اريد ان اؤلف كتابا انا في سن 15 سنة فما نصيحتكم لي
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
نصيحة
تقليص
X
-
رد: نصيحة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأول ما ينبغي أن يتجه إليه نظرك الكريم في أي أمر تريد الإقدام عليه هو السؤال عن حكم الله تعالى فيه، فالمسلم وقَّاف عند أمر يعلم قبل أن يعمل ويتحرى أمر الله تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم على أي فعل أو قول. قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))[الحجرات:1]^.
وأما عن تأليف الرواية القصصية فهو على نوعين: قصص واقعي حقيقي، وقصص خيالي غير حقيقي، فأما القصص الواقعي الحقيقي فهذا جائز بلا ريب إذا تحري فيه الصواب ودقة المعاني، لا سيما فيما يتعلق فيه بنسبة الأقوال والأفعال إلى الناس، والقرآن مليء بأحداث الأمم الغابرة؛ كما قال تعالى: (( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ))[يوسف:3]^، وقال تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ))[غافر:78]^، وفي هذا المعنى أحاديث مستفيضة كثيرة جدّاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما القصص الخيالي غير الحقيقي فإن هذا يختلف حكمه باختلاف نوع القصة والرواية، فإن كانت القصة لا تحتوي على أمور محرمة كتهييج الشهوات وإثارة الغرائز إلى الحرام، أو الدعوة إلى معانٍ باطلة أو عقائد فاسدة، أو تمجيد الكفار وأحوالهم والدعوة إلى تعظيمهم ونحو هذه المعاني المحرمة، فإن كانت خالية من ذلك فهي جائزة - إن شاء الله - وهي من باب ضرب الأمثال لإيصال فكرة حسنة جائزة أو لمتعة أدبية؛ فإن النفس ربما مالت إلى شيء من هذا النوع فتطرب له وتأنس به.
ومع هذا فاعتبار القصص الحقيقي وطرحه بالأسلوب الشيق خير وأجدى وأنفع بكثير وإن كان هذا النوع الأخير جائزاً إن شاء الله تعالى.
وأما إن كانت القصة تحتوي على شيء من الأمور المحرمة – كما أشرنا – فهي من جملة الكلام المحرم، ومن جملة الصد عن سبيل الله كالدعوة إلى المحرمات العقدية أو الفكرية أو الاجتماعية وغيرها من أمور الضلال والبعد عن الله، وهذا النوع يندرج تحت قول الله تعالى: (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ))[لقمان:6]^، ولهو الحديث يشمل الغناء الباطل بالمعازف المحرمة، كما يشمل الأحاديث والقصص التي يراد بها ما حرم الله تعالى.
إذا علم هذا فإن أول نصيحة لمن أراد الشروع في تأليف رواية جائزة مباحة كما أشرنا إلى صفتها أن يخلص النية لله تعالى، وأن يجعل قصده من الرواية دلالة نافعة على الخير وحثهم على مكارم الأخلاق ونصرة هذا الدين، فإنه حينئذ يصبح عاملاً بطاعة الله ويكون مأجوراً على كتابته، لا سيما وهي من الآثار التي تبقى بعد الموت؛ قال تعالى: (( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ))[يس:12]^.
ومما يعينك إعانة كاملة على فهم المطلوب من صاحب الرواية هو فهم هذه القواعد الشاملة الجامعة:
1- التهيؤ لمثل هذا العمل من الناحية الأدبية، وهذا يدخل فيه الحث الأدبي بحيث يكون الكاتب مطلعاً ممارساً لكتب الأدب، عارفاً بطرائق الأدباء ومناحيةم، متذوقاً للكلام البليغ، له دراية حسنة بالتصرف في الألفاظ والمعاني، قادراً على تصوير المعاني بأمور حسية، وهذا ينال بعد توفيق الله بكثرة ممارسة الأدب والاطلاع على كلام أهل المعرفة والحذق منهم.
2- التهيؤ العلمي، وهذا يشمل الآتي:
• معرفة النحو حتى لا يقع في اللحن والخطأ؛ فإن الرواية أسلوب أدبي عماده سلامة اللغة وحسن التعبير، والقدرة على إيصال المعنى الذي يراد إيصاله إلى القارئ.
• معرفة البلاغة بفنونها الثلاث (المعاني والبيان والبديع).
• الممارسة الأدبية السابقة بالمحاولات المتكررة قبل إخراج الإنتاج الأدبي للناس، فإن من ألف فقد وضع عقله في طبق وقدمه للناس، فينبغي ألا يتسرع في ذلك حتى تثقل الموهبة ويشحذ الذهن بالإنتاج المقبول، وهذا يمكن بالاستعانة بأهل الخبرة في ذلك وعرض الإنتاج عليهم.
• حصر الأفكار التي يراد إيصالها إلى القارئ قبل الشروع في الرواية، بحيث تحدد أصول المعاني التي تدور عليها الرواية، ثم بعد ذلك تنسج أحداثها بحيث تلقنها للقارئ وتدفعه إليها دون أن يشعر بأنها أهداف محددة يراد تقريرها.
• العناية بالتشويق والإثارة دون المبالغة في ذلك.
• التوسط في المعاني الخيالية دون إغراق أو تفريط.
• أفضل ما يسعى إليه هو نصرة الدين؛ فينبغي أن تكون الرواية مقررة لما ينفع الناس في دينهم بحيث تبرز جانب الخيري وتطمس جانب الشر.
• الانتباه إلى نوعية القصة من القصيرة إلى الرواية الطويلة، والعناية بما يليق بكل منهما من الأحداث والوصف ونحو ذلك.
• البعد عن الألفاظ المبتذلة والسخيفة، والتي لا وزن لها عند عقلاء الناس، مع التوسط في العبارات الظريفة دون أن تصل إلى حد أن تكون روايتك رواية ساخرة أو رواية جدية صارمة، وخير الأمور أوسطها، وإن كان بعض الكتاب يغلب عليه اتجاه دون الآخر، ولكلٍ موضعه، وقد أحسن من قال:
وجعلوا بلاغة الكلام *** طباقه لمقتضى المقام
وأخيراً فنوصيك دوماً بالاستخارة قبل أن تشرع في أي عمل، وبالاستعانة بالله تعالى على إنجازه، وليكن شعارك دوماً ((وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ))[هود:88]^.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
وبالله التوفيق.
- اقتباس
تعليق