الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهم عمل يقرب العبد به من ربه تبارك وتعالى هو أداء ما افترض عليه، كما قال تعالى في الحديث القدسي: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه.. الحديث رواه البخاري، وآكد ذلك الصلاة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود.
وأما نوافل العبادة فلا شك أن الصلاة وما ذكر معها من أعظم ما يقرب إلى الله تعالى، وفيها الخير الكثير والأجر العظيم لمن عملها بنية صادقة، ولكن أبواب الخير وطرقه كثيرة لا تكاد تحصى، فمن فضل الله على عباده أنه نوع لهم القربات ليجد كل واحد منهم ما يلائمه، ويقربه إلى الله تعالى، وإذا ملَّ من عمل اشتغل بغيره، فأنفق أوقاته كلها في مرضاة الله تعالى.
ومن أهم ما يقرب العبد إلى ربه كثرة ذكر الله تعالى تسبيحا وتهليلا واستغفارا، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها: التفكر في نعم الله وعظيم مخلوقاته، ومنها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، وتعليم الناس ما ينفعهم في دينهم، ويسهل عليهم سبل معاشهم.
ومنها: السعي في حوائجهم، ومنها: نصرة المظلوم...
ولن تعملي عملا تبتغين به وجه الله إلا أجرت عليه؛ كما جاء في الصحيح عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: "إنك لن تعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا أجرت عليه" وقال الإمام النووي في رياض الصالحين: باب في بيان كثرة طرق الخير. ثم ذكر تحت هذا العنوان الآيات والأحاديث الدالة على كثرة طرق الخير، فنرجو أن تطلعي عليه، وعلى بعض شروحه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في الشتاء والورق يتهافت، فأخذ بغصن من شجرة، قال: فجعل ذلك الورق يتهافت فقال: يا أبا ذر؛ قلت: لبيك يا رسول الله، قال: إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله فتهافت عنه ذنوبه كما تهافت هذا الورق عن هذه الشجرة. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وعن معدان بن أبي طلحة ـ رضي الله عنه ـ قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته، فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط بها عنك خطيئة. رواه مسلم.
وللتطوع بالصوم فضائل كثيرة منها: ما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به.
وأخرج الإمام أحمد في المسند، عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان. صححه الألباني.
وأخرج الإمام أحمد، وابن حبان في صحيحه عن أبي أمامة، قال: أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا، فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، قال: اللهم سلمهم وغنمهم، فغزونا فسلمنا وغنمنا، حتى ذكر ذلك ثلاث مرات قال: ثم أتيته، فقلت: يا رسول الله، إني أتيتك تترى ثلاث مرات، أسألك أن تدعو لي بالشهادة، فقلت: اللهم سلمهم وغنمهم فسلمنا وغنمنا يا رسول الله، فمرني بعمل أدخل به الجنة، فقال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له، قال: فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهارا إلا إذا نزل بهم ضيف، فإذا رأوا الدخان نهارا عرفوا أنه قد اعتراهم ضيف. صححه الألباني.
فصلاة النوافل مما لا يأثم الإنسان بتركه ولا يعاقب على ذلك في الآخرة، لقوله صلى الله عليه وسلم لمن جاء يسأله عن الإسلام: خمس صلوات في اليوم والليلة. قال: هل علي غيرهن؟ قال:لا إلا أن تطوع. متفق عليه.
لكن فعل النوافل من أعظم القربات وأجل الطاعات وهو يجبر النقص والخلل الواقع في الفرائض وله أثر عظيم في صلاح القلب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر، رواه الطبراني وحسنه الألباني.
فالنصيحة لك أن تجتهدي في الحفاظ على النوافل المذكورة ما أمكن خاصة نافلة الظهر التي ذكرت أنك تقصرين فيها، وأقل ما ورد في سنة الظهر ركعتان قبلها وركعتان بعدها فاحرصي ما أمكن على أدائها ولو على الركعتين قبلها والركعتين بعدها، وأفضل من ذلك أربع قبلها واثنتان بعدها، وأما العصر فليس لها سنة مؤكدة عند كثير من أهل العلم، لكن إن صليت قبلها ركعتين أو أربعة فهو حسن، لما في الحديث: رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا. رواه أبو داود وحسنه الألباني،
والله أعلم.
فإنه قد ثبتت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أهمية الذكر وفضله، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات. رواه مسلم.
ومنها: قوله: ما عمل آدمي عملاً أنجى له من العذاب من ذكر الله. رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى، قال: ذكر الله. رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الأرناؤوط والألباني.
ومنها: قوله جواباً لمعاذ لما سأله أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله. رواه ابن حبان، وحسنه الألباني.
وقد ثبتت أحاديث أخرى تبين أفضلية بعض الأعمال الأخرى كالجهاد والصلاة والحج والصوم، فقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أفضل العمل عدة مرات، فأجاب مرة بقوله: إيمان بالله وجهاد في سبيل الله. كما في حديث البخاري، وأجاب مرة بقوله: الصلاة على وقتها. كما في حديث الصحيحين، وأجاب مرة بقوله: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور. كما في حديث البخاري، وأجاب مرة بقوله: عليك بالصوم فإنه لا عدل له. كما في حديث النسائي، وصححه الألباني.
وأجاب مرة بقوله: العج والثج. كما في حديث ابن ماجه وأبي يعلى والحاكم، وصححه الألباني.
وبناء على هذا، فاحرص أخي في الله على الذكر باللسان دائماً، وعلى جميع الأعمال الأخرى اتباعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يذكر الله على كل أحيانه، كما رواه البخاري ومسلم عن عائشة.
وراجع في كتب الأذكار بيان برامج الذكر في الأوقات والأعمال والأحوال المختلفة عند الأكل والشرب والمساء والصباح والدخول والخروج والركوب...
فأشغل لسانك بالأذكار المأثورة، وأعمل قلبك في التفكير في مخلوقات الله، وانشط في تغيير أوضاع المسلمين واكدح وتكسب وقم بأنواع العبادات، وابتغ بذلك كله وجه الله.
والله أعلم.
تعليق