إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللقاء الرابع والثلاثون -مقدمة في الدين والشريعة د عبد المنعم مطاوع| بصائر3

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللقاء الرابع والثلاثون -مقدمة في الدين والشريعة د عبد المنعم مطاوع| بصائر3






    اللقاء الرابع و الثلاثون |
    مقدمة في الدين والشريعة - د عبد المنعم مطاوع| بصائر3


    مقدمة في الدين والشريعة د عبد المنعم مطاوع






    تفضلوا معنا في تحميل الدرس بجميع الصيغ

    رابط الدرس على الموقع بجميع الجودات:
    http://way2allah.com/khotab-item-136807.htm



    رابط الجودة العالية HD:
    http://way2allah.com/khotab-mirror-136807-218012.htm



    رابط صوت mp3 :
    http://way2allah.com/khotab-mirror-136807-218013.htm



    رابط ساوند كلاود:
    https://soundcloud.com/way2allahcom/aldeen-we-alshari3a



    رابط المشاهدة على اليوتيوب




    رابط تفريغ بصيغة PDF:
    http://way2allah.com/khotab-pdf-136807.htm




    رابط التفريغ بصيغة Word:
    https://archive.org/download/moqadem...8%B9%D8%A9.doc



    | جدول دورة بصائر لإعداد المسلم الرباني | الجزء الثالث |


    موضوع مخصص للاستفسارات الخاصة بالدورة العلمية " بصائر3 "


    لقراءة التفريغ مكتوب
    تابعونا في المشاركة الثانية بإذن الله.

    التعديل الأخير تم بواسطة لؤلؤة باسلامي; الساعة 09-11-2017, 09:08 PM.
    عامِل الناسَ بِـ جمالِ قَلّبك ، وطيبتِهِ ، ولا تَنتظر رداً جميلاً ، فَـ إن نَسوها لا تَحزن ، فَـ الله لَن ينساك

  • #2
    حياكم الله وبياكم الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات:
    يسر فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله

    أن يقدم لكم تفريغ:
    اللقاء الرابع و الثلاثون | مقدمة في الدين والشريعة -
    مع الشيخ د عبد المنعم مطاوع

    الحَمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُه أرسله الله -عزّ وجل- للنّاس كافَّةً بشيرًا ونذيرا، صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وصَحبِه ومَن اهتدى بِهديِه واستنَّ بسُنَّتِه واتَّبع هُداه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:

    أيُّها الإخوة والأخواتِ الكِرام، مرحبًا بكم وهذه أولى حلقاتٍ من أربَع نُدندِن فيها حوْل خصائص الشَّريعة الإسلاميَّة وفضلِها على ما سِواها من الشَّرائِعِ، ونبدأ مُقدّمة قَبْل بيت قصيد.




    إنَّ الدين عند الله الإسلام
    فالوَقْفة الأولى مع فضْل دين الإسلام، قال الله -عزّ وجل-: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" آل عمرآن:٨٥،فمَن أراد دينًا غيرَ دينِ الإسلام فإنّ هذا الدّين الذي قد
    ابتغاهُ مُبتَغيه غيْر مقبولٍ عند الله -عزّ وجل- في الدّنيا وهو كذلك إذا قَدِم على الله بهذا الدّين سيَكون من الخاسرين، ولن يكون له أجْرٌ عند ربِّ العالمين
    وقال الله -سبحانه وتعالى- مُؤكِّدًا على هذه الحقيقة: "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ" آل عمران:١٩،أيْ ليْس ثَمَّ دين سوى الإسلام مقبولٌ عند الله -سبحانه وتعالى-.
    ولذلك فقد أكمَل الله -عزّ وجل- لنا هذا الدّين وأتمَّ علينا هذه النِّعمة، يوم عَرَفة في حَجَّة الوداع؛ التي ودَّع بها النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- المَناسِك وكانت تُلقَّب بذلك حَجّةُ الوداع لأنّها آخِر حَجّةٍ حَجّها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع أصحابِه، نزل عليه قوْل الله -عزّ وجلّ-:
    : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"المائدة:٣.
    ويا لها من آيةٍ سارت بها الرُّكبان وعرف فضْلُها أهْل العِلم والعِرفان، حتى وصل هذا العِلم إلى غيْرِ أبناء هذه المِلّة، فقد جاء رجلٌ يهوديّ من أحْبارهم، فدخل على أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، فقال: يا أمير المؤمنين، عندكم آيةٌ في كتاب الله لو نزلَت علينا معْشَر يَهود لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أيُّ آية؟، قال: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ"، قال: "والله إنّي لأعلم متى نزلت، وأين نزلت، لقد نزَلت على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يوم جُمُعةٍ في عرَفات".



    أوجب الله على المسلمين الأخذ بشرائع الإسلام جميعًا
    والإسلام، أوْجَب الله -سبحانه وتعالى- على الخلْق ألاّ يأخذوا شيئًا منْه ويدَعوا شيئًا آخر، فقال سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً" البقرة:٢٠٨،خذوا بشرائع الإسلام جميعًا، لا تأخذوا بناحيةٍ وتَدَعوا أخرى، لا توَحِّدوا الله ثم لا تتَّبعوا الرّسول، أو لا توَحِّدوا الله وتتَّبعوا الرّسول ثم أنتم تترُكون الصّلاة، أو الزّكاة، أو الحجَّ، أو الصِّيّام، أو بِرِّ الوالدين، أو أن تأخذوا بهذا ثُمّ أنتم بعد ذلك تُفسِدون المُعاملات في البَيْع والشِّراء، وفي النِّكاح والطّلاق، وغيْرِها ممّا لا يستغني عنه الإنسان، أو أن تأخذوا بهذا جميعًا ثُمّ أنتم لا خَلاقَ لكم، ولا تُحسنونَ المُعاملةَ فيما بيْنكم.
    فإنّ الإسلام عقيدةٌ، وعبادةٌ، ومُعاملات، وأخلاق، كلُّ ذلك هو دين الإسلام، الذي أكمَله الله لنا ورضيه لنا وبذلك تمَّت النِّعمة عليْنا معاشِر المسلمين



    الإسلام هو دين الأنبياء جميعًا
    ولا بُدَّ أن نُقرِّرَ ها هنا أنّ الإسلام هو دين الأنبيّاء جميعًا مِن لدُن أبينا آدم -عليه السّلام- إلى محمّدٍ -صلّى الله عليه وعلى آله وصَحبه وسلّم-، كلُّ الأنبيّاء جميعًا كانوا من أهلِ الإسلام. ولذلك فالوصيَّة بالحياة على هذا الدّين، والوَفاةُ عليه كانت نصيحة النّاصحين من الأنبيّاء والمُرسلين من قبْلِنا، فقد حكى الله -سبحانه وتعالى- عن بعضِ أنبيائه فقال: "يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"البقرة:١٣٢، وقال يوسف -عليه الصّلاة والسّلام-: "تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"يوسف:١٠١، وقال ربّنا -سبحانه وتعالى-: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" الأنعام:١٦٣،١٦٢.



    اتّباع هذا الدّين بكُلّ ما فيه واجبٌ على الجميع
    إذن شمَل هذا الدين، الحياة الدّنيا والآخرة، وما فيهما من عقائد وعِبادات، ومُعاملات وأخلاق، وكلّ ما لا يسْتغني عنه النّاس؛ ولذلك أوْجب الله -سبحانه وتعالى- علينا جميعًا اتِّباع الوَحي الذي أنزلَه، واتِّباع الرّسول الذي نزَل عليه هذا الوَحي، فقال -سبحانه-: "اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ"الأعراف:٣.
    وبيَّن -سبحانه وتعالى-فضْل هؤلاء الَّذين يتَّبعون هذا الهَدْي، وهذا الوَحي، وهذا النّور، وهذا البُرهان، فقال -سبحانه-: "فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" البقرة:٣٨، وقال -جلّ في عُلاه-: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا" طه:١٢٤،١٢٣.

    وقال ربّنا -سبحانه وتعالى- حِكايةً عن الصّالحين من المؤمنين من قبْلِنا: "رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ" آل عمران:٥٣.

    وقال هذا العبد الصّالح الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وهو حبيب النَّجّار على قوْل أكثر أهل العِلم، الذي سَمِع أنّ قوْمه قد هدَّدوا الرُّسُل وأنَّهم ربَّما يتَحامقون فيَقتلون هؤلاء الرُّسُل أو يوصِلون إليْهم هذا التَّهديد حينما قالوا لهم لَنَرجُمنَّكم أجمعين، فجاء من أقصى المدينة يسعى، ماذا كان قوْله؟ وماذا كان يُريد؟ وماذا حدَّث به النّاس؟ إنّه قال: "يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ" يس:٢١،٢٠

    وقال الله -سبحانه وتعالى- مُبيِّنًا فضْل اتِّباع الرّسول كأَنَّ مَن فعَل ذلك أطاع الرّسول فإنّه يكون بمَثابة من أطاع الله سواء بسواء، فقال -جلّ في عُلاه-: "مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ" النساء:٨٠، وقال -جلّ في عُلاه-: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ"النساء:٦٤.




    إنزال الكُتب وإرسال الرُّسل رحمة بالخَلْق وحجَّة عليهم
    وإنزالِ الكُتب، وإرسالِ الرُّسل، رحْمة من الله -عزّ وجل- بخَلْقه، وإقامةً للحُجَّة عليْهم حتى لا يأتي أحدٌ يوم القيامة فيَقول: يا ربّ ما أنزلت إليّ من كتاب، وما أرسَلت إليّ من رسول؛ ولو كُنت فعَلت ذلك بي لكُنتُ آمنْت، وأسْلَمت، وأطعت، ولم أفعل ما فعلت! ولله -عزّ وجل- على خَلقِه الحُجَّةُ البالِغة، فالله -سبحانه وتعالى- قال: "رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ" النساء:١٦٥،
    وقال -سبحانه وتعالى-، وهذا مظهرٌ عظيم من مظاهر رحمته، أنّه لا يُعذِّب أحدًا إلا بعد قِيام الحُجَّة عليه، فقال -سبحانه-: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا"الإسراء:١٥، وقال -سبحانه-: "وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ" فاطر:٢٤.
    لا يصحُّ إيمانُ عبْدٍ حتى يؤمِن بكل الكتب وكل الرسل
    ولا بُدَّ أن نُقرِّر أيضًا أنّه لا يصحُّ إيمان عبْدٍ، ولا إسلامُه كذلك، حتى يؤمِن بكلِّ كتابٍ أنْزله الله، ويؤمِن بكلِّ رسولٍ ونبيِّ أرسَله الله -عزّ وجلّ- بوَحيِه، وهذه الخاصيّة لا تَصِحُّ في زمانِنا إلا لأهْل الإسلام وحْدهم، فإنّ اليهود جاءوا عند موسى -عليه السّلام- ووقفوا، والنّصارى جاءوا عند عيسى -عليه السّلام- ووقفوا، وأمّا هذه الأمّة المُحمَّديّة شرَّفها الله وجبَر كسْرها وأقال عثْرتها، فإنّها الأمّة الوحيدة التي هُجَيْراها أنّها تُؤمِن بكلِّ كتابٍ أنزله الله، وبكلِّ رسول أرْسله الله -سبحانه وتعالى-.


    ولذلك قال -عزّ وجل- مادِحًا هذه الثُلَّة الكريمة من الصّحابة: "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" البقرة:٢٨٥، والشّاهد هو إيمانهم بالكُتب، وكذلك أنّهم لا يُفرِّقون بين أحدٍ من رُسُل الله؛ فيُؤمنون ببعضٍ ويكفرون بالبعض الآخر كما فَعل أهْل الكِتابَيْن والأمم من قبْلِنا.
    وقال الله-سبحانه وتعالى-: "قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" آل عمران:٨٤




    كُتب الله فيها الهُدى والنور
    وقد وَصف الله -سبحانه وتعالى- كلِماته في التوراة، والإنجيل، والقرآن، أنّها هُدًى ونور، فقال -سبحانه-: "إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا"المائدة:٤٤. وقال -سبحانه وتعالى- عن بِعْثة عيسى -عليه السّلام-: "وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ" المائدة:٤٦، وقال -سبحانه وتعالى- عن القرآن: "الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"البقرة:٢،١،
    وقال -سبحانه-: "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" الشورى:٥٢.




    تحريف الأمم من قبلنا لكُتُبهم وعدم القيام بأمر الله فيها
    وقد استحفظ الله -سبحانه وتعالى- أهْل الكتابَيْن مِن قبْلنا على كُتبهم، فأخذ العهْد والميثاق على اليهود أنْ يصونوا هذه التّوراة، وأن يقوموا بحقّها، وأن يحفظوها من أيْدي التّحريف، وألا يشتروا بها ثمنًا قليلًا؛ اتّباعًا لأهواء النّاس، أو الحُكّام، أو غيْرِ ذلك، وكذلك أخذ الله -سبحانه وتعالى- العهْد على أُمّة النّصارى أن يصونوا الإنجيل، وأن يقوموا بحقِّه، وأن يفعلوا كما أمر الله -سبحانه وتعالى- اليهود أن يفعلوا مع التّوراة، ولكن للأسف الشّديد لا هؤلاء ولا أولئِك قاموا بحقّ هذه الرّعاية، وإنّما مثَلُهم كما قال الله -سبحانه وتعالى-: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا" الجمعة:٥.
    وبيَّن -سبحانه وتعالى- أنّ يدَ التّغيِير، والتَّبْديل، والزّيادة، والنُّقصان، قد دبّت إلى هذه الكُتب التي هي كلِمات الله -عزّ وجل-، والتي أنْزلها نورًا وهدايةً للخَلْق.

    فقال -سبحانه وتعالى- عن أُمّة اليهود: "مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ" النساء:٤٦
    وقال عن النّصارى: "وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ"المائدة:١٤.


    وقال-سبحانه وتعالى-: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" المائدة:١٥.
    يبقى فيه نَقْل للقَوْل أهو، وفيه تحْريف، وفيه نِسيان حظّ كبير ممّا آتاهم الله -سبحانه وتعالى-، وفيه إخفاء لبعض الكِتاب كما في الحادثة المشهورة التي وقعت بيْن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- وبين نفرٍ من اليهود حينما كان في بعض دور العِبادة عندهم، فوَجد النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- رجل وامرأة من اليهود قد زَنَيَا، وقد سخَّموهما بالسُّخام، اللي هو التُّراب الأسود، من آثار الاحتراق، وكذلك أيضًا يعني أرْكبوهما على حميرٍ أو دواب وقد جعلوا يعني وجوههم ناحيَة ظهورِ البتاع، فضيحة وماشيِن في الشّارع، يعني يزفّونهم النّاس، فسألهم النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن هذا، وقال: أليْس في التَّوراة الرّجم؟ قالوا: ما في التّوراة رجْم
    فأمر النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالتَّوراة أن تأتي، فأُتيَت التَّوراة وقد نشَرها النّاشر وبدأ يقرأ في الحدِّ الذي شرعَه الله -عزّ وجل- في الإيه؟ في التَّوراة. فقرأ الرّجل ما قبْل آية الرّجْم، وقرأ ما بعدها وخبّى، وغطّى بيَدَيْه الإيه؟ الآية التي فيها الرَّجْم، وقد شهِد هذا المشهد عبد الله بن سلام، وكان من أحْبار اليهود العِظام الذين أسْلموا بالنّبي -صلّى الله عليه وسلّم- وهو الشّاهد الذي شهِد على صحَّة الرّسول، وصحَّة القرآن من بني إسرائيل، كما وَصَفه الله -سبحانه وتعالى- فقال له: ارفع يَدك، فرَفعها، فإذا آية الرَّجْم تتلألأ؛ فاستخزى اليهود وكثيرًا ما لا يستحون، فقالوا: نعم، إنّ فيهما الرَّجْم، فقام النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- برَجْم الرّجل والمرأة.
    فقال عبد الله بن عمر فرأيتُ الرّجل يجنأ على المرأة ويحنو عليْها يَقيَها بنفسِه من الحجارة. يعني حُبّ مُحَرَّم حتى الموت، وهو بيِتْرَجَم خلاص هيْموت بيْداري المرأة التي زني بها.

    فقال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: اللهم اشهد أنّي أوَّل مَن أقمْتُ أمرك فيهم، أو كما قال النّبي -صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم-.

    "إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأةً زنَيا، فقال لهم رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما تَجِدونَ في التَّوْرَاةِ في شأنِ الرَّجْمِ. فقالوا: نَفْضَحُهُمْ ويُجْلَدونَ، قال عبد الله بن سلام: كذَبْتُمْ إنَّ فيها الرَّجْمَ، فأتَوْا بالتَّوْراةِ فنَشَروها، فوَضعَ أحَدُهُمْ يَدَهُ علَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبدُ اللهِ بن سلامٍ: ارفع يدكَ، فرفعَ يدهُ فإذا فيها آيةُ الرَّجْمِ، قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمرَ بهِما رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَرُجِما فرأيْتُ الرَّجُلَ يَحْني علَى المَرْأةِ، يَقيها الحِجارَةَ" صحيح البخاري.

    وكذلك أمَرهم الله -سبحانه وتعالى- أن يُقيموا التّوراة والإنجيل، وما أُنزل إليهم من ربّهم، فقال -سبحانه-: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ" المائدة:٦٨، وبيَّن -سبحانه وتعالى- أنّهم لو قاموا بالتّوراة والإنجيل قبل بِعْثة النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- إذن لأصابوا خيرًا عظيمًا، ولسَعِدوا سعادةً بالغة، ولفازوا فوْزًا ورِبحًا كثيرًا وعظيمًا..

    فقال -سبحانه-:
    "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم" المائدة:٦٦، "لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ"، أنْزلت السّماء برَكتها، وأخْرجت الأرض خيْراتِها، لكن للأسف لم يقوموا بِحقِّ الله -عزّ وجل- ولا ما أمرهم به من القيام بِكُتبِهم.



    الشريعة الإسلامية الحنفية السمحة الناسخة لكل ما قبلها من الشرائع
    ثمّ إنّ الله -سبحانه وتعالى- أوْحى إلى نبيّنا بالقرآن الكريم، والفُرقان المُبين، الذّي تولّى حِفظه -سبحانه وتعالى- بقوْله: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" الحجر:٩
    وجَعله -سبحانه وتعالى- مُهيْمنًا على ما سَبقه من الكُتب، وناسِخًا لها، فقال -سبحانه-: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ" المائدة:٤٨، أي أنْزلنا إليْك يا نبيّنا هذا الكتاب -القرآن الكريم-، "بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ" المائدة:٤٨،فما كان في التّوراة والإنجيل ممّا أبقاه الله -عزّ
    وجل- فالقرآن جاء مُصدّقًا لهذا، وزاد في الحسْن حُسنًا، والله -عزّ وجل- يؤتي فضْله من يشاء -سبحانه وتعالى-.
    كما أخذ الله -سبحانه وتعالى- العهْد والميثاق على الأنبياء جميعًا قبْل نبيِّنا -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه إذا أرسل -سبحانه وتعالى- نبيّنا وهم أحياء فواجِبٌ عليْهم وعلى أتباعِهم أن يؤمنوا بنبيّنا، وأن يُسارعوا إلى نُصرته، وأن يفوزوا بأن يكونوا تحت رايَته -عليه الصّلاة والسّلام-، فقال-سبحانه وتعالى-: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ" آل عمران:٨١.
    وقال -عليه الصّلاة والسّلام-: "لو أنَّ موسَى كان حيًّا ما وسِعهُ إلَّا أن يتَّبعَني" حسنه الألباني.

    وقال -عليه الصّلاة والسّلام-:"لا يَسْمَعُ بي أحدٌ مِن هذه الأمةِ يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ ولم يُؤْمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلا كان مِن أصحابِ النارِ" صحيح مسلم.



    وكانت بِعثَته -عليه الصّلاة والسّلام- رحمةً للعالمين عمومًا، كما قال -سبحانه-:
    "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"الأنبياء:١٠٧،ولأهْل الكتاب خصوصًا، لماذا؟ لأنّ الله -سبحانه وتعالى- قال: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ" مَن هو؟ هو محمّدٌ -صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه سلّم-. الذي يجدونه -أيْ أهل الكِتاب- مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل، فليس عدم إيمان هؤلاء من عدَم وصول الخبر الصّادق إليْهم بأوْصاف الرسول، لأنّ الله -عزّ وجل- قال في معرفة هؤلاء بنبيّنا -صلّى الله عليه وسلّم- وأوصافِه الشّريفة؛ "يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ."البقرة:146

    "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ" أيْ عظّموه -صلّى الله عليه وسلّم-. "وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" الأعراف:١٥٨،١٥٧.
    فالآصار هي ما كُلّفوه من الأعمال الشّاقة، والشِّدّة التي طرأت على شرائعهم بسبب خروجِهم على أوامِر المولى -سبحانه وتعالى-، كما قال -جلّ في عُلاه-: "فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا" النساء:١٦٠،فكان جائزًا في شرائعهم أنْ يُعاقَبوا على المعصية بتحريم أشياء كانت عليهم حلالًا قبْل ذلك، ثم أوْحى الله -عزّ وجل- لنبيّه بهذه الشّريعة السّمْحة السّهلة التي رُفعت فيها الآصار، والأغلال، والحَرج، والمشقّات، وبها تمّت كلمة ربّك صِدْقًا وعدلًا، فهذه الشّريعة صِدْقٌ في الأخبار، وعدْلٌ في الأحْكام.
    وقد أوْجب الله -سبحانه وتعالى- على نبيّنا وعليْنا أن نتّبع هذه الشّريعة المُباركة، فقال: "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"الجاثية:١٨.
    وعاش النّاس بهذا الدّين الذي أنْزله الله على رسوله أسْعد عيْشٍ، وتنعَّموا بظلال هذه الشّريعة الوارفة، وتبدَّلت أحوال الخَلْق؛ فأخرجهم الله -عزّ وجل- بهذا الدّين من الظُّلمات إلى النّور، ومن الكُفر إلى الإيمان، ومن الضّلالة إلى الهُدى، ومِن المعاصي وهذه الموبقات إلى الطّاعة وامتثال أوامر المولى -سبحانه وتعالى-، وهيْمَنَ هذا الدّين على حياة الخَلْق، فانصلح على السّواء أمْر دينِهم ودُنياهم، حتى غيْر المؤمنين بها، قالوا عن هذه الشّريعة كما قال بِرْك وهو رجل
    أحد أعضاء البرلمان الإنجليزي يومًا: "إنَّ تعاليم القرآن أحْكم وأعْقل وأرْحم تشريعٍ عرفه التّاريخ".





    التخلّي عن الكتاب والسنة أساس كل فساد
    وظلّت هذه الشّريعة تُهيْمن على حياة المسلمين طوال ثلاثة عشر قرنًا من الزّمان، وفَتَحت لهم قلوب العالمين قبْل أن تفتح لهم البُلدان؛ ببركة تعظيمهم لهذا الدّين، وإجلالهم لهذه الشّريعة، ثم أصاب المسلمين ما أصاب مَن قبْلهم من الأمم حينما فرّطوا في الكتاب والسنّة، وحينما تنكّروا لهما، وحينما ضعُفت الصِّلة ولم تعُد الشّريعة تُهيْمن على حياتهم كما هيْمنت على مَن سبقهم من أسلافهم، فدبَّ الجَهل والشِّرك، والبِدع، وفشت المعاصي، وارتفع العِلم في كثيرٍ مِن ديار المسلمين،ثم سلَّط الله -عزّ وجل- أعداءنا عليْنا فدالوا دولةً عظيمة حتى جاسوا خلال الدّيّار، واحتلُّوا كثيرًا من أقطار المسلمين، وتربّعوا بجيوشهم في سوَيْداء هذه البلدان، فبدؤوا يُوَهِّنون، ويزيدون من ضغف صلة النّاس بدينهم وشريعة ربّهم -سبحانه وتعالى-.

    ثمّ أخذوا أُناسًا ممّن خانوا الله ورسوله، وخانوا حقَّ هذه الأمّة، فَوَضعوهم على الكراسي، وأوْصوْهم وصايةً شديدة أن يصرِفوا النّاس عن شرْع الله -سبحانه وتعالى-، وأن يُوَهِّنوا مِن أمْر هذه الشّريعة في حياتِهم.

    ألا وإنّ الله -سبحانه وتعالى- أقسم بذاته المُقدّسة على نفي الإيمان على مَن لم يرْضَ بالتّحاكم في أموره إلى هذه الشّريعة، فقال: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" النساء:٦٥، وقال عن هؤلاء المُستغربين، وأهل الفتنة الذين يريدون سواد شرائِع غيْر المُسلمين على شرائِع المسلمين، قال -سبحانه-:

    "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ"المائدة:٥٠.





    مقاصد الشّريعة
    وأمّا بحثنا فهو يدور حول غاية الشّريعة، ومقاصدِها العظمى، وخصائصِها ومحاسِنها التي ميَّزتها عمّا سواها ممّا أحدثه المُضلّون المُعاصرون، وكان هذا الأمر غيْر موْجود فيما سبقنا، ولعلّهم كانوا لا يتَصوَّرون أبدًا أن يأْتيَ أهْل الإسلام بقوانين يسْتوْرِدونها مِن ها هنا وهناك ليَصير إليْها المرْجع عند التَّحاكُم في ما يتنازعون فيه، وإنّ هؤلاء والله ليَقولون مُنكرًا مِن القَوْل وزورًا وبُهتانًا، فمثَلهم كمثل حشرة الخفّاش، لا ترى في ضوْء النّهار وحينما تطلُع الشمس، وإنّما تُبصر في الظّلام الدّامس وحنادِسه

    خفافيش أعياها النّهار بضوئه ووافقها قِطعٌ من اللّيل المُظلِم
    وقال الآخر:
    ومن يَكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ يجد مُرًّا به الماء الزّلالا


    غاية الشّريعة، تعبيد النّاس لربِّ العالمين، ونجاتُهم، وفوْزهم، وسعادتهم في الآخرة، وهِدايتُهم لمصالِحِهم الدّينيّة والدّنيويّة. والشّرائع عمومًا وشريعة نبيّنا خصوصًا جاءت لتُحافظ على الكُلّيات الخمس.




    جاءت الشريعة لتحافظ على دين الناس
    وأوّل هذه الكلّيّات العِظام جاءت لتُحافظ على دين النّاس، كيف يوَحّدون ربّهم -سبحانه وتعالى-، كيف يُحقّقون أركان الإيمان، وأركان الإسلام، يُصلّون ويصومون ويُزكّون ويحجّون ويبرّون ويصِلون الأرحام ويُحسنون الجِوار، وكذلك سدّت كلّ الطّرُق التي تُؤثّر على دين النّاس، فمنَعت من الشِّرْك، والأسباب
    الموصلة إليه، ومن البِدَع التي يُحْدِثُها النّاس، وما تُوَصِّل إليه، ومن المعاصي كبارها وصغارها.
    ومن ذلك أيضًا مِن محافظة الشّريعة على الدّين أن شَرع الله -عزّ وجل- الجِهاد، لحِماية دين النّاس، قال -تعالى-: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"الحج:٤٠.
    وقال -عليه الصّلاة والسّلام- حينما سُئل الرجلُ يُقاتلُ حمية، ويُقاتل شجاعة، ويُقاتِلُ ليُرَى مكانُهُ، فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: "مَن قاتَل لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا، فهو في سبيلِ اللهِ عز وجل"صحيح البخاري
    وكذلك شرَع الله -عزّ وجل- حدود الرِّدّة لِمَن ارتدَّ عن الدّين، وعموم الحدود صيانةً لدين النّاس، ومَن تديَّن به.
    كذلك أيضًا الأصل الثاني الذي جاءت الشّريعة لتُحافظ عليه النّفوس؛فحرَّمت هذه الشّريعة قتْل النّفوس بغيْر حق، ومن أجْل ذلك شرَع الله القصاص، فقال -سبحانه وتعالى-:
    "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" البقرة:١٧٩،وكانت العَرَب تمدحُ نفسَها بأنّها قالت كلمةً عظيمة في مسألة القِصاص هذه، فكانوا يقولون: القَتْل أنفى للقتْل، يعني قتْل القاتِل يمنَع مِن تسلْسل القَتْل على سبيل الثّأْر، فجاء القرآن بما هو أعظم، وأجَلْ، فقال: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".
    ولذلك عظَّم الله -سبحانه وتعالى- جريمة القَتْل العَمْد، فقال -سبحانه-: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" النساء:٩٣.
    وقال -عليه الصّلاة والسّلام-: "لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ، يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنِّي رسولُ اللهِ، إلا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزاني.." يعني الذي تزوَّج، وأُحصِن قبْل ذلك، فهذا حدُّه الرَّجم، كما هو معلوم، ".. والنَّفُسُ بالنَّفْسِ.." أيْ في قتْل العَمْد ".. والتاركُ لدِينِهِ. المفارِقُ للجماعةِ" صحيح مسلم.
    • جاءت الشريعة لتحفظ العقل الذي هو مناطُ التكليف



    وأمّا الأصْل الثّالث الذي جاءت الشّريعة لحِفظه، فهو العقْل وهو مناط التّكليف، فلذلك حرّم الله -سبحانه وتعالى- كلّ ما يُؤدّي إلى فساد هذا
    جاءت الشريعة لتحافظ على النفوس
    • العقل حِسًّا، أو معنى؛ فحرّم الله -سبحانه وتعالى- الخمْر وما يُقاس عليْه، كالمخدرات، أو أيّ شيء يؤدّي إلى تغييب العقل وفساده، حتى يصير مُتعاطي هذه الأشياء كالبهيمة سواء بسواء، لا يُميِّز بين ما ينفعه أو يضرُّه، لذلك فالحفاظ على العقول مِن أن تُفْسَد أو تُتْلَف، فهذا أصلٌ ممّا جاءت الشّريعة بحِفظه.
    • جاءت الشريعة لحِفْظ النَّسْل
    والأصْل الرّابع هو حِفْظ النّسْل، ويشمل النّسَب والعِرْض، فلأجل ذلك شرَع الله النِّكاح، وحرّم السِّفاح، وكلّ ما يؤدّي إلى هذه الجريمة النّكراء من طُرُقٍ ووسائل؛ كالنّظر المُحَرّم، والتّبرُّج والمُجون، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا
    بالقوْل أو بالفعْل، وحرّم الله -سبحانه وتعالى- وأْد الأولاد وقتْلهم خشيَة العارِ، أو الفقْر، كما هو معلوم.



    جاءت الشريعة للحفاظ على المال
    والأصْل الخامس الحِفاظ على المال، قال الله -سبحانه وتعالى-: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ"البقرة:١٨٨، وقال الله -عزّ وجل-: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"البقرة:٢٧٥،وحرَّم الله -سبحانه وتعالى- القِمار، والغرر، والسَّرقة، ونهْب الأموال، وقطْع الطُّرق، وشرَع في ذلك الحدود الرّادِعة، كلُّ ذلك صيانةً لأموال النّاس، لعِزَّة هذه الأشياء على الإنسان عمومًا.



    الخير كله في اتّباع هذه الشريعة
    فجاءت الشّريعة تُحافِظ على الدّين، وعلى النّفوس، وعلى العُقول، وعلى النَّسْل والأعراض، وكذا تُحافظ على الأموال، فمَن أخذ بهذه الشّريعة المُباركَة فإنّه يسْعد سعادةً غامرةً في الدّنيا ويفوز فوزًا عظيمًا في الآخرة. وهكذا عاش الصّحابة والتّابعون وتابعيهم بإحسانٍ إلى ما شاء الله بهذه الشّريعة فأصابوا من ذلك خيْرًا عظيمًا، ولم يكن قد ضُرِب عليْهم هذا الشّقاء الذي ضُرِب على المُتأخِّرين والمُعاصرين حينما نُحِّيَت هذه الشّريعة، وحاول النّاس أن يُطفئوا هذا النّور، وكذلك ضُرِبت على مُعظم ديار المسلمين هذه القوانين الوضعيّة التي ما أنزل الله -عزّ وجل- بها من سُلطان، فشقي النّاس ولا زالوا في شقاءٍ حتى يرجعوا إلى دينِهم، ويُعظِّموا شريعة ربّهم، ويعودوا مرّةً أخرى يُحَكِّموا الكتاب والسنّة في كلّ ما شجَر بيِنهم، كما قال الله -سبحانه-: "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا"النساء:٥٩




    الخاتمة

    وإلى هنا ينْتهي لقاؤنا الأوّل في هذه السّلسلة، إن شاء الله -عزّ وجل- نستَكمِلها بعد ذلك حوْل الخصائص التي اختُصَّت بها هذه الشّريعة المُباركة.

    نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا وإيّاكم ممّن يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ.
    سبحان ربّك ربّ العِزّة عمّا يصفون وسلامٌ على المُرسلين والحمْد لله ربّ العالمين.


    تم بحمد الله
    شاهدوا الدرس للنشر على النت في قسم تفريغ الدروس في منتديات الطريق إلى الله وتفضلوا هنا:

    https://forums.way2allah.com/forumdisplay.php?f=36
    التعديل الأخير تم بواسطة سهير(بنت فلسطين); الساعة 09-11-2017, 10:00 PM.
    عامِل الناسَ بِـ جمالِ قَلّبك ، وطيبتِهِ ، ولا تَنتظر رداً جميلاً ، فَـ إن نَسوها لا تَحزن ، فَـ الله لَن ينساك

    تعليق


    • #3
      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.


      رحمــــةُ الله عليـــكِ أمـــي الغاليــــــــــــة

      اللهــم أعني علي حُسن بِــــر أبــي


      ومَا عِندَ اللهِ خيرٌ وأَبقَىَ.

      تعليق


      • #4
        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.
        اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

        تعليق

        يعمل...
        X