وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الفاضل- كما هو معلوم أن الله -تبارك وتعالى- سيحاسب خلقه عما فعلوه في دنياهم من خير وشر قال تعالى {وقفوهم إنهم مسؤولون}، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، والحساب اليسير هو عبارة عن: مجرد العرض على ملك الملوك -جل جلاله سبحانه-، بأن يدخل العبد على الله تعالى، فيُذكّره الله ببعض الأخطاء التي وقع فيها، ثم يقول له: (عبدي كما سترتُ عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك الساعة، خذ كتابك بيمينك فادخل الجنة)، هذا هو الحساب اليسير.
أما فيما يتعلق بالتوبة النصوح التي جاءتْ منك، أقول لك: ما دمت قد تبت إلى الله توبة نصوحًا -كما تذكر-، فأبشر بفرج من الله وخير وفضل، لأن الله -تبارك وتعالى- أخبرنا بقوله: {إنما التوبة على الله}، لمن؟ {للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريبٍ فأولئك يتوب الله عليهم}، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الندم توبة)، ويقول: (من تاب، تاب الله عليه)، ويقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، والله -تبارك وتعالى- يقول: {يا أيهَا الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفِّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جناتٍ}، ويقول: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}، ويقول: {وهو الذي يقبل التوبة عند عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}.
فإذًا إذا كنت تبت توبة نصوحًا فأبشر، واعلم أن الله -تبارك وتعالى- لم، ولن يُحاسبك على ذلك، بل بتوبتك الصادقة النصوح سيُبدِّلُ الله سيئاتك حسنات، مصداقًا لقوله: {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يُبدِّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا * ومن تاب وعمل صالحًا فإنه يتوب إلى الله متاباً} فمن صدق التوبة العمل الصالح، وبذلك تعلم قبول التوبة وأنها صادقة نصوحًا، وأحسن الظن بالله -تبارك وتعالى-، لأنه -جل جلاله- يقول كما ورد في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن عبدي بي إلا خيرًا)، وفي رواية: (فليظنَّ بي ما شاء)، وفي رواية: (من ظن خيرًا فله).
والمطلوب منك الآن: هو الحرص على هذه التوبة ألا تُنْقضَ تحت أي ظرفٍ من الظروف، أو سببٍ من الأسباب، والتوبة النصوح: هي التي تكون ابتغاء مرضاة الله وحده أولاً، خالصة له، وليست خوفًا من الفضيحة، أو خوفًا من شيءٍ آخر، وإنما أول شيءٍ من شروط التوبة أن تكون خالصة لله، ليست لأي سببٍ آخر، وأركان التوبة: الإقلاع عن الذنب فورًا، الندم على فعلها، عقد العزم على ألا تعودي إليها مطلقًا، والاجتهاد في الإكثار من الاستغفار، والأعمال الصالحة، واترك الأمر لله -تبارك وتعالى-، واعلم أن الله -تبارك وتعالى جل جلاله سبحانه وتعالى- وعدنا، ولن يُخلف وعده معنا، {ومن أوفى بعهده من الله}؟
فأبشر بفرج من الله، وأبشر بتوبة الله عليك، وأبشر بعفو الله ومغفرته، واعلم أن الله -تبارك وتعالى- يفرح فرحًا عظيمًا بتوبة التائبين إليه، كما ورد في ذلك كلام النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فاترك عنك هذا القلق، وهذه الهواجس التي سببها الشيطان، لأن الشيطان -لعنه الله- لا يريد لك أن تستريح، ولا يريدك أن تسعد، ولا تهنئ بهذه التوبة، ووعد وأقسم بعزة الله وقال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين}، وقال: {لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم}، وهذا كله نوع من أنواع الانتحار الشيطاني، فإن الشيطان عزَّ عليه أن تترك هذه المعاصي؛ ولذلك يحاول أن يُكدِّر خاطرك وأن يُعكِّر صوفك بإقناعك بأن التوبة غير مقبولة، وأنك ستُحاسبين حسابًا عظيمًا، وهذا كله ليس كذلك، فالله أجل وأعظم من ذلك.
تعليق