الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي اطلعنا عليه من هذا المعن
فإن الدعاء عبادة لله بل هو من أعظم العبادات وأجلها لما فيه من التجاء العبد إلى ربه وتضرعه إليه وارتباطه به، وقد أمر الله عباده بدعائه ووعدهم بالإجابة، إضافة إلى ذلك فإنه سبب لحصول المطلوب، إذاً فالدعاء قد شرع لأنه عبادة لله، ونفع هذه العبادة عائد على العبد، لأن الله تعالى غني عن عبادة الناس له، الأمر الثاني: أن من حكمة تشريعه أنه سبب لحصول الأمر المطلوب.
ى هو ما في مسند إسحاق بن راهويه عن عائشة أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكلمه في حاجة وعائشة تصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة: عليك بالجوامع والكوامل، قولي: اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إني أسألك مما سألك منه محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك مما استعاذ منه محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم ما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته لي رشدا.
والحديث رواه الإمام أحمد في المسند بلفظ قريب من هذا، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح، ورواه ابن ماجه في سننه، وابن حبان في صحيحه، والطيالسي في مسنده بألفاظ متقاربة.
فهذه الأدعية من جوامع الخير التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدعاء بها.
ففي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك، وصححه الألباني.
وفي صحيح البخاري وغيره عن أنس قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وعلى هذا فإن عليك ألا تستعجل، وتعلم أن هذا لا يعني أنك غير مستجاب الدعاء فربما تكون دعوتك قد قبلت، وصرف عنك بها من البلاء ما هو أسوأ، أو ادخر لك ثوابها، إلى وقت تكون أحوج ما تكون إليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. رواه مسلم.
واعلم أن الله يُجيب المضطر إذا دعاه، والإنسان –كما قال عمر– لا يحمل همَّ الإجابة، لأن الله تكفل بها، ولكن عليه أن يحمل همَّ السؤال، فأكثري من التوجه إلى الله تبارك وتعالى، وارفعي حاجتك إلى من يُجيب المضطر إذا دعاه، وتوجهي إلى الله تبارك وتعالى بيقين واثق، وبقلب حاضر وبثقة في الله تبارك وتعالى، واعزمي في المسألة، وكرري السؤال، وألحي، فلا بد لمكثر القرع للأبواب أن يلجَ، واعلمي أن ما عند الله من الخير، لا يُنال إلا بالدعاء واللجوء إليه سبحانه وتعالى، وهو الذي وعدنا بالإجابة وقال في منتصف آيات الصيام: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أُجيب دعوةَ الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}.
واعلم أن الإنسان عندما يدعو الله تبارك وتعالى، عليه أن يبدأ بالثناء على الله بما هو أهله، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يرفع حاجته إلى الله، ثم يختم بالصلاة على النبي -عليه صلاة الله وسلامه-، وإذا قبل الله الصلاتين، فإنه أكرم من أن يرد ما بينهما، فأكثر من التوجه إلى من يُجيب المضطر إذا دعاه سبحانه وتعالى، إلى من يكشف السوء وحده تبارك وتعالى.
كذلك ينبغي أن تختار أوقات الإجابة، بين الأذان والإقامة، ولحظات السجود، ودبر الصلوات المكتوبات، وبعد تلاوة القرآن أو أي عمل خير، وللصائم دعوة حتى يُفطر وعند فطره، كذلك لحظات السَّحَر، ولحظات نزول الغيث، وأوقات السفر إذا كان عندك سفر، فإن هذه هي مواطن الإجابة، والله تبارك وتعالى يستجيب دعاء عباده في أي وقت، كذلك ساعة من قُبيل غروب الشمس يوم الجمعة، هذه أوقات يتحرى فيها الإنسان اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، ودائمًا احرص على أن يكون عندك إلحاح في السؤال، وإلحاح في الدعاء والتوجه إلى الله تبارك وتعالى.
فإذا دعوت فادعي الله أن يقدر لك الخير حيث كان ، وقولي كما في دعاء الاستخارة: أسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم الأمر خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه, وإن كنت تعلم أنهذا الأمر شرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به.
ووصيتنا لك تقوى الله، فليس هناك شيء يهون الأمور وييسرها مثل تقوى الله عز وجل، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق: 4}.
تعليق