الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ربا النسيئة: ومثاله كمن باع عملة نقدية بنفس العملة بدون زيادة؛ لكن تأخر القبض عن مجلس العقد.
وهذا النوع من الربا جاءت السنة الصحيحة بتحريمة ومن ذلك: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء ...0رواه البخاري. وفي لفظ: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز . ومثل الذهب في الحكم الأوراق النقدية، فعملة كل بلد تعتبر جنسا قائما بنفسه فلا تجوز المفاضلة بينها، كما لا يجوز بيع نقود ورقية بنقود أخرى آجلة ولو اختلف الجنسان،
فيجب التقابض في المجلس فان استبدلت ذهب قديم بجديد دون ان تاخذ ثمن القديم اولا فهو ربا فيجب التقابض في المجلس اي يجب ان تاخذ ثمن الذهب القديم اولا ثم تشتري الجديد لكن ان تعطي للبائع القديم ثم تأخذ الجديد وتدفع الفرق فهو ربا فيجب التقابض في المجلس
اما عن البصيرة
فإن البصيرة قد تطلق على العلم واليقين، كما في قوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف: 108}. وقد تطلق على نور القلب كما يطلق البصر على نور العين. قال الراغب: البصر يقال للجارحة الباصرة والقوة التي فيها، ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة.
وهناك خمسة أسباب تجعل بصرك ربانياً وبصيرتك ربانية، ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي نقلاً عن أحد السلف اسمه شاه الكرماني يقول:
1- من غض بصره عن الحرام. 2- وعمر باطنه بالتقوى والمراقبة
.3- وعمر ظاهره بالسنة. 4- وكف نفسه عن الشهوات
.5- وعود نفسه أكل الحلال، لم تكد تخطئ له فراسة.فهذه الخمس هي أسباب فتح البصيرة،
بحيث لا تخطئ لك فراسة، تنظر إلى الأمور كأنها مجلية أمامك، كأنك تنظر إلى الغيب، كأنك تستقرئ أشياء المستقبل بنور الله عز وجل، فمهما حاول الناس، ومهما حاولت الشهوات والمغريات أن تُعمّي عليك، أو أن تقدم أو تؤخر في موازينك فبصيرتك تمنعك؛ لأن ميزان الآخرة والصلاة والقرآن عندك أرفع شيء، وميزان حب الله وحب رسوله وأوليائه في قلبك أعظم شيء، الحلال تسير فيه، والحرام تتركه، لماذا؟لأن عندك موازين واهتمامات، ولك مبادئ تسير عليها،
وسائل وأسباب تقوي هذه البصيرة وتجعلها نافذة وقويةالتقرب إلى الله بما افترض والزيادة من النوافل
(من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بعمل أحب إليَّ مما افترضته عليه)غض البصر
هناك خمسة أسباب ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وهو ينقل عن أحد السلف واسمه شجاع الكرماني وكان من أعظم عباد الله بصيرة، كان له فراسة وبصيرة نافذة يقول:
من غض بصره عن الحرام، وكف نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بالتقوى، وعمر ظاهره بالسنة، وأكل الحلال، لم تكد تخطئ له فراسة، وفتح الله بصيرته.
قال ابن القيم رحمه الله: لما غضضت بصرك جازاك الله من جنس عملك، ما هو عملك؟ غض البصر، فماذا حصل؟ فتح بصيرتك، إذا أنفقت مالك يجازيك الله من جنس فعلك، ماذا يعطيك الله؟ تنفق مالاً يرد الله عليك أكثر مما أنفقت، يقول عليه الصلاة والسلام: (من ترك شيئاً لله -ماذا يعطيه الله؟- عوضه الله خيراً منه) ما تترك شيئاً لله إلا والله يعطيك أفضل منه، تركت البصر من أجل الله ففتح الله لك البصيرة من أجله، فأنت عندما تغض بصرك عن الحرام ماذا يحصل لك؟ يفتح الله بصيرتك، فتصبح تنظر بنور الله، ويحبب الله لك الإيمان، ويزينه في قلبك، ويكره إليك الكفر، والفسوق، والعصيان، ويجعلك الله من الراشدين، تحب القرآن، تحب المساجد، تحب أهل الخير، تحب الصلاة، تحب حلق الذكر؛ فتصير عندك طاقة، ويصير عندك إيمان وإقبال، ويصير عندك توجه كبير، لماذا؟ لأن الله فتح بصيرتك، وبعد ذلك يحفظك الله عز وجل عن الوقوع في المعاصي؛ فتكره سماع الأغاني، وإذا رأيت امرأة لا تريد أن تنظر إليها، وإذا كان هناك حرام فيحفظك من الذهاب إليه، يضيق صدرك من الحرام، تضيق مذاهبك من الشر، لماذا؟ فتح الله بصيرتك، عندما غضضت بصرك عن الحرام، ولهذا قال الله في القرآن في سورة النور: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] أزكى لك أن تغض بصرك، قال العلماء: أزكى لأسباب؛ لأن فيه اثنتي عشرة فائدة، أعظم فائدة وأجل فائدة: أنك امتثلت أمر الله؛ لأنه لا توجد أي قوة في وجه الأرض تستطيع أن تضبط بصرك إلا قوة الله.كف النفس عن الشهوات
والمقصود بالشهوات الشهوات المحرمة: شهوة الفرج وهي الزنا واللواط، وشهوة البطن وهي أكل الربا والحرام والمخدرات والمسكرات والدخان، وشهوة المال وهي جمع المال من الحلال والحرام، وشهوة التسلط والسيطرة والاستعلاء بالكبر والسطو على الناس والاستعلاء عليهم وظلمهم واستعبادهم واحتقارهم وازدرائهم، هذه شهوات شيطانية يسميها العلماء الذنوب السبعية؛ لأنها تجعل الإنسان مثل السبع يفترس الناس، هذه الشهوات كف نفسك عنها، وكن في دائرة الحلال منها فقط، فشهوة الحلال خذ منها ما تحتاج، فتأكل من شهوة البطن ما أحل الله، وتقع في شهوة الفرج فيما أحل الله، وتجمع من المال فيما أحل الله، حتى تكون في دائرة الحلال فتسلم من الشهوات؛ لأن الشهوات منفذ وباب خطير على النفس البشرية يدخل منها الشيطان.
التقوى
التقوى يعني: المراقبة لله، يعني: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية من الخوف منه والمراقبة له، بأن تتصور أنك تحت الرصد الرباني وتحت النظارة الإلهية، وأن تعلم أن الله عز وجل مطلع عليك لا يخفى عليه من أمرك خافية؛ لأن الله يقول: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النجم:32] ويقول: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ[المجادلة:7] فالله معك، يعلم السر وأخفى، يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإذا علمت بهذا الرصد وهذه المراقبة من الله عز وجل حملك هذا على الخوف منه، هذا معنى المراقبة، أن تعمر باطنك من الداخل بالتقوى والمراقبة، أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أمره وترك نهيه وبمراقبته عز وجل، حتى ولو خلت عنك أعين الرقباء:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستح من نظر الإله وقل لهـا إن الذي خلق الظلام يراني
إذا حان هذا وحصلت في قلبك المراقبة والشعور بأن الله مطلع عليك فتح الله بصيرتك.العمل بالسنة
السبب الرابع من أسباب نفاذ البصيرة: العمل بالسنة.
أعمال الإسلام تنقسم إلى ثلاثة أقسام: عمل قلوب، وعمل ألسن، وعمل جوارح، فعمل القلب هو: الإيمان والتصديق، وعمل اللسان هو: الإعلان والذكر والشهادة، وعمل الجوارح هي: الطاعات والفرائض التي نمارسها بجوارحنا، وهذه الأعمال تنقسم إلى قسمين آخرين: ظاهرة وباطنة، فالباطنة في القلوب، والظاهرة ما نعمله من أعمال يراها الناس؛ فلا بد أن نعمر هذه الظواهر بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فنصلي كما كان يصلي صلى الله عليه وسلم، فعليك أن تعمر ظاهرك بالسنة يعني: ظاهر عملك، ليس معنى ظاهرك يعني: المظهر الشكلي وإنما الظاهر العملي، (صلوا كما رأيتموني أصلي) ونحج كما كان يحج صلى الله عليه وسلم، قال: (خذوا عني مناسككم) ونزكي كما أمرنا صلى الله عليه وسلم، ونصوم كما شرع لنا صلى الله عليه وسلم، ونعمر حياتنا في كل شئون حياتنا على هديه ومنهجه، ومن ذلك المظهر الخارجي للمسلم، يربي المسلم منا لحيته اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب:21] من كان يرجو الله، من كان يرجو لقاء الله، من كان يرجو النجاة في اليوم الآخر فله في رسول الله أسوة حسنة، يعني: قدوة، والذي ليس له عند الله أمل ولا يرجو لقاء الله لا يتخذ رسول الله قدوة، فخير البرية أفضل من مشى على وجه الأرض هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أولى الناس بأن يكون قدوتك، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] .. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7] أكل الحلال
إن أكل الحرام يطمس البصيرة، لماذا؟ لأن (كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به) والحديث في مسلم : (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب! يا رب!) كل هذه وسائل استجابة الدعوة، يطيل السفر والمسافر له دعوة، بعد ذلك أشعث والأشعث الذي عليه علامات الضعف والذل وشعره أشعث ليس مغسولاً، أغبر ليس عنده ماء يغسل من آثار السفر، ثم يمد يديه إلى السماء والله يستحي أن يرد يد السائل صفراً، ويقول: يا رب! ويكرر: يا رب! بأعظم صفة لله وهي الربوبية يا رب! ولكن (ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام -قال الله-: فأنى يستجاب له) كيف نستجيب له وهذا كله مغذى بالحرام وملغم بالحرام؟ والعياذ بالله.أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم حبه، وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه، اللهم اجعل ما رزقتنا عوناً لنا على ما تحب، واجعل ما زويت عنا فراغاً لنا فيما تحب، واجعل حبك أحب إلى قلوبنا من الأهل والمال ومن الماء البارد على الظمأ إنك على كل شيء قدير وبالإجابة قدير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وسوف نجيب باختصار على بعض الأسئلة التي وردت منكم.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم حبه، وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه، اللهم اجعل ما رزقتنا عوناً لنا على ما تحب، واجعل ما زويت عنا فراغاً لنا فيما تحب، واجعل حبك أحب إلى قلوبنا من الأهل والمال ومن الماء البارد على الظمأ إنك على كل شيء قدير وبالإجابة قدير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،
تعليق