نسأل الله العظيم أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا جميعاً على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن ينفع بك بلاده والعباد، وأن يجعلك قرة عينٍ لوالديك ولأمتك.
فإن بر الوالدين من أعظم القربات بعد عبادة رب الأرض والسماوات، ولا عجب فإن الوالدين هم أعظم الناس فضلاً ومنَّة على الإنسان بعد الله تبارك وتعالى، ومهما أحسن الإنسان لولديه فإنه لابد أن يشعر أن حقهما أعظم.
وقد ربط الله تبارك وتعالى بين عبادته وبر الوالدين في مواضع عديدة في كتابه، حتى قال ابن عباس: (لا يقبل الله عبادة من لا يطيع والديه، فقيل له من أين لك؟ فقال: من هذا التلازم في كتاب الله بين عبادة الله وبر الوالدين (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ))[الإسراء:23]، (( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ))[النساء:36]. وقد ضرب سلف الأمة نماذج من الإحسان إلى الوالدين، حتى وُجد فيهم من كان يحمل أمه على ظهره ليحج بها، ووُجد من كان لا يصعد على سطح إذا كانت أمه تحته، ووجد فيهم من ظل يدلك ساقي والده حتى أصبح ليخفف عنه الألم، وفي الصباح قال لهم: لا أُبالي بطاعة من صلَّى حتى أصبح، وهذا من فقههم، فإن الذي صلَّى قام بنافلة والإحسان إلى الوالدين واجب من واجبات هذه الشريعة، ولا يخفى عليك قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة وانسد عليهم الغار، ثم توجهوا إلى الله يصالح وخالص أعمالهم، وكان فيهم من قال: (اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً -يعني ولا خدم- فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرجع إلا وقد ناما، وكرهت أن أقدم عليهما أهلاً ولا مالاً، والصبية يتصايحون عند قدمي، فظللت أمسك الإناء حتى أصبحا) ولاحظي أنه كره أن يوقظهما فيقطع نومهما وكره أن يتركهما ينامان بجوعهما.
وقد حفلت السنة النبوية بقصص كثيرة في هذا الميدان، ولعل من أهمها قصة جريج العابد الذي جاءته أمه ونادته وهو يصلي لله، فكان يقول: أي رب أمِّي وصلاتي، ثم يمضي في صلاته، وتكرر ذلك ثلاث مرات، فدعت عليه بأن يُرِيَهُ الله وجوه المومسات، فاستجاب الله دعوتها، وحصلت له الفتنة وأنقذه الله وأكرمه، فتكلم الصبي ببراءته. ومن هنا نعلم أن طاعة الوالدين تقدّم على نافلة الصلاة على تفصيلٍ يذكره الفقهاء، ولكن طاعة الوالدين إنما تكون إذا أمرا بطاعة الله، فإذا حصلت معارضة بين طاعة الوالدين وطاعة الله فإننا نقدم طاعة الله، ونجتهد مع ذلك في الإحسان إليهما ومصاحبتها بالمعروف، قال تعالى: (( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ))[لقمان:15]، وقد نزلت هذه الآيات في قصة سعد بن أبي وقاص الذي رفضت أمه الطعام والشراب والظل من أجل أن تجبره على ترك الإسلام، فقال لها بثبات أهل الإيمان: (والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت دين محمد، فكلي إن شئت أو دعي) قال هذا الكلام مع أنه كان شديد البر بأمِّه، ولكن طاعة الله أغلى.
وهذه أسماء رضي الله عنها سألت رسولنا صلى الله عليه وسلم وقالت: (قدمت علي أمي وهي مشركة! أفأصلُ أمي؟ فقال لها: نعم صِلي أمك) وهذا جانب من رحمة وعظمة هذا الدين.
ومن واجبنا أن نجتهد في بر والدينا والإحسان إليهم، والصبر عليهم، ولن يضيع أجرنا عند الله، فإن الله يُجازي بالإحسان إحساناً، وإذا بر الإنسان أبويه رزقه الله بالأبناء البررة، ويسر له أموره، وأسعده في حياته، وويلٌ ثم ويل لمن يقصر في حق والديه.
ومن هنا لابد أن نعلم أنه لا ينبغي أن نطيع من يأمرنا بمعصية الله كائناً من كان؛ لأن الطاعة في المعروف مع ضرورة الحرص على الإحسان للوالدين وصحبتهما بالمعروف، والاجتهاد في نيل رضاهم والصبر على جفوتهم وأذاهم.
وإذا أطاع الإنسان ربه وصدق في عبادته، فإن الله يرضى عنه ويرضى الناس عنه؛ فإن القلوب بين أصابع الرحمن يقلِّبها كيف شاء سبحانه.
وأرجو أن يكون همَّكم رضوان الله، وسوف يرضى الله عنكم ويرضى عنكم الوالدة والوالد، ويغرس محبتكم في قلوب الناس، قال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ))[مريم:96].
ما نقول لك قد يكون معلوم لديك؛ لأن العبرة هي الإنسان يأخذ بالاسترشاد، ويطبقه فتكون النتيجة إيجابية، وهذا أمر حتمي إن شاء الله تعالى، –
إذن هذه النفس اللوامة الجريحة التي تحدثت عنها
أريد أن أنصحك نصيحة هامة جداً، وهي السعي والعمل وبكل ما فيه رضى لوالديك، يجب أن يكون هذا نابعاً من داخل قلبك، ومشاعرك وإحساسك، رضى الوالدين فيه خير كثير، وفيه حفظ لك، وفيه إن شاء الله تعالى دليل إلى طريق الخير الذي نتحدث عنه، يجب أن تتوبي والتوبة شروطها معروفة، والرفقة الصالحة تساعدك إن شاء الله تعالى على تثبيتك على هذه التوبة النصوح، أريد أيضا أن تسعى دائماً، لأن تكوني عالي الهمة لأن الشابة أو الشاب عالي الهمة لا يقترف الخطايا لا يتبع هوى نفسه، ودائماً تجد لديه البصيرة، والاستبصار الصحيح، يجب أن تستفيد من طاقاتك للتحصيل العلمي الرصين، لا تقبل بالقليل أو اليسير، المعرفة كنز عظيم، اجتهد، وقول لنفسك الآن أنا أريد أن أكون إنساناً محترماً وشروط الاحترام معروفة.
ذكري دائمًا أن الدنيا دار عبور وأيام زراعة وليست دار استقرار، وعن قريب سنغادرها جميعًا، وإنما خلقها الله عز وجل لنزرع فيها ما نحصده في الدار الآخرة، وكما قال الشاعر:
إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق *** والليالي متجر الإنسان والأيام سوقُ
فأغلى ما أعطاك الله عز وجل في هذه الدنيا العمر والوقت والليل والنهار، فإذا ضاع منك هذا فقد ضاع رأس المال.
اعلم جيدًا أن السعادة الحقيقية والنعيم المقيم الدائم إنما هو جنة عرضها السموات والأرض، وهذه الجنة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، ليس بيننا وبينها إلا أن نموت فينتقل الإنسان إلى جزء من نعيمها في القبر، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الخلود فيها. هذه الجنة أعد الله عز وجل فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لأوليائه وعباده المؤمنين، وهذه الدنيا التي نحن فيها هي أيام العمل الذي يؤهلنا للوصول لتلك الجنات، فكيف يليق بعد ذلك بالمؤمن أو المؤمنة أن يضيع أيام هذه الدنيا من بين يديه دون أن يستغلها فيما يوصله إلى ذلك النعيم المقيم؟
هذه الحقائق الثلاث هي أعظم ما يطرد عنك الهم ويزيح عنك القلق، لتعمل في ضوء هذه الحقائق، ولذا نحن سنقول لك بعض النصائح:
أول هذه النصائح: أحسن الظن بالله تعالى، واعلم أنه سبحانه وتعالى كما قال عن نفسه: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) فهو سبحانه وتعالى يعمل بعبده ما يظن عبده به.
النصيحة الثانية: لا تيأس من روح الله ولا من رحمته، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فلا تسمح للشيطان أن يتسرب أو يسرب اليأس والقنوط إلى قلبك فتتقيد عن العمل والإنتاج واستثمار عمرك فيما ينفعك، فإن الله عز وجل يغير الأمور بين غمضة عين وانتباهتها.
الوصية الثالثة: حاول جاهدا استغلال عمرك فيما يسعدك، فاستغل هذا العمر بالإكثار من الصلوات، بالإكثار من الاستغفار، فما دمت تسهرين الليل فحاول أولاً أن تغير هذا السهر بسهر فراغ بلا عمل إلى سهر في صلاة قيام الليل، وحاول أن تتهجد فيه وأن تقوم فيه بما تستطيعن، وبهذا تكسبن خيرًا عظيمًا وتعودين نفسك على الطاعة، وكلما أنس قلبك واستنار في طاعة الله سبحانه وتعالى فتحت أمامه أبواب الأرزاق، ثم طُرد عنه اليأس والقنوط، فكم من إنسان سجين في غياهب السجون يشعر بالسعادة التي لو علم بها غيره لنافسه عليها، وما ذاك إلا لأنسه بالله سبحانه وتعالى.
الوصية الرابعة: غيّر برنامجك اليومي، وحاول أن تتعرف على الصالحين وحضور مجالسهم والاستفادة من خبراتهم، وحاول أن تضع لنفسك برنامجًا تستغل فيه عمرك في حفظ شيء من كتاب الله تعالى، وتعلم دينه، وأكثر من الاستغفار والصلاة، وكون على ثقة بأن هذا من أعظم أسباب التغيير في حياتك، ومن أعظم أسباب جلب الرزق.
نحن لا نملك أن نغير حياتك ولو كنا نستطيع ذلك لفعلنا، لأننا حريصون على إيصال الخير لك ولغيرك ومحبون له، ولكن نتمنى أن تأخذ هذه النصائح بجد وحزم، وتسارع إلى تغيير حالك، وحينها ستجد السعادة تفتح أمامك أبوابها، وكون على ثقة بأن قضاء الله سبحانه وتعالى خير لك مما تختارينه لنفسك، وإذا أراد الله عز وجل لك خيرًا فسيُجريه.
نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.
تعليق