الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين , أمَّا بعدُ مرحبا ابنتى الفاضلة
وللرد على سؤالك : فإن من أهمُّ الضوابط التي تشترط في مُشاركة المرأة في المنتديات: أولًا: أن يكونَ الحوارُ عبر ساحاتٍ عامةٍ، يشارك فيها جمعٌ من الناس، وليس حوارًا خاصًّا بين الرجل والمرأة، لا يطَّلع عليه غيرُهُما؛ فإنَّ هذا بابٌ من أبواب الفتنة. فلا حَرَجَ أن تشتركَ المرأةُ في منتدًى جادٍّ، يُشْرِفُ عليه مَن عُرِفَ بالعلم والدِّيانة، وتضع فيه بعض الموضوعات، أو الاستفسارات، أو تشارك بالتعليق على المشاركات، دون أن يحدثَ حوارٌ مباشرٌ مع بعض الأعضاء؛ لأنَّ الشَّيطان يجري مِن ابن آدم مجرى الدَّمِ، وحتى لا يَجُرَّ للمحادثة على الخاص، أو عبر الرسائل، ولو اقتصرتِ على المنتديات النسائية، لكان أفضلَ. ثانيًا: أن تكونَ المشاركةُ على قدر الحاجة. ثالثًا: ألا تُعَلِّق إلا على أمرٍ لا بُدَّ من التعليق عليه؛ لأن الأصل صيانتها عن الحوار المباشر مع الرجال. رابعًا: ألا يكون في كلامها ما يُثِير الفتنة؛ كالمِزاح، ولين الكلام، أو استخدام الأيقونات المُعَبِّرَة عن الابتسامات؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى طَمَع مَن في قلبِهِ مَرَضٌ؛ كما قال - سبحانه -: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب:32]. خامسًا: تَجَنُّب إِعطاء بريدها الخاص لأحد من الرجال، أو المراسلة الخاصة مع أحد من الرجال، ولو كان ذلك لطلب مُساعدة؛ لِمَا تؤدِّي إليه هذه المُرَاسَلَة من تَعَلُّق القَلب، وحُدُوثِ الفِتْنَةِ غالبًا؛ وقد قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور:21]. سادسًا: أن يكونَ الحوارُ دائرًا حول إظهار حقٍّ، أو إبطالِ باطلٍ، أو يكون من باب تعليمِ العلم وتعلُّمِه: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلم))؛ رواه ابن ماجَهْ وغيرُه، عن أنس وعليٍّ وأبي سعيد - رضي الله عنهم. سابعًا: ألا يَخرُج المشاركون عن دائرة آداب الإسلام في استعمال الألفاظ، واختيارِ التعابير غير المُريبة، أو المستكرهة الممقوتة، كما هو شأنُ كثيرٍ من أهل الأهواء. ثامنًا: القيامُ بواجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر، مع تكميل النفس بفِعل الخير، وتَرْك الشر، وتكميل غيره بذلك، بأمره ونهيه. ولا بُدَّ لمن تصدَّى لهذا أن يُبتلى إذا أَمَر ونهى، وأن في الأمر والنهي مشقةً على النفوس، أَمَر اللهُ بالصبر على ذلك؛ فقال - على لسان لقمان الحكيم -: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]؛ أي: من الأمور التي يُعزَم عليها، ويُهتَم بها، ولا يُوفَّقُ لها إلَّا أهلُ العزائم. وبعد تلك الضَّوابط؛ بقي أن نقول: إنْ آنَسَتِ المرأةُ من نفسها رِيبةً، فلتخرجْ من المنتدى، ولْتشترِكْ في المنتديات النسائيَّة. وأُحِبُّ أن أنبهكِ إلى قاعدةٍ كبيرة في الشريعة الإسلامية؛ وهي قاعدةُ: سدِّ الذرائع؛ أي: غلق الأبواب الجالبة للشرِّ، أو التي توصِّل إلى الحرام؛ فكلُّ ما كان سببًا للفتنة، فإنه لا يجوز؛ فإنَّ الذريعة إلى الفساد يجب سدُّها إذا لم يعارضْها مصلحةٌ راجحةٌ؛ ولهذا حرَّم الشرعُ النظرَ؛ لأنه قد يُفضِي إلى الفتنة، إلا إذا كان لحاجةٍ راجحةٍ؛ مثل: نظر الخاطب، والطبيب، وغيرهما؛ فإنه يُباح النظرُ للحاجة، مع عدم الشهوة؛ وأما النظرُ - لغير حاجةٍ - إلى محلِّ الفتنة، فلا يجوزُ.
تعليق