إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيف افرح بالتوبة و كيف اتوجع من الذنب ؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف افرح بالتوبة و كيف اتوجع من الذنب ؟

    كيف افرح بالتوبة و كيف اتوجع من الذنب ؟
    الشيخ يعقوب بيقول علامة قبول التوبة الفرح بالتوبة

    في حديث الثلاثة الذي كان فيهم من قام عنها و هي احب الناس اليه
    هل كان يحب المعصية و لكنه آثر تقوى الله فقبل الله توبته
    فاين توجع الرجل من الذنب ؟
    هل التوجع لانه يترك الذنب و هو يحبه فيشعر بتعب من ذلك
    ام التوجع لانه عصى الله و ما قدره حق قدره ؟

    و اين فرحة الرجل بالتوبة ؟!!!!!!!!

    معلشي لي طلب ضروري اريد مثال عن رجل تاب من الذنب مستوفي شروط التوبة و يوضح فيه الشروط اثناء الشرح
    مثال واحد بس بتحليله
    و لو عندكم شرائط فيها طلبي ايضا
    و جزاكم الله خيرا

  • #2
    رد: كيف افرح بالتوبة و كيف اتوجع من الذنب ؟

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    الأَخُ السَّائِلُ - الأُخْتُ السَّائِلَةُ
    السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
    أمَّا بَعْدُ؛
    فَالحَمْدُ للهِ؛
    الفَرَحُ بالتَّوْبَةِ والتَّوَجُّعُ مِنَ الذَّنْبِ يَكُونُ بمَعْرِفَةِ واسْتِشْعَارِ قُبْح الذَّنْب، ومَعْرِفَةِ فَضْل وقَدْر التَّوْبَة عِنْدَ اللهِ، فَإِذَا اسْتَشْعَرَ العَبْدُ قُبْحَ الذَّنْبِ الَّذِي فَعَلَهُ، وعَرفَ أَنَّ تَوْبَتَهُ لَهَا فَضْلٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ وقَدْرٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ، فَسَيَفْرَحُ بالخَيْرِ ويَحْزَنُ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ شَرٍّ، وهَذَا فَقَطْ يَحْدُثُ لِمَنْ كَانَتْ فِطْرَتُهُ سَلِيمَة لَمْ تَفْسَدْ بَعْدُ.

    وقَبْلَ أَنْ نَضْرِبَ المِثَال عَلَى ذَلِكَ نَشْرَحُ التَّوْبَة، فَالتَّوْبَةُ بشُرُوطِهَا الثَّلاَثَة هِيَ الَّتِي تُحَقِّقُ الفَرَح بالخَيْرِ والحُزْن عَلَى الشَّرِّ:
    للتَّوْبَةِ شُرُوطٌ، ثُمَّ مُتَمِّمَات، أَمَّا الشُّرُوطُ فَهِيَ (إِيقَافُ الذَّنْبِ – النَّدَمُ عَلَيْهِ – العَزْمُ عَلَى عَدَمِ العَوْدَةِ إِلَيْهِ)، وأَضَافَ بَعْضُ العُلَمَاءِ شَرْطًا رَابِعًا وهُوَ رَدُّ الحُقُوقِ والمَظَالِمِ إِلَى أَصْحَابِهَا إِذَا كَانَتْ في حَقِّ بَشَرٍ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ في حَقِّ اللهِ فَيَكْفِيهَا التَّوْبَةُ، فَإِنْ تَابَ العَبْدُ بهَذِهِ الطَّرِيقَةِ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ وغَفَرَ لَهُ ذَنْبَهُ، وبَدَّلَهُ إِلَى حَسَنَاتٍ، قَالَ تَعَالَى [ إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا 70 وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا 71 ]، ويَجِبُ أَنْ نَتَوَقَّفَ عِنْدَ قَوْلِهِ [ فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ]، لأَنَّ في ذَلِكَ تَوْضِيحٌ لفَضْلِ اللهِ العَظِيمِ، قَالَ العُلَمَاءُ أَنَّ التَّبْدِيلَ هُنَا نَوْعَانِ:
    الأَوَّلُ: تَبْدِيلُ الصِّفَاتِ السَّيِّئَةِ في الشَّخْصِ بأُخْرَى حَسَنَة، كَإِبْدَالِهِم الاخْتِلاَط والزِّنَا بالعِفَّةِ والإِحْصَان، والكَذِب بالصِّدْقِ، والخِيَانَة بالأَمَانَة، وهَكَذَا.
    الثَّانِي: تَبْدِيلُ السَّيِّئَات الَّتِي عَملَهَا بحَسَنَاتٍ يَوْمَ القِيَامَة، وقَالَ تَعَالَى [ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ]، ولَمْ يَقُلْ مَكَان كُلّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَقَدْ يَكُون أَقَلّ أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ أَكْثَر في العَدَدِ أَوِ الكَيْفِيَّةِ، وذَلِكَ بحَسْبِ صِدْقِ التَّائِبِ وكَمَالِ تَوْبَته، فَهَلْ نَرَى فَضْلاً أَعْظَم مِنْ هَذَا الفَضْلِ؟ ولْنَنْظُر إِلَى شَرْحِ هَذَا الكَرَمِ الإِلَهِيِّ في الحَدِيثِ التَّالِي: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْر؛ عَنْ أَبِي طَوِيلٍ شَطَبٍ المَمْدُودِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى: جَاءَ شَيْخٌ هِرَمٌ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وهُوَ يَدَّعَّمُ عَلَى عَصًا حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) فَقَالَ [ أَرَأَيْتَ رَجُلاً عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلّهَا فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً ولا دَاجةً (أَيْ صَغِيرَة ولا كَبِيرَة) إِلاَّ أَتَاهَا، (وفي رِوَايَةٍ: إِلاَّ اقْتَطَعَهَا بيَمِينِهِ، لَوْ قُسِّمَتْ خَطِيئَتُهُ بَيْنَ أَهْلِ الأَرْضِ لأَوْبَقَتْهُمْ -أَي أَهْلَكَتْهُمْ-)، فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وأَنَّكَ رَسُولُهُ، قَالَ: تَفْعَلُ الخَيْرَات وتَتْرُكُ السَّيِّئَات، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيْرَات كُلّهنَّ، قَالَ: وغَدَرَاتِي وفَجَرَاتِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِرُ حَتَّى تَوَارَى ]، وعَنْ عُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ أَي رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا في الجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتَِاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ ]، فَهَذِهِ الذُّنُوبُ تُغْفَرُ، وهَذِهِ السَّيِّئَاتُ تُبَدَّلُ إِلَى حَسَنَاتٍ، وهَذِهِ الحَسَنَاتُ أَيَّام الجَهْلِ والغَفْلَةِ تُثْبَتُ لصَاحِبِهَا بَعْدَ التَّوْبَة، فَأَيُّ خَيْرٍ هَذَا وفَضْلٍ وكَرَمٍ ورَحْمَةٍ يَا الله! سُبْحَانَكَ مَا قَدَرْنَاكَ حَقَّ قَدْركَ!

    أَمَّا مُتَمِّمَاتُ التَّوْبَةِ فَهِيَ كَمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى [ إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ فَالمُتَمِّمَاتُ هِيَ الإِيمَانُ والعَمَلُ الصَّالِحُ، أَمَّا الإِيمَانُ فَيُقْصَدُ بِهِ العَوْدَةُ إِلَى حَظِيرَةِ الإِيمَانِ مِنْ جَدِيدٍ، ذَلِكَ لأَنَّ الإِنْسَانَ عِنْدَ وُقُوعِهِ في المَعْصِيَةِ يَكُونُ الإِيمَانُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ، لقَوْلِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وهُوَ مُؤْمِنٌ، والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ ]، وخُرُوجُ الإِيمَان يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا في الأَسَاسِ، ولَوْلاَ ذَلِكَ لمَنَعَهُ إِيمَانُهُ القَوِيُّ مِنِ ارْتِكَابِ المَعْصِيَةِ، لِذَا فَإِنَّ بَعْدَ التَّوْبَةِ لاَبُدَّ مِنَ العَوْدَةِ إِلَى الإِيمَانِ مِنْ جَدِيدٍ للحِفَاظِ عَلَى التَّوْبَةِ وحِمَايَتهَا، وذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ زِيَادَةِ الإِيمَانِ بالإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ والنَّوَافِلَ والاسْتِغْفَارِ، وزِيَادَةِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ والتَّفَقُّهِ في الدِّينِ، فَمَعْرُوفٌ أَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ ويَنْقُصُ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ نَقَصَ، وهَذِهِ الأُمُورُ كُلّهَا أُمُورٌ قَلْبِيَّةٌ، لاَبُدَّ لَهَا مِنْ إِثْبَاتٍ عَمَلِيٍّ، فَالإِيمَانُ قَوْلٌ يُصَدِّقُهُ عَمَلٌ، لِذَا بَعْدَ العَوْدَةِ للإِيمَانِ بهَذِهِ الطُّرُقِ جَاءَ التَّوْجِيهُ الإِلَهِيُّ بضَرُورَةِ العَمَلِ الصَّالِحِ، الَّذِي نَسْتَخْدِمُ ونَسْتَثْمِرُ فِيهِ مَا فَعَلْنَاه لزِيَادَةِ الإِيمَانِ، فَمِنْ نَاحِيَةٍ نُثْبِتُ للهِ بِهِ صِدْقَ التَّوْبَةِ والثَّبَاتَ عَلَى الحَقِّ، ومِنْ نَاحِيَةٍ نَنْشَغِلُ بعَمَلٍ طَيِّبٍ عَنْ مَعْصِيَةٍ حَرَامٍ، ومِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَنْ نُحَارِبَ نَفْسَ الذَّنْب الَّذِي كُنَّا نَقَعُ فِيهِ، ونُحَذِّرُ النَّاسَ مِنْهُ، ونَتَفَقَّهُ في أَحْكَامِهِ ونُعَلِّمُهَا للنَّاسِ، وبهَذَا نُحَوِّلُ الخسَارَة الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا يَوْمَ المَعْصِيَةِ إِلَى مَكْسَبٍ بَعْدَ التَّوْبَةِ، فَنَدْخُلُ في مَنْطِقَةِ المَتَاب الَّتِي أَعَادَ اللهُ التَّوْجِيه إِلَيْهَا والتَّنْبِيه عَلَيْهَا بقَوْلِهِ [ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ]، فَالمَتَابُ هُوَ حَالَةٌ مِنَ التَّوْبِة المُسْتَمِرَّةِ بشُرُوطِهَا ومُتَمِّمَاتِهَا، إِذَا حَافَظَ عَلَيْهَا الإِنْسَانُ صَدَقَتْ تَوْبَتُهُ فِعْلاً، وقُبِلَتْ مِنْهُ، ولَمْ يَعُدْ لنَفْسِ الذَّنْبِ ثَانِيَةً، وسَاعَدَتْهُ في عَدَمِ الوُقُوعِ في غَيْرِهِ مِنَ الذُّنُوبِ.

    نَعُودُ ونَقُولُ أَنَّ هَذَا كُلّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّوْبَةِ بشُرُوطِهَا ومُتَمِّمَاتِهَا، ولَكِنْ مَعَ الأَسَفِ هُنَاكَ كَثِيرُونَ لا يَنْجَحُونَ في التَّوْبَةِ، ويَعُودُونَ لنَفْسِ الذَّنْبِ مَرَّة بَعْدَ أُخْرَى، لأَنَّهُم مَا عَرفُوا إِجَابَة سُؤَال: كَيْفَ أَتَوَجَّعُ مِنَ الذَّنْبِ؟ قُلْنَا أَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ إِيقَافُ الذَّنْبِ، والنَّدَمُ عَلَيْهِ، والعَزْمُ عَلَى عَدَمِ العَوْدَةِ إِلَيْهِ، ولْنَبْدَأُ مِنَ النِّهَايَةِ:
    العَزْمُ عَلَى عَدَمِ العَوْدَةِ، هَلْ يَكُون هَذَا العَزْمُ مَعَ حُبِّ الذَّنْبِ والرَّغْبَة في فِعْلِهِ ثَانِيَةً؟
    الإِجَابَةُ: بالقَطْعِ لا.
    إِذَنْ كَي نُحَقِّق هَذَا العَزْم لاَبُدَّ أَنْ نُحَقِّقَ النَّدَم أَوَّلاً، ولَكِنْ هَلْ يَسْتَقِيمَ النَّدَم مَعَ فِعْلِ الذَّنْبِ والاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ؟
    الإِجَابَةُ: بالقَطْعِ لا.
    إِذَنْ كَي نُحَقِّق النَّدَم يَجِب أَنْ يَكُونَ الذَّنْبُ قَدْ تَوَقَّفَ تَمَامًا، ولَكِنْ كَيْفَ يَتَوَقَّفُ الذَّنْبُ والنَّفْسُ تَهْوَاهُ وتَمِيلُ إِلَيْهِ وتَطْلُبُهُ؟ كَيْفَ يَتَوَقَّفُ الذَّنْبُ وللمَعْصِيَةِ لَذَّة تَجْذِبُ صَاحِبهَا إِلَيْهَا كَمَا تَجْذِبُ النَّارُ البَعُوضَ؟ إِذَنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَائِلٌ يَفْصِلُ ويَحُولُ بَيْنَ هَوَى النَّفس واتِّبَاعهَا للَذَّةِ المَعْصِيَة وبَيْنَ الإِقْدَام عَلَى فِعْلِهَا، وهُنَا تَأْتِي إِجَابَة سُؤَال التَّوَجُّع مِنَ الذَّنْبِ، وهُوَ مَعْرِفَةُ قُبْحِ هَذَا الذَّنْب، وكَرَاهَتُهُ كَرَاهَة المَوْت، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ الله ورَسُولهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْء لا يُحِبّهُ إِلاَّ للهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كَمَا يَكْرَه أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ]، بَلْ دُونَ مُبَالَغَةٍ يَجِبُ أَنْ نَكْفُرَ بالذَّنْبِ أَوَّلاً كُفْرًا صَحِيحًا صَرِيحًا حَقِيقِيًّا حَتَّى نَتَمَكَّن مِنْ إِيقَافِهِ، فَإِنْ كَفَرْنَا بِهِ نَجَحْنَا في السَّيْطَرَةِ عَلَى النَّفْسِ وهَوَاهَا وإِيقَافِهِ، وإِنْ كَفَرْنَا بِهِ وأَوْقَفْنَاهُ تَحَقَّقَ لَنَا النَّدَمُ عَلَيْهِ، وإِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ سَهُلَ عَلَيْنَا العَزْم عَلَى عَدَمِ العَوْدَةِ ثَانِيَةً، وسَهُلَ أَيْضًا الرُّجُوع لحَظِيرَةِ الإِيمَان والعَمَل الصَّالِح والمَتَاب، ووَقْتُهَا فَقَطْ يَسْتَشْعِر العَبْد لَذَّة التَّوْبَة، فَيَعْرِف أَنَّهَا قَدْ قُبِلَتْ، فَمِنْ عَلاَمَاتِ قَبُولِ التَّوْبَة أَنْ يَهْدِيَكَ اللهُ إِلَى التَّوْبَةِ والتَّفْكِير فِيهَا، ثُمَّ تَتُوب فِعْلاً، وهَذَا هُوَ أَحَدُ المَعَانِي في اسْمِ اللهِ التَّوَّاب، أَنَّهُ يَتُوب عَلَيْكَ لتَتُوب ثُمَّ يَقْبَل تَوْبَتكَ، وذَلِكَ كُلّ مَرَّة، ومَعَ كُلِّ النَّاسِ، لذَلِكَ هُوَ تَوَّابٌ، قَالَ تَعَالَى [ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ]، فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ تَسْتَشْعِر لَذَّة التَّوْبَة الَّتِي هِيَ عِبَارَة عَنِ اسْتِقْبَاحِكَ للذَّنْبِ وكُفْرِكَ بِهِ، فَتَشْعُر أَنَّكَ نَجَوْتَ مِنَ الهَلاَكِ وأَرْضَيْتَ الله، فَحِينَئِذٍ تَفْرَح بتَوْبَتِكَ وجَزَاءِكَ عِنْدَ اللهِ.

    ومِمَّا يُسَاعِدُ عَلَى اسْتِشْعَارِ جَمَال التَّوْبَة، مَعْرِفَة فَضْلهَا عَلَى العَبْدِ وقَدْرهَا عِنْدَ اللهِ كَمَا تَقَدَّمَ، ومِنْ ذَلِكَ:
    1. قَوْلُ اللهِ تَعَالَى [ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ].
    2. قَوْلُ اللهِ تَعَالَى [ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 53 وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ 54 وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ 55 أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ 56 أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 57 أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ 58 بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ 59 وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ 60 وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 61 ].
    3. قَوْلُ اللهِ تَعَالَى [ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً 17 وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 18 ].
    4. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُبَلِّغًا عَنْ رَبِّ العِزَّةِ في الحَدِيثِ القُدُسِيِّ [ قَالَ اللهُ تَعَالَى: مَنْ عَلِمَ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ غَفَرْتُ لَهُ ولا أُبَالِي، مَا لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا ].
    5. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُبَلِّغًا عَنْ رَبِّ العِزَّةِ في الحَدِيثِ القُدُسِيِّ [ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ؛ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ ولا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ؛ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ولا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ؛ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِك بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ].
    6. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُبَلِّغًا عَنْ رَبِّ العِزَّةِ في الحَدِيثِ القُدُسِيِّ [ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي، وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاَةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ ].
    والكَثِيرُ مِنَ الأَدِلَّةِ الَّتِي لا يَتَّسِعُ المَجَالَ لذِكْرِهَا تَفْصِيلِيًّا.

    زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
    كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
    في
    :

    جباال من الحسنات في انتظارك





    تعليق


    • #3
      رد: كيف افرح بالتوبة و كيف اتوجع من الذنب ؟

      والآن نَأْتِي للمِثَالِ الحَيِّ لتَطْبِيقِ كُلّ مَا سَبَقَ، مَعَ شَيْءٍ مِنْ تَحْلِيلِهِ:
      رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمُ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ [ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلُكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَم أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِئَة، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَم أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهِ فَاعْبُد اللهَ مَعَهُمْ، ولا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصفَ الطَّرِيق أَتَاهُ المَوْتُ، فَاخْتَصَمَت فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلاَئِكَةُ العَذَابِ، فَقَالَت مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وقَالَت مَلاَئِكَةُ العَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطّ، فَأَتَاهُم مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أيَّتهُمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ المَوْتُ نَأَى بصَدْرِهِ ].

      1- (كَانَ فِيمَنْ قَبْلكُم): هَذِهِ كَلِمَةٌ تُقَالُ لبِدَايَةِ حِكَايَةٍ، ولَكِنْ: لِمَاذَا يَحْكِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَنَا حِكَايَةَ رَجُلٍ قَاتِلٍ؟ لاَبُدَّ وأَنَّ فِيهَا عِبْرَة وفَائِدَة لَنَا، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لا يَقُولُ إِلاَّ مَا فِيهِ الخَيْر لَنَا لقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، ويُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ].

      2- (رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا... ثُمَّ كَمَّلَ المِئَة): لِمَاذَا ضَرَبَ اللهُ لَنَا المِثَالَ بالقَتْلِ؟ وبعَدَدٍ كَبِيرٍ كَهَذَا؟ أَوَّلاً: لأَنَّ القَتْلَ مِنْ كَبَائِرَ الذُّنُوبِ، وثَانِيًا: لأَنَّ العَدَدَ الكَبِيرَ يَدُلُّ عَلَى سُوءِ نَفْسِ هَذَا الرَّجُل وشِدَّة مَعْصِيَتِه وتكْرَارِهِ لَهَا كَثِيرًا، فَهُوَ لَمْ يَفْعَل الذَّنْب مَرَّة أَوْ بِضْعِ مَرَّاتٍ قَلاَئِل، لا، هُوَ مُسْتَدِيمٌ عَلَى الذَّنْبِ، وبالتَّالِي يُرِيدُ اللهَ أَنْ يُخْبِرَنَا مِنْ هَذِهِ القِصَّةِ أَنَّهُ مَهْمَا كَانَت ذُنُوبنَا، حَتَّى لَوْ كَانَت مِنَ الكَبَائِرِ، ومَهْمَا بَلَغَ عَدَدُهَا، ومَهْمَا كَانَ إِصْرَارُنَا عَلَيْهَا، فَإِنَّ بَابَ التَّوْبَةِ لَنْ يُغْلَقَ في وَجْهِنَا مَا دُمْنَا أَحْيَاء، وقَتْلُ الرَّاهِبِ هُنَا يُعَبِّرُ عَنْ تَوَجُّعِ القَاتِل بذُنُوبِهِ، فَهُوَ لَمْ يَعُدْ يُطِيقُهَا، ويُرِيدُ الخَلاَصَ مِنْهَا، فَلَمَّا أَغْلَقَ الرَّاهِبُ البَابَ أَمَامَ تَوْبَتِهِ، قَتَلَهُ، لا حُبًّا في القَتْلِ هَذِهِ المَرَّة، ولَكِنْ حُزْنًا وغَيْظًا عَلَى ضَيَاعِ التَّوْبَة مِنْهُ، ولاَشَكَّ أَنَّهُ أَسَاءَ التَّصَرُّف، إِلاَّ أَنَّ مَعْنَى الحُزْن عَلَى المَعْصِيَةِ لا يَجِبُ أَنْ يُهْمَلَ في ذَلِكَ.

      3- (فَسَألَ...؛ ثُمَّ سَألَ): دَلاَلَةٌ عَلَى رَغْبَةِ القَاتِل في التَّوْبَةِ، فَيَسْأَل ويَسْأَل ولا يَمَلّ حَتَّى يَجِد مَا يُرِيد، وهُنَا لاَبُدَّ مِنْ وَقْفَةٍ هَامَّةٍ، مَا مَعْنَى أَنَّهُ يُرِيدُ التَّوْبَة؟ مَعْنَاهَا أَنَّهَا عَلاَمَةٌ مِنْ عَلاَمَاتِ قُبُولِ تَوْبَته، يُبَشِّرُهُ اللهُ بِهَا، ويُسَاعِدُهُ بِهَا عَلَى التَّوْبَةِ، ولَكِنْ كَيْفَ عَرفْنَا أَنَّهَا عَلاَمَة عَلَى قُبُولِ التَّوْبَة والتَّوْبَةُ نَفْسهَا لَمْ تُنَفَّذْ بَعْدُ؟ الإِجَابَةُ بَسِيطَةٌ: مَنِ الَّذِي هَدَاهُ لفِكْرَةِ التَّوْبَة وجَعَلَهُ يَبْحَث عَمَّنْ يُسَاعِدهُ، بَلْ مَنِ الَّذِي قَذَفَ في رَأَسِهِ فِكْرَة اخْتِيَار أَعْلَم النَّاس ولَيْسَ أَيّ فَرْدٍ ليَسْأَلهُ؟ مَنِ الَّذِي جَعَلَهُ لا يَيْأَس مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ والبَحْثِ؟ بَلْ مَنِ الَّذِي جَعَلَهُ لَمْ يَقْتَنِع بإِجَابَةِ الرَّاهِب وأَخَذَ يَسْأَل مِنْ بَعْدِهِ؟ الإِجَابَةُ: اللهُ، إِذَنْ هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَدُلَّهُ اللهُ عَلَى طَرِيقِ التَّوْبَة ثُمَّ لا يَقْبَلهَا مِنْهُ؟ الإِجَابَةُ: لا طَبْعًا، ألَيْسَ الله القَائِل في الحَدِيثِ القُدُسِيِّ [ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ ]؟ إِذَنْ مَعْنَى أَنَّ اللهَ دَلَّهُ عَلَى فِكْرَةِ التَّوْبَة، وجَعَلَهُ يَمْشِي في طَرِيقِهَا، فَهَذِهِ عَلاَمَةٌ وبِشَارَةٌ مِنَ اللهِ للعَبْدِ تَقُولُ لَهُ (لَوْ تُبْتَ لَقَبِلْتُ تَوْبَتَكَ)، لأَنَّهُ قَدْ يَمْشِي في طَرِيقِ التَّوْبَة ثُمَّ لا يَتُوب، أَوْ يَتُوب بطَرِيقَةٍ خَاطِئَةٍ، وحِينَئِذٍ لا نَقُولُ أَنَّ اللهَ لَمْ يُرِدْ لَهُ التَّوْبَة وأَنَّهُ لَوْ تَابَ لَمَا قَبِلَهَا الله، بَلْ نَقُولُ هُوَ مَنْ لَمْ يُرِدْ لنَفْسِهِ التَّوْبَة، أَمَّا الله فَقَدْ دَلَّهُ عَلَيْهَا وعَلَى طَرِيقِهَا، ولَوْ تَابَ لقَبِلَ تَوْبَتَهُ، فَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاَةِ ]، فَالعَيْبُ في هَذِهِ الحَالَة يَكُونُ في العَبْدِ الَّذِي لا يُرِيدُ التَّوْبَة، الَّذِي يُحِبُّ المَعْصِيَة ويُحِبُّ البَقَاءَ عَلَيْهَا، وكُلَّمَا نَوَى مُفَارَقَتهَا وَجَدَ نَفْسهُ تَشْتَاقُ إلَيْهَا، فَقَارَنَ بَيْنَ لَذَّة التَّوْبَة ولَذَّة المَعْصِيَة، فَاخْتَارَ لَذَّة المَعْصِيَة ورَجَعَ إِلَيْهَا، فَيَصْدُقُ فِيهِ قَوْل اللهِ تَعَالَى [ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ]، وقَوْله تَعَالَى [ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ].

      4- (فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لا): هذا هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ العَالِمِ والعَابِدِ، فَهَذَا الرَّجُلُ رَغْمَ أنَّهُ رَاهِب، إِلاَّ أنَّهُ لَمْ يَعْرِف اللهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، فَلَوْ أَنَّهُ عَرَفَهُ حَقًّا لَعَرفَ أَنَّهُ لا حَاجَةَ لَهُ في عَذَابِ خَلْقِهِ، وأَنَّهُ مَا خَلَقَهُم ليُعَذِّبهُم، وإِنَّمَا أَوْجَبَ العَذَابَ فَقَطْ عَلَى العَاصِي مِنْهُم لَهُ، ونَضْرِبُ مِثَالاً دُونَ تَشْبِيهٍ أَوْ تَمْثِيلٍ لتَوْضِيحِ الفِكْرَة فَقَطْ: لَوْ أَنَّكَ غَنِيًّا، وأَرَدْتَ إِنْشَاء شَرِكَة، وأَعْلَنْتَ عَنْ طَلَبِ مُوَظَّفِينَ للشَّرِكَةِ، فَهَلِ الأَصْلُ أَنَّكِ تَطْلُبهُمْ كَي تُعَاقِبهُمْ في شَرِكَتِكَ بالخَصْمِ ولَفْتِ النَّظَرِ وتَوْقِيعِ الجَزَاءَاتِ، أَمْ أَنَّ الأَصْلَ أَنَّكَ تَطْلُبهُمْ ليَعْمَلُوا فَتَعْمَل الشَّرِكَة؟ طَبْعًا ليَعْمَلُوا وتَعْمَل الشَّرِكَة، ولَكِنْ، هَلْ هَذَا يَمْنَعُكَ مِنْ عِقَابِ المُخْطِئ مِنْهُمْ إِذَا أَخْطَأَ؟ هَلْ هَذَا يَمْنَعُكَ مِنْ وَضْعِ القَوَانِين الَّتِي تُنَظِّم عَمَلهمْ وأَيْضًا تُنَظِّم عِقَابهمْ عَلَى قَدْرِ كُلِّ خَطَأٍ؟ لا، لا يَمْنَعُ هَذَا مِنْ ذَاكَ، إِذَنِ الفِكْرَة لَيْسَت أَنَّ اللهَ يُعَذِّبُ عِبَادَهُ لأَنَّهُ يُحِبُّ العَذَابَ ولا خَلَقَهُمْ للعَذَابِ، بَلْ هُوَ رَحِيمٌ وخَلَقَهُمْ برَحْمَةٍ وللرَّحْمَةِ، فَعَنْ عُمَر بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ [ قُدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بسَبْيٍ. فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أَتَرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَة طَارِحَة وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لا. والله! وهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: لله أَرْحَم بعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بوَلَدِهَا ]، أَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنَ العِبَادِ بإِرَادَتِهِ عَنْ هَذِهِ الرَّحْمَة بَعْدَ كُلِّ مَا قَدَّمَهُ اللهُ لَهُ مِنْ رَحَمَاتٍ ومُسَاعَدَاتٍ وخَيْرَاتٍ، فَهُوَ يَسْتَحِقّ العِقَاب، ولا يُنْكِر ذَلِكَ عَاقِل أَوْ يُجَادِل فِيهِ مُجَادِل، وهَذَا الرَّاهِب لَوْ فَهِمَ هَذَا المَعْنَى لَمَا أَفْتَى بدُونِ عِلْمٍ، ولَمَا قَالَ أَنَّهُ لا تَوْبَةَ للقَاتِلِ، وهَذَا مَا فَهِمَهُ العَالِم ووَضَّحَهُ بقَوْلِهِ (ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ)، ولِذَلِكَ كَانَتْ مَرْتَبَةُ العَالِمِ أَفْضَل مِنْ مَرْتَبَةِ العَابِد، ولِذَلِكَ أُمِرْنَا بطَلَبِ العِلْمِ.

      5- (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُد اللهَ مَعَهُمْ، ولا تَرْجِع إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ): وهَذِهِ هِيَ طَرِيقَةُ التَّوْبَةِ الَّتِي تَنْتُج عَنِ الكُفْرِ بالمَعْصِيَةِ:
      - تَرْكُ مَوْطِنِ المَعْصِيَة وتَغْيِيرُهُ.
      - تَرْكُ رِفْقَة السُّوء، والبَحْثُ عَنْ رِفْقَةٍ صَالِحَةٍ تُعِينُ عَلَى عِبَادَةِ الله وحُسْنِ طَاعَتِهِ.
      - عَدَمُ العَوْدَةِ إِلَى أَرْضِ أَوْ مَوْطِنِ أَوْ رِفْقِةِ السُّوء أَوْ كُلّ مَا قَدْ يُعِين عَلَى العَوْدَةِ إِلَى المَعْصِيَةِ مِنْ جَدِيدٍ تَحْتَ أَيِّ سَبَبٍ أَوْ أَيِّ مُبَرِّرٍ.
      -وفَوْقَ كُلّ ذَلِكَ أَنْ نَعْبُدَ اللهَ حَقَّ عِبَادَتِهِ، فَرُبَّمَا عَبَدَ الشَّخْصُ رَبَّهُ بطَرِيقَةٍ ظَنَّ أَنَّهَا صَحِيحَة، وهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَيَنْتَظِر أَنْ تُؤْتِي ثِمَارهَا ولا يَجِد شَيْئًا، كَمَنْ يُصَلِّي ويَفْعَل المُنْكَرَات ثُمَّ يَتَعَجَّب كَيْفَ يَفْعَل المُنْكَرَات وهُوَ يُصَلِّي واللهُ تَعَالَى قَالَ [ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ]، فَنَقُولُ: لأَنَّهُ صَلَّى ومَا صَلَّى، فَإِمَّا أَنَّهُ صَلَّى نِفَاقًا ليُقَالُ مُصَلٍّ، أَوْ صَلَّى فِعْلاً ولَكِنْ لَيْسَ بالطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي بِهَا خُشُوع وتَقْوَى وتَدَبُّر، فَخَرَجَ مِنَ الصَّلاَةِ وكَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ، فَقَالَ في الصَّلاَةِ (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله) ولَمْ يَتَدَبَّرْهَا، وخَرَجَ بَعْدَ الصَّلاَةِ لا يُطَبِّقهَا، فَيَحْلِف بغَيْرِ الله، ويَخْشَى النَّاس أَكْثَر مِنْ خَشْيَتِهِ لله، ويُرْضِهمْ عَلَى حِسَابِ رِضَا الله، وقَالَ في الصَّلاَةِ (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) ولَمْ يَتَدَبَّرْهَا، فَخَرَجَ بَعْدَ الصَّلاَةِ لا يُطَبِّقهَا، فَيَرْفُض السُّنَّة تَارَّة، ويَسْخَر مِنْ مُطَبِّقِيهَا تَارَّة، ويُحَارِبهَا تَارَّة، ونَقِيسُ عَلَى ذَلِكَ كُلّ آيَةٍ يَقْرَأَهَا في الصَّلاَةِ، ثُمَّ لا يُطَبِّقهَا بَعْدَ الصَّلاَة، فَكَيْفَ إِذَنْ سَتَكُون الصَّلاَة نَاهِيَة لَهُ عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ؟ وبالتَّالِي هُوَ أَدَّى الصَّلاَة، أَيّ مَثَّلَ الصَّلاَة وفَعَلَ حَرَكَاتهَا، ولَكِنْ لَمْ يَسْتَشْعِرْهَا قَلْبُهُ ولَمْ تُطَبِّقْهَا جَوَارِحُهُ، بخِلاَفِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، فَقَالَ (إِقَامُ الصَّلاَةِ) ولَمْ يَقُل (أَدَاءُ الصَّلاَةِ)، فَالإِقَامَةُ فِيهَا بِنَاءٌ وتَرْسِيخٌ وتَطْبِيقٌ، وهِيَ الطَّرِيقَةُ الوَحِيدَةُ الَّتِي تَجْعَل الصَّلاَة نَاهِيَة عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ، وبالتَّالِي فَإِنَّ عِبَادَةَ اللهِ في المُجْمَلِ (والتَّوْبَة خَاصَّةً) إِنْ لَمْ تَكُنْ بالطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ، فَلَنْ تُؤَدِّي إِلَى النَّتَائِجِ المَرْجُوَّةِ مِنْهَا، وسَيُوهِمُ الفَرْدُ نَفْسَهُ أنَّهُ يَعْبُدُ اللهَ وهُوَ عَلَى شَفَا جُرْفٍ هَارٍ، قَالَ تَعَالَى [ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً 103 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا 104 ].

      6- (فانْطَلَقَ): فَلْنَنْظُر كَيْفَ سَمِعَ القَاتِل كَلاَم العَالِم، قَالَ لَهُ انْطَلِقْ فَانْطَلَقَ، لَمْ يُجَادِلْ، لَمْ يُنَاقِشْ، لَمْ يَقُلْ بالتَّسْوِيفِ (سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ)، لَمْ تَأَخُذْهُ نَعْرَةُ المُتَكَلِّمِينَ (فَمَاذَا إِذَا لَمْ أَجِدْ، ومَاذَا إِذَا لَمْ أَسْتَطِعْ، ومَاذَا ومَاذَا...)، بَلْ سَمِعَ وأَطَاعَ، وهَذَا دَلِيلٌ ثَانٍ يُثْبِتُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَرَادَ التَّوْبَة حَقًّا، وكَانَ صَادِقًا فِيهَا، وفَرِحَ بِهَا، وكَانَ أَيْضًا ذَا عَقْل، فَهِمَ كَلاَم العَالِم وعَرفَ أَنَّ فِيهِ الكِفَايَة، فَانْطَلَقَ ولَمْ يُؤَخِّر، وهَذَا الدَّلِيلُ الثَّالِثُ عَلَى صِدْقِ تَوْبَتِهِ، أَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ كُرْهِهِ للمَعْصِيَةِ لَمْ يَعُدْ يَقْبَل أَنْ يَبْقَى عَلَيْهَا لَحْظَة، ومَا أَنْ وَجَدَ طَرِيق التَّوْبَة حَتَّى سَارَعَ إِلَيْهِ ولَمْ يُؤَخِّرْ تَوْبَته، وفي هَذَا لاَبُدَّ أَنْ نُذَكِّرَ بقَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى [ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ]، فَكَلِمَة (يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) مَعْنَاهَا أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ وَقْتُ التَّوْبَة قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ المَعْصِيَةِ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى وأَحَبُّ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّ العَبْدَ يُثْبِتُ لرَبِّهِ أَنَّهُ مَا عَصَى رَغْبَةً في العِصْيَانِ، ولَكِنِ اسْتَزَلَّهُ الشَّيْطَان، وبمُجَرَّدِ أَنْ فَاقَ مِنَ سَيْطَرَةِ الشَّيْطَان عَلَيْهِ في أَقْرَب وَقْتٍ، تَابَ وأَنَابَ لله، فَيَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِ ويَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، لَكِنَّ العَبْدَ الَّذِي يُؤَخِّرُ التَّوْبَة، ويَعِيشُ عَلَى الوَهْمِ بأَنَّهُ سَيَتُوب غَدًا، فَإِنَّ غَدًا هَذَا قَدْ لا يَأْتِي لَهُ أبَدًا، وسَيُفَاجَأ بأَنَّ المَوْتَ أَتَاهُ ولَمْ يَتُبْ، فَيَتَذَكَّر التَّوْبَة، فَيَتُوب، فَلاَ يَقْبَلهَا اللهُ مِنْهُ حِينَئِذٍ، كَمَا قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى [ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً 17 وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 18 ]، وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ].

      7- (حَتَّى إِذَا نَصفَ الطَّرِيق أَتَاهُ المَوْت، فَاخْتَصَمَت فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَة ومَلاَئِكَةُ العَذَاب، ...، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ): لِمَاذَا لَمْ يَتْرُكْهُ اللهُ حَتَّى يَصِل إِلَى أَرْضِ الصَّالِحِينَ؟ لِمَاذَا اخْتَصَمَتْ فِيهِ المَلاَئِكَة؟ مَنِ الَّذِي أَرْسَلَ المَلَك في صُورَةِ الآدَمِيِّ؟ ومَنِ الَّذِي جَعَلَ المَلاَئِكَة يَرْتَضُونَ حُكْمَهُ وهُمْ لا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ مَلَك؟ الجَوَابُ بَسِيطٌ: عَلِمَ اللهُ صِدْقَ تَوْبَة هَذَا الرَّجُل في النِّيَّةِ والعَمَلِ، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ، وجَعَلَ مِنْ قِصَّتِهِ عِبْرَةً لَنَا كَي نَتَعَلَّم مِنْهَا، ولَكِنْ لِمَاذَا قَبَضَهُ؟ لِمَاذَا لَمْ يَتْرُكْهُ حَتَّى يَصِل؟ الجَوَابُ: حَتَّى لا يَقُول أَحَدٌ أَنَّ سَبَبَ تَوْبَة هَذَا الرَّجُل هُوَ وُجُوده بَيْنَ الصَّالِحِينَ فَقَطْ، ولَوْ أَنَّهُ لَمْ يَجِد صَالِحِينَ كَانَ سَيَرْجِع لفُجُورِهِ، لا، اللهُ يُعَلِّمُنَا أَنَّ النِّيَّةَ إِنْ صَلُحَت وصَلُحَ مَعَهَا العَمَل كَفَيَا وإِنْ لَمْ تَظْهَر نَتِيجَة العَمَل، فَالرَّجُل نِيَّتهُ خَيْر، وعَمَلهُ خَيْر، وعَمَلهُ هُنَا هُوَ التَّوْبَة وطَاعَة العَالِم في الأَخْذِ بالأَسْبَاب، فَهَذِهِ النِّيَّة وهَذَا العَمَل عِنْدَ اللهِ يَكْفِيَان لقُبُولِ تَوْبَته، ولَيْسَ بالضَّرُورَةِ أَنْ يَذْهَبَ ويَعِيش مَعَ الصَّالِحِينَ، فَسَبَقَ أَجَلُهُ وقَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ، ليُعَلِّمنَا هَذِهِ الدُّرُوس، ولَكِنْ لِمَاذَا اخْتَصَمَتْ فِيهِ المَلاَئِكَة؟ ليُعَلِّمنَا الله أَنَّ الإِخْلاَصَ هُوَ سَبِيلُ النَّجَاةِ، وأَنَّهُ لا يَعْلَم نِيَّتكَ أَحَدٌ غَيْر اللهِ، فَإِنْ أَرَدْتَ النَّجَاة، فَاصْدُق وأَخْلِص نِيَّتكَ مَعَ اللهِ، فَهُوَ وَحْدُهُ مَنْ يَمْلُك لَكَ الخَيْر والنَّفْع، فَمَلاَئِكَة الرَّحْمَة لا تَعْلَم النَّوَايَا، هي لَهَا الظَّاهِر، وقَدْ رَأَتِ الرَّجُل مُسَافِرًا، ولا تَعْرِف هَلْ سَافَرَ صَادِقًا أَمْ مُنَافِقًا، ومَلاَئِكَة العَذَاب لا تَعْلَم الغَيْب، ولا تَعْرِف هَلْ إِذَا عَاشَ هَذَا الرَّجُل كَانَ سَيَكُون مِنَ الصَّالِحِينَ أَمْ لا، وعِلْمهَا عَنْهُ أَنَّهُ في المَاضِي لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطّ، ولَكِنْ مَنِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وأَخْفَى؟ اللهُ جَلَّ وعَلاَ، بِعِلْمِهِ أَنَّ الرَّجُلَ صَادِقٌ في تَوْبَتِهِ وسَافَرَ صَادِقًا، وبِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ كَانَ سَيَكُون مِنَ الصَّالِحِينَ، فَاللهُ تَعَالَى عَلِمَ مَا كَانَ، ومَا هُوَ كَائِنٌ، ومَا سَوْفَ يَكُونُ، ومَا لا يَكُونُ؛ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ، فَقَبِلَ تَوْبَتَهُ، وأَرْسَلَ للمَلاَئِكَةِ مَنْ يَحْكُم بَيْنَهُمْ ويَدُلّهُمْ عَلَى الصَّوَابِ، ولَكِنْ لِمَاذَا جَعَلَهُ في صُورَةِ آدَمِيٍّ، وجَعَلَهُمْ يَأَخُذُونَ بقَوْلِهِ؟ كي يُعَلِّمنَا اللهُ أَنَّ الحَقَّ يُقْبَلُ مِنْ أَيِّ شَخْصٍ، فَالحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، بمَعْنَى: الاتِّبَاع يَكُون للحَقِّ ولَيْسَ للأَشْخَاصِ، فَلاَ نَرْفُض الحَقَّ لأَنَّ القَائِلَ بِهِ العَالِم فُلاَن، أَوْ لأَنَّهُ مِنْ بَلَدِ كَذَا، أَوْ شَكْلهُ كَذَا، أَوْ مَا شَابَهَ مِنْ حُجَجٍ بَالِيَةٍ، بَلْ نَقْبَلُ الحَقَّ مَهْمَا كَانَ القَائِل بِهِ، فَجَعَلَهُ اللهُ في شَكْلِ آدَمِيٍّ كَي لا يَكُون لا مِنْ مَلاَئِكَةِ الرَّحْمَة ولا مِنْ مَلاَئِكَةِ العَذَاب، فَيَكُون بالنِّسْبَةِ لَهُمْ مُنْصِفًا في قَوْلِهِ غَيْرَ مُتَحَيِّزٍ، وبالطَّبْعِ هُوَ كَذَلِكَ لأَنَّ المَلاَئِكَة لا تَفْعَل إِلاَّ مَا تُؤْمَر بِهِ، ولَيَسْ َلَدَيْهَا هَذِهِ السُّلُوكِيَّات السَّيِّئَة الَّتِي لَدَيْنَا، فَهِيَ لا تَغِشّ ولا تَتَعَصَّب ولا تَظْلِم، ولَكِنَّ الله يُعَلِّمنَا نَحْنُ أَنْ نَكُونَ مُنْصِفِينَ للحَقِّ غَيْر مُتَحَيِّزِينَ ضِدَّ أَوْ مَعَ قَرَابَةٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ أَيِّ شَيْءٍ غَيْر الحَقّ، وإِرْسَالُ الله للمَلَكِ وجَعْلُ المَلاَئِكَة يَقْبَلُونَ كَلاَمه هُوَ دَلِيلٌ جَدِيدٌ عَلَى قَبُولِ الله لتَوْبَةِ هَذَا الرَّجُل، فَلَوْلاَ قَبُول تَوْبَته لَمَا فَعَلَ اللهُ مِنْ أَجْلِهِ كُلّ هَذَا كَي يُعَلِّمنَا العِبَر مِنْ قِصَّتِهِ.

      8- (فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتهُمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ): بالطَّبْعِ بَعْدَ كُلِّ مَا سَبَقَ مِنْ شَرْحٍ نَسْتَطِيعُ الآن في ضَوْءِ هَذَا المَعْنَى الأَخِير مِنَ الحَدِيثِ أَنْ نَقُولَ: خُطْوَةٌ وَاحِدَةٌ تَفْرِقُ بَيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، ثَانِيَةٌ وَاحِدَةٌ تَأَخِير تَفْرِقُ بَيْنَ النَّجَاةِ والهَلاَك، فَلاَ نَسْتَصْغِر خُطْوَة في طَاعَةٍ، ولا نُؤَخِّر خُطْوَة في تَوْبَةٍ، وأَنَّ الإِخْلاَصَ والإِتْقَانَ في العَمَلِ يَرْفَعَانَهُ إِلَى أَعْلَى المَرَاتِب.

      زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
      كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
      في
      :

      جباال من الحسنات في انتظارك





      تعليق


      • #4
        رد: كيف افرح بالتوبة و كيف اتوجع من الذنب ؟

        أَمَّا حَدِيثُ الرَّهْطِ الثَّلاَثَةِ، فَرَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ [ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى أَوَوُا المَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوَ اللهَ بصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً ولا مَالاً، فَنَاءَ بِي في طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أَرُحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ والقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: وقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ ومِئَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ: لا أُحِلَّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلاَّ بحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: وقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ؛ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ، مِنَ الإِبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ؛ لا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ ].

        والشَّاهِدُ في الحَدِيثِ هُوَ قَوْلُ كُلّ مِنْهُمْ (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ)، وهَذَا يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ الثَّانِي لَمَّا تَرَكَ مَا تَهْوَاهُ نَفْسُهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ، جَمَعَ بَيْنَ وَجَعَيْنِ، الوَجَعُ الأَوَّلُ لَمَّا قَالَ (قَالَتْ: لا أُحِلَّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلاَّ بحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا)، فَلَمَّا ذَكَّرَتْهُ باللهِ خَافَهُ، وعَادَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، فَهَذَا وَجَعٌ نَاتِجٌ عَنِ اسْتِعْظَامِ الذَّنْبِ واسْتِقْبَاحِهِ، وهُوَ مَثَلٌ تَطْبِيقِيٌّ لِمَا قُلْنَاهُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ الإِيمَانَ لَوْ وُجِدَ لَحْظَةَ المَعْصِيَةِ لَمَنَعَ العَاصِي مِنْ أَنْ يَعْصِيَ، والوَجَعُ الثَّانِي لَمَّا قَالَ (فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ)، وهُوَ وَجَعُ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ في صَدِّهَا عَمَّا تَسْتَلِذّه مِنَ المَعْصِيَةِ، فَلَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الوَجَعَيْنِ، ظَهَرَ صِدْقُهُ وإِخْلاَصُهُ في أَنَّهُ ابْتَغَى مِنْ وَرَاءِ هَذَا العَمَل مَرْضَاة الله، فَتَقَبَّلَ اللهُ مِنْهُ التَّوَسُّل بالعَمَلِ الصَّالِحِ وفَرَّجَ عَنْهُمُ الصَّخْرَةَ.
        أَمَّا فَرْحَتُهُ بالتَّوْبَةِ فَتَظْهَرُ في أَنَّهُ اعْتَبَرَ هَذَا العَمَل مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وتَوَسَّلَ إِلَى اللهِ بِهِ، فَلَوْ أَنَّهُ لَمْ يَفْرَحْ بتَوْبَتِهِ ولَمْ يَعْتَبِرْ تَوْبَتهُ قَدْ قُبِلَتْ، فَلَمْ يَكُنْ ليَتَوَسَّلَ بِهِ، وتَظْهَر فَرْحَتُهُ أَيْضًا لَمَّا قَامَ عَنْهَا، فَلَمَّا عَادَ إِلَى صَوَابِهِ عَلِمَ أَنَّ مَا يَفْعَلهُ لا يَجُوزُ، فَعَادَ عَنْهُ، وهَذَا دَلِيلُ فَرْحَتِهِ بِهِ، واسْتِجَابَةُ اللهِ لَهُ بتَوَسُّلِهِ بهَذَا العَمَل تَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُكَرِّرْهُ أَبَدًا مِنْ بَعْدِهَا، فَاسْتَقَامَ وصَدَقَ في تَوْبَتِهِ مِنْهُ فَرِحًا بِهَا.

        هَذَا مَا فَتَحَ اللهُ بِهِ عَلَيَّ لإِجَابَةِ أَسْئِلَتكُمْ، وأَدْعُو اللهَ أَنْ أَكُونَ قَدْ وُفِّقْتُ في الإِجَابَةِ عَلَيْهَا بِمَا يَشْفِي صُدُوركُمْ، وأَعْتَذِرُ عَلَى الإِطَالَةِ، إِنَّمَا تَطَلَّبَتُ الإِجَابَةُ ذَلِكَ.

        ولمَزِيدٍ مِنَ الفَائِدَةِ تُرَاجَع الفَتَاوَى التَّالِيَة:
        أسباب تكفير الذنوب
        قبول التوبة
        هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على ذنب آخر؟
        صلاة التوبة
        شاب فعل جميع المحرمات ويريد التوبة
        هل يجب تذكر جميع الذنوب عند التوبة
        تفسير قوله تعالى ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ )
        نصراني يسأل عن التوبة
        التوبة
        هل فعل الكبائر يمنع قبول التوبة والطاعات؟
        مشكلة الحماس أول التوبة ثم الفتور بعدها
        إذا رأوه يفعل معصية طالبوه بترك الدين بالكلية

        دُرُوسٌ مَرْئِيَّةٌ وصَوْتِيَّةٌ عَنِ التَّوْبَةِ:
        http://www.way2allah.com/category-39.htm

        وهَذَا مَا أَعْلَمُ؛ واللهُ تَعَالَى أَعْلَى وأَعْلَمُ
        إِنْ أَخْطَأْتُ فَمِنْ نَفْسِي، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ، وإِنْ أَصَبْتُ فَمِنْ عِنْدِ اللهِ، والحَمْدُ للهِ
        والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ

        زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
        كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
        في
        :

        جباال من الحسنات في انتظارك





        تعليق


        • #5
          رد: كيف افرح بالتوبة و كيف اتوجع من الذنب ؟

          و الله يا شيخ قرات كل كلامكم يمكن 3 مرات منهم مرة بصوت عالي و بترتيل للايات
          و سيفته ع الجهاز لان به بعض النقاط لامست قلبي و عقلي جدا اردت قراءتها كل حين
          و قرات الروابط التي وضعتها لي و الروابط التي بها كذلك و لم استمع سوى لشريط واحد فقط
          و كنت اريد ان انتصح بما فعل التائب من قاتل المئة فلا اقول لو ان كذا و كذا و ماذا لو كذا
          و قد كفيت و وفيت و زدت و ما قصرت فجزاك الله خيرا
          و الحمد لله اولا و اخيرا
          بس لسه عندي اسئلة يا شيخ و يقيني في الله انك هتجاوبني بردو
          حقوق الناس كيف يردها الانسان من غيبة او بهتان او عقوق والدين ؟
          و الرجل التائب قاتل المئة اليس لاهلهم حقوق و دية او قصاص مثلا ؟
          و كمان الرجل التائب تاب من ذنب مادي اقصد محسوس ففر من مكان لمكان
          فكيف بذنوب و كبائر القلوب كيف يفر الانسان منها ؟ لاي مكان يذهب و الذنوب و اسبابها في جوفه ؟
          احيانا يمقت الانسان نفسه و ذنبه و ود لو يفضحها ليعاقبها فتنتهي عن ذنبها فكيف يصنع بهذه الحالة ؟
          كمان الرجل قاتل المئة ذهب لشيخ عالم و ساله
          هل يحتاج المذنب احيانا ان يذهب لعالم كي ينصحه كذلك ماذا يفعل في ذنبه و يعين هذا الذنوب للعالم ؟
          كذلك احيانا يتفكر الانسان فيكره ذنوبه و احيانا يغفل فيستحبها فماذا يصنع ؟

          تعليق


          • #6
            رد: كيف افرح بالتوبة و كيف اتوجع من الذنب ؟

            الله يشفيكم شيخنا و يبارك بوقتك

            تعليق


            • #7
              رد: كيف افرح بالتوبة و كيف اتوجع من الذنب ؟

              بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
              لأَخُ السَّائِلُ - الأُخْتُ السَّائِلَةُ
              السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
              أمَّا بَعْدُ؛
              فَالحَمْدُ للهِ؛
              أَسْعَدَنَا جِدًّا أَنْ لاَقَى الكَلاَم قَبُولاً لَدَيْكُمْ، ويُسْعِدُنَا أَكْثَر أَنْ لا يَتَوَقَّف الأَمْر عِنْدَ هَذَا الحَدِّ دُونَ تَطْبِيقٍ، ونَدْعُو اللهَ لَكُمْ بالهِدَايَةِ والثَّبَاتِ والقَبُولِ، اللَّهُمَّ آمِينَ.

              وبالنِّسْبَةِ لأَسْئِلَتِكُمْ، فَنَتَنَاوَلُهَا تِبَاعًا فِيمَا يَلِي:
              أَمَّا قَوْلُكُمْ (حقوق الناس كيف يردها الانسان من غيبة او بهتان او عقوق والدين ؟) فَأَقُولُ: هَذِهِ النَّوْعِيَّة مِنَ الحُقُوقِ التَّوْبَةُ تَكْفِيهَا مَعَ الدُّعَاءِ والاسْتِغْفَارِ لصَاحِبِهَا، ثُمَّ يَكُون العَمَل الصَّالِح بأَنْ يُفْعَلَ عَكْسهَا، فَمَنْ كَانَ يَغْتَابُ النَّاس ويَبْهَتُهُمْ، تَكْفِيهِ التَّوْبَة، ويَعْمَلُ صَالِحًا بأَنْ يَذُبَّ عَنْهُمُ الغَيْبَةَ والبُهْتَانَ، ويُحْسِنَ إِلَيْهِمْ في الكَلاَمِ عَنْهُمْ بالحَقِّ (دُونَ كَذِبٍ أَوْ نِفَاقٍ)، ويُحْسِنَ إِلَيْهِمْ في غَيْبَتِهِمْ كَمَا أَسَاءَ إِلَيْهِمْ في غَيْبَتِهِمْ، وأَلاَّ يَتْرُك النَّاس تَغْتَابهُمْ أَوْ تَبْهَتهُمْ أَمَامَهُ، ويُبَيِّنَ لَهُمْ حُكْم الغَيْبَة والبُهْتَان، ومَنْ كَانَ عَقَّ وَالِدَيْهِ وتَابَ، يَعْمَل صَالِحًا ويَبَرّهُمْ، بَلْ يَزِيد في بِرِّهِمْ، لأَنَّ الأَصْلَ أَنَّهُ يَبَرّهُمْ، والزِّيَادَة ليُعَوِّضهُمْ عَمَّا فَعَلَهُ مِنْ عُقُوقٍ، وهَكَذَا، وهُنَا تَجْدُرُ الإِشَارَة إِلَى نُقْطَتَيْنِ:
              الأُولَى: لا يَجُوزُ لِمَنِ اغْتَابَ شَخْصًا أَوْ بَهَتَهُ أَنْ يُخْبِرَهُ ويَطْلُبَ مِنْهُ الصَّفْح كَي تَكْتَمِل تَوْبَتهُ، لأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُسَبِّب بَيْنَهُمَا النُّفُور ويُوقِع بَيْنَهُمَا العَدَاوَة والبَغْضَاء ويَكُون ذَرِيعَة لمَفَاسِد أَكْبَر، فَتَكْفِيهِ التَّوْبَة فَقَطْ دُونَ إِخْبَارٍ.
              الثَّانِيَةُ: إِذَا عَلِمَ هَذَا الشَّخْص مِنْ طَرِيقٍ آخَر بِمَا حَدَثَ، فَعَلَى الَّذِي اغْتَابَهُ أَنْ يَسْتَرْضِيَهُ حَتَّى يَرْضَى، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ يَكُون تَوَدُّدهُ إِلَيْهِ واعْتِذَارهُ لَهُ والاجْتِهَاد في طَلَبِ مُسَامَحَتِهِ حَسَنَاتٌ لَهُ يَوْمَ القِيَامَة تُقَابِل سَيِّئَة الاغْتِيَاب، قَالَ الغَزَّالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ في الإِحْيَاءِ [ وسَبِيلُ المُعْتَذِرِ أَنْ يُبَالِغَ في الثَّنَاءِ عَلَيْهِ والتَّوَدُّدِ إِلَيْهِ، ويُلاَزِم ذَلِكَ حَتَّى يَطِيبَ قَلْبهُ، فَإِنْ لَمْ يَطِبْ قَلْبهُ كَانَ اعْتِذَارُهُ وتَوَدُّدُهُ حَسَنَةً مَحْسُوبَةً لَهُ، يُقَابِلُ بِهَا سَيِّئَة الغَيْبَة في القِيَامَةِ ].

              أَمَّا قَوْلُكُمْ (و الرجل التائب قاتل المئة اليس لاهلهم حقوق و دية او قصاص مثلا ؟) فَأَقُولُ:
              بِدَايَةً: نُذَكِّرُ بأَنَّ هَذِهِ القِصَّة وَقَعَتْ قَبْلَ الإِسْلاَم، ولاَ يَلْزَم أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةٌ تَمَامًا لأَحْكَامِ الإِسْلاَم، بَلْ فِيهَا مَا يُوافِقُهُ، والإِسْلاَمُ جَاءَ مُتَمِّمًا ومُكَمِّلاً ومُهَيْمِنًا عَلَى كُلِّ مَا سَبَقَهُ، لِذَلِكَ عِنْدَمَا نَسْتَدِلُّ بوَاقِعَةٍ كَهَذِهِ لا تُؤْخَذ كَمَا حَدَثَتْ حَرْفِيًّا، ولَكِنْ نُثْقِلُهَا بأَحْكَامِ وضَوَابِطَ الإِسْلاَمِ.
              ثَانِيًا: القَتْلُ (العَمْدُ) تَحْدِيدًا فِيهِ ثَلاَثَة حُقُوقٍ: حَقٌّ للهِ، وحَقٌّ للمَقْتُولِ، وحَقٌّ لأَوْلِيَائِهِ، فَأَمَّا حَقُّ اللهِ فَيَسْقُطُ بالتَّوْبَةِ النَّصُوح، وأَمَّا حَقُّ القَتِيلِ فَيُعَوِّضُهُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، ويَبْقَى حَقُّ أَوْلِيَاءِ القَتِيلِ، وهُوَ الَّذِي لا يَسْقُط بمُجَرَّدِ التَّوْبَة، بَلْ لتَمَامِهَا يَلْزَم التَّائِب أَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ لأَوْلِيَاءِ الدَّمِ (أَوْلِيَاء القَتِيل) ليَقْتَصُّوا مِنْهُ أَوْ يَأْخُذُوا الدِّيَّة أَوْ يَعْفُوا، ولأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوط لَمْ تَكُنْ قَبْلَ الإِسْلاَم، لَمْ تَظْهَر في القِصَّةِ، وهَذَا لا يَعْنِي أَنَّ الاسْتِدْلاَلَ بالقِصَّةِ في حَيَاتِنَا يَكُونُ بمَعْزَلٍ عَنْ تَطْبِيقِ هَذِهِ الشُّرُوط.

              أَمَّا قَوْلُكُمْ (و كمان الرجل التائب تاب من ذنب مادي اقصد محسوس ففر من مكان لمكان فكيف بذنوب و كبائر القلوب كيف يفر الانسان منها ؟ لاي مكان يذهب و الذنوب و اسبابها في جوفه ؟) فَأَقُولُ: الفَرَارُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الذَّنْبِ، فَكُلُّ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ الإِنْسَانُ مَحْفُورٌ بدَاخِلِهِ وفي ذَاكِرَتِهِ، فَكَيْفَ يَفِرُّ مِنْهُ سَوَاءَ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ! إِنَّمَا كَانَ الفَرَارُ مِنَ الصُّحْبَةِ الفَاسِدَةِ الَّتِي تُعِينُ عَلَى تكْرَارِ الذَّنْبِ، فَرَارٌ مِنْ مَوْطِنَ سُوءٍ لا يُعِينُ عَلَى التَّوْبَةِ والهِدَايَة، فَرَارٌ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ الَّتِي لَنْ تُعِينَ عَلَى الثَّبَاتِ والاسْتِقَامَةِ وسَتَعْمَل جَاهِدَةً ليَعُودَ المَرْء لذَنْبِهِ ثَانِيَةً، وهَذَا يَتَّضِحُ بجَلاَءٍ في قَوْلِ العَالِمِ [ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُد اللهَ مَعَهُمْ، ولا تَرْجِع إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ ]، وهَذَا تَغْيِيرٌ مَادِّيٌّ ومَعْنَوِيٌّ في نَفْسِ الوَقْتِ، التَّغْيِيرُ المَادِّيُّ بتَرْكِ الأَسْبَابِ المَادِّيَّةِ الَّتِي تُعِينُ عَلَى المَعْصِيَةِ، مِثْل صُحْبَة السُّوء، والتَّغْيِيرُ المَعْنَوِيُّ في تَغْيِيرِ الحَالِ القَلْبِيِّ، مِنْ عَاصٍ إِلَى عَابِدٍ، بتَعَلُّمِ العِلْمَ وعِبَادَةِ اللهِ والانْضِبَاطِ بشَرْعِهِ، وهَذَانِ التَّغْيِيرَانِ مُتَلاَزِمَانِ لا يَنْفَكَّانِ ولا يَنْفَصِلاَنِ، ولِذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَتُوبُونَ يَقَعُونَ في المَعْصِيَةِ ثَانِيَةً، لأَنَّهُمْ يَفْصِلُونَ بَيْنَ التَّغْيِيرِ المَادِّيِّ والمَعْنَوِيِّ، بالضَّبْطِ كَأَنَّهُمْ قَالُوا (تُبْنَا مِنْ ذَنْبِ كَذَا) باللِّسَانِ فَقَطْ، ولَكِنَّهُمْ لَمْ يُحَقِّقُوا شُرُوط التَّوْبَة، فَلَمْ يَكْفُرُوا بالذَّنْبِ ولَمْ يَسْتَشْعِرُوا قُبْحَهُ ولَمْ يَنْدَمُوا عَلَيْهِ، فَكَانَتْ عَزِيمَتهُمْ عَلَى عَدَمِ العَوْدَةِ رَخْوَة ضَعِيفَة هَشَّة، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ في التَّوْبَةِ إِلاَّ أَنَّهُمْ أَوْقَفُوا الذَّنْبَ لفَتْرَةٍ، سرْعَانَ مَا تَنْتَهِي ويَعُودُونَ لَهُ مِنْ جَدِيدٍ وبصُورَةٍ أَسْوَأ، فَإِمَّا أَنْ يُفْعَلَ الأَمْر عَلَى حَقِيقَتِهِ ومُرَادِ الله فِيهِ مِنْهُ، ليَأْتِي بثِمَارِهِ المَرْجُوَّة في الدُّنْيَا والآخِرَة، وإِمَّا سَيَأْتِي بالأَعَاجِيب طَالَمَا أَدْخَلَ الإِنْسَان عَقْلهُ وأَخَذَ يُعَدِّل ويُغَيِّر ليُطَبِّق عَلَى مُرَادِهِ هُوَ لا عَلَى مُرَادِ اللهِ حَتَّى يَحِقّ عَلَيْهِ قَوْل اللهِ تَعَالَى [ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ 8 ]، وقَوْله تَعَالَى [ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً 103 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا 104 ].

              أَمَّا قَوْلُكُمْ (احيانا يمقت الانسان نفسه و ذنبه و ود لو يفضحها ليعاقبها فتنتهي عن ذنبها فكيف يصنع بهذه الحالة ؟) فَأَقُولُ: هَذِهِ حَالَةٌ طَيِّبَةٌ جِدًّا، تُقَرِّبُهُ مِنَ الكُفْرِ بالمَعْصِيَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغِلَّهَا، ولَكِنْ بشَكْلٍ صَحِيحٍ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ بالمَعْصِيَةِ بَعْدَ أَنْ سَتَرَهُ اللهُ، قال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ المُجَاهِرِينَ، وإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَن، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وكَذَا، وقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ ] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمُ واللَّفْظُ للبُخَارِيّ، ولا أَنْ يَفْعَلَ في نَفْسِهِ فِعْلاً يُخَالِف شَرْعَ اللهِ (كَمَنْ يُطَبِّق الحَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بنَفْسِهِ أَوْ بمُعَاوَنَةِ غَيْرِهِ)، أَوْ يُعَاقِبهَا بحَرْقٍ أَوْ إِيذَاءٍ نُهِيَ عَنْهُ في الشَّرْعِ، أَوْ مَا شَابَهَ، ولَكِنْ يَسْتَغِلّ هَذِهِ القُوَّة الغَاضِبَة ويَسْتَثْمِرهَا في اتِّجَاهٍ إِيجَابِيٍّ، فَيُلْزِم نَفْسَهُ بالبُعْدِ عَنْ صُحْبَةِ السُّوءِ، أَوْ تَرْك شَهْوَة، أَوْ تَغْيِير حَالٍ بآخَر، أَوْ يُلْزِم نَفْسَهُ بمُصَاحَبَةِ صُحْبَة صَالِحَة، وحُضُور دُرُوس العِلْم، ومَا إِلَى ذَلِكَ مِنْ أُمُورٍ إِيجَابِيَّةٍ تَدْفَعُهُ وتُسَاعِدُهُ عَلَى التَّوْبَةِ والثَّبَاتِ عَلَيْهَا.

              أَمَّا قَوْلُكُمْ (كمان الرجل قاتل المئة ذهب لشيخ عالم و ساله هل يحتاج المذنب احيانا ان يذهب لعالم كي ينصحه كذلك ماذا يفعل في ذنبه و يعين هذا الذنوب للعالم ؟) فَأَقُولُ: نَعَمْ يَحْتَاجُ المُذْنِبُ وغَيْرُ المُذْنِبِ إِلَى مُرَاجَعَةِ أَهْل العِلْم والفَضْل أَحْيَانًا، فَإِنْ كَانَ في ضَلاَلٍ دَلُّوهُ عَلَى الخَيْرِ، وإِنْ كَانَ عَلَى خَيْرٍ زَادُوهُ مِنْهُ ووَسَّعُوا لَهُ طُرُقَهُ وضَبَطُوهُ لَهُ، لَكِنْ لا يُشْتَرَط أَنْ يَذْكُرَ تَفَاصِيل الذَّنْبِ للعَالِمِ وهُوَ يَسْأَلُهُ، فَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ ذَنْبُ كَذَا، إِلاَّ إِذَا سَأَلَهُ العَالِم عَنْ شَيْءٍ فَيُجِيبهُ، ولَيْسَ هَذَا مِنَ المُجَاهَرَةِ وكَشْفِ سِتْر اللهِ.

              أَمَّا قَوْلُكُمْ (احيانا يتفكر الانسان فيكره ذنوبه و احيانا يغفل فيستحبها فماذا يصنع ؟) فَأَقُولُ: لَمَّا يَكْرَه ذُنُوبَهُ يَفْرَح، هَذَا أَفْضَل مِمَّنْ يَتَذَكَّرهَا فَيَحِنّ إِلَيْهَا ويَشْتَاق لأَيَّامِهَا وتُرَاوِدُهُ نَفْسُهُ عَلَى فِعْلِهَا، فَلَمَّا يَنْدَم عَلَيْهَا ويَكْرَهُهَا عَلَيْهِ أَنْ يَفْرَحَ بذَلِكَ، لَكِنْ لا يُثْقِل عَلَى نَفْسِهِ في النَّدَمِ حَتَّى تَصْعُب عَلَيْهِ حَيَاتُهُ وتَشُقّ عَلَيْهِ أُمُورُهُ وتَضِيق عَلَيْهِ الدُّنْيَا، لا، نَدَمٌ إِيجَابِيٌّ يَدْفَعُ ولَيْسَ سَلْبِيًّا يَزِيدُهُ هَمًّا وغَمًّا، ولِكَيّ لا يَغْفَل ويَسْتَحِبّ الذُّنُوب والمَعَاصِي، عَلَيْهِ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى البَقَاءِ في الحَالَةِ الإِيمَانِيَّةِ الَّتِي تَلِيَ التَّوْبَة وسَبَقَ الكَلاَم عَنْهَا، حَالَةُ المَتَابِ، أَنْ يَبْقَى في تَوْبَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ، واسْتِغْفَارٍ مُسْتَمِرٍّ، وعِبَادَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ، ومُعَالَجَةٍ لكُلِّ نِقَاطِ القُصُور الَّتِي تُؤَدِّي بِهِ إِلَى المَعْصِيَةِ، والاسْتِزَادَةِ مِنْ كُلِّ الأُمُورِ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَعْصِيَةِ وتُعِينُهُ عَلَى الثَّبَاتِ، وكُلَّمَا وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ فُتُورًا، رَهَّبَهَا ورَغَّبَهَا، رَهَّبَهَا بالنَّدَمِ وتَذَكُّرِ العِقَابِ، ورَغَّبَهَا بالطُّمَأْنِينَةِ الَّتِي يَجِدُهَا ببُعْدِهِ عَنِ المَعْصِيَةِ، وفَضْلِ اللهِ عَلَيْهِ أَنْ أَبْقَاهُ إِلَى الآن ولَمْ يَقْبِضْهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وفَضْلِهِ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا بقَبُولِ التَّوْبَة، وفي الآخِرَةِ بالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ، ويُشْغِل نَفْسهُ عَنِ الحَرَامِ بالمُبَاحِ والوَاجِبِ، ويُجَاهِدُهَا حَقَّ الجِهَادِ، ليَفُوزَ بِمَا يُرِيد حَقَّ الفَوْز، وزِيَادَة.

              ولمَزِيدٍ مِنَ الفَائِدَةِ تُرَاجَع الفَتَاوَى التَّالِيَة:
              هل يجب التحلل ممن اغتابه الإنسان ؟
              افترت على زوجها كذباً ، فكيف تبرئ ذمتها من هذا الأمر؟
              تسبب في أذية أصدقائه فهل يلزمه إخبارهم إذا نوى التوبة ؟
              كان على علاقة بفتاة وكان يقسو عليها ، ثم تاب ، وترفض الفتاة مسامحته ، فماذا يفعل؟
              كفارة الغيبة
              الغيبة وكفارتها
              ما حد الغيبة وما حكمها ؟
              هل تكفي توبة القاتل دون أن يسلم نفسه لأولياء المقتول
              قتل أبوه رجلا فهل يسعى لعفو الأولياء أم يسكت ليكون القصاص كفارة له؟
              إذا سألها زوجها عن ماضيها فهل لها أن تحلف كذباً أو تورية
              وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته
              الإخبار بالمعصية مكروه إلا ما كان على وجه الاستفتاء والنصح

              وهَذَا مَا أَعْلَمُ؛ واللهُ تَعَالَى أَعْلَى وأَعْلَمُ
              إِنْ أَخْطَأْتُ فَمِنْ نَفْسِي، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ، وإِنْ أَصَبْتُ فَمِنْ عِنْدِ اللهِ، والحَمْدُ للهِ
              والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ

              زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
              كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
              في
              :

              جباال من الحسنات في انتظارك





              تعليق

              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
              حفظ-تلقائي
              x
              إدراج: مصغرة صغير متوسط كبير الحجم الكامل إزالة  
              x
              أو نوع الملف مسموح به: jpg, jpeg, png, gif
              x
              x
              يعمل...
              X