إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اللقاء التاسع | التقليد وأحكامه للدكتور/ محمد فرحات | بصائر3

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللقاء التاسع | التقليد وأحكامه للدكتور/ محمد فرحات | بصائر3


    ما هو التقليد وما معناه؟
    التقليد في اللغة:
    مِن الفعل: قَلَّدَ يُقَلِّد تقليدًا
    يَدُور معنى الكلمة على ثلاثة معانٍ: اللزوم، التعليق، التَّحَمُّل.

    المعنى الاصطلاحي:
    يمكن تعريف مفهوم التقليد في الاصطلاح الشرعي أنه التزام المُكَلَّف في حُكْمٍ شَرْعِيّ مَذْهَب مَن ليس قَوْلُه حُجَّة في ذاته.


    اللقاء التاسع | التقليد وأحكامه للدكتور/ محمد فرحات | بصائر3


    تفضلوا معنا في تحميل الدرس بجميع الصيغ


    رابط الدرس على الموقع وبه جميع الجودات
    http://way2allah.com/khotab-item-136438.htm

    رابط صوت mp3
    http://way2allah.com/khotab-mirror-136438-217248.htm

    رابط الجودة hd
    http://way2allah.com/khotab-mirror-136438-217247.htm

    رابط يوتيوب



    رابط ساوند كلاود
    https://soundcloud.com/way2allahcom/taqleed

    رابط تفريغ بصيغة pdf
    http://www.way2allah.com/media/pdf/136/136438.pdf

    رابط تفريغ بصيغة word
    هنـــا

    لمشاهدة جميع دروس الدورة وتحميلها على هذا الرابط:
    http://way2allah.com/category-585.htm


    | جدول دورة بصائر لإعداد المسلم الرباني | الجزء الثالث |


    موضوع مخصص للاستفسارات الخاصة بالدورة العلمية " بصائر3 "


    لقراءة التفريغ مكتوب
    تابعونا في المشاركة الثانية بإذن الله.



    رحمــــةُ الله عليـــكِ أمـــي الغاليــــــــــــة

    اللهــم أعني علي حُسن بِــــر أبــي


    ومَا عِندَ اللهِ خيرٌ وأَبقَىَ.

  • #2


    حياكم الله وبياكم الإخوة الأفاضل والأخوات الفضليات:
    يسر
    فريق التفريغ بشبكة الطريق إلى الله
    أن يقدم لكم تفريغ: التقليد وأحكامه
    مع الدكتور/ محمد فرحات


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الحمد لله حَمْدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:


    نستكمل لقاءنا حول هذا الموضوع المهم موضوع التقليد ومفهومه وأحكامه.

    ما هو التقليد؟
    ما هو التقليد وما معناه؟

    التقليد في اللغة:
    مِن الفعل: قَلَّدَ يُقَلِّد تقليدًا
    يَدُور معنى الكلمة على ثلاثة معانٍ: اللزوم، التعليق، التَّحَمُّل.

    المعنى الاصطلاحي:
    يمكن تعريف مفهوم التقليد في الاصطلاح الشرعي أنه التزام المُكَلَّف في حُكْمٍ شَرْعِيّ مَذْهَب مَن ليس قَوْلُه حُجَّة في ذاته، ما معنى هذا الكلام؟
    أنَّ لدينا إنسان مُكَلَّف بالأحكام الشرعية، هذا الإنسان سيلتزم قَوْلًا؛ هذا القَوْلُ قَوْلُ مَن؟
    ليس قَوْل معصوم؛ إنما هو قَوْل مجتهد؛ يعني قَوْل هذا الذي سيُتَّبع ليس حُجَّة في ذاته، ليس كالتزام المُكَلَّف بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-
    إنما هو التزام لِمَن؟ لِمَن سيأتي إليه بالأحكام، وهذا الذي سيأتيه بالأحكام -وهو المجتهد أو المفتي- ليس قَوْله حُجَّة، فهذا هو المفهوم لمسألة التقليد.

    ما هي العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للتقليد؟
    ما هي العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي؟


    الحقيقة العلاقة ظاهرة، فيُقال أنه التَّقْلِيد مأخوذ مِن القِلادة
    كأنَّ هذا المُقَلِّد جعل هذا الحُكْم الذي قَلَّد فيه المجتهد كالقلادة في عُنُق مَن قَلَّدَه
    مشهور حتى لدى الناس يقولّك إيه "خلّيها في رقبة العالِم واخرج سالِم" مشهورة، لديهم هذا الأمر.
    أو يُقال أنه من اللزوم؛ لأنه تَقَلَّد الأمر يعني التزمه، التزم بهذا الكلام.


    هذا المصطلح مفهوم التقليد، هناك مصطلحٌ آخر يُقال عنه أنه مفهوم آخر يُسَمَّى الاتّباع.

    هل هناك فارق بين التقليد والاتّباع؟
    هل هناك فارق بين التَّقْلِيد وبين الاتّباع؟


    هذا محل خلاف بين أهل العلم:
    فأكثر أهل العلم يقولون: ليس هناك فارقٌ بين التقليد والاتّباع، وحُجّتهم في ذلك أنَّ معنى الاتّباع والتقليد في اللغة واحد
    وأن الله -سبحانه وتعالى- أطلق الاتّباع على المقلدين
    "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ"
    البقرة:١٧٠.
    هؤلاء يحتَجُّون بماذا؟
    بأنهم قَلَّدُوا السابقين وقالوا عن هذا التَّقْليد أنه اتّباع.

    لكن حقيقةً هناك مِن أهل العلم مَن فَرَّق بين الحالين، وقالوا:
    أنَّ التَّقْلِيد هو التزام مذهب الغَيْر بِغَيْر حُجَّة
    التقليد عندهم أن يلتزم الإنسان مذهب الغير بغير حُجَّة
    لا يأتيه الأمر عن طريق الدليل وفهم الدليل، إنما فقط هو يسأل عن الحُكْم، فيأخذ الحُكْم ويعمل.

    بينما الاتّباع قالوا: هو التزام مذهب الغير بالحُجَّة.
    فهنا صار الاتّباع لديهم مرتبةً وَسْطًا بين التقليد الذي يأخذ فيه المُكَلَّف الأحكام بغير مَعْرِفَة دليلها ولا كيفية الاستدلال منها
    وبين الاجتهاد الذي يجتهد فيه المجتهِد في الحُكْم الشرعيّ ويعلم دليله وكيفية الاستدلال.

    ومِمَّن قال بهذا: الحافظ بن عبد البر، والإمام ابن القيم، والإمام الشاطبي -رحمة الله عليهم أجمعين-.
    وهذا مِمَّا اشْتُهِر في العصور المُتَأَخِّرَة أنَّ هناك منزلة تُسَمَّى التقليد، ومنزلة تُسَمَّى الاتّباع، ومنزلة بعد ذلك تُسَمَّى الاجتهاد.


    ما حُكْم أنْ يفعل المُكَلَّف شيئًا لا يَعْلَم حُكْمه؟
    هنا إذا أردنا أن نتكَلَّم عن مسألة التقليد هناك مسألة خطيرة:
    ما حُكْم أن يفعل المُكَلَّف شيئًا لا يعلم حُكْمه؟
    الإنسان الذي يُقْبِلُ على شيءٍ ويفعله بغير أن يسأل عن حُكْمه أصلًا، أو يعلم حكمه أصلًا
    هذا من الأمور المنهجية الخطيرة
    ما حكم أن يفعل المُكَلَّف شيئًا لا يدري ما حكمه؟
    لا يعلم حكمه، يُقْبِل على شيء وهو لا يدري ما حكمه ولا يسأل عنه
    هذه مسألة خطيرة جدًّا، هذه المسألة في صُلْب حياة الناس، كيف يعيشون منهجية الحياة ومنهجية التعامُل مع حياتهم.

    قرر أهل العلم أنه يجب على الإنسان معرفة حُكْم أيّ فعلٍ يقوم به قبل أن يُقْدِم عليه، لماذا؟
    لأنه يحتمل أن يكون هذا الشيء من المُحَرَّمَات وهو لا يدري، فيرتكب المُحَرَّم
    فلماذا؟ لماذا لا يتعلم؟ ولماذا لا يسأل؟
    لا أقول التَّعَلُّم على سبيل التَّخَصُّص، والتَّبَحُّر؛ إنما أن يكون التَّعَلُّم على سبيل العمل فهذا مما حُكِيَ عليه الإجماع.

    سبحان الله، لله درّه سيدنا عمر لما قال:
    "لا يَبِع في سوقنا إلا مَن قد تَفَقَّه في الدين"
    انظر، قال: لا يَقُم أحدكم بالبيع في السوق، لا يقول تفقَّه ليتعلم أو ليُفْتِي، أو ليكون مُصَدَّرًا في التعليم
    إنما يقول يجب عليك لتجلس هنا وتبيع في السوق عليك أن تتعلَّم وأن تتفقَّه في دينك، حتى لا تقع في بابٍ من الأبواب، الربا مثلًا، أو باب من أبواب المعاملات الفاسدة.
    وهذا لا بُدَّ أن يكون أصلًا منهجيًّا في حياة الإنسان أن يعلم أنه مكلَّف من رب العزة -جل وعلا- وأنه محكومٌ بالشرع في كل شيء في كل حياته
    وأن أحكام الشرع فصَّلت كل شيء، حتى الأمور المباحة عليه أن يعلم أنها مباحة، فيُفرّق ما بين الواجب الذي عليه أن يلتزمه ولا يحقّ له أن يتركه إلا لعُذْر، وبين الأمور المُسْتَحَبَّة التي يأتيها على سبيل التَّطَوُّع والتَّقَرُّب من الله -سبحانه وتعالى-، والأمور المباحة التي هو بالخيار فيها، ثم ليعلم المكروه، ويعلم الحرام، وهكذا.

    فلا بُدَّ للإنسان المؤمن أن يلتزم هذا المنهج، وأن لا يُقْدِم على شيءٍ إلا وقد تعلَّم حُكْمه، وهذا مما نراه للأسف في حياة كثير من الناس أنهم لا يبالون بهذا الأمر، وكثير من الناس يأتون باستفسارات يقولون: والله دا أنا عملت كذا وكذا وكذا، وبعد كده عرفت إن كذا ممكن يبقى حرام، طب أين كنت عندما بدأت؟ ده أنا رُحت مش عارف عملت إيه وسوّيت إيه وإيه وإيه وبعد كده فيه حد قالّي، حد قالّك إن هو حرام؟ ما هذا الاستخفاف!

    هذا للأسف مما ابتُلِيْنَا به في هذا العصر أنَّ الناس ما عاد لديهم هذا الخضوع لدين الله، ما عاد لديهم تعظيم لشَرْع الله، ما عاد لديهم وقوفٌ مع حدود الله، فهذا من الأمور التي لا بُدَّ أن تُغْرَس في القلوب غَرْسًا، ولا بُدَّ أنْ يُعَاد تأهيل الناس ليتعلَّموا كيف يعيشون في كَنَف الشَّرْع، وكيف يخضعون له ويلتزمونه.
    وإلا فالذين ينزعون الشرع من حياة الناس، وينزعون الدين من حياة الناس هم يحاربون هذا الأمر، ويحاولون أن يزرعوا في قلوب الناس وفي عقولهم أنتم على خير، انتوا كده كويّسين، كفاية أوي كده، مش أنت بتصلي وبتصوم يبقى انت على خير، كويس دا عظيم جدًّا.
    هذا أمر عظيم جدًّا، والإنسان إذا لَقِيَ الله على هذا الحال يأتيه وقد اخْتَلَّ دينه، واختلَّت موازين عمله، فهذا من الأمور -للأسف- التي لا بُدَّ أن يتعلَّمها الإنسان، ولا بُدَّ أن تكون من الأمور المنهجية.


    التَّمَذْهُب.. حُكْمُه والفرق بينه وبين التَّعَلُّم
    هذا التَّعَلُّم، إذا قرَّرْنا أن الإنسان عليه أن يَعْلَم حُكْم الشيء قبل أن يعمله، كيف يتعلم؟
    هذا هو السؤال كيف يَصِل إلى الحُكْم؟
    وهنا يبرز السؤال المهم:
    ما حُكْم التمذهب؟ ما حكم أن يلتزم الإنسان بمذهبٍ مُعَيَّن؟
    هل هذا هو السبيل الوحيد للوصول إلى الأحكام؟


    الحقيقة كلمة التمذهب، ومفهوم التمذهب -أيْ التزام مذهب معين- محل خلاف بين أهل العلم قديمًا وحديثًا
    لكن لن نستعرض تفاصيل الأقوال فيها كلام طويل وخلافات بين أهل العلم
    ونقول أرجح الأقوال أنَّ التَّمَذْهُب جائز، لاحظ: التمذهب جائز.


    نريد أن نُفَرِّق بين أمرين:
    التَّمَذْهُب والتَّعَلُّم، التمذهب ومعرفة الأحكام.
    معرفة الأحكام وتَعَلُّم ما يجب عليَّ أن أتعلّمه: واجب.
    لكن اتّخاذ التمذهب وسيلة هذا جائز، يجوز وليس بواجب، يجوز لي أن أختار هذا السبيل لأَعْلَم الأحكام، وأتعلَّم ما يلزمني أنْ أَعْلَمه في ديني.

    لكن نلاحظ عندما نقول أنَّ التَّمَذْهُب جائز، هذا لا يعني أن التزام المذهب واجب، لاحظ هذا جيّدًا، وهذا سنُشير إليه في المسألة القادمة، فالإنسان إذا علم أن ما عليه الفتوى والعمل في المذهب الذي التزمه أنَّ هناك ما هو أرجح وبلَغَه قَوْلٌ عن مذهب آخر أو مجتهد آخر بان له فيه وجه الحقّ وأنّ هذا هو الأقرب للصواب فعليه ألا يتعصَّب لهذا المذهب. لاحظ هذا، التمذهب من الأمور الطيبة التي علَّمت الناس وفهّمت الناس وكانت وسائلهم لكيفية العمل، لكن إذا كان التَّمَذْهُب ووجود المذاهب أَمْرًا حَسَنًا فالذي ليس بِحَسَنٍ على الإطلاق التَّعَصُّب لهذه المذاهب، هذه هي الآفة التي جعلت مَن خرج علينا في العصر الحديث يقول: لا للتعصُّب للمذهبية.

    لاحظ، لم يَكُن هناك قَوْل:
    لا للمذاهب على الإطلاق، بل الذي يُنكر ينكر العصبية المذهبية
    ما معنى العصبية المذهبية؟
    أن ينصر الإنسان قَوْل المذهب الذي يتّبعه حتى ولو عَلِم أنَّ الدليل خِلافه، وحتى لو أتاه رأيٌ آخر بدليل أقوى، وأكثر صراحة، وأكثر وضوحًا.

    فلأجل هذا نقول:
    لا بُدَّ على الإنسان ألا يكون انتماؤه إلا لله، ولرسول الله، ولدين الإسلام
    لا يكون انتماؤه لا لشخص، ولا لمذهب، ولا لاتجاه، ولا ولا ولا، إنما انتماؤك أساسًا لدين الإسلام، فما ورد لك وعلمت أنه الحق، فالحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَع، والحق يُعرف بالحق نفسه، ولا يُعرف بالرجال، إنما الرجال هم الذي يُعرفون بالحق.
    فهذه المسألة من المسائل التي أثّرت كثيرًا في حياة أمة الإسلام، والتنازُع والتناحُر بين المذاهب كان له أثر خطير جدًّا للأسف يعني أدّى إلى الكثير من المشاكل في حياتنا التي لا زلنا نعاني منها إلى الآن.


    لاحظ، نحن قُلنا:
    أنَّ أرجح الأقوال هو القَوْل بجواز التَّمَذْهُب
    أريد أن أشير هنا إلى قَوْل أنَّ هناك مَن قال لا يجوز للعامِّي أن يتمذهب أصلًا، لاحظ حتى إذا قرأت هذا القَوْل أريد أن أشرحه لك، الذي قال لا يجوز التمذهب، إذن كيف لا يجوز التمذهب وأنت تأمره بأنْ يتَعَلَّم، وأن لا يُقْدِم على شيءٍ في حياته إلا إذا عَلِم حُكْمه
    فكيف تقول هذا ثم تقول بعد ذلك "لا تتمذهب"؟


    أقول لك فَرِّق في الكلام، هو يقول لك على التمذهب ولا يتكلم على العلم والعمل، فالتمذهب وسيلة وليست غاية، هي وسيلة، هُمْ يقولون الإنسان العامِّي الذي لا عِلْم لديه، ولا توجد لديه آلية لفهم النصوص، ونحو هذا، هذا الإنسان يُسَمّونه إنسانًا عاميًّا، يقولون العاميّ لا يلتزم مذهبًا؛ إنما عليه أن يرجع إلى أهل الفتوى وأهل الاجتهاد فيما يُشْكِل عليه وفيما يُريد عِلْمَه.
    فَهُمْ يقولون أنَّ المذاهب وما دُوِّنَ في هذه المذاهب وهذه المُؤَلَّفَات العظيمة التي صنَّفها أهل العلم في المذاهب قالوا إنما هي للدراسة وللتَّعَلُّم؛ وليست لأجل العمل مباشرةً.

    هل يجوز للمُتَمَذْهِب مخالفة المذهب؟
    لاحظ، أنا أشرح لك هذا القَوْل ولكن الصواب كما ذَكَرْنا أنَّ التَّمَذْهُب جائز
    والإنسان إذا أراد أن يلتزم بمذهب فله ذلك.
    لكن هل لا يجوز له مخالفة المذهب؟
    إجابة هذا السؤال تتفرَّع على حُكْم التَّمَذْهُب:
    -إذا كان الذي يتمذهب يأخذ بهذا على أنه على سبيل الوجوب فهنا يقولون له يجب عليك أن تأخذ بالمذهب ولا تخرج عنه.
    -أما في الرأي الذي ذكرناه ألا وهو القَوْل بأنه جائز فهنا بناءً عليه نقول -وهو الصواب- أن الإنسان يأخذ بالمذهب ويجوز له أن يخرج عنه إذا بان له وجه الحق فيه.
    هذا بالنسبة لمسألة التَّمَذْهُب.


    حُكْم تقليد المُجْتَهِد
    ماذا عن تقليد المُجْتَهِد؟
    يعني نحن ذكرنا أنَّ أحد أوجه التَّعَلُّم والعَمْل هو الأَخْذ بمذهبٍ مِن المذاهب
    هل هو واجب؟
    ليس بواجب، هو جائز.
    إذا ذكرنا للإنسان العامِّي عليك أن تتعَلَّم، لديه عِدَّة سُبُل، منها:
    أن يأخذ علمه عن مُجْتَهِد، يأتي إلى أحدٍ مِن أهل العلم وهو يرجع إليه في المسائل، أريد أن أتعلم الصلاة
    ما رأيك في المسألة الفلانية، هو لن يلتزم بمذهب إنما سيلتزم بقَوْل إنسانٍ مجتهد.

    ضوابط الاختيار الصحيح للمُفْتِي
    هنا الحقيقة يبرُز السؤال:
    أنا سأتّبع فلان، العالم الفلاني، الشيخ الفلاني
    كيف أجتهد أنا في الوصول لهذا المجتهد؟
    الوصول لهذا المفتي، الوصول لهذا العالم؟ في الحقيقة العلماء وضعوا الكثير من الضوابط سأحاول أن أختصرها حتى يَعْلَم الإنسان مِنَّا إلى مَن يلجأ، وكيف يختار مَن يُقَلِّده مسئولية التَّعَلُّم.


    البروز في الإفتاء
    بدايةً قال أهل العلم:
    الإنسان المجتهد لا بُدَّ فيه من البروز للإفتاء، وهذا البروز يكون بمشهد من العلماء، وأن يَحمِل الناس عنه، مع التأكيد على أن هذا يكون بمحضر من العلماء
    يعني يشتهر أمره بين العلماء، والعلماء يا إما يُثْنُون عليه أو لا يُنْكِرون عليه.
    لاحظ لأنَّ في زماننا الحالي هذه المعطيات قد تتغَيَّر إلى حدٍّ ما، هناك مَن يَبْرُز على موقع من مواقع التواصل الاجتماعيّ ويكون له متابعون، ويُؤتَى إليه بالأسئلة ويَرُدّ، ويكون له آراء ونحو هذا.
    هل مِثْل هذا البروز يُعْتَبَر لديَّ مُسَوِّغٌ لاعتباره ولاعتبار أقواله؟
    لا.
    فننظر إلى المُسَوِّغات التي بِناءً عليها زُكِّيَ.


    كيف نَقْبَل منه؟
    إمَّا أن تكون هذه التزكية تزكية علمية أكاديمية، نعلم ما لديه من علوم حصَّلهَا، شهادات بناء على اختبارٍ له.
    والأهم عدم الإنكار عليه، ألا يُنْكِر عليه أهل العلم؛ يُنْكِرُون عليه طريقته، يُنْكِرُون عليه فتاويه، لا يُعارَض في أصل منهجه، ونحو هذا.
    فَمِثْل هذا من الأمور التي لا بُدَّ أنْ تُرَاعَى، قبل أن تنقل عن فلان انظر إليه وتحرَّى عنه جيّدًا، فليس مجرد البروز علامة على صِحَّة الكلام وصِحَّة المنهج، هذا من الأمور الخطيرة التي لا بُدَّ للإنسان أن يتعلَّمها.

    رجوع العلماء إليه وثقتهم به
    كذلك من الأمور المهمة التي تجعل الإنسان يطمئن إلى مَن يَحْمِل عنه أنَّ العلماء يرجعون إليه، يُشيرون إليه، يقولون ارجع لفلان، ينقلون عن كلامه، ينقلون عن اجتهاداته، ينقلون عن مُصَنَّفَاته، فهذا أيضًا مما يجعل الإنسان يطمئن إلى هذا الإنسان، ويثقون في علمه.
    وليس معنى الرجوع إليه رجوع طائفة دون طائفة، فهناك بعض التَّعَصُّبات العصرية مثلًا أنَّ فلان تبع الجماعة الفلانية، فلان تبع الفلانيين، فلان اللي صار له أتباع يتعصَّبون له ويرجعون إليه، فهل مجرد رجوع أيّ أحد إليه صارت هذه بمنزلة التَّزْكية العلمية التي تجعله مقبولًا؟
    لا، يُرْجَع إليه مِن رؤوس أهل العلم المجتهدين في هذا الزمان
    المُبَرَّزِين في العلم في هذا الزمان، يرجعون إليه، ويَنْقِلُون عنه، هذا يَدُلُّ على أنَّ عِلْمَه موثوقٌ فيه.

    إخبار أهلم العلم عن المُفْتي
    كذلك من الأمور أن يُخْبِر أهل العلم عنه، يقولون والله فلان في علم كذا، فلان يُنقَل عنه كذا، فلان صَنَّف كذا
    فهذا أيضًا مما يجعل الإنسان يطمئن إلى هذا الإنسان الذي سيجتهد، ويَحْمِل عنه اجتهاده.

    استفاضة الأمر
    من الأمور كذلك التي وَضَعَها أَهْلُ العلم استفاضة الأمر، لكن كما ذَكَرْنا استفاضة الأمر مشروطة -خاصةً في العصر الحديث- بأن تكون هذه الاستفاضة استفاضة مبنيَّة على أساس، وإلا فهناك مَن يستفيض أمره في هذا العصر الذي نحن فيه وهو كالمسيح الدجال يعني أمره مجرد تلبيس على الناس.

    استقامة أمر المفتي وصلاحه
    الأمر المهم أنهم وضعوا قَيْد استقامة أَمْرِه وصَلاحه، لاحِظ هذا، ولَعَلَّ هذا القَيْد يتعَجَّبُ الإنسانُ منه
    وهل يُعْقَل أَنْ يكون هناك مُجْتَهِد غير عَدْل؟ مُجْتَهِد وليس مُسْتَقِيْمًا في حاله؟
    مجتهد وليس على الصَّلاح؟

    نعم هذا موجود، بل وهذا مذكور في كُتُب أهل العلم
    كيف نتصرَّف مع المجتهِد غير العَدْل؟
    فهذا مِن الأمور التي لا بُدَّ أيضًا أَنْ نَعْلَمَها، هناك إنسان تجده لديه من العلم نَعَم يَحْمِلُ عِلْمًا ولديه إنتاج علميّ لكنه ليس على هذه الدرجة من استقامة الحال ومن الصَّلاح، تجده نَعَم يستطيع الكلام في العلوم، ويستطيع الكلام في المُصَنَّفَات، ونحو هذا، لكن حياته وسبيله وطريقه غير مَرْضِيّ.

    وقار ووَرَع المفتي
    ومن الأمور كذلك التي لا بُدَّ أن نُنَبِّه عليها مما يجعل الإنسان يطمئن إلى فلان أنْ تجد هذا الإنسان عليه سَمْت أهل الورع، وأهل الصَّلاح، تجد عليه وقار العِلْم، أما أن تَجِد إنسانًا رقيعًا لا يبالي كيف يلبس ولا كيف يتصرّف ولا كيف يتكلم، مثل هذا يُخِلّ بالمروءة
    والعلماء مِن سَمتِهِم أنهم يراعون المروءة، ويراعون كمال الأحوال؛ لأنهم ناقلون عن الله وعن رسول الله -صلوات الله عليه-.

    فلا بُدَّ أن نرى أثر هذا العلم في سَمْته وهَدْيه ودَلِّه، تجد عليه وقار العلم، لكن أن تجد إنسانًا متسامِجًا، إنسانًا سخيفًا، إنسانًا يُكْثِر من المزاح والهزل
    مثل هذا مما يجعل الإنسان ينفر عنه، فكيف بمن يرى إنسانًا صار مُبَرَّزًا بين الناس وهو يلبس ثياب المُخَنَّثين، أمثل هذا يُحمل عنه؟
    أمثل هذا يُقال عنه من أهل العلم؟ إنسان يُرَى على هيئته فيستصغره الإنسان في نظره، يرى أنه يتشبه بأهل الدياثة وأهل عدم المروءة

    ثم بعد ذلك أحمل عنه العلم؟ كيف يكون هذا؟
    فهذا من الأمور أيضًا التي تضع لك التَّصَوُّر العام لِمَن تحمل عنه، وهي أمانة تُسأل عنها أمام الله -سبحانه وتعالى-.


    متى تكون الفتوى مُلْزِمَة للعامِّي؟
    هذا الإنسان العامِّي ذهب للمجتهد الفلاني سأله، هل بمجرد أنَّ المجتهد أجابه صارت هذه الفتوى مُلْزِمَة؟ لاحظ هذه منهجية مهمة، هذا أمر دقيق جدًّا، العاميّ إذا سأل الإنسان المجتهد فأفتاه المجتهد فلا يلزم العامِّي هذه الفتوى إلا إذا عمل بها، عندما عمل بها إذن صار يَدِيْنُ لله بها فيلتزمها، لكن قبل أن يعمل بها لا يلزمه الأخْذ بها، لماذا؟ لأنه قد يسمع كلام هذا المجتهد ثم يأتيه قَوْلُ مُجْتَهِدٍ آخر ويكون الصواب في قَوْل المجتهد الآخر.

    يبقى إذن لا بُدَّ أَنْ نَضَع هذه القاعدة:
    الإنسان العامِّي يلتزم بهذه الفتوى إذا عمل بها، عمل بها إذن هو التزم بها؛ ولا يجوز له الرجوع عنها إلا إذا كان هناك مُسَوِّغ شرعي للرجوع عن هذه الفتوى
    فالأمر ليس هزلًا، وليست لعبة، يأخذ بالفتوى اليوم ويتركها غدًا هذا ليس بمتعبد لله -سبحانه وتعالى-، هذا يعبد الله على هواه، إنما إذا التزم فتوى هذا المجتهد فهو يأخذها ديانةً لله -سبحانه وتعالى-، ثم نقول إذا لم يعمل بهذه الفتوى فلا يضره فهو بالخيار طالما لم يعمل بها، وهذا قَيْدٌ مُهِمّ.

    نلاحظ أن القول بالتزام فتوى المجتهد
    ليس لأنَّ هذا المجتهد له عصمة أو له مكانة خاصة؛ وإنما المقصود منه أنَّ اتّباع
    فتوى العلماء هو الوسيلة لتَعَلُّم الحكم الشرعي، فهو يلتزمها لأنَّ هذه هي الدلالة على مُراد الله ومراد رسول الله -صلوات الله عليه-
    وأنَّ هذا هو الحُكْم الذي سيلتزمه، وبالتالي بما أنَّ هذا الإنسان العامِّي ليس من أهل الاجتهاد فهو يرجع إلى أهل الاجتهاد حتى يَصِل إلى هذا الأمر.

    هل يجوز للعامِّي أن يُفْتِي بما يَعْرِف من الفتاوى؟
    السؤال حول أيضًا هذه الجزئية لأنه كَثُر فيه الخَلْط الآن، هناك مسألة مُهِمَّة إذا عَلِمَ هذا العامِّي مسألة سأل المجتهد وعَلِمها، إذا عَلِم العامِّي هذه المسألة هل يجوز له أن يُفْتِي بها؟ إنسان سأل في مسألة راح مُفتي ذهب إليه وقال له والله أريد الحُكْم في كذا كذا كذا
    فقال له الحُكْم: كذا كذا كذا، يجلس مع صديقٍ له يجلس مع قريبٍ له يحكي مشكلته آه والله دا أنا كان عندي نفس المشكلة والحُكْم فيها كذا كذا كذا..
    هل يجوز له أن يُفتي؟ أن يَذْكُر الفتوى؟
    قال أهل العلم: العامِّي لا يَحِلُّ له الفتوى، لاحظ هذا جيّدًا لأننا للأسف لدينا آلاف المُفْتِين، وخاصةً لدينا هنا في مصر، ليس لدينا مسألة التصريح بعدم العلم كأنَّ الإنسان يأنف، فلدينا دائمًا مَن يفتي في كل شيء، ولدينا المفتين في السياسة والاقتصاد وفي الألعاب الرياضية وفي كل شيء، وبالطبع لن يَسْلَم الأمر من المفتين في الدين، وهو أخصّ ما يلتزمه الإنسان في حياته، فنُحَذِّر الناس من خطورة هذا الأمر.

    إيَّاك أن تُفْتي أحدًا لأنك ليس لديك آلية الفتوى
    يقولّك سبحان الله طب ما أنا سمعت الفتوى بودني ما أنا عرفتها، أنت علمت الفتوى في حَقِّك أنت
    ولكن أنت لم تَعْلَم كيف أَفْتَاك المُفْتِي أو المجتهد، قد تكون هذه الفتوى نُزِّلت على حالٍ خاص وقد يكون لها آلية خاصة في الاستدلال، وليست حُكْمًا عامًّا لكل الناس.
    إنما إذا قُلت لأحدٍ من الناس يجب عليك الصلاة هذه ليست فتوى هذا حُكْم، إذا قُلت له يجب عليك الصوم وصِرْت تَحُضّه على هذا هذه ليست فتوى هذا حُكْم.
    نحن نتكلم على فتوى، إنسان يقولّك والله أنا رُحْت عملت كذا، وسوّيت كذا، واشتريت كذا، ومش عارف عملت إيه، هذا يحتاج إلى فتوى فتتبرَّع أنت بالفتوى حتى وإنْ علمت حُكْم المسألة.

    يجوز للعامِّي نَقْل الفتوى
    لكن يجوز، لاحِظ هذا، يجوز له أن ينقل الفتوى، فيقول في المسألة الفلانية سألت فلان عن كذا كذا كذا كذا فقال لي كذا كذا كذا، فأنت هنا لم تُفْتِ، أنت نقلت فتوى العالم
    ونقلتها بنصّها وضبطتها وأخبرتَ عنها، هذا يجوز، أما أن تتبرَّع أنت بالفتوى وأن تقول كذا كذا كذا للأسف هذا مما يفعله مَن لا خوف لديه من هذه المسألة.
    الناس يتعاملون مع الدين بمنتهى الأريحيّة كأنه يتعامل مع مباراة لكرة القدم، أصل مش عارف إيه، فضلًا عمَّن يتبرع بآلية اجتهاده، ما هو الدين يُسْر ما هو ربك ربّ قلوب، سبحان الله العظيم، أنت سُتحاسب أمام الله -سبحانه وتعالى-، أنت تحمل مسئوليةً عظيمة، أنت تُفتي الناس بجهل وقد تُضِلّ، قد تكون أنت سببٌ لضلال غيرك، وهذا ما نراه للأسف، يكون طالب العلم يتعرَّض في هذا الزمان لهذه الآفة، كَثْرَة المُفْتِين، والذين يخوضون في المسائل، ويخوضون في الكلام، والغالبية الكاثرة ليس لديها أدنى حَدّ علمي أساسًا، وللأسف صار هذا يُجَرِّئ الناس على دين الله، ويُجَرِّئ الناس على الفتاوى، يقولّك طب ما هو فلان وعِلَّان قال، ليس هناك الخضوع لدين الله، ليس هناك الالتزام النَّابِع مِن العبودية لله -سبحانه وتعالى-، وهذا هو الأمر الخطير في هذه المسألة.


    لو عاش العامِّيُّ في بَلَدٍ ليس فيه مُفْتٍ كيف يتصَرَّف؟
    العلماء افترضوا مسألة مهمة

    قالوا ماذا لو عاش العامِّي في بلدٍ ليس فيه مفتي كيف يتصرف؟
    الحقيقة هذه المسألة يُفرِّعونها على مسألة التزام العامِّي أن يسأل وأن يتعَلَّم فقالوا أنَّ هذا الإنسان العامِّي إذا لم يتيَسَّر له مراجعة المجتهدين وَجَبَ على العامِّي الهجرة من هذه البلد، تخيَّل قالوا إذا وُجِدَ في مكان وهذا المكان لا يُوجَد فيه مَن يُعَلِّمه دينه ولا أن يرجع فيه لأحكام دينه حَرُمَ عليه المقام.
    أنا أَذْكُر هذه المسألة لتَعْلَمُوا خطورة التَّعَلُّم، وخطورة أن يلتزم الإنسان بأن يَعْلَم أحكام دينه، وأحكام التَّصَرُّف في حياته، لكن في الحياة العصرية الحقيقة هذه المسألة قليلة الوقوع، لماذا؟
    انتشار مسائل الاتّصال، والتواصُل، صار الأمر سهل -بفضل الله- أنَّ الإنسان إذا عاش في أيّ مكان مِن السَّهل التَّواصُل وهذا مِن نِعَم الله علينا في هذا الزمان.

    مشكلة تَعَدُّد المجتهدين
    بل المشكلة الأكبر لدينا ليست عدم وجود المجتهدين، المشكلة لدينا على العكس مشكلة تعدد المجتهدين، هذه هي المسألة الأخطر في حياتنا، تعدد المُفْتين، تعدُّد المجتهدين، تعدد الآراء، عدم انضباط آلية الفتوى، عدم وجود مرجعية دينية يَرْكَن إليها الناس، ونحو هذا. فالحقيقة لا بُدَّ أن يتعَلَّم العامِّي كيف يتصرف في هذا الحال، إذا تعدَّدَتْ لديك المصادر، تعدَّدَ لديك أهلُ العلم أمامك، كيف تتصرَّف؟

    الحقيقة فيها أقوال لأهل العلم أرجح الأقوال -والله تعالى أعلم- أنَّ عليه أنْ يتحرَّى الأعلم والأكثر عدالة والأورع، ليس مجرد فقط الأعلم، هناك كثير العلم لكن ليس لديه ورع، هناك كثير العلم لكن يفتي بالأمور الشاذَّة، وهذا نراه للأسف حاليًا، ونراه في نماذج كثيرة
    إنسان نشهد له أن لديه علم لكنه يتحايل على هذا العلم، ويأتي بفتوى من هنا أو قَوْل هنا، ولا يَسْتَغِلُّ هذا العلم في تعبيد الناس لله، إنما يستغلّها لأغراضٍ أخرى، مثل هذا لا يُحْمَل عنه، لا يُحمل عنه أبدًا.
    الإنسان الذي عهِدنا منه التَّسَاهُل في الفتوى هذا لا يُحمل عنه، ما معنى التَّسَاهُل في الفتوى؟
    أيْ أنه يُفتي بغير دليلٍ قويّ أو على خلاف الدليل الثابت، فمثل هذا الإنسان لا يُحْمَل عنه
    فلا بُدَّ أَنْ يكون عالِمًا، ويكون تَقِيًّا، وَرِعًا يَثِق الإنسان في عدالته، إنْ لم يعلم؟ إن لم يعلم الإنسان فليتخيَّر.


    كيف يتعامل الإنسان مع اختلاف الفتاوى؟
    ثُمَّ السؤال:
    نحن عَلِمْنا كيف نتعَلَّم أو نعمل مع تَعَدُّد المُفْتِين
    مع تَعَدُّد المجتهدين، كيف يتعامل الإنسان مع اختلاف الفتوى؟

    وهذا أبرز ما نقع فيه في هذا الزمان، والله سمعت رأي في المسألة الفلانية دا أنا سمعت كذا بيقولوا كذا وكذا بيقول، طب أعمل إيه؟ هنا نقول الصواب في هذه المسألة أن عليه أن يَتَحَرَّى وما يغلب على ظَنِّه أنه الصواب عليه أن يلتزم به ولا يتعدَّاه.

    كيف يتحرَّى الأصوب؟
    طيب سؤال:

    كيف يَعْلَم أو كيف يَتَحَرَّى؟
    نقول هناك أمارات، الإنسان يعني لا يسير في ظلامٍ دامس
    والله -سبحانه وتعالى- لا يترك الإنسان هكذا، إنما الذي يرجو الخير الله -سبحانه وتعالى- يُعطيه هذا الخير
    "يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا مَن هديتُه. فاستهدوني أَهْدِكم"
    صحيح مسلم.
    أو كما قال أو كما بلَّغ عنه -صلوات الله عليه-، فعلى الإنسان أن يتحرَّى هذا
    وأن يسأل ربه الهداية والرشاد فليَعْلَم أنَّ هناك أمارات، منها مثلًا:


    ١. كَثْرَة المُفْتين بفتوى معينة
    كثرة المفتين بهذا الأمر
    هذه أحد الأمارات، مثال:
    لدينا مثلًا: الفتوى في حُكْم التأمين، هناك مَن يَخْرُج ويقول التأمين حلال
    طب إذا نظرنا إلى جمهور أهل العلم المعاصرين تجد المجامع الفقهية وكثرة العلماء وكل هذا يجتمعون على حُرْمَة التأمين التجاري.
    الرِّبَا، في البنوك الرِّبَوِيَّة، يكاد يكون هناك إجماع على حُرْمَة هذه البنوك، إذن هذا مما يطمئن الإنسان به إلى صِحَّة القَوْل بأنَّ هذا يُمْنَع، حتى لو خرج هناك مَن يقول أن هذا لا يُمنع.

    ٢. قوة الأدلة
    أمر مُهِمّ أيضًا قُوَّة الأدلة وإنْ كان هذا لا يستطيع الإنسان العامِّي تمييزها
    لكن مما لا شَكَّ فيه أنه مَن يُعطيني الفتوى قد يُفهمني مناط الفتوى ولماذا كان كذا كذا، هذا مما يطمئن به الناس.

    ٣. حال المُفتي
    وكذلك من الأشياء التي تُرَجِّح الفتوى لديَّ حال المفتي نفسه، إنسان كما ذكرنا إنسان عَدْل مَرْضِيّ في دينه، فأنا أطمئن إليه وأطمئن إلى عِلْمِه، فهذا مما يُرَجِّح لديَّ الفتوى، فإذا جاءتني الفتوى عن إنسانٍ أنا أرى في حاله أنه فيه كذا وكذا وكذا أنا لا أطمئن إليه ولا إلى فتواه.

    إياك واتّباع الهوى في الفتاوى
    فبصفةٍ عامَّة نريد أن نُشِيْر إلى أَمْر، أنَّ مع اختلاف الفتوى على الإنسان أن يتحرَّى، وإيّاه ثم إيّاه أن يتَّبِع هواه، هذا هو المهم، ألا يكون المناط الذي بناءً عليه بنى اختياره أن هذا الأوفق لهواه، جات على هواه، جات على مزاجه وهذا مِمَّا نراه لدى كثير من الناس انت بتعمل كده ليه؟ أصل فلان قال، وسبحان الله في الغالب تجد هذا الذي يقول فلان قال أنه يخالف فلان في فتاوى أخرى، لماذا؟ لأنه لا يتَّبع مثلًا فلان، إنما هو يتخيّر الأقوال التي تأتي على هواه، مِثل هذا يلقى الله -سبحانه وتعالى- مخدوش في دينه؛ لأن العلماء حكموا على مثل هذا الذي يتتبَّع الرُّخَص هذا أنه مُتَسَاهِلٌ في دينه، بل وَصَفُوه بأَشْنَع الألفاظ وقالوا عنه أنه زنديق أساسًا، إنسان منافق
    لأنه لا يُرِيْد التَّعَبُّد أساسًا، فسبحان الله هذه الأمور ليست أمورًا علمية فقط، إنما هي أمور منهجية في الحياة وفي كيفية التَّعامُل مع الدين أساسًا.


    لو تغيَّر اجتهادُ المُفتي هل يتغيَّر معه عمل العامِّيّ؟
    ثُمَّ العلماء يُفَرِّعون بعد ذلك على مسائل أخرى منها مثلًا:
    إذا تغيَّر اجتهادُ المُفْتِي يعني إنسان أَفْتَى بشيءٍ وأنا اتّبعته، إذا تغيّر اجتهاد المفتى هل يلزمني أن أُغيّر أنا كذلك الرأي في هذه المسألة؟
    هذه مسألة مهمة جدًّا، فنقول لو أنَّ الإنسان العامِّي عَمِل بهذه الفتوى فهو يَلْتَزِم بها حتى لو غيَّر الإنسان الذي أفتاه اجتهاده، لماذا؟
    لأنَّ القاعدة لدينا في الشَّرع "الاجتهاد لا يُنْقَض بالاجتهاد"
    هذا المجتهد غيَّر رأيه بناءً على ما وَرَدَه هو
    أما بالنّسبة لي أنا، أنا لم أَرَ الدليل، ولم أعلم مناط الدليل بخلافه هو كمجتهد، وبالتالي صار لديَّ اجتهاد قديم واجتهاد جديد
    ما الذي أتَّبِعُه؟
    أتَّبِعُ الذي التزمته، اللهم إلا -فيه هناك استثناء- لو كان هناك شيءٌ ظاهر وأمارة واضحة لي أنا بناءً عليها أتّبع الفتوى الجديدة.
    منها مثلًا: أن يخرج المجتهد ويقول يا جماعة أنا أفتيت بكذا لكن ظهر لي الدليل كذا كذا كذا وهو خطأ يعني هو يُثْبِت أنه أخطا في الفتوى الفلانية، بناءً عليه بالفعل طالما ظهر دليل جديد يبقى عليَّ أن أتّبع الفتوى الجديدة.

    أدب المُسْتَفْتِي
    وبالطَّبْع مِن الأمور أيضًا التي يَذْكُرها أهل العلم أدب المُسْتَفْتِي، هذا مما نحتاج أن نتربَّى عليه، هناك أدب المُفْتِي -وهذا ليس محل كلامنا الآن- إنما ذكرنا إجمالًا بعض صفات المفتي

    هناك أدب المستفتي، الإنسان الذي سيستفتي:

    الأدب مع المُفْتِي
    لا بُدَّ أن يتأدَّب مع مَن يُفْتِيه
    فلا بُدَّ أنْ يَعْلَم أنه عندما سأل فلان أن هذا الفلان هذا الشخص له منزلة، لماذا؟
    لأنه ليس كآحاد الناس إنما هو مُبَلِّغٌ لِشَرْع ربنا، فتوقير العلم وأهل العلم من توقير العلم نفسه، فلا بُدَّ أن يكون هذا الإنسان له مكانة، ويلتزم الإنسان الأدب معه، ويرفع منزلته ويوقّره، فلا يتصَرَّف معه كما يتصَرَّف مع عموم الناس، ولا يخاطبه كما يُخَاطِب عموم الناس وأن يتأدَّب معه، وهذا للأسف مما صار مُفْتَقَدًا لدينا.
    الناس للأسف تجرّؤوا على أهل الفتوى، وعلى أهل العلم، وصِرْنا نرى كذلك يعني الانحطاط في الكلام، وهناك مثلًا مَن يسمع كلام فلان من أهل العلم، فيدخل فلان ليُشَنِّع عليه، بل ويَسُبّه، سبحان الله، من أين أنت أَتَيْت بهذه القوَّة في الإنكار، تَصِل لحال أنك تَسُبُّ هذا الشخص لأنك لا تُعجبك فتواه
    مَن أنت؟ ولماذا أنكرت؟
    وكيف وصلت إلى حدّ أنك تسبّه؟

    أنت لست أهلًا أصلًا للقبول والرَّفض، إذن أنت إنسان باغٍ مُعْتَدٍ، أنت إنسان فيك ظُلْم وسوف تُحَاسَب على هذا الكلام.
    فلا بُدَّ أن نَعْلَم أنَّ مِن الأَدَب تَعَلُّم الأدب مع أهل الفتوى، حتى وإنْ لم تُعْجِبني فَتْوَاه، حتى وإنْ لم أَرْتَضيها، حتى وإنْ لم تَكُن مِمَّا أتَّبِعه، لكن على الإنسان أن يُجِلّ أهل العلم، وأن يُنْزِلهم منازلهم.

    مراعاة حال المُفْتِي
    كذلك من الأمور المُهِمَّة التي لا بُدَّ للإنسان أن يتعلَّمها أن يُراعِي حال المُفتي، فلا يسأله مثلًا وهو في حال تعب، أو حال غضب، أو حال ضيق، أو حال غمّ، هذا أيضًا مِن الأمور التي على الإنسان أن يراعيها، وأن يَعْلَم أنَّه يُعَامِل أصلًا بشرًا، فلديه طاقة وسِعَة نفسيّة، وعملية الاجتهاد من العمليات العقلية المُرْهِقَة، قد يحتاج الإنسان فيها إلى صفاء الذّهِن، وإلى أن يكون حاضِرًا للمعلومة، ونحو هذا.

    عدم طلب الدليل من المفُتي
    ومن الأشياء أيضًا التي ذَكَرَها أهل العلم -وطبعًا آداب المستفتي كثيرة لكن أنا أشير إلى أَهَمّها- ألا يطلب المستفتي الدليل من المُفتي، لماذا؟
    لأن المستفتي أساسًا لا يعلم ما معنى الدليل، فإذا طلبه كيف سيستفيد
    إذا كان هو لا يعلم ما هو الدليل، وكيف يكون الاستدلال فبماذا تكون استفادته؟ فضلًا عن أن تكون مُطالَبته للدليل على سبيل التَّعَنُّت، أو على سبيل التَّشْكِيْك في وثوقيَّة الكلام.


    مثلًا في مجلس عِلْم ويسأل فلان العالم أو المفتي أو المجتهد يسأله إيه حُكْم كذا؟
    فيقول له مثلًا هذا حرام، هذا مكروه، طب إيه دليلك؟
    هل مثل هذا الذي يقول هذا "ما دليلك؟"
    هل هذا مُتَعَلِّم أم أنه مُسْتَنْكِر؟
    هذا على وجه الاستنكار.
    هذا قال أهل العلم لا يَحِقُّ له أن يطلب الدليل بهذا الأسلوب، ولا أن يطلب الدليل في محضر الناس على سبيل الاستهزاء بالقائل.
    فَضْلًا عن أنهم قالوا بصفةٍ عامة على الإنسان إذا طلب الدليل أَنْ يطلبه لأجل زيادة الوثوق في الكلام أو الاطمئنان للحُكم، فيطلبه على سبيل التَّعَلُّم وإذا صَرَّح المجتهد أن هذا الدليل قد لا يفهمه أو آلية الاستدلال لن يفهمها فلا يتعنَّت في طلبه.
    لكن هل يجوز له أن يطلب؟ نعم يجوز له أن يطلب، ولكن على سبيل الاسترشاد وعلى سبيل الزيادة في الوثوقيَّة في الكلام.


    الخاتمة
    الحقيقة أنَّ هذا الباب بابٌ طويل ومَبَاحِثه كثيرة، وصُنِّفَت فيه المُصَنَّفَات، أبواب التقليد والاجتهاد وما يَتْبعه
    لكن هذا ما أحببت أن أُسَلِّط عليه الضوء من المسائل الضرورية أو الهامَّة، يعني أرجو أن تكون نواةً بإذن الله لمزيدٍ من البَسْط والتَّفصيل.


    أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُعَلِّمَنا وأن يَنْفَعَنا بِمَا عَلَّمنا، وأن يجعلنا دائمًا مِن أَتْبَاع الحقّ، وأن نعيش عليه، ونُبْعَث عليه بإذن الله.
    أقول قَوْلي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



    تم بحمد الله

    وللمزيد من تفريغات الفريق تفضلوا:
    هنـــا
    ونتشرف بانضمامكم لفريق عمل التفريغ بالموقع
    فرغ درسًا وانشر خيرًا ونل أجرًا
    رزقنا الله وإياكم الإخلاص والقبول.





    رحمــــةُ الله عليـــكِ أمـــي الغاليــــــــــــة

    اللهــم أعني علي حُسن بِــــر أبــي


    ومَا عِندَ اللهِ خيرٌ وأَبقَىَ.

    تعليق


    • #3
      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيرًا وتقبل منكم

      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
      وتولني فيمن توليت"

      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

      تعليق

      يعمل...
      X