع كل هذه الرجال العظيمة في مكانٍ واحد حول القدس المباركة، في الأرض المباركة، ليتمّ فتح القدس بفضل الله -عز وجل-.

    وصلت الجيوش الإسلامية من هنا وهناك وحاصرت القدس حصارًا شديدًا، ثم جاء أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه وأرضاه-، عند قدوم أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- حصل نوع من التكبير والتهليل العالي جدًّا عند المسلمين؛ لأنّ هذا قائد كل المسلمين في بلاد الشام، فالجيوش الإسلامية أول ما جه جيش أبو عبيدة وعلى رأسه أمين هذه الأمة كبَّرت الجيوش الإسلامية تكبيرًا عاليًا.

    محادثة بطريرك القدس مع أبي عبيدة بن الجراح
    فسمع التكبير أهل القدس في داخلها؛ فقال بطريرك القدس: "هذا الرجل إن كان أميرهم وكانت صفته كما عندنا في الكتاب فإن البلد تُسَلَّم لا محالة"، لإنّ عندهم صفات الذي يستلم مفاتيح هذه البلدة في كتبهم المُقَدَّسة، فشعر أن الذي كَبَّر له المسلمون بهذه الصورة هو القائد الذي تُفتح له البلاد، ومن ثَمَّ هدَّأ من روع الناس وقال إنني أذهب إلى لقائه، وأفتح له الباب لأنه لا أمل في المقاومة إن كان هو الرجل، فلمَّا ذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح وجد أنه ليس هو الرجل الذي عندهم صفته في كتبهم، فعاد إلى قومه وقال: "اثبتوا على قتالكم إنه ليس الرجل".

    اشتداد المعركة وإدراك النصارى ألا جدوى من المقاومة
    وبدأت الحرب الشَّرِسَة على أسوار القدس، وبدأ المسلمون يرمون السهام في داخل القدس، ويردّ عليهم الرومان بالحرب وبالضرب المستمرّ، وأصبح الموقف فعلًا عسيرًا على المسلمين، وضاقت الأمور بشدّة على الرومان وعلى النصارى المحاصَرين في داخل القدس، وعندها أدرك بطريرك القدس أنه ما هي إلا أيام ويموت أهل القدس جوعًا من الحصار الشديد، فبدأ يفكّر من جديد، ورجع من جديد يطلب المحادثة مع أبي عبيدة بن الجراح.



    تسليم مفاتيح القدس على أن يتسلَّمها أمير المؤمنين بنفسه
    وسأل أبي عبيدة بن الجراح عن صفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- الذي يعيش في المدينة المنورة على بُعْد عدة مئات أو آلاف من الكيلو مترات، فقال له أبو عبيدة صفة عمر بن الخطاب، فقال: هذه صفته التي عندنا، فماذا تريدون؟
    قال أبو عبيدة: إما الإسلام وإما الجزية وإما القتال، فقال: فنحن نقبل الصُّلْح والجزية على أن يأتي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- بنفسه ليتسلَّم مفاتيح القدس.

    هذه صفة مَن نصرهم الله وأعزَّ بهم الإسلام
    فأرسل أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب وقال له الأمر كذا كذا، وأنه لا بُدَّ أن تأتي، فقال: أنا آتيك، أرسل له رسالة صغيرة جدًّا، قال: أنا آتيك، وأتى بنفسه -رضي الله عنه وأرضاه- وهو أمير المؤمنين، ولم يأخذ معه من المدينة المنورة إلا غلامًا واحدًا.
    إنت بتتكلم على رئيس الدولة الإسلاميّة اللي جيوشها كسرت شوكتي فارس والروم، الدولة المُنْتَصِرَة على دولة فارس اللي بتقتسم العالم مع دولة الروم، وكذلك منتصرة على دولة الروم في موقعة اليرموك اللي هي حصلت منذ شهور قليلة، بتتكلم على رجل بيحكم تقريبًا يعني الجزيرة العربية بكاملها واليمن بكاملها وعمان، ويحكم فوق ذلك أرض العراق، ويحكم فوق ذلك أرض الشام بكاملها بما فيها سوريا ولبنان والأردن وفلسطين.
    يعني رجل يحكم أكثر من عشرة أو خمس عشرة دولة من زماننا الآن، ومع ذلك -سبحان الله- يتحرك من المدينة المنورة إلى القدس مسافة ألف كيلو أو أكتر بمفرده ومعه غلام واحد فقط، ويركب على دابة واحدة فقط يتناوب عليها هو والغلام، سبحان الله، أيُّ رجلٍ هذا؟ هذا هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-.
    ما كُنَّا نُنْصَر يا إخواني بقوة عددٍ ولا عُدَّة، ولكن بارتباط هؤلاء بربّهم -سبحانه وتعالى-، والله -عز وجل- هو الذي ينصر، وهو الذي يحقق الفضل للمسلمين، والمجد والشرف والرفعة لهذه الأمة.

    وصل عمر بن الخطاب إلى أرض القدس، وكان في الطريق يتناوب مع غلامه على الدَّابة، يتناوب مع غلامه على حماره الذي يركبه، تخيَّل، وعندما دخلوا إلى القدس -وكنت أظن هذه الرواية ضعيفة لكني وجدت لها تأكيدًا في روايات أو في خبر ابن عساكر، وذكرها ابن عساكر في تاريخه أنها صحيحة-، أنه دخل إلى المدينة وكانت نوبة الغلام، الغلام هو الذي يركب، وعمر بن الخطاب يسير إلى جواره، تخيَّلوا، ودخل عمر بن الخطاب في ما خاض من الطين بقدميه اعترض طريقه، فتخيل المنظر وكانت ثيابه مُرَقَّعَة -رضي الله عنه وأرضاه- وهو الذي امتلك كنوز الدنيا؛ كنوز كسرى وقيصر، ولكنه دخل بثيابٍ بسيطة مرقعة وهو يخوض في الطين، وغلامه يركب على دابته، وكانت هذه صفته في كتبهم المقدسة.

    عندما رأى بطريرك القدس هذا المنظر قال: هؤلاء لا يُهزمون أبدًا، هؤلاء بهذه الصفة وملكهم بهذه الصفة لا يُهزمون أبدًا، هؤلاء ليس للدنيا في قلوبهم نصيب، هؤلاء تجردوا تجرُّدًا كاملًا لله -عز وجل-، ما يرتبطون ببهرج ولا منظر ولا هذه الأمور التي يتعلق بها زعماء وحكام كثيرون في الدنيا ما حَصَّلوا معشار ما حصَّله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-، وفوق كل ذلك له متاع الآخرة.
    نسأل الله -عز وجل- أن يرفع من قدره في الآخرة.

    عمر بن الخطاب دخل بهذه الصورة فَزِع المسلمون عندما رأوا هذه الصورة، تحرك إليه أبو عبيدة بن الجراح وهو من الزُّهاد لكنه بعقليّته قال كيف يدخل قائد المسلمين بهذه الصورة، قد ينظر إلينا الكفار أو ينظر إلينا الصليبيون أو ينظر إلينا كذا أو كذا نظرة قلّة، نظرة استخفاف من هذا الذي يدخل بهذه الصورة، فذهب إليه وقال إن عظماء القوم ينظرون إليك، لماذا دخلت بهذه الصورة؟
    فضربه عمر بن الخطاب في صدره، وقال: "لو كان غيرك قالها يا أبا عبيدة"، لولا أنك أمين الأمة يعني ما سمحت لك بهذه الكلمة، "إننا كنا قومًا أذِلّة فأعزَّنا الله عز وجل بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلَّنا الله عز وجل"، رجل يفهم دقائق الأمور يا إخواني، مش مجرد دروشة، أو مش مجرد كلام بيتقال، هذا واقع طبَّقه -رضي الله عنه وأرضاه-، وتَبِعَه في ذلك جيشٌ كبير فنصره الله -عزَّ وجل-.

    هي دي صفات الناس اللي ممكن تفتح القدس، ناس مفيش في قلبها دنيا، ناس في قلبها رضا ربنا -سبحانه وتعالى- بس، ناس معندهاش كبر، عندها تواضع شديد، ناس العلاقة بين القائد فيها والجنود هي علاقة أب مع أبنائه، علاقة أخ مع إخوانه، ما في نوع من التفضُّل والكبر والغرور والخيلاء، سبحان الله هذه فعلًا صفة الجيش المنتصر.

    وجلس عمر بن الخطاب بهذه الهيئة ومعه كبار الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم-، معه يزيد بن أبي سفيان، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة، وغيرهم وغيرهم وغيرهم من سادة المسلمين من قادتهم، جلسوا جميعًا ليكتبوا المعاهدة والصلح مع بطريرك القدس.

    هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة
    تُرى ماذا جاء في هذه المعاهدة التي عُرِفَت في التاريخ بالعُهدة العُمَريّة؟ تُرى أين تُحفظ هذه العهدة إلى زماننا الآن؟ تُرى ماذا فعل عمر بن الخطاب عندما دخل إلى أرض القدس؟ تُرى ماذا فعل عندما وصل إلى المسجد الأقصى؟ وتُرى ماذا فعلت الجيوش الإسلامية بعد فتح مدينة القدس المباركة؟
    هذا ما سنعرفه بإذن الله في الحلقة القادمة.

    أسأل الله -عز وجل- أن يفقّهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


    تم بحمد الله


    شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
    https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36



    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 28-01-2018, 08:48 PM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

    تعليق


    • #3
      للرفع
      اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

      تعليق


      • #4
        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا و نفع بكم.


        رحمــــةُ الله عليـــكِ أمـــي الغاليــــــــــــة

        اللهــم أعني علي حُسن بِــــر أبــي


        ومَا عِندَ اللهِ خيرٌ وأَبقَىَ.

        تعليق


        • #5
          وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
          جزاكم الله خيرًا، بارك فيكم

          تعليق


          • #6
            جزاكم الله خيرًا ونفع الله بكم

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة آمــال الأقصى مشاهدة المشاركة
              وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              جزاكم الله خيرًا و نفع بكم.
              المشاركة الأصلية بواسطة عطر الفجر مشاهدة المشاركة
              وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              جزاكم الله خيرًا، بارك فيكم
              المشاركة الأصلية بواسطة *أمة الرحيم* مشاهدة المشاركة
              جزاكم الله خيرًا ونفع الله بكم
              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              وخيرا جزاكم اللهم آمين
              اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

              تعليق

              يعمل...
              X