الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
إننا نرحب باختنا الفاضلة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمها السداد والرشاد، ونشكر لها هذه الشجاعة في طرح هذا السؤال، ونبشرها بأننا على استعداد بأن نستجيب لطلباتها وأسئلتها، ونشكر لها الاهتمام بهذه المسألة، وإنما شفاء العيِّ السؤال،
الأمانة هو السر الذي بينك وبين الله تعالى، فإن الله يستر على الإنسان ويستر عليه، فإذا تمادى في العصيان وفي المخالفة ولبس للمعاصي لبوسها فضحه الله وخذله الله وكشف ستره والعياذ بالله، فلا تأمني من مكر الله، وتذكري قول الله تبارك وتعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
نحن لا نرضى الاستمرار مع هذا الشاب بهذه الطريقة حتى لو كان صالحًا، لأن ما فعله حرام، وما بني على حرام لا ينتظر منه الخير، والمقدمات الباطلة القاطعة لا توصل إلى نتائج صحيحة.
إذا كان في الشاب صدق فعليكم أن تتوقفوا فورًا عن المحادثات، ثم تتوبوا إلى الله توبة نصوحًا، ثم إذا تهيأ لهذا الشاب فرصة الزواج وأعد نفسه ينبغي أن يأتي من الباب، وأنصحكم بأن تكتموا هذا الذي حصل عن كل الناس، لا تخبري صديقة ولا قريبة بما حصل بينك وبينه من تواصل، لأن هذه معصية ينبغي أن تستر، فاستري على نفسك وتوقفي عن الحديث معه مهما كانت النتائج.
إذا كنت ستشعرين بمرارة وبألم وسيشعر بمرارة وألم لهذا الانقطاع فإن هذا أخف وأهون وأيسر آلاف المرات من النتائج التي يمكن أن تصلوا إليها إذا مشيتم في هذا النفق المظلم، في هذا الطريق الذي لا يرضاه الله تبارك وتعالى.
لذلك ننصحك وأنت الآن موقنة بأن تتوقفي فورًا، وأن تعتذري له بأنك ليس عندك مانع من الارتباط به وبأي شاب صالح، شريطة أن يأتي من الباب، شريطة أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى، وتوقفي مباشرة، الآن، وتعوذي بالله من الشيطان، واعلمي أن من أمثال هؤلاء الشباب من يسجل عليك المكالمات أو يستدرجك حتى يأخذ صورة، ثم بعد ذلك يبتزك ويهددك بهذه الصورة وبهذه الأشياء التي يمسكها عليك، فلا تعطه هذه الفرصة، وتعوذي بالله من الشيطان، وانسحبي من حياته ومن هذا البرنامج السيئ بهدوء.
انسحبي بهدوء وإلى الأبد، وقولي له بكل وضوح: إذا كنت راغبًا فعليك أن تأتي لدارنا من الباب، لأن هذا هو الاختبار الحقيقي لأي شاب، عندما نريد أن نختبر أي شاب نقول: عليك أن تأتي من الباب، فإذا جاء من الباب وطرق الباب فإن المراسيم الموجودة عند الناس أن يطلب منه بأن يأتي بأبويه وبأهله وبأسرته، ثم ينظر في حاله، فإن كان صاحب دين صاحب أخلاق وكانت أسرة فاضلة ورضي أهلك به ورضيت به فبها ونعمت، هذا هو الذي ننشده.
أما إن كانت الأخرى فهرب الشاب – وهذا هو الغالب – فإن أمثال هؤلاء يريد أن يتكلم مع هذه في الصباح، ويتكلم مع الثانية في المساء، يتغدى بفتاة ويتعشى بأخرى، ويعيش على هذه الخديعة والكذب، هناك كثير من الشباب في حقيقة الذئاب، ومن طبع الحَمَلَ أن يخشى الذئاب.
اعلمي أن الفتاة كالثوب الأبيض والبياض قليل الحمل للدنس، وإذا كنت قد قرأت للمشايخ من يقول تذكري عيوبه، فعلاً هذا عيب، ويكفي في العيب فيه أنه رضي أن يكلمك بهذه الطريقة، فهل سيرضى هذا لأخته؟ وهل سيرضى مثل هذا العمل لعمته، وهل سيرضى مثل هذا العمل لخالته؟ وإن كان هذا خطأ فبإمكانه أن يتوب، لكن لا تثقي فيه إلا إذا تأكدت من صلاحه، واعلمي أن الشيطان الذي يجمع بين الشباب والفتيات على المعاصي، يزين لهم الحديث، يزين لهم تلك الدوافع، بل يدعو أحيانًا أحدهم ليوقظ الآخر للصلاة، ولكن كل ذلك لأن الشيطان هذه خطط منه، لا يقول للناس افعلوا الفواحش مباشرة، ولكن تلك خطوات الشيطان.
تذكري أن الشيطان الذي يجمع بين الشباب والفتيات في الهاتف وفي النت هو نفس الشيطان الذي سيأتي غدًا ليقول للفتاة: كيف تثقين فيه وقد كان يكلمك دون أن تكون هناك رابطة شرعية، وسيقول للشاب: كيف تثق بها وهي التي رضيت أن تتكلم معك وأن تتواصل معك، وأن تضحك معك دون علم أهلها ودون أسرتها ودون رقابة من الله تبارك وتعالى.
إذا حصل وبنيت الحياة على هذه الأسس فإنها كالبيت الذي يُبنى على الرمال، فتقوم على الشكوك، مصيرها الفشل، العلاقات العاطفية قبل الزواج هي المسئولة عن خمس وثمانين بالمائة من نسب الفشل بعد الزواج، ولذلك ينبغي أن تتقي الله تبارك وتعالى وتعودي إلى صوابك، ونحن حقيقة سعداء جدًّا بأنك بادرت إلى السؤال في البداية، والعلاج في البداية سهل، ففكري ألف مرة في المصير المظلم، والعاقلة هي التي تتعظ بغيرها، وتتعظ بالأخريات، وأرجو أن تتواصلي مع موقعك، ونكون سعداء جدًّا إذا سمعنا أنك قطعت على الشيطان هذا الطريق، وأنك عدت إلى الصواب.
فكيف عرفت أنهم يراقبونك؟ ولذلك نتمنى أن تتجاهلي نظرات الناس، وكوني واثقة من نفسك، فإنه ما من إنسان إلا وفيه جوانب جيدة وجوانب فيها نقص، فمن الذي ما ساء قط؟ ومَن له الحسنى فقط؟
والإنسان إذا نظر إلى نفسه وإلى الناس بهذه الطريقة فإنه عند ذلك سيرضى عن نفسه، ويرضى عن الهيئة التي خلقه الله تبارك وتعالى عليها، والصفات التي أودعها الله فيه، فكل إنسان فيه جوانب مشرقة وفيه جوانب قد تحتاج إلى علاج وتحتاج إلى توجيه وتحتاج إلى أن يكتسب فيها خبرات إيجابية مفيدة.
فتوكلي على الله تبارك وتعالى، وتعوذي بالله من هذه الوساوس، واعلمي أن للشيطان دخلا في الموضوع، وهم الشيطان أن يُحزن الذين آمنوا، وليس بضارهم شيئًا إلا بإذنِ الله، فسوء الظن واتهام الآخرين إلى آخره، هذا كله من الشيطان، من أجل أن يُضيق علينا، من أجل أن يُبعدك عن الصديقات، من أجل أن ينفرد بك، فابحثي عن الصالحات، واحشري نفسك في زمرة المُصلحات، وتقربي إلى رب الأرض والسموات، واعلمي أن الإنسان السعيد العاقل هو الذي يشتغل بعيوبه عن عيوب الناس، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
وحاولي دائمًا أن تتميزي بتلاوة القرآن أو بحفظه وبحسن الأدب وكمال الحجاب والحشمة والنقاب، بالطاعة لله تبارك وتعالى
واعلمي أن الإنسان الذي يضحك من الناس سيأتي اليوم الذي سيضحك الناس منه، وأن الإنسان لا يسلم من الناس، ولكن لا يبالي بهم، ينبغي أن يكون همُّنا أن نُرضي رب الناس، وإذا رضي العظيم عنا أرضى عنا عباده سبحانه وتعالى، فقلوب الناس بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فأشغلي نفسك بطاعة الله، وتوكلي على الله،
ندعوك إلى أن تكثري من الاستغفار والتوبة للواحد القهار سبحانه وتعالى.
ونبشرك بأنك إذا كنت بهذه الروح وبهذا الجهاد وبهذا الحرص، فإنك مأجورة على هذه المحاولات، فتعوذي بالله تبارك وتعالى من الشيطان، ولا تيأسي، وحاولي أن تشغلي نفسك كما قلنا بالأشياء المفيدة، وعمري هذا القلب وهذا الفؤاد الغالي بحب الله تبارك وتعالى، فإن حب الله تبارك وتعالى إذا ملك قلب الإنسان، أو كان القلب عامرًا بحب الله تبارك وتعالى، فإنه يغني عن كل محبوب سوى الله سبحانه وتعالى، وهو كذلك عصمة للإنسان من الوقوع في المخالفات، وحب هذه النقائص التي توجد في هذه الحياة.
وأخيرًا: ندعوك إلى أن تحكمي عقلك، وتدركي –وقد أدركت– خطورة ما ترتب على هذا الانشغال بذلك الشخص، أو بتلك الصورة التي لا تعيرك بالاً، ولا تدرك أنك تفكرين فيها، ولن تستفيدي من هذا إلا العنت والتعب، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل أمرك.
اطلب العلم الشرعي، واحرص على حضور دروس الوعظ، فإن هذا مما يزيد في الجانب التديني، وهذا عامل هام جدًا، لذا نوصيك بكثرة النوافل، والحرص على قيام الليل، أو جزء منه على أن يكون ذلك بصفة مستمرة، واحرص على أن يكون لك ورد من ذكر الله عز وجل.
فاتق الله واتبعي الرسول، وحكمي عقلك، وسيري على الأصول، واعلمي أن اتباع العواطف شر يطول، فلا تخدعي نفسك، ولا تصدقي كل كذاب جهول.
وأرجو أن تعلم الفتيات أن الكلام المعسول يجيده كل أحد، ولكن الأمر كما قيل: تسمع بالمعيدي خير لك من أن تراه!
ومن هنا حرصت الشريعة على الرؤية الشرعية، والسؤال عن الدين والأخلاق المرضية، مع ضرورة أن يكون كل ذلك تحت سمع وبصر الأهل وأهل الفطر السوية.
ولا يخفي على أمثالك أن كل هذه المشاعر قد تتحول إلى بغض ونفور عند التلاقي، وهي كذلك خصم على السعادة الزوجية، حتى لو حصل الرباط الشرعي؛ لأن المقدمات الخاطئة لا توصل إلى نتائج صحيحة، كما أن الشكوك سوف تطارد الجميع، والشيطان الذي شجع وحرض على العصيان سوف يأتي ليغرس شجره الشك والكره والخذلان.
وأرجو أن تعلمي أنك تسيرين في طريق عواقبه سيئة، فابتعدي عن هذا الشاب وعن غيره، وطالبيه بتصحيح الوضع أو بالابتعاد، واشغلي نفسك بطاعة رب العباد،
وابتعدي عن الأولاد وانتظري ما يقدره لك الوهاب، واستغفري لذنبك أنك كنت من الخاطئين.
ونحن نتمنى أن تحكمي عقلك، وتضعي أمامك كل الاحتمالات، وماذا ستفعلين إذا لم يحصل الزواج، وكيف سيكون تصرفك إذا شاع خبرك بين الأهل والأحباب؟ وما هو موقفك إذا شعرت أنك مخدوعة بذئب من الذئاب، وأين موقع محبة الوهاب، فاتق الله وعودي إلى الصواب.
نوصيك بتذكر اللقاء على الله يوم العرض، وزيارة المقابر للتعرف علي أهلها، ومحاسبة النفس، وأكثر من الدعاء لله عز وجل، وثق أن الله قريب مجيب الدعاء
وعليك أخيرًا كذلك بالتضرع إلى الله تبارك وتعالى الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ونحن بدورنا نسأل الله تبارك وتعالى أن يُخرج ذلك الشيء من قلبك، وأن يعمر قلبك وقلوبنا بحب الله تبارك وتعالى وبطاعته، وأن يلهمنا رُشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وأرجو أن يكون في الذي حصل معك درساً لنا ولك ولإخواننا ولأخواتنا، فسعيد في الناس من اتعظ واعتبر بغيره، ونسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد والثبات، هو ولي ذلك والقادر عليه.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك رشدك والسداد، وهذه وصيتنا لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إليه، ثم بالاقتراب من والديك، ثم بالتواصل مع موقعك، ونرجو أن نسمع عنك كل الخير، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظك وأن يسددك، وأن
تعليق