إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شبهات حول الإيمان وعلاقته بالعمل "اللقاء الرابع والعشرون" للدكتور/ محمد محمود آل خضير | بصائر4

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شبهات حول الإيمان وعلاقته بالعمل "اللقاء الرابع والعشرون" للدكتور/ محمد محمود آل خضير | بصائر4



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    شبهات حول الإيمان وعلاقته بالعمل "
    اللقاء الرابع والعشرون" للدكتور/ محمد محمود آل خضير | بصائر4


    رابط المادة على الموقع:
    https://way2allah.com/khotab-item-146386.htm



    اليوتيوب:






    الجودة العالية hd:

    https://way2allah.com/khotab-mirror-146386-237483.htm



    رابط صوت mp3:

    https://way2allah.com/khotab-mirror-146386-237484.htm






    رابط الساوند كلاود:


    https://soundcloud.com/way2allahcom/b4-23





    رابط التفريغ بصيغة pdf:

    سيتم وضعه قريبًا بإذن الله


    رابط التفريغ بصيغة ورد:

    سيتم وضعه قريبًا بإذن الله



    تابعوا التفريغ مكتوب في المشاركة الثانية بإذن الله

    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 13-08-2018, 03:30 PM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.


  • #2

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله، وعلى آله وصحبه أما بعد، أهلًا بكم ومرحبًا في دورة البصائر على شبكة الطريق إلى الله المستوى الرابع.

    الحُكم بالكفر على معيَّن في معتقد أهل السُنَّة
    ومعنا في مادة العقيدة الكلام على الإيمان، وذكرنا في المجلس الفائت ما يتعلق بمعتقد أهل السُنَّة في الإيمان وأنه قولٌ وعمل وأن القول قولان وأن العمل عملان، وأن هناك تلازمًا بين هذه الأركان وإذا قام بالقلب التصديق والمحبة فلابد أن ينفعل البدن ضرورةً بالممكن من القول والعمل أيضًا وأشرنا إلى أدلة أهل السُنَّة على أن الكفر يكون بالترك، بترك جميع العمل، وأُشير هنا إلى مسألةٍ مهمة وهي أن هذا الكلام تأصيلٌ علميٌ لبيان معتقد أهل السُنَّة والجماعة ولا يترتب عليه أن يأتي الإنسان ليحكم بالكفر على معينٍ من المعيَّنين، فإن الحُكم على المُعيَّن عند أهل السُنةِ له ضوابطه، والتكفير مرجعه إنما هو إلى أهل العلم، ينظروا في هذا الشخص المعين هل توفرت فيه الشروط، انتفت عنه الموانع أما لا، قام به الكفر حقيقةً أم لا، فهذه مسألة لا يخوض فيها الناس دون رجوع إلى علمائهم.

    التلازم عند أهل السُنَّة
    الأمر الثاني: أن هذا المُجمع عليه عند أهل السُنَّة والجماعة وهو التلازم، أن ترك قول اللسان كُفرٌ وترك عمل القلب بالكلية كذلك، ترك عمل الجوارك بالكلية كذلك مسألة واضحة وسهله يستطيع أن يستوعبها الإنسان من قولهم: الإيمان قولٌ وعمل، وقولهم لا إيمان إلا بعمل كما لا إيمان إلا بقول، قولهم: إن القول العمل قرينان، وقولهم: إن القول مع العمل بمنزلةِ اللسان مع الشفتين، إلى آخر ما هو مشهور من مقالات أهل السُنَّة، ولكن من خالف في ذلك من المرجئة أو من الأشاعرة الذين يقولون إن العمل شرط كمال، فهؤلاء لكم لهم شبهاتٌ فنحن سنعرض في هذا المجلس أهم الشبهات وهذا في الحقيقة يُعنى به طالب العلم، من كان مهتمًا بدراسة المسألة فإنه يُعنى بهذا، من لم يكن مهتمًا بدراسة المسألة فيكفيه ما ذكرنا في المجلس السابق.

    الشُبُهات والأجوبة عليها
    وهذه المسألة بتفاصيلها لا سيِّما الشبهات والأجوبة عنها قد بينتها بيانً أحسبه كافيًا إن شاء الله في كتاب الإيمان عند السلف، "الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل"، وكشف شبهات المعاصرين، فأنا سأختصر مما ذكرته هناك سأختصر الجواب على هذه الشبهات إختصارًا، وأشهر الشبهات النقلية التي اعتمد عليهاا لمُخالفُ،حديث صاحبة البطاقة وحديث الجهنَّميين، و ثّمة شبهات عقليةٌ سنشير إليها، ونجيب باختصارٍ على الجميع إن شاء الله.

    1. حديث صاحب البطاقة
    حديث صاحب البطاقة، حديث عبد الله ابن عمرو ابن العاص وأنه "يُصاح لرجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق ويُنشر له تسعةٌ وتسعون سجِلًا كل سجل مثل مدُّ البصر ثم يقول الله: هل تنكر من هذا شيئًا فيقول لا يا ربي، فيقول: أظلمك كتبتي الحافظون، ثم يقول: ألك عن ذلك حسنة، فيهاب الرجل فيقول لا، فيقول بلى إن لك عندنا حسنات، حسنات وليس حسنة، وإن لا ظلم عليك اليوم، فتُخرَجُ له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدٌ عبده ورسوله، قال فيقول يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقول إنك لا تُظلم فتوضع السجلات في كفةٍ والبطاقة في كفةٍ فطاشت السجلات وثقلت البطاقة"[1] والحديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجة، هذا الحديث يستدل به من يقول أن تارك الصلاة لا يكفُر وأن تارك العمل لا يكفُر وأن هذا الرجل لم يكن معه إلا لا إله إلا الله، وليس في الحديث أنه لم يكن معه إلا لا إله إلا الله، بل عنده حسنات لكنه مُكثرٌ من الذنوب.

    تفسير حديث صاحب البطاقة أنه قول وعمل

    ولهذا تهيَّب، فالجواب عن هذا الحديث من وجوهٍ أذكرها باختصار، الوجه الأول أن نقول صاحب البطاقة هذا هل أتى بالقول مجردِ أم أتى بعمل القلب أيضًا من الصدق والإخلاص والمحبة، مع قول القلب؟ فمن زعم أنه أتى بالقول المجرد فقول باطل بلا خلافٍ، ومن قال لا بل أتى بالعمل فنقول له من أين أتيت بهذه الزيادة، ليس بالحديث أنه أتى بعمل القلب، فإن قال أخذنا من النصوص الأخرى التي تشترط العمل، فنقول ونحن كذلك نقول لابد أنه أتى بالصلاة من النصوص الأخرى التي تشترط الصلاة وتشترط العمل.

    حديث البطاقة لا يدل أن الرجل ليس لديه أعمال صالحة

    الوجه الثاني: أن يُقال الجزم بأن هذا الرجل لم يأتي بصلاةٍ ولا زكاةٍ ولا صيامٍ ولا حجٍ لا يصح، لا يصح ليس بالحديث ما يُصرِّح بهذا، بل في رواية ابن ماجة فيقول بلى إن لك عندنا حسنات، والمُثبت في هذا الحديث أن عنده سجلات ذنوب ولهذا كان من دقة شيخ الإسلام ابن تيمية تصريحه بأن الله غفر له بهذه البطاقة كبائر الذنوب، هو رجل مُكثِر من الكبائر ولهذ تهيَّب، ويرى أن أعماله لا تنفعه فقال، وشيخ الإسلام له كلام جميل في هذا.

    الرجل صاحب حديث البطاقة له حالٌ من الإخلاص والصدق مع الله
    الوجه الثالث: أنه ليس بالحديث ذكرٌ لإخلاص الرجل أو صدقه، فزعم المُخالف أن صاحب البطاقة معه عمل القلب هذا يحتاج إلى دليل واستدراك على النبي -صلَّى الله عليه وسلم-.
    الوجه الرابع:
    المُخالف يقِرُّ بأنه ليس كل أحدٍ من أمة محمد -صلَّى الله عليه وسلم- يُفعَل به كذلك بل كل أمة محمد معها هذه البطاقات، بطاقة لا إله إلا الله، فهل هذا يعني أنه لا يدخل أحد النار؟ أم أن هذه حالة خاصة بهذا الرجل قام بقلبه تعظيمٍ وإخلاص وانقيادٌ ومحبة لله -عز وجل- مع كثرة ذنوبه، وهناك كلام لابن القيم له في هذا يقول: وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كِفةٍ ويقابلها تسعةٌ وتسعون سجِلَّا، ومعلومٌ أن كل موحدٍ له مثل هذه البطاقة، معه لا إله إلا الله، وكثيرٌ منهم يدخلوا النار بذنوبه ولكن السر الذي ثقَّل بطاقة ذلك الرجل وطاشت لأجله السجلات لمَّا لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات، إنفردت البطاقة بالثِقل والرزانةِ، هذا لابد أن له حالٌ مع الله من الإخلاص والمحبة مع ما يحصل من الذنوب.

    المذنبين لديهم أعمال صالحة وحتى وإن كان لديهم كبائر
    كالرجل الذي كان كثيرًا ما يؤتي به إلى النبي -صلَّى الله عليه وسلم- وهو يشرب الخمر فيُوحَد، وأخبر النبي -صلَّى الله عليه وسلم- أنه يحب الله ورسوله[2]، وهذا يوجد في بعض المذنبين، أن يكون عنده ذنوب وكبائر ولكن عنده أعمال صالحة كذلك.

    الحكم بكفر تارك الصلاة

    الوجه الخامس أنه قد نُقِل عن جماعة من الصحابة القول بكفر تارك الصلاة، بل هذا حُكي إجماعه وهو قول جمهور السلف منغير شكٍ ولم يشكِل عليهم مثل هذا الحديث، ولا قالوا أن هذا شبهة وكيف يكون، وأن هذا الرجل كان تاركًا للصلاة.

    حالة خاصة بإخلاص الشهادة قبل الموت دون توبة
    الوجه السادس أنه يمكن حمل هذا الحديث على حالةٍ خاصة، وقضية معيَّنةٍ لا يُرد إجماع الصحابة على أن الإيمان قولٌ وعملُ ونيةٌ وأنه لايجزيء واحد من الثلاثة إلا الآخر، وهذه الحالة الخاصة أن يُحمَل على رجلٍ مسرفٍ على نفسه مفرطٍ في حق ربه واقترف ما اقترف من الآثام والأوزارِ ثم قال لا إله إلا الله بصدقٍ وإخلاصٍ ويقين عند موته دون أن يتوب من ذنوبه، هذه حالةٌ خاصة، أن إنسانًا قد يكون عنده ذنوب ولكن وُفِّق عند الموت أن يأتي بشهادة التوحيد وبإخلاصٍ ومحبةٍ دون توبةٍ من ذنوبه، فبقيت له سجلات الذنوب، وهذا المعنى قرره شيخ الإسلام -رحمه الله-، ونقل كلامه في "تيسير العزيز الحميد" وهو كلامٌ طويلٌ يُرجَع إليه، فالحاصل، الحاصل في هذا الحديث أنه ليس فيه تصريح بأنه لا يعمل، وأنه ترك الصلاة أو أنه لا يأتي بشيء، عنده حسنات، عنده حسنات ولكنه متُهيبٌ من كثرة ذنوبه التي في السجلات، هذا ما يمكن أن نقوله في هذا الجواب المختصر.

    2. حديث"لم يعملوا خيرًا قط"
    الشبهةُ الثانية الاستدلال بحديث لم يعملوا خيرًا قط، الذي يُسمَّى حديث الجهنميين، قومٍ يُقال لهم الجهنميين قومٌ لهم الجهنميين يخرجون من النار، جاء في صحيح مسلم، حديث أبي سعيد، الحديث الطويل في مرور المسلمين على الصراط ثم شفاعة المؤمنين لإخوانهم، والله -عز وجل- يقول: اذهبوا أخرِجوا من ف قلبه مثقال نصف دينارٍ من خير، فيخرِجون خَلقًا كثيرًا، ثم مثقال ذرة من خير فأخرجوهم فيُخرِجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرًا، ربنا لم نذر فيها خيرًا، فيقول الله: شفعت الملائكة وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبقى إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضةً من النار فيُخرِج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط، قد عادوا حُممًا متفحمين، فليقيهم في نهر في أفواه الجنة يُقال له نهار الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، إلى آخر الحديث، قال: فيعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عمِلوه ولا خيرٍ قدموه، هذا أقوى حديث يحتج به من يقول إن تارك العمل ليس كافرًا.

    والجواب على هذا الحديث من أوجه كثيرةٍ، منها على سبيل الاختصار:

    الوجه الأول:

    أن هذا الحديث لا يمكن أن يؤخَذ بظاهره، لايمكن للمخالف ولا للموافق لأن هذا الحديث لو قيل لم يعمل خيرًا قط إذًا ولا عمل القلب، هذا يمكن للجهمية أن يحتجْوا به، لم يعمل خيرًا قَط، لا عنده شيءٌ من المحبة ولا من للصدق ولا الإخلاص، هذا لا يمكن أن يُقال، كذلك أنه لم يأتي بالتوحيد وهذا لا يمكن، وقد احتجْ به بعض أهل البدع في تجويز إخراج غير المؤمنين من النار، قالوا: حتى الكفار يخرجون، لأنه ما ذكر أنهم يقولون لا إله إلا الله، ما ذكر، ولم يعملوا شيئًا، والحافظ ابن حجر يقول: تنبيه قرأته في تنقيح الزركشي وقع هنا في حديث أبي سعيدٍ بعد شفاعة الأنبياء، فيقول الله: بقيت شفاعتي فيُخرِج من النار من لم يعمل خيرًا، وتمسَّك به بعضهم في تجويز إخراج غير المؤمنين من النار، وهذا باطلٌ قطعًا، فلهذا ظاهر الحديث على هذا الشكل، ظاهره لا يمكن الأخذ به على ظاهره.

    تنبيه خطير جدًا وهام
    و هذه فائدة جمع النصوص، منهج أهل السُنَّة جمع النصوص، لو قال إنسان مثلًا أخذ بحديث "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله " سيضرب النصوص بعضها ببعض، يقول: ما دام قد قال لا إله إلا الله فمهما زنا ومهما فعل، ومهما فعل فإنه لا يدخل النار، ولهذا نبه الإمام ابن خزيمة -رحمه الله- على خطأ المرجئة في استدلالهم، وأنهم يأتون يقولوا، ولإن جاز للمرجئة الاحتجاج بهذه الأخبار لجاز للجهمية الاحتجاج أيضًا بأخبارٍ تدل على أن من يعلم فقط، من مات وهو يعلم، أن من يعلم الحق أنه ناجٍ وهذا لا شك أنه باطلٌ فلابد من جمع النصوص.

    الوجه الثاني: الرد على من يدَّعي أن هؤلاء الجهنميين معهم التصديق وعمل القلب
    ثانيًا: المخالف إن قال: بل هؤلاء الذين لم يعملوا خيرًا قط معهم التصديق ومعهم عمل القلب، فنقول من أين لك أن معهم التصديق؟ و من أين لك أن معهم عمل القلب؟ وإن قال أخذنا من النصوص الأخرى، ونقول ونحن كذلك نُثبِتُ عمل الجوارح لا سيَّما الصلاة من النصوص الأخرى، ونقول قولًا آخر: لو سلمَّتم وجود عمل القلب من المحبة والانقياد فنحن قد قررنا أنه إذا وُجد عمل القلب فإنه يستلزم القول الظاهر والعمل الظاهر ولابد، وإلا لرجعت إلى نفي التلازم.

    الوجه الثالث: الدليل على أن الجهنميين كانوا من أهل الصلاة
    ثالثًا: نقول دلَّت النصوص الأخرى على أن هؤلاء القوم الجهنيميين هم من أهل الصلاة، بل دل هذا الحديث نفسه على أن هؤلاء كانوا يصلون، كيف دل الحديث هذا أنهم يصلون؟ أن هذا الحديث حديث أبي سعيدٍ دل على أن يُنادى لتتبع كل أمةٍ ما كانت تعبد، "فأتباع عُبَّاد الحجر، وعُبَّاد الشجر، وعُبَّاد الطواغيت، كل هؤلاء يذهبون إلى النار، ثم تبقى هذه الأمة وفيها منافقوها، تبقى فقط الأمة، يعني الكفار لا يمرون على الصراط، إنما يذهبون إلى النار مباشرة، حتى عُبَّاد المسيح يُصور لهم صورة المسيح فيذهبون خلفها فيذهبون في النار، الذي يبقى هي الأمة وفيها منافقوها فيأتيهم الله -عز وجل- ماذا تنتظرون، فيقولون: ننتظر ربنا، هل بينكم وبينه علامة تعرفوها أو آية تعرفونها، قال: فيُكشف عن ساقٍ فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه، يعني في الدنيا، إلا أذِن الله له بالسجود، ولا يبقى كان يسجد إتقاءً ورياءً أي في الدنيا إلا جعل الله ظهره طبقةً واحدةً كلما أراد أن يسجد خر على قفاه".

    أهل الصلاة فقط هم الناجون يوم القيامة
    لا يبقى في هذا الموقف إلا المؤمنون والمنافقون، من كان يسجد لله في الدنيا وهم أهل الصلاة، ومن كان يسجد رياءً وهو المنافق، ثم بعد ذلك يُضرب السور بين المؤمنين والمنافقين، تقع الظُلمة ويُؤتى المؤمنون أنوارهم يمشون بأنوارهم، "يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ" الحديد: 13، فلا يمر على الصراط إلا أهل السجود، لا يمر إلا أهل الإيمان الذين كانوا يسجدون، هذا الحديث نفسه دليلٌ على أن لا ينجو إلا صاحب الصلاة، وسنؤكد هذا بالروايات الأخرى، هذا الحديث نفسه بسياقه يدل على أنه لا يصل إلى الصراط إلا أهل السجود، ولهذا فإن جمهور السلف من الصحابة والتابعين الذي يكفِّرون تارك الصلاة لن يشكِل عليهم هذا الحديث، بل لم يذكروه كشبهة ليجيبوا عنها أصلًا، فلا عجب ولا أعجب ممن يستدل بآخر الحديث ويغفل عن أوله.

    آخر فئة تخرج من النار

    وثانيًا: جاء في حديث أبي هريرة أن آخر فئة تخرج من النار بعد أن يفرُغ الله -سبحانه وتعالى- من القضاء بين العباد تعرفهم الملائكة بآثار السجود، في الصحيحين أن أبي هريرة قال ذكر الحديث بطوله" "حتى إذا فرَغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرِج من النار من أراد أن يُخرِج ممن كان يشهدوا أنه لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفون بعلامة آثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتُحشوا فيُصب عليهم ماء يُقال له ماء الحياة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل"، هي هذه الفئة، نفس صفات هذه الفئة الجهنميين، وفي نفس الحديث في ذكر آخر رجلٍ، قال: ويبقى رجلٌ منهم مُقبلٌ بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولًا الجنة، آخر رجل موحد يدخل الجنة هو من هذه الفئة التي عرفتها الملائكة بآثار السجود.

    آخر إنسان يخرج من النار

    هذه رواية مهمة، ويبقى رجلٌ منهم بعد أن قال تعرفهم الملائكة بآثار السجود، "يبقى رجلٌ منهم مُقبلٌ بوجهه على النار، هو آخر أهل النار دخولًا الجنة، فيقول أي رب إصرف وجهي عن النار"، ولفظ مسلم، "حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرِج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يُخرجوا من النار من كان له يشرك بالله شيئًا، ممن أراد الله -تعالى- أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود، تأكل من النار من ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيُخرجون من النار وقد إمتُحشوا فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون منه كما تنبت الحبةٍ في حميل السيل، ثم يفرغ الله -تعالى- من القضاء بين العباد ويبقى رجلٌ مُقبلٌ بوجهه على النار وهو آخر أهل الجنة دخولًا الجنة"، هذا آخر إنسان.

    الجهنميون آخر من يدخلون الجنة

    والذي يدل على أن هؤلاء الذين تعرفهم الملائكة بآثار السجود وهم الجهنيميون أدلة كثيرة، منها قول: حتى إذا فرغ الله بين القضاء والعباد وأراد أن يُخرج برحمته، وكما في قوله في حديث جابر عن أحمد، ثم يقول الله: أنا الآن أخرِج بعلمي ورحمتي، قال فيُخرج أضعاف ما أخرجوا، بعدما شفعت الملائكة والنبيين، أضعاف ما أخرجوا وأضعافه فيُكتب في رقابهم عتقاء الله يدخلون الجنة فيسموُن فيها الجهنميين، هؤلاء الذين يخرجهم الله برحمته تعرفهم الملائكة بآثار السجود كما سبق، ويدل على ذلك اتفاق صفتهم وحالهم، أنهم يخرجون قد امتُحشوا ويُصب عليهم ماء من نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل إلى آخر، والروايات مذكورة بتفاصليها في كتاب الإمام كما أشرت.

    الوجه الرابع
    الوجه الرابع أن قوله: "لم يعملوا خيرًا قط" لا يعني أنهم لم يعملوا شيئًا، بل هذا تعبير عربي فصيح يريد به العرب أنه لم يعمل شيئًا كثيرًا ولم يعمل شيئًا ذا جدوى عظيمة، يقولون للصانع الذي لم يحسن الصنعة: ما صنعت، يعني قد يكون الإنسان يصلي ثم يقال: أنت ما صليت، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل ثلاث مرات عندما يصلي ويأتيه يقول: ارجع فصل فإنك لم تصل مع أنه أتى بالصلاة ولكن أخل بشيء منها أخل بشيء منها.

    "لم يعملوا خيرًا قط" جاء في غير هذا الحديث لأناس أطلق عليهم لم يعملوا خيرًا قط وثبت في نفس الأحاديث أنهم عملوا أشياء لكن لم يعملوها على وجه الإتقان، في حديث حذيفة عن أبي بكر الصديق في حديث الشفاعة قال: "...فيقول الله انظروا في النار هل تلقون من أحد عمل خيرًا قط؟ قال: فيجدون في النار رجلا فيقولوا له هل عملت خيرًا قط؟ فيقول لا، غير أني كنت أسامح الناس في البيع والشراء..." إسناده صحيح، فهو يقول أولا لم يعمل خيرًا قط ثم يبين أن عنده عمل في المسامحة وعنده خوف من الله إلى آخر الرواية، جاء في رواية أنس عند أحمد وابن منده أن هؤلاء الجهنميين كانوا يعبدون الله ولا يشركون به شيئًا في الدنيا، يعبدون، عندهم عبادات وليس مجرد الاعتراف بالله.

    في رواية أنس هذه "فأقول أمتي أمتي فيقولون اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان فأدخله الجنة فأذهب، ثم قال وفرغ الله من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار فيقول أهل النار: -هذا الحوار بين أهل النار وبين هؤلاء الموحدين آخر من يخرج من النار- يقول أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئًا"، كانوا يعبدون الله، إذن عندهم عبادات، ولا يشركون شيئًا أهل توحيد، "فيقول الجبار: فبعزتي لأعتقنهم من النار" لما يقول لهم أهل النار هكذا، أهل النار يقولون ماذا أغنى عنكم؟ كنتم تعبدون الله ولا تشركون به شيئًا، "فيقول الجبار: فبعزتي لأعتقنهم من النار فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشوا فيدخلون في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في غثاء السيل ويختم في أعينهم هؤلاء عتقاء الله -عز وجل- فيذهب بهم فيدخلون الجنة فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون -اسمهم هكذا- فيقول الجبار: بل هؤلاء عتقاء الجبار -عز وجل-"[3] صحيح مشهور، إذن من صفاتهم أنهم كانوا يعبدون الله لا يشركون به شيئًا، فكيف يزعم الإنسان أنهم كانوا لا يصلون أوكانوا لا يزكون أولا يتعبدون.

    وذكر الحافظ بن حجر -رحمه الله- في رواية: "ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئًا... إلى آخره"، وفي رواية: "ما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار، فيقال كانت لنا ذنوب فأخذنا بها"، لاحظوا: ذنوب فأخذنا بها، ما قالوا أنهم تركوا كل شيء فيأمر الله من كان من أهل القبلة، فهؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن يعبدون الله ومن أهل القبلة، هكذا سماهم في الحديث ويعرفون بآثار السجود فكيف يقال أو يظن أنهم لا يصلون أو لا يعملون شيئًا من أعمال الجوارح.

    أيضًا في حديث الذي قتل 99 نفسًا ثم إنه تاب ومات في الطريق لما اختصمت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، تقول ملائكة العذاب: "إنه لم يعمل خير قط"، نحن نريد أن نقول الآن التعبير عند العرب معروف، لم يعمل خير قط: لم يعمل خيرًا كثيرًا، وتقول ملائكة الرحمة: "إنه جاء تائبًا مقبلا بقلبه"، تحرك وذهب وهذا كله عمل بلا شك فلهذا الإمام ابن خزيمة رحمه الله يقول: "هذه اللفظة -انتبهوا لهذه العبارة في كتاب التوحيد وهذا فهم السلف- هذه اللفظة: لم يعملوا خيرًا قط، من الجنس الذي تقول العرب يُنفى الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام -ننفي عنه الاسم لنقص عن التمام والكمال يقول- فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل لم يعملوا خيرًا قط على التمام والكمال لا على ما وُجب عليه وأُمر به -قال- وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي". العرب تنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، وهذا أيضًا ما فهمه السلف من نفي الإيمان في الأحاديث "لا يؤمن" "ليس بمؤمن" هل يعني نفي جميع الإيمان؟ لا، نفي الإيمان على التمام والكمال، ولهذا الإمام أبو العبيد القاسم بن سلام له كلام شبيه بهذا يقول "فإن قال قائل كيف يجوز أن يقال ليس بمؤمن واسم الإيمان غير زائل عنه، قيل هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله إذا كان عمله على غير حقيقته ليس تامًّا، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمُحْكِمٍ لعمله ما صنعت شيئًا؟ مع أنه صنع، ولا عملت عملا وإنما وقع معناه ها هنا على نفي التجويد لا على نفي الصنعة نفسها فهو عندهم عامل بالاسم وغير عامل في الإتقان، هذا مستفيض عند العرب"، كذلك ذكر هذا المعنى الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة: "فإن قيل كيف يُقال ليس بمؤمن واسم الإيمان لازم له؟ قيل هذا كلام العرب المستفيض" وذكر الكلام، وهذا الوجه يزيل الإشكال، "لم يعملوا خيرًا قط" أي على وجه التمام والكمال كما هو عادة العرب في تعبيرها والدليل أنهم من أهل السجود يسجدون لله سبحانه وتعالى أولا قبل المرور على الصراط وتعرفهم الملائكة بآثار السجود وكانوا يعبدون الله ولا يشركون به شيئًا.

    الوجه الخامس
    الوجه الخامس أن يقال أن هذا الحديث عام وهو مخصص بأدلة تكفير تارك الصلاة، وهذا ذكره الشيح ابن عثيمين رحمه الله، قد سُئل كيف نفهم حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم وفيه "فيخرج الله قومًا لم يعملوا خيرًا قط" كيف نفهم هذا؟ قال: "نفهم هذا أن هذا عام وأن أدلة تكفير تارك الصلاة خاصة، ومعلوم عند العلماء أن العام يخصص بالخاص لأن هذا الحديث -يقول- لأن الحديث لم يقل لم يصلِّ حتى نقول أنه معارض للنصوص الدالة على كفر تارك الصلاة بل قال لم يعمل خيرًا قط فلم ينص على الصلاة بل عمم ونصوص كفر تارك الصلاة خاصة فتخص هذا الحديث"، فنقول معنى الحديث "لم يعملوا خيرًا قط" إلا الصلاة، هذا أقل شيء، بل نحن نعتقد أنهم يأتون بالصلاة وبأشياء أخرى كثيرة كما ذكرنا لم يعملوا خيرًا قط على وجه التمام والكمال. ولو قال الإنسان هل يصح أن تقول عن رجل يصلي ويزكي لم يعمل خيرًا قط؟ نقول نعم، وهل يصح أن تقول عن الرجل عنده الإخلاص والمحبة والانقياد كما تزعُم وتنفي عنه العمل؟ الباب كله واحد.

    الوجه السادس
    الوجه السادس أنه يمكن حمل هذا الحديث على أُناس من المؤمنين ذهبت حسناتهم بالمقاصة حتى لم يبقى لهم حسنات، لأنهم أتوا بحسنات يوم القيامة لكن حصلت المُقاصة بين الحسنات والسيئات والموازنة فذهبت الحسنات ووُضعت عليهم سيئات من ظلموهم فأدخلوا النار وبقيت كلمة التوحيد لا يقتسمها الغرماء -لا يأخذها الغرماء- فصح أن يقول من رآهم لم يعملوا خيرًا قط أي أتوا بدون حسنات، دخلوا النار وليس معهم حسنات، وهذا الوجه ذكره ابن رجب -رحمه الله- في شرحه البخاري في كتاب فتح الباري قال: "كلمة التوحيد والإيمان القلبي وهو التصديق لا تقتسمه الغرماء بمظالمهم بل يبقى على صاحبه لأن الغرماء لو اقتسموا ذلك لخلد بعض أهل التوحيد وصار مسلوبًا ما في قلبه من التصديق وما قاله من الشهادة وإنما يخرج العصاة الموحدين بما في هذا القلب وفي اللسان بهذين الشيئين، فهم لم يعملوا خيرًا قط أي لم تبقى لهم حسنات بعد المقاصة والموازنة".

    الوجه السابع
    الوجه السابع أن من أهل العلم من حمل هذا الحديث على حالة خاصة تلائم النصوص المُحكمة، وما أجمع عليه السلف الصالح من أن الإيمان قول وعمل، وهذا جاء في جواب اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية في فتوى مفصلة لها في الرد على المرجئة قالوا فيها في فتواهم: "وأما جاء في الحديث إن قومًا يدخلون الجنة لم يعملوا خيرًا قط -لأن هذا قد يحتج به المرجئ- فليس هو عامًّا لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه وإنما هو خاص بأولئك لعذر منعهم من العمل أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المُحكمة وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب"، والحالة الخاصة: نحن لا نقول أنهم تابوا قبل، أنهم أتوا مثلا بالشهادة قبل الوفاة بعد توبتهم، لا بل نقول كما قلنا في صاحب البطاقة يمكن أن يكون الإنسان على ذنوب كثيرة ويأتي بشهادة التوحيد عند وفاته فتنفعه هذه الشهادة ولكن ما تاب من ذنوبه فدخل النار، تفصيل هذا موجود في كتاب الإيمان.

    الوجه الثامن

    الوجه الثامن والأخير أن من أهل العلم من يقول إن هذا الحديث من المتشابه كما رأينا في كلام الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- إذ يقول: "هو من الأحاديث المتشابهة وأحاديث كفر تارك الصلاة من الأحاديث المُحكمة البينة والواجب على المؤمن في الاستدلال بالقرآن والسنة أن يحمل المتشابه على المحكم"، ونفس الكلام يقوله الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- قد سُئل هناك بعض الأحاديث التي يستدل بها البعض على أن من ترك جميع الأعمال بالكلية فهو مؤمن ناقص الإيمان كحديث "لم يعملوا خيرًا قط" وحديث البطاقة وغيرها من الأحاديث فكيف الجواب؟ فقال: "هذا من الاستدلال بالمتشابه هذه طريقة أهل الزيغ الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ" آل عمران: 7 -قال- فيأخذون الأدلة المتشابهة ويتركون الأدلة المحكمة..." إلى آخر كلامه -حفظه الله-، حاصل، قد بينت في الكتاب أوجه مخالفة هذه الرواية لكثير من أحاديث الشفاعة في قضية الجهنميين هل يخرجون لقبضة الله أم يخرجون لشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وغير ذلك وأن الملائكة تعرفهم.

    فحاصل الأوجه في الجواب عن هذا الحديث "لم يعملوا خيرًا قط" أن نقول إما أن هؤلاء الناس كانوا من أهل الصلاة وهذا هو الظاهر بدلالة أول الحديث أنهم يسجدون لله وبدلالة أن الملائكة يعرفونهم بأثر السجود وأنهم يعبدون الله ولا يشركون به شيئًا، وإما إذا كانوا لا يسهون عن الصلاة فيُحمل هذا على حالة مخصوصة ليتناسب ذلك مع ما أجمع عليه أهل السنة من أن الإيمان قول وعمل ونية لا يُجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر.

    هذا أهم ما اعتمد عليه المُخالف من الأدلة النقلية.

    وهناك شبهات عقلية منها:
    أن المراد من قول السلف "الإيمان قول وعمل" أن مرادهم الإيمان الكامل، الإيمان المُطلق قولا وعملا وأن السلف لم يكونوا يتحدثون عن أصل الإيمان وأنه لا بد فيه من عمل. والجواب عن هذا من وجوه منها:
    - الوجه الأول
    أن السلف لم يكتفوا بقولهم: "الإيمان قول وعمل"، بل بينوا مرادهم وقالوا: "لا يُجزئ القول دون العمل" بل وقالوا: "إن ترك العمل كفر" كما نقل شيخ الإسلام عن سهل بن عبد الله الدستري قال: "الإيمان قول وعمل ونية وسنة فإذا كان قولا بلا عمل فهو كفر" وهم لم يكتفوا بهذا، حجة المخالف هنا أن السلف كانوا يردون على المرجئة لأن المرجئة أخرجوا العمل من الإيمان فمراد السلف الإيمان الكامل.

    - الوجه الثاني
    فنقول في الوجه الثاني أن المرجئة خالفت السلف في الحقيقة في أشياء كثيرة في دعواها أن العمل ليس من الإيمان، في دعواها أنه لا تلازم بين الظاهر والباطن وأن الإيمان يكون صحيحًا بلا عمل في دعواها أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص ولا يستثنى منه وفي دعواها أن الكفر لا يكون بالعمل بل بالجحود والتكذيب أو بالعناد عند طائفة منهم، فكان قول أهل السنة مع اختصاره وإحكامه وافيًا ببيان معتقدهم والرد على مخالفيهم فقولهم "الإيمان قول وعمل" مبني أولا على النصوص التي دلت على ذلك ومتضمن للرد على المرجئة في جل مقالتهم، فالمقصود أن القائل لو أراد أن السلف أرادوا الرد على المرجئة لأنها تثبت الإيمان الكامل بلا عمل فقط هذا تحكم ودعوى بلا برهان، بل لنا أن نقول بل أرادوا الرد على المرجئة في الأمرين معًا، في زعمهم أن الإيمان يكون كاملا بلا عمل وفي زعمهم أن الإيمان يصح بلا عمل، فإن المرجئة تقول هذا والسلف قد ردوا عليهم بهذا وهذا.

    - الوجه الثالث
    والوجه الثالث أنه على قول المخالف مادام أن العمل يتعلق فقط بالإيمان الكامل ولا يتعلق بأصل الإيمان على هذا يكون العمل ثمرة، ثمرة للإيمان الباطن وليس لازمًا للإيمان الباطن، وهذا ما يدور عليه الإرجاء قديمًا وحديثًا أن العمل ثمرة قد توجد وقد تتخلف وليس لازمًا، وهذا كما أشرت هو من مواضع النزاع العظيمة بين المرجئة وأهل السنة، المرجئة لا تنازع في أن العمل ثمرة تأتي أو لا تأتي، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- كما في المجلد السابع صفحة 50 من الفتاوى: "فإن المرجئة لا تُنازع في أن الإيمان الذي في القلب يدعو إلى فعل الطاعة ويقتضي ذلك، والطاعة من ثمراته ونتائجه لكنها تُنازع هل يستلزم الطاعة؟" هذا هو النزاع، هل يستلزم أما يدعو إلى الطاعة والطاعة من ثمراته؟ هذا لا بأس به عندهم لكنها ترفض قضية التلازم، ترفض قضية التلازم وأنت إذا تأملت قول المخالفين في هذه المسألة فإنه يدور على نفي التلازم، كون الإنسان يفرض المسألة ابتداءً ويقول رجل عنده قول اللسان وتصديق القلب وعمل القلب ثم لا عمل للجوارح عنده، هذا التصور نفسه هو تصور خاطئ لأنه يدل على أنه يرى أنه يمكن أن توجد هذه الأشياء ولا يظهر العمل الجوارح، هذا نفي للتلازم، يظن أنه يمكن أن يقوم بالقلب تصديق ومحبة ثم لا يظهر أثر ذلك في عمل الجوارح، وبعضهم زاد لمّا علم هذه المشكلة، قال: إن التلازم لا يكون إلا في الإيمان الكامل، لا يكون في الأصل، وهذا تحكم فاسد آخر فإن أدلة التلازم كثيرة جدًّا وهي لا تُفرق بين أصل وفرع، على قدر ما في القلب من تصديق ومحبة لا بد أن يوجد شيء في الظاهر كما سبق معنا.

    ولو كانت القضية في الإيمان، لو كانت القضية في الإيمان الكامل ما بنى شيخ الإسلام على هذا التلازم وهذه والإيمان قول وعمل، ما بنى عليه ما سبق أن قال: "من الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانًا ثابتًا في قلبه ثم لا يُصلِّي ولا يُزكِّي ويعيش ظهره لا يفعل ذلك" بنى عليها تكفير تارك العمل كما سبق، وأيضًا فإنَّ سبقت، قلنا أن الصحابة أجمعوا على كفر تارك الصلاة أو على الأقل قول جمهور السلف، فإذن كان من الإنصاف أن تقول إن السلف حين قالوا: "الإيمان قول وعمل" كل السلف الذين يكفرون تارك الصلاة لا شك أن العمل عندهم مهم مطلوب في أصل الإيمان، كيف يزعم الإنسان أن العمل ليس من أصل الإيمان بهذا الإطلاق، الإمام محمد بن نصر المروزي يقول: "وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث" أي تكفير تارك الصلاة، وشيخ الإسلام يقول: "وتكفير تارك الصلاة هو المشهور والمأثور عن جمهور السلف من الصحابة والتابعين، فإذا كان ترك الصلاة عندهم كفر -إذا كان ترك الصلاة كفرًا- فلا شك أنهم حين قالوا "الإيمان قول وعمل" يريدون أن العمل داخل في الأصل وتركه كفر بلا شك".

    هناك شبهة أخرى تقول ما هو العمل المطلوب؟
    ما هو العمل المطلوب إذن حتى يكون الإنسان قد أتى بالإيمان والقول والعمل؟ قد أتى بالإيمان الصحيح من القول والعمل؟ نحن نقول أولا يجب الاتفاق على أن ترك العمل يزيل الإيمان، ترك العمل الظاهر يؤدي إلى ويدل على انتفاء العمل الباطن وهو كفر بإجماع أهل السنة، هذه هي الحقيقة الأولى التي لا بد من التسيلم بها.
    ثم بعد ذلك نبحث ما هو العمل الذي يفعله حتى يصبح قد أتى بالعمل؟ أهل السنة حين أجمعوا على أن الإيمان قول وعمل لم يحددوا عملا معيّنًا وهذا ينطبق أيضًا على عمل القلب، يعني نفس الإشكال، ستقول ما هو عمل القلب المطلوب؟ فنقول لا بد من عمل أولا والمسألة أنه لو ترك العمل بالكلية فلا يكون مؤمنا ولكن في عمل الجوارح عندنا نحن تحديدٌ ذهب إليه شيخ الإسلام وقبله الأجوري في أنه الواجبات بل شيخ الإسلام يقول: "الواجبات التي اختص بها النبي -صلى الله عليه وسلم-"، الأجوري يمثل يقول: "فالأعمال بالجوارح تصديق للإيمان بالقلب واللسان بل من لم يصدق الإيمان بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباهه هذه لم يكن مؤمنا ولم تنفعه المعرفة والقول"، وشيخ الإسلام يقول: "وليس المقصود هنا ذكر عمل معين" قد يكون هناك أعمال، قال وضرب مثالا لمن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعتدى عليه ثم يسكت؟
    هنا من الإيمان أن ينصر نبيه -صلى الله عليه وسلم-، والموضع الآخر الذي ذكرناه من قبل فلا يكون الرجل مؤمنا من غير فعل شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد -صلى الله عليه وسلم-. تجدون في الجواب عن هذه الشبهة وغيرها تفصيل أكثر في كتابي الإيمان عند السلف.

    نكتفي بهذا القدر مراعاة للوقت ومن أراد التوسع فليرجع إلى الكتاب كما ذكرت والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    تم بحمد الله

    شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:
    https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36

    [1]"إنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رجلًا من أُمَّتي على رُءُوسِ الخَلائِقِ يومَ القيامةِ فينشرُ عليهِ تسعةً وتسعينَ سِجِلًّا ، كلُّ سِجِلٍّ مثلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يقولُ، أَتُنْكِرُ من هذا شيئًا ، أَظَلَمَكَ كتبَتِي الحافظونَ ؟ فيقولُ: لا يا رَبِّ ، فيقولُ أَفَلكَ عُذْرٌ ؟ فيقولُ : لا يا رَبِّ فيقولُ : بلى إِنَّ لكَ عندَنا حسنةً فإنَّهُ لا ظُلْمَ عليكَ اليومَ فتخرجُ بِطَاقَةٌ فيها أشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ فيقولُ أحْضُرْ وزْنَكَ ، فيقولُ : ما هذه البِطَاقَةُ مع هذه السِّجِلَّاتِ ؟ فقال : إِنَّكَ لا تُظْلَمُ ، قال : فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ في كَفَّةٍ ، و البِطَاقَةُ في كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وثَقُلَتِ البِطَاقَةُ ، فلا يَثْقُلُ مع اسْمِ اللهِ شيءٌ" صححه الألباني.
    [2] "أن رجلًا على عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان اسمُه عبدَ اللهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وكان يُضحِكُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ جلَدَه في الشَّرابِ، فأُتيَ بهِ يومًا فأمَرَ بِهِ فجُلِدَ، فقال رجلٌ مِنَ القَومِ : اللَّهُمَّ العَنْهُ، ما أكثَرَ ما يُؤتَى بهِ ؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : لا تَلْعَنُوه، فواللهِ ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه" صحيح البخاري
    [3] "فأقولُ: أُمَّتي أُمَّتي أي ربِّ، فيقولُ: اذهبْ إلى أمَّتِكَ فمن وجدتَ في قلبِه مثقالُ حبَّةِ خردلٍ من الإيمانِ فأدخِلهُ الجنةَ فأذهبُ فمن وجدتُ في قلبِه ذلك أدخلتُهم الجنةَ، وفرغ اللهُ من حسابِ الناسِ وأدخل من بقيَ من أمتي النارَ مع أهلِ النارِ، فيقولُ أهلُ النارِ: ما أغنَى عنكُمْ أنَّكم كنتم تعبدونَ اللهَ لا تشركونَ به شيئًا، فيقولُ الجبارُ: فبعزَّتي لأُعتِقنَّهم من النارِ، فيرسلُ إليهم فيخرجونَ من النارِ قد امتُحِشوا فيدخلونَ الجنةَ في نهرِ الحياةِ فينبُتونَ فيه كما تنبتُ الحبةُ في غُثاءِ السيلِ ويُكتبُ بين أعينِهم هؤلاء عُتقاءُ اللهِ، فيذهبُ بهم فيدخلونَ الجنةَ فيقول لهم أهلُ الجنةِ: هؤلاءِ الجهنَّميونَ، فيقولُ الجبارُ: بل هؤلاءِ عُتقاءُ الجبارِ عزَّ وجلَّ" صحيح مشهور


    التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 27-08-2018, 03:22 PM.
    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيكم
      اللهم ارحم أبي رحمة واسعة وجميع موتانا وموتى المسلمين

      تعليق


      • #4
        تم وضع التفريغات في المشاركة الثانية

        "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
        وتولني فيمن توليت"

        "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

        تعليق


        • #5
          جزاكم الله خيرًا

          تعليق

          يعمل...
          X