إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ممكن تفسير واسع لهذا الحديث وجزاكم الله خير (استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ممكن تفسير واسع لهذا الحديث وجزاكم الله خير (استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع)

    روى الإمام البخاري في صحيحه, أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا ".

    الاستفسار عن قوله صلى الله عليه وسلم ( خلقن من ضلع اعوج ) الى نهاية الحديث

    اريد شرح من الشيخ اللى بيكتب بالتشكيل جزاه الله خيراً
    التعديل الأخير تم بواسطة فريق استشارات سرك فى بير(الأخوات); الساعة 10-10-2012, 09:27 PM.

  • #2
    رد: ممكن تفسير واسع لهذا الحديث وجزاكم الله خير

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    الأَخُ السَّائِلُ - الأُخْتُ السَّائِلَةُ
    السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
    أمَّا بَعْدُ؛
    فَالحَمْدُ للهِ؛
    رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمُ في صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ –واللَّفْظُ للبُخَارِيِّ- أَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ [ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِي جَارَهُ، واسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ في الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ خَيْرًا ]، ولشَرْحِ هَذَا الحَدِيثِ أَقُولُ مُسْتَعِينًا باللهِ:
    أَوَّلاً: لَيْسَ في هَذَا الحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى خَلْقِ حَوَّاء مِنْ آدَم، أَوْ خَلْقِ النِّسَاء مِنْ أَضْلُعِ الرِّجَال، ولَمْ يَصِحّ حَدِيث في هَذَا ولا في ذَاكَ، قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ [ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثٌ في خَلْقِ حَوَّاء مِنْ ضِلَعِ آدَم ]، كَمَا أَنَّ مَوْقِفَ الحَدِيث لَمْ يَكُنْ في اسْتِعْرَاضِ قَصَص الخَلْق أَوِ الكَلاَم عَنْ آدَم وحَوََّاء، وبالتَّالِي لا يَصِحُّ إِنْزَالِهِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، والحَدِيثُ يَتَكَلَّمُ عَنِ النِّسَاءِ عُمُومًا ولَيْسَ عَنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لتَكُون هِيَ حَوَّاء، ومَعْرُوفٌ أَنَّ النِّسَاءَ مِنْ بَعْدِ حَوَّاء يُخْلَقْنَ مِنْ تَفَاعُلِ نُطْفَة الرَّجُل وبُوَيْضَة المَرْأَة، إِذَنْ لا يَسْتَقِيمُ فَهْمِ الحَدِيث وهُوَ يَتَكَلَّم عَنِ النِّسَاءِ كُلّهنَّ مَعَ التَّفْسِيرِ بأَنَّ هَذَا خَاصٌّ بحَوَّاء، والشُّرَّاحُ الَّذِينَ شَرَحُوا هَذَا الحَدِيثِ عَلَى أَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعِ آدَم اعْتَمَدُوا عَلَى مَصْدَرَيْنِ لا يَصِحَّانِ بحَالٍ، المَصْدَرُ الأَوَّلُ هُوَ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ ومُنْكَرَةٌ، أَوْ مَكْذُوبَة (كَقِصَّة أَمِير المُؤْمِنِينَ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في مَعْرِفَةِ الخُنْثَى)، والمَصْدَرُ الثَّانِي الإِسْرَائِيلِيَّاتُ في كُتُبِ التَّفَاسِير؛ والَّتِي تَقُولُ بأَنَّ آدَمَ لَمَّا دَخَلَ الجَنَّةَ اسْتَوْحَشَ لَمَّا وَجَدَ نَفْسَهُ بمُفْرَدِهِ، فَنَامَ، فَخَلَقَ اللهُ حَوَّاءَ مِنْ ضِلَعِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ وَجَدَهَا فَسُرَّ بِهَا... إِلَى آخِر هَذِه القِصَّة المَكْذُوبَة، ودَلِيلُ كَذِبِهَا ورَدِّهَا أَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مَعَ آدَم قَبْلَ أَنْ يَدْخُلاَ الجَنَّة بنَصِّ القُرْآن، ولَمْ تُخْلَق دَاخِل الجَنَّة، قَالَ تَعَالَى [ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا ].

    ثَانِيًا: فِكْرَةُ خَلْقِ المَرْأَة مِنْ ضِلَعِ الرَّجُل ونُقْصَانِ عَدَد أَضْلاَع الرَّجُل عَنِ المَرْأَةِ بضِلَعٍ يُثْبِتُ الوَاقِعُ عَدَمَ صِحَّتهَا، فَالرَّجُلُ والمَرْأَةُ مُتَسَاوِيَانِ في عَدَدِ الأَضْلاَعِ، وهَذَا ثَابِتٌ طِبِّيًّا، قَالَ الحَطَّابُ في مَوَاهِبِ الجَلِيلِ (6/431-432) [ ذَكَرَ العُقْبَانِيُّ قَوْلَ مَنْ يَعُدُّ الأَضْلاَعَ, وَقَالَ: إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَضْلاَعُ الرَّجُلِ سِتَّةَ عَشَرَ, وَأَضْلاَعُ المَرْأَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَضْلاَعُ الرَّجُلِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَضْلاَعُ المَرْأَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَضْلاَعَ الرَّجُلِ تُسَاوِي أَضْلاَعَ المَرْأَةِ مِنْ أَحَدِ الجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفُوا مِنْ أَيِّ جَانِبِ الزِّيَادَةِ. وَاَلَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَرْأَةَ تَزِيدُ بِضِلْعٍ اعْتَمَدُوا في ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، ورَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلاَعِ آدَمَ، اسْتُلَّتْ مِنْهُ... وفي إثْبَاتِ الأَحْكَامِ بمِثْلِ هَذَا ضَعْفٌ، والعِيَانُ يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِهِ, فَقَدْ أَطْبَقَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّشْرِيحِ عَلَى أَنَّهُمْ عَايَنُوا أَضْلاَعَ الصِّنْفَيْنِ مُتَسَاوِيَةَ الْعَدَدِ ]، وقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في المَجْمُوعِ (2/54-55) في الكَلاَمِ عَنْ مَعْرِفَةِ الخُنْثَى مِنْ عَدَدِ أَضْلاَعِهِ أَرَجُلٌ هُوَ أَمِ امْرَأَة [ قَالَ إمَامُ الحَرَمَيْنِ: هَذَا الَّذِي قِيلَ مِنْ تَفَاوُتِ الأَضْلاَعِ لَسْتُ أَفْهَمُهُ، وَلاَ أَدْرِي فَرْقًا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ, قَالَ صَاحِبُ الحَاوِي: لاَ أَصْلَ لِذَلِكَ; لإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ المُبَالِ عَلَيْهِ ]، بَلْ وُصِفَ هَذَا الفِكْر بالشَّاذِّ، قَالَ العَبْدَرِيُّ في التَّاجِ والإِكْلِيلِ (6/430) [ وثَمَّ قَوْلٌ شَاذٌّ: أَنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى أَعْدَادِ أَضْلاَعِهِ ]، بَلْ إِنَّ مِنَ النَّاحِيَةِ العِلْمِيَّةِ فَتَكْوِين التُّرَاب والمَاء والطِّين يُمْكِن أَنْ يَنْتُجَ عَنْهُ اللَّحْم والدَّم والعَظْم، أَمَّا العَظْم وَحْدهُ فَلاَ يَنْتُج عَنْهُ تَكْوِين لَحْمٍ ودَمٍ، وبالتَّالِي يَتَوَافَق العِلْم مَعَ الشَّرْعِ في أَنَّ أَصْلَ حَوَّاء مِنْ تُرَابٍ كَآدَم، ولَيْسَ مِنْ عَظْمِ آدَم.

    ثَالِثًا: مَا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ مِنْ تَفْسِيرِ قَوْل اللهِ عَزَّ وجَلَّ في أَوَّلِ سُورَة النِّسَاء [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ] هُوَ تَفْسِيرٌ عَلَى غَيْرِ المَعْنَى المُرَاد، فَالنَّفْسُ هُنَا لا يُقْصَدُ بِهَا آدَم كَمَا يُؤَوِّلُهَا البَعْضُ، وإِنَّمَا المَقْصُود جِنْس النَّفْس الَّتِي خَلَقَ اللهُ مِنْهَا آدَمَ وحَوَّاءَ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِين رَحِمَهُ اللهُ في شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ [ فِيهَا قَوْلاَنِ: ...، الثَّانِي: أَنَّ المُرَادَ بالنَّفْسِ الجِنْسُ، وجَعَلَ مِنْ هَذَا الجِنْسِ زَوْجهُ، ولَمْ يَجْعَلْ مِنْ جِنْسٍ آخَر، والنَّفْسُ قَدْ يُرَادُ بِهَا الجِنْس، كَمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ) (آل عِمْرَان: 164)، أَيْ: مِنْ جِنْسِهِمْ ]، وكَذَلِكَ قَوْل اللهِ تَعَالَى [ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ] (التَّوْبَةُ: 128)، فَيُفْهَم أَنَّ مَعْنَى النَّفْس الوَاحِدَة لَيْسَتْ نَفْس آدَم، بَلْ هِيَ جِنْس النَّفْس الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا آدَمُ وحَوَّاءُ والبَشَرِيَّةُ كُلّهَا، ويَشْهَدُ لذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى [ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ] (لُقْمَانُ: 28)، وكَذَلِكَ قَوْل اللهِ تَعَالَى [ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ] (الذَّارِيَاتُ: 49).

    رَابِعًا: يَجِبُ أَنْ نَتَوَقَّفَ عِنْدَ كَلِمَةِ ضِلَعٍ، ونَرَى مَعْنَاهَا، فَأَصْلُ الكَلِمَة عِنْدَ العَرَبِ حَتَّى قَبْلَ الإِسْلاَم أَنَّهُم يُطْلِقُونَهَا عَلَى: المُنْحَنِي مِنَ الأَرْضِ، ومِنْهَا انْسَحَبَ الاسْمُ عَلَى العَظْمَةِ الَّتِي تَحْمِي القَلْب لانْحِنَائِهَا فَسُمِّيَت ضِلَعًا، جَاءَ في لِسَانِ العَرَبِ [ الضِّلَعُ والضِّلْعُ: مَحْنِيَّةُ الجَنْبِ، والجَمْعُ أَضْلُعٌ وأَضَالِعُ وأَضْلاَعٌ وضُلُوعٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: وأَقْبَلَ مَاءُ العَيْنِ مِنْ كُلِّ زَفْرةٍ، إِذَا وَرَدَتْ لَمْ تَسْتَطِعْهَا الأَضَالِعُ ]، وفي القَامُوسِ المُحِيطِ [ والضَّلُوعُ: مَا انْحَنَى مِنَ الأَرْضِ، أَوِ الطَّرِيقُ مِنَ الحَرَّةِ ]، ومِنْ ثَمَّ؛ فَلَمَّا كَانَتْ وَظِيفَة عِظَام القَفَص الصَّدْرِيّ هِيَ حِمَايَة مَا بِدَاخِلهَا مِنْ أَعْضَاء –كَالقَلْب والكَبِد والرِّئَتَيْنِ-، كَانَ كَمَالُ هَذِهِ العِظَام لأَدَاءِ وَظِيفَتهَا عَلَى أَفْضَل وَجْهٍ هُوَ أَنْ تَكُونَ مُعْوَجَّة في جُزْءٍ مِنْهَا لتُحِيطَ بهَذِهِ الأَعْضَاء وتَحْفَظهَا، ولِذَلِكَ لَمَّا تَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنِ الضِّلَعِ في الحَدِيثِ مَدَحَهُ، فَقَالَ (وإِنَّ أَعْوَجَ –عَلَى وَزْنِ أَفْعَل التَّفْضِيل- شَيْءٍ في الضِّلَعِ أَعْلاَهُ)، وهَذِهِ صِيغَةُ مَدْحٍ وتَمْيِيزٍ، فَكَانَ مِنْ كَمَالِ اسْتِقَامَتِهِ أَنْ يَبْقَى عَلَى عِوَجِهِ، ولَوْ تَغَيَّرَ عَنْ هَذَا العِوَجِ لَمْ يَصْلُحْ لأَدَاءِ وَظِيفَتِهِ.

    خَامِسًا: الحَدِيثُ لا يَتَكَلَّم عَنْ خِلْقَةِ المَرْأَة مِنَ النَّاحِيَةِ التَّشْرِيحِيَّةِ، بَلْ يَتَكَلَّم عَنْ طَبِيعَةِ خِلْقَتهَا مِنْ النَّاحِيَةِ البَشَرِيَّةِ، فَهِيَ مِنَ طَبِيعَةٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنِ الرَّجُلِ، وهَذَا مَنْطِقِيٌّ ليَحْصُل بَيْنَهُمَا التَّكَامُل والتَّوَاؤُم الَّذِي تَقُومُ بِهِ الأُسْرَة ومِنْ ثَمَّ الحَيَاة، وبالتَّالِي فَالأَلْفَاظ في الحَدِيثِ هِيَ عَلَى المَجَازِ، لشَرْحِ المَعْنَى بضَرْبِ المِثَال، وهَذَا لَهُ شَوَاهِد في القُرْآنِ كَثِيرَة، كَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى [ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ] (الأَنْبِيَاءُ: 37)، فَهَلْ هُنَاكَ مَادَّة اسْمُهَا (عَجَل) خُلِقْنَا مِنْهَا أَمْ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ كَوْنِ الإِنْسَان أَكْثَر صِفَة تُمَيِّزهُ هِيَ الاسْتِعْجَال! وقَوْلِهِ تَعَالَى [ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ] (الرُّومُ: 54)، فَهَلْ خُلِقْنَا مِنْ مَادَّةٍ اسْمهَا (ضَعْف) أَمْ أَنَّهَا كِنَايَة عَنْ ضَعْفِ الإِنْسَان وافْتِقَارِهِ للهِ دَوْمًا! وهَكَذَا الحَالُ بالنِّسْبَةِ لوَصْفِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ المَرْأَةَ بأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وسِيَاقُ الحَدِيثِ يُؤَكِّدُ هَذَا المَعْنَى، وسَيَأْتِي شَرْحُهُ بإِذْنِ اللهِ تَفْصِيلاً، الشَّاهِدُ في ذَلِكَ أَنَّ مِنَ الإِبْدَاعِ اللُّغَوِيّ اسْتِخْدَام الكِنَايَة والمَجَاز في الوَصْفِ والتَّشْبِيهِ وكَأَنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي يَتَّصِفُ بِهِ في الغَالِبِ، وهَذَا لا يَتَنَاقَض ولا يَتَعَارَض مَعَ كَوْنِهِ مَخْلُوقٌ مِنْ تُرَابٍ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ في القُرْآنِ والسُّنَّة.

    سَادِسًا: يَقُولُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ واسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ في الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ خَيْرًا ]، فَيَبْدَأُ الحَدِيث ويُنْهِيه بالتَّوْصِيَةِ بالنِّسَاءِ، فَلاَ يُعْقَل أَنْ يَكُونَ الحَدِيث لذَمِّهِنَّ، ولَكِنْ للتَّوْصِيَةِ بِهِنَّ، ويَبْدَأُ بشَرْحِ سَبَب هَذِهِ التَّوْصِيَة، فَيَصِفُ النِّسَاءَ بكَوْنِهِنَّ (خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ) أَي كَأَنَّهُنَّ مُعْوَجَّات كَاعْوِجَاجِ الضِّلَعِ، ويَتَمَثَّلُ هَذَا الاعْوِجَاجِ في غَلَبَةِ العَاطِفَة عِنْدَهُنَّ عَلَى العَقْلِ، وهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ هُوَ غَايَةُ كَمَالِهَا لتَسْتَقِيمَ في أَدَاءِ وَظِيفَتهَا مِنْ رِعَايَةِ الأَوْلاَد وتَرْبِيَتِهِمْ ورِعَايَةِ الزَّوْج الَّذِي يَتَمَيَّز بالقُوَّةِ والحَسْمِ والحَزْمِ اللاَّزِمِ ليَرْعَى رَعِيَّتَهُ ويَقُوم بالقَوَامَةِ والسَّعْي في الأَرْضِ طَلَبًا للرِّزْقِ، إِذَنْ فَكَلِمَة (خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ) هِيَ كِنَايَةٌ عَنِ اعْوِجَاجِهِنَّ كَاعْوِجَاجِ الضِّلَعِ، ولَيْسَ المَقْصُود أَنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ مَادَّةِ عَظْم الضِّلَع، وهَذَا المَعْنَى يُؤَكِّدُهُ الحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمُ في صَحِيحَيْهِمَا –واللَّفْظ للبُخَارِيّ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ [ المَرْأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وفِيهَا عِوَجٌ ]، قَالَ الشَّيْخُ القَارِي في شَرْحِ المِشْكَاة (3/460) [ أَيْ خُلِقْنَ خَلْقًا فِيهِ اعْوِجَاجٌ، فَكَأَنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنَ الأَضْلاَعِ، وهُوَ عَظْمٌ مُعْوَجٌّ، واسْتُعِيرَ للمُعْوَجِّ صُورَةً، أَوْ مَعْنًى، ونَظِيرُهُ في قَوْلِهِ تَعَالَى (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ)، قُلْتُ: وهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ وتَشْبِيهٌ لا حَقِيقَةً، وذَلِكَ لأَمْرَيْنِ: الأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثٌ في خَلْقِ حَوَّاء مِنْ ضِلَعِ آدَم كَمَا تَقَدَّمَ، والآخَر: أَنَّهُ جَاءَ الحَدِيث بصِيغَةِ التَّشْبِيهِ في رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بلَفْظِ (إِنَّ المَرْأَةَ كَالضِّلَعِ) ]، هَذَا، والوَاجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْقَهَ مَسْأَلَة أَنْ يَتَنَاوَلَهَا مِنْ كُلِّ جَوَانِبِهَا وكُلِّ أَدِلَّتِهَا، ليَقِفَ عَلَى فِقْهِهَا الحَقِيقِيّ ولا يَشِذّ، كَمَا قَالَ الشَّيْخُ مُصْطَفَى العَدَوِيّ حَفِظَهُ اللهُ في كِتَابِهِ مَفَاتِيحُ الفِقْهِ في الدِّينِ [ فَمِنْ هَذَا يَلْزَمُنَا إِذَا أَرَدْنَا البَحْثَ في مَسْأَلَةٍ، أَنْ نَجْمَعَ كُلّ النُّصُوصِ الوَارِدَةِ فِيهَا أَمْرًا ونَهْيًا، حَظْرًا وإِبَاحَةً، إِطْلاَقًا وتَقْيِيدًا، عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا، ونُوَفِّقَ بَيْنَ تِلْكَ النُّصُوصِ قَدْرَ اسْتِطَاعَتنَا، ثُمَّ نُنْشِئُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ الحُكْمَ الَّذِي يَحْتَوِي تِلْكَ الأَدِلَّة والنُّصُوص كُلّهَا ويَنْتَظِمهَا جَمِيعًا، فَحِينَئِذٍ نَخْرُجُ بإِذْنِ الله بفِقْهٍ مُتَّزِنٍ بَعِيدٍ –إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ- عَنِ الاسْتِدْرَاكِ والانْتِقَادِ والتَّعْقِيبِ، أَمَّا إِذَا عَمدْنَا في الحُكْمِ عَلَى مَسْألَةٍ إِلَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ، فَأَصْدَرْنَا مِنْ خِلاَلِهِ الحُكْم، أَوْ إِلَى عِدَّةِ أَحَادِيثَ عَلَى نَسَقٍ مُعَيَّنٍ ووَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَصْدَرْنَا بنَاءً عَلَيْهَا الحُكْمَ، وتَرَكْنَا أَحَادِيثَ في نَفْسِ البَابِ لَمْ نَتَنَاوَلْهَا بالتَّوْجِيهِ أَوِ الجَمْعِ بَيْنَهَا وبَيْنَ الأَحَادِيثِ الأُوَلِ، فَإِنَّنَا نَضْطَرِبُ ولاَبُدَّ، ونَشِذُّ ولا مَفَرَّ، ولا نَكَادُ نَعْلَم فِرْقَةً ضَلَّتْ مِنْ فِرَقِ المُسْلِمِينَ، ولا عَالِمًا شَذَّ في مَسْأَلَةٍ مِنَ المَسَائِلِ، ولا فَقِيهًا شَرَدَ في مَسْأَلَةٍ فِقْهِيَّةٍ، إِلاَّ للعَمَلِ ببَعْضِ الأَحَادِيث في الجَانِبِ الَّذِي شَذَّ فِيهِ وتَرَكَ البَعْضَ الآخَرَ، إِمَّا عَنْ قَصْدٍ كَفِرَقِ الضَّلاَلِ، وإِمَّا عَنْ غِيَابِ نَصٍّ كَالمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وإِمَّا لعَدَمِ اسْتِيعَابِ فِقْه النَّصّ كَكَثِيرٍ مِنْ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ،... ].

    ثُمَّ يَقُولُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (وإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ في الضِّلَعِ أَعْلاَهُ)، إِشَارَة إِلَى عَقْلِ المَرْأَة، وهُوَ الجُزْءُ المُعْوَجُّ فِيهَا، وتَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الاعْوِجَاجُ لكَوْنِهَا أَكْثَر تَحْكِيمًا لمَشَاعِرِهَا عَنْ عَقْلِهَا، وبالتَّالِي فَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُرَاعِيَ ذَلِكَ فِيهَا، ويُعَامِلهَا بِمَا هِيَ أَهْلٌ لَهُ، فَلاَ يُدَقِّق لَهَا عَلَى كُلِّ كَبِيرَةٍ وصَغِيرَةٍ، ولا يَحْمِلهَا عَلَى عَقْلِهِ وخِبْرَاتِهِ وتَجَارِبِهِ، ويَنْزِلُ لَهَا ليَرْفَعهَا إِلَيْهِ، ويَصْبِرُ عَلَيْهَا، وهَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر ] رَوَاهُ مُسْلِمُ، ومَعْنَى (لا يَفْرَكْ) أَي لا يَبْغِضهَا ولا يَكْرَههَا لخُلُقٍ فِيهَا لا يُرْضِيهِ، بَلْ إِنَّ الحَدِيثَ مَوْضُوعُ السُّؤَالِ بَوَّبَ عَلَيْهِ البُخَارِيُّ بقَوْلِهِ: بَابُ المُدَارَاةِ مَعَ النِّسَاءِ، أَي مُجَامَلَةُ النِّسَاءِ، فَالمُدَارِي (وهُوَ المُجَامِلُ أَيْضًا) لا يُضمِرُ الشَّرَّ لأَحَدٍ، ولا يَسْعَى في أَذِيَّةِ أَحَدٍ في ظَاهِرٍ ولا في بَاطِنٍ، ولَكِنَّهُ قَدْ يُظْهِرُ المَحَبَّةَ والمَوَدَّةَ والبِشْرَ وحُسْنَ المُعَامَلَةِ ليَتَأَلَّفَ قَلْبَ صَاحِب الخُلُق السَّيِّئ، أَوْ لِيَدْفَعَ أَذَاهُ عَنْهُ وعَنْ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، ولَكِنْ دُونَ أَنْ يُوَافِقَهُ عَلَى بَاطِلِهِ، أَوْ يُعَاوِنَهُ عَلَيْهِ بالقَوْلِ أَوْ بالفِعْلِ، ومِنْ هُنَا أَبَاحَ اللهُ للرَّجُلِ الكَذِبَ عَلَى الزَّوْجَةِ تَأْلِيفًا لقَلْبِهَا وكَسْبًا لوُدِّهَا وحِفَاظًا عَلَى مَشَاعِرَهَا إِذَا دَعَتِ الحَاجَةُ لذَلِكَ دُونَ تَضْيِيعٍ للحُقُوقِ أَوِ الوَاجِبَاتِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ لا يَحِلُّ الكَذِبُ إِلاَّ في ثَلاَثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، والكَذِبُ في الحَرْبِ، والكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ ] صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ في صَحِيحِ التِّرْمِذِيّ، وقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في شَرْحِ مُسْلِمِ [ وأَمَّا كَذِبُهُ لِزَوْجَتِهِ وكَذِبهَا لَهُ: فَالمُرَادُ بِهِ في إِظْهَارِ الوُدِّ، والوَعْدِ بِمَا لاَ يَلْزَم، ونَحْوِ ذَلِكَ؛ فَأَمَّا المُخَادَعَة في مَنْعِ مَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا, أَوْ أَخْذِ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا: فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ ]، إِذَنْ كَوْنُ البُخَارِيّ بَوَّبَ هَذَا الحَدِيثِ تَحْتَ بَابِ المُدَارَة، يَعْنِي أَنَّ المَقْصُودَ مِنَ الحَدِيثِ حَثُّ الرِّجَالِ عَلَى عَدَمِ مُتَابَعَة المَرْأَة في كُلِّ كَبِيرَةٍ وصَغِيرَةٍ، ومُحَاسَبَتِهَا حِسَابًا عَسِيرًا عَلَى كُلِّ خَطَأٍ أَوْ هَفْوَةٍ سَوَاء قَالَتْ أَوْ لَمْ تَقُلْ، فَعَلَتْ أَوْ لَمْ تَفْعَلْ، كَحَالِ بَعْض الرِّجَالِ مَعَ زَوْجَاتِهِمْ، فَيَتَمَنَّيْنَ أَنْ يَبْقَى الرَّجُل خَارِج البَيْت أَكْثَر مِمَّا يَبْقَى بدَاخِلِهِ كَي لا يَتَعَرَّضْنَ لِمَا يَتَعَرَّضْنَ لَهُ، بَلْ مِنْ رَجَاحَةِ عَقْل الرَّجُل أَنْ يَتَغَافَلَ عَنْ كُلِّ مَا لا ضَرَرَ مِنَ التَّغَافُلِ عَنْهُ حَتَّى لَوْ فَتَحَتْ لَهُ المَرْأَة المَوْضُوع، يُعَامِلهَا وكَأَنَّهُ لا يَعْلَم شَيْئًا، وهَذَا يَعْجِبُ المَرْأَة وتَجْعَلُهُ مِنَ الصِّفَاتِ الحَمِيدَةِ في الزَّوْجِ، بدَلِيلِ أَنَّهُ في حَدِيثِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وهِيَ تَحْكِي قِصَّة أُمّ زَرْع والنِّسْوَة الإِحْدَى عَشْرَةَ اللاَّتِي اجْتَمَعْنَ يَصِفْنَ لبَعْضِهِنَّ أَوْصَافَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَتِ المَرْأَةُ الخَامِسَةُ [ زَوْجِي إِذَا دَخِلَ فَهِد، وإِذَا خَرَجَ أَسِد، ولا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِد ]، ونَتْرُكُ الشَّرْح للشَّيْخِ الحِوَيْنِيّ حَفِظَهُ اللهُ:



    نَعُودُ مِنْ جَدِيدٍ إِلَى المُدَارَاةِ، قَالَ ابْنُ مُفْلِح الحَنْبَلِيّ رَحِمَهُ اللهُ [ وقِيلَ لابْنِ عَقِيْل في فُنُونِهِ: أَسْمَعُ وَصِيَّةَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ (ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، وأَسْمَعُ النَّاسَ يَعُدُّونَ مَنْ يُظْهِرَ خِلاَفَ مَا يُبْطِن مُنَافِقًا, فَكَيْفَ لِي بطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى والتَّخَلُّص مِنَ النِّفَاقِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَقِيْل: النِّفَاقُ هُوَ إِظْهَارُ الجَمِيلِ, وإِبْطَانُ القَبِيحِ, وإِضْمَارُ الشَّرِّ مَعَ إِظْهَارِ الخَيْرِ لإِيقَاعِ الشَّرّ, والَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الآيَة: إِظْهَارُ الحَسَنِ في مُقَابَلَةِ القَبِيحِ لاسْتِدْعَاءِ الحَسَنِ. فَخَرَجَ مِنْ هَذِهِ الجُمْلَة أَنَّ النِّفَاقَ إِبْطَانُ الشَّرِّ وإِظْهَارُ الخَيْرِ لإِيقَاعِ الشَّرّ المُضْمَر، ومَنْ أَظْهَرَ الجَمِيلَ والحَسَنَ في مُقَابَلَةِ القَبِيحِ ليَزُولَ الشَّرّ: فَلَيْسَ بمُنَافِقَ، لَكِنَّهُ يَسْتَصْلِح، أَلاَ تَسْمَع إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، فَهَذَا اكْتِسَابُ اسْتِمَالَةٍ, ودَفْعُ عَدَاوَةٍ, وإِطْفَاءٌ لنِيرَانِ الحَقَائِد, واسْتِنْمَاءُ الوُدِّ، وإِصْلاَحُ العَقَائِد, فَهَذَا طِبُّ المَوَدَّات، واكْتِسَابُ الرِّجَال ] الآدَابُ الشَّرْعِيَّةِ (1/50، 51)، ولِذَلِكَ كَانَتِ المُدَارَاة مِنَ الأَخْلاَقِ الحَسَنَةِ الفَاضِلَةِ، وذَكَرَ العُلَمَاءُ فِيهَا مِنَ الآثَارِ والأَقْوَالِ الشَّيْء الكَثِير، قَالَ ابْنُ بَطَّال رَحِمَهُ اللهُ [ المُدَارَاةُ مِنْ أَخْلاَقِ المُؤْمِنِينَ، وهِيَ خَفْضُ الجَنَاحِ للنَّاسِ، ولِينُ الكَلِمَةِ، وتَرْكُ الإِغْلاَظِ لَهُمْ في القَوْلِ، وذَلِكَ مِنْ أَقْوَى أَسْبَاب الأُلْفَة ] فَتْحُ البَارِي (10/528)، ولمَزِيدٍ مِنَ التَّفْصِيلِ تُرَاجَعُ الفَتْوَى التَّالِيَةِ (بين النفاق والمداراة)، ومِنَ المَعْلُومِ أَنَّ الخَالِقَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ زَوَّدَ كُلاًّ مِنَ الرَّجُلِ والمَرْأَةِ بخَصَائِصَ تَتَنَاسَبُ والمُهِمَّة الَّتِي يَقُوم بِهَا كُلّ مِنْهُمَا، فَالمَرْأَةُ هِيَ الحَاضِنَةُ والمُرَبِّيَةُ والحَامِلَةُ والمُرْضِعَةُ، وهَذِهِ المُهِمَّةُ بحَاجَةٍ إِلَى عَوَاطِفَ جَيَّاشَةٍ ومَشَاعِرَ مُرْهَفَةٍ حَتَّى تَسْتَطِيعَ أَنْ تُؤَدِّيَ مُهِمَّتهَا عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ، وغَلَبَة هَذِهِ العَاطِفَة مَعَ مَا يَتَكَرَّر مَعَهَا مِنَ المَحِيضِ والوِلاَدَةِ يُوَلِّدُ لَدَيْهَا بَعْضَ الضَّعْف مِنَ الانْفِعَالِ النَّفْسِيّ والشُّعُورِ بالضِّيقِ، فَيَضْعُفُ تَحَمُّلُهَا، فَتَحْتَاجُ إِلَى مُرَاعَاةٍ مِنَ الرَّجُلِ أَكْثَر مِنْ أُمِّهَا وأَبِيهَا، فَأَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في هَذَا الحَدِيثِ إِلَى طَبِيعَةِ المَرْأَة، وأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى مُرَاعَاةٍ ومُدَارَاةٍ وتَرْكِ التَّقَصِّي عَلَيْهَا، فَلاَ تُعَامَل بالشِّدَّةِ والمُحَاسَبَةِ الدَّقِيقَةِ عَلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ يَصْدُرُ مِنْهَا وخَاصَّةً في أَوْقَاتِ ضِيقِهَا، ولنا في رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فَقَدْ كَانَ يَتَلَمَّسُ أَوْقَات احْتِيَاج أُمّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا لَهُ، ويُبَادِرُ بمُرَاعَاتِهَا فِيهَا، كَحَالِهَا وَقْتَ الحَيْضِ مَثَلاً، كَمَا في الحَدِيثِ الشَّهِيرِ [ كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ، فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ العَرْقَ، وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ ] رَوَاهُ مُسْلِمُ. الحَاصِلُ أَنَّ الحَدِيثَ فِيهِ تَوْصِيَة أَلاَّ يُعَامِلَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ بعَقْلِهِ وخِبْرَاتِهِ، بَلْ يُلِينُ لَهَا القَوْل، ويُخْفِضُ لَهَا الجَنَاح، ويَتَبَاسَطُ مَعَهَا، ويَتَغَافَلُ عَمَّا لا يَضُرّ مِنْ أَفْعَالِهَا وخُلُقِهَا، ويَصْبِر عَلَى مَا يَكْرَههُ مِنْهَا بالَّذِي يُرْضِيه فِيهَا، وكُلّ هَذِهِ المَعَانِي قَالَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا صَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ الجَامِعِ [ إِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وإِنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَةَ الضِّلَعِ تَكْسِرْهَا، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا ].

    أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ]، فَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ حَاوَلَ أَنْ يُخْرِجَ المَرْأَةَ عَنْ طَبِيعَتِهَا المُعْوَجَّة، ويَجْعَلَهَا كَضِلَعٍ مُسْتَقِيمٍ، فَسَوْفَ يُخْرِجهَا عَنْ طَبْعهَا الَّذِي فِيهِ صَلاَحهَا، فَمَثَلاً يَرْفُض مِنْهَا الغَيْرة الحَمِيدَة، ويَقْبَل مِنْهَا الخُرُوج للعَمَلِ كَالرِّجَالِ، ويُعَامِلهَا كَمَا يُعَامِل الرِّجَال، ولا يُلْقِ بَالاً لمَشَاعِرَهَا وأَحَاسِيسَهَا، ويُكَلِّفهَا بِمَا لا تَتَحَمَّل ولَيْسَ مِنْ طَبْعِهَا، ومَا شَابَهَ مِنْ أُمُورٍ تُخَالِفُ طَبِيعَة المَرْأَة الَّتِي فَطَرَهَا اللهُ عَلَيْهَا ليَنْصَلِحَ بِهَا البَيْت، فَهُوَ بذَلِكَ وكَأَنَّهُ يَكْسِر الجُزْءَ المُعْوَجَّ فِيهَا كَمَا يَنْكَسِر أَعْلَى الضِّلَعِ المُعْوَجِّ إِذَا حَاوَلَ إِقَامَته بالقُوَّةِ، والكَسْرُ هُنَا أَيْضًا مَجَازِيّ، فَلَيْسَ المَعْنَى أَنَّهُ سَيُمْسِكهَا ويَكْسِرهَا إِلَى نِصْفَيْن، بَلِ المَعْنَى أَنَّهَا سَتَتَغَيَّر عَنْ طَبِيعَتِهَا، فَتُصْبِح كَائِنًا غَرِيبًا، لا هِيَ رَجُل ولا هِيَ امْرَأَة، فَتَنْشَب الصِّرَاعَات والخِلاَفَات دَاخِل البَيْت، فَتَتَحَوَّل الحَيَاة إِلَى جَحِيمٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ المُفْتَرَض أَنْ تَكُونَ سَكَنًا وطُمَأْنِينَةً، فَيَنْتَهِي الأَمْر بالطَّلاَقِ، وهَذَا هُوَ مَعْنَى الكَسْر في الحَدِيثِ، والَّذِي جَاءَ في رِوَايَةٍ أُخْرَى للحَدِيثِ بقَوْلِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ إِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وبِهَا عِوَجٌ، وإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وكَسْرُهَا طَلاَقُهَا ] رَوَاهُ مُسْلِمُ، لِذَا يَسْتَوْصِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الرِّجَالَ بالنِّسَاءِ خَيْرًا في نِهَايَةِ الحَدِيثِ كَمَا بَدَأَهُ، حَتَّى يَحُثّ الرَّجُل عَلَى الصَّبْرِ عَلَى المَرْأَةِ وعَدَم طَلاَقِهَا إِلاَّ فِيمَا لا يَنْفَعُ فِيهِ غَيْر الطَّلاَق فِعْلاً، لأَنَّ الطَّلاَقَ بالنِّسْبَةِ للمَرْأَةِ كَسْرٌ لَهَا مَهْمَا كَانَتْ قَوِيَّة ومَهْمَا بَلَغَتْ مِنَ المَنْصِبِ والحَسَبِ والمَالِ والجَمَالِ، فَهُوَ كَسْرٌ وأَذًى لَهَا، فَمِنَ الوَصِيَّةِ بِهَا عَدَمُ إِيصَالِهَا لهَذِهِ المَرْحَلَة إِلاَّ فِيمَا لا يَنْفَعُ فِيهِ غَيْر الطَّلاَق.

    أَخِيرًا: مِمَّا تَقَدَّمَ يُعْلَم أَنَّ الحَدِيثَ في صَالِحِ المَرْأَة ولَيْسَ ضِدَّهَا، وهُوَ لتَكْرِيمِهَا ولَيْسَ للإِسَاءَةِ إِلَيْهَا، ولتَشْجِيعِ الرِّجَال عَلَى حُسْنِ مُعَامَلَةِ النِّسَاء بِمَا يُنَاسِبهنَّ بأَكْمَل مَا فِيهِنَّ، ولَيْسَ أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في بِدَايَةِ ونِهَايَةِ الحَدِيثِ (واسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ خَيْرًا)، والأَدِلَّةُ بمَجْمُوعِهَا تُثْبِتُ أَنَّ الحَدِيثَ بالمَجَازِ فَقَطْ، وأَنَّ مَنْ ذَهَبُوا لكَوْنِ حَوَّاء مَخْلُوقَة مِنْ ضِلَعِ آدَم لَيْسَ لَدَيْهم إِلاَّ أَدِلَّة وَاهِيَة، إِمَّا أَحَادِيث ضَعِيفَة أَوْ مَكْذُوبَة، وإِمَّا إِسْرَائِيلِيَّات، وتَأْوِيلاَت مُجَانِبَة للصَّوَابِ مُخَالِفَ للأَدِلَّةِ المُتَوَافِرَةِ سَابِقَة الذِّكْر، وعَلَيْهِ؛ يُفْهَمُ الآن الحَدِيث عَلَى مُرَادِ اللهِ ورَسُولِهِ.







    وهَذَا مَا أَعْلَمُ؛ واللهُ تَعَالَى أَعْلَى وأَعْلَمُ
    إِنْ أَخْطَأْتُ فَمِنْ نَفْسِي، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ، وإِنْ أَصَبْتُ فَمِنْ عِنْدِ اللهِ، والحَمْدُ للهِ
    والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
    التعديل الأخير تم بواسطة فريق استشارات سرك فى بير(الأخوات); الساعة 10-10-2012, 09:26 PM.

    زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
    كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
    في
    :

    جباال من الحسنات في انتظارك





    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x
    إدراج: مصغرة صغير متوسط كبير الحجم الكامل إزالة  
    x
    أو نوع الملف مسموح به: jpg, jpeg, png, gif
    x
    x
    يعمل...
    X