الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
الأخت الكريمة: بداية لا أعلم مدى دقة الكلام الذي تتحدثين عنه بخصوص والدتك، وقد تغضبين بسبب هذا الشك الذي قد تفهمينه، ولكن ستعذرينني حينما تعلمين أن كثيراً من الفتيان والفتيات بسبب ما لديهم من حساسية عالية والتي تغمرهم في هذه المرحلة دائما ما يشكون في عاطفة الأبوة والأمومة، ويميلون لتفسير المواقف الحياتية المختلفة مع والديهم على ضوء هذه الحساسية العالية على أنهم ضدهم ولا يقدرونهم ويستصغرونهم... إلخ، هذا من التعبيرات التي يطلقها من عاش هذه المرحلة، وفي نفس الوقت فقد يكون كلامك دقيقاً وصادقاً لم تصنعه طبيعة المرحلة، وبالتالي فأمك تتحمل هذه المسئولية في التقصير تجاهك، إذاً أمامي تصوران للمشكلة، وسأضع أمامك عدة حلول لكلا التصورين: فإذا كان التصور الأول هو الواقع، فأنصحك أولاً بفهم المشكلة عن طريق قراءتها، والاطلاع على تفاصيلها في الكتب المتخصصة، وإن شاء الله لن تعجزي عن ذلك، وثانياً: أنصحك بالتدريب على التخلص من هذه الحساسية فيما يسمونه التخلص التدريجي من الحساسية، والتدريب سيأتي بإذن الله بتفسيرات مقنعة بدلاً من التفسير الواحد، وثالثاً: عليك بالاستعانة بمن تثقين فيه، ليعاونك في هذه المهمة التي لن تكون صعبة -بإذن الله- أمام الإرادة القوية لك، وأخيراً هذه المشكلة غالباً مرتبطة بمرحلة عمرية معينة ستزول مع تقدُّم الأيام، وأما التصور الثاني وهو أن أمك فعلا مسئولة مسئولية مباشرة، وأنها تقوم فعلا بكل ما ذكرتيه، فأمامك إذاً عدة حلول، منها:
1-لابد من القناعة التامة والكاملة أن هذه المرأة هي أمك، وبالتالي فليس أمامك إلا برها والإحسان إليها مهما صدر منها.
2- الصبر والتحمل، وتذكر عظم الصبر وأجر الصابرين، وخصوصا مع الوالدين.
3- التوسط بأحد المقربين والمحببين إلى والدتك؛ ليذكرها بخطورة ما تعمل وحرمته.
4- الدعاء، فالدعاء هو سلاح المؤمنين الذي لن يخيب أبداً.
فبارك الله فيك وزادك براً بوالدتك ، وعليك معرفة عظيم حقها ، وجليل قدرها ، فقد جعل حقها بعد حقه سبحانه ، وجعل الجنة عند رجليها ، وقضى سبحانه بالإحسان إليها ونهى عن إيذائها ولو بقول أف لها ، وأمر بخفض الجناح رحمة بها والدعاء لها كما ربتك صغيراً .
قال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23 ـ 24 } فلا يحملك عدم عدلها بينك وبين أختك على أن تقتحم باب عصيانها ، فتندم ولات ساعة مندم ، فإن خطأ الأم لا يبرر عقوقها ، فقد أوصى الله سبحانه ببر الوالدين المشركين وليس بعد الشرك ذنب ، فقال سبحانه : وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان: 15 }
أما الأم فينبغي لها أن تعدل بين أبنائها ، وأن لا تفضل بعضهم على بعض ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم . رواه البخاري وينبغي للأخت أن تصبر ويحتسب ، ولا بأس أن تنبهي الأم ، وتنااصحيها بقول لين كريم يرًا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دخلتُ الجنةَ، فسمعتُ فيها قراءةً، قلتُ: مَن هذا؟ فقالوا: حارثة بن النُّعمان، كَذلكُم البر! كَذلكُم البر!))؛ رواه الحاكم، وصححه الألباني، وكان - رضي الله عنه - أبرَّ الناس بأمه.
فالله الله في برِّها, ولتحتمل منها ما لا تحتمل مِن غيرها, وليكن صبركَ عليها وعلى ما لا يرضيكَ منها زادكَ إلى الجنة، وسبيلكَ إلى رضا الرحمن, ولا تستمع لمن يسألك: لماذا لا تعاملكَ أمكَ كما تعامل إخوتك؟ فلن ينفعك أحدهم يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون, إلا مَن أتى اللهَ بقلب سليم. وعلى الابن أن يصبر على ما يلقاه من والديه من إساءة أو تفضيل، وأن يدفع بالتي هي أحسن، وأن يحسن إليهما، ويبرهما مهما أساء إليه فهذا هو المطلوب منه شرعاً، وهو مأجور على ذلك، وستكون العاقبة له حميدة في الدنيا قبل الآخرة.
لكن عليك أن تعلم أن ما صدر من أمك أو ما سيصدر عنها مما تعتبره إساءة إليك لا يسقط برها والإحسان إليها، ولا يسوغ هجرها وقطيعتها.
فالإحسان إلى الوالدين من أوجب الواجبات التي أمر الله بها، قال تعالى:وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23].
ومعلوم أيضاً أن حق الأم في البر والإحسان آكد من حق الأب، فيجب عليك شرعاً الصبر على أمك والإحسان إليها والامتناع عن قطيعتها وأحسن صحبتها، وتودد إليها وارفق بها واحتسب الأمر عند الله مما قد يصيبك منها، وادع لها دائماً بالصلاح والهداية والمغفرة.
وثق أن معاملتك الحسنة لأمك سوف تغير من تعاملها معك مما يجعلها تكف أذاها عنك ولو بعد حين.
تعليق