إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ترتيب الاولويات في الدين

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ترتيب الاولويات في الدين

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    لي مشكله في معرفة الفروض من السنن المؤكدة والتوافل و المستحبات
    فهل يمكن تفسير دلك بامثلة
    و هل الصلاة كالحجاب
    و بر الوالدين كاللحية
    و الزكاة كالسواك
    و ماعي الاصول و الفروع دائما اسمع عنها مادا يقصد بها
    و هناك حديث بمعنى انه لبد ان نتوغل في هدا الدين برفق ما معنى هدا الحديث لان الكقير كل من يرى احد انفعل غيرة على الدين او حضر الدروس و اطلق اللحية و قصر الثياب كانه سؤا التوغل في الدين

    و اخير بالنسبة لسنن هل اتت السنة لنتركها لمادا الناس تتراخي عن تطبيق السنن و من يطبقها يصبح متشدد
    و جزاكم الله خير

  • #2
    رد: ترتيب الاولويات في الدين

    سؤال اخير مادا يعني قَبل أن تُحَدثنِي عَن الإسلَام، دَعنِي أرَى الإسلَامَ فِيك اي بمعنى كيف تتحدث عن الاسلام و انا لا ارى شعائر الاسلام فيك و لو قلتها لرجل حليق مثلا الا اهينه هكدا و جزاكم الله خير و عدرا على الاطالة

    تعليق


    • #3
      رد: ترتيب الاولويات في الدين

      جَارِي تَحْضِير الرَّدّ بإذْنِ الله، ونَلْتَمِسُ العُذْرَ في شَيْءٍ مِنَ التَّأخِيرِ

      زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
      كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
      في
      :

      جباال من الحسنات في انتظارك





      تعليق


      • #4
        رد: ترتيب الاولويات في الدين

        بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
        الأخُ السَّائِلُ الكَرِيمُ
        السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
        أمَّا بَعْدُ؛
        فَرَدًّا عَلَى سُؤَالِكَ أقُولُ: نَبْدَأُ أوَّلاً بتَوْضِيحِ بَعْض التَّعْرِيفَات الأُصُولِيَّة:
        أوَّلاً: الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ: هُوَ خِطَابُ الشَّارِعِ المُتَعَلِّق بفِعْلِ المُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ بالاقْتِضَاءِ أو التَّخْيِيرِ أو الوَضْعِ.
        - والمُرَادُ مِنْ (خِطَابِ الشَّارِعِ): الوَصْفُ الَّذِي يُعْطِيهِ الشَّارِعُ لِمَا يَتَعَلَّق بأفْعَالِ المُكَلَّفِينَ، كَأنْ يُقَال: إنَّهُ حَرَامٌ أو مَكْرُوهٌ أو مَطْلُوبٌ أو مُبَاحٌ أو صَحِيحٌ أو بَاطِلٌ أو هُوَ شَرْطٌ أو سَبَبٌ أو مَانِعٌ... إلخ.
        - ومَعْنَى كَلِمَة (اقْتِضَاءٌ): أي طَلَبٌ، سَوَاء كَانَ طَلَبُ فِعْلٍ أو طَلَبُ مَنْعٍ، فَالحَرَام طَلَبُ مَنْعٍ لاَزِمٍ، والوُجُوب طَلَبُ فِعْلٍ لاَزِمٍ.
        - و(التَّخْيِيرُ): هُوَ أنَّ الشَّارِعَ أجَازَ للمُكَلَّفِ أنْ يَفْعَلَ أو لا يَفْعَلَ، مِثْل الأكْل أو النَّوْم في وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، ونَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأفْعَالِ المُعْتَادَةِ الَّتِي لا يَتَعَيَّن عَلَيْهِ وَاحِد مِنْهَا، وإنْ كَانَت جُمْلَتهَا مَطْلُوبَة.
        - و(الوَضْعُ): هُوَ رَبْطُ الشَّارِع بَيْنَ أمْرَيْنِ مِمَّا يَتَعَلَّق بالمُكَلَّفِينَ، مِثْل الرَّبْط بَيْنَ الوِرَاثَةِ ووَفَاةِ شَخْصٍ، فَتَكُون وَفَاته سَبَبًا لوِرَاثَةِ آخَر، أو يَرْبُط بَيْنَ أمْرَيْنِ بحَيْثُ يَكُون أحَدُهُمَا شَرْطًا شَرْعِيًّا لتَحْقِيقِ الآخَر وتَرْتِيب آثَارِهِ، كَالوُضُوء للصَّلاَةِ، وكَاشْتِرَاط الشُّهُود للنِّكَاحِ، وأقْسَامُ الوَضْع أرْبَعَة: العِلَلُ والأسْبَابُ والشُّرُوطُ والمَوَانِع.
        ويُسَمَّى الحُكْم الشَّرْعِي إذا كَانَ فِيهِ اقْتِضَاءٌ أو تَخْيِيرٌ حُكْمًا تَكْلِيفِيًّا، وإذا كَانَ فِيهِ رَبْطٌ بَيْنَ أمْرَيْنِ حُكْمًا وَضْعِيًّا.
        ثَانيًا: الوَاجِبُ: مُرَادِفٌ للفَرْضِ عِنْدَ الجُمْهُور، وهُوَ مَا طُلِبَ عَلَى وَجْهِ اللُّزُوم فِعْله، بحَيْثُ يَأثَم تَارِكُهُ، قَالَ الآمِدِيُّ [ الوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ عِبَارَةٌ عَنْ خِطَابِ الشَّارِعِ بِمَا يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ سَبَبًا للذَّمِّ شَرْعًا ].

        ثَالِثًا: المَنْدُوبُ: هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْله طَلَبًا غَيْر لاَزِمٍ، أو مَا يُثَابُ فَاعِلُهُ ولا يُعَاقَبُ تَارِكُهُ، أو مَا يُمْدَحُ فَاعِلُهُ ولا يَذُمُّ الشَّارِعُ تَارِكُهُ، أو هُوَ الرَّاجِحُ فِعْلُهُ مَعَ جَوَازُ تَرْكِهِ، وقَدْ يُسَمَّى النَّافِلَة والسُّنَّة والتَّطَوُّع والمُسْتَحَبّ والإحْسَان.

        رَابِعًا: الحَرَامُ: وهُوَ ضِدُّ الوَاجِبِ، وهُوَ مَا في تَرْكِهِ الثَّوَاب وفي فِعْلِهِ العِقَاب، أو هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ الكَفّ عَنْ فِعْلِهِ عَلَى وَجْهِ الحَتْم واللُّزُوم.

        خَامِسًا: المَكْرُوه: هُوَ مَا تَرْكُهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ، أو هُوَ مَا طَلَبَ الشَّارِعُ الكَفّ عَنْهُ طَلَبًا غَيْر مُلْزِمٍ، وقَدْ يُطْلَق (المَكْرُوه) عَلَى (المَحْظُور)، وعَلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ نَهْي تَنْزِيه، فَلاَ يَتَعَلَّق بفِعْلِهِ عِقَاب، وعِنْدَ الجُمْهُور: لا يُذَمُّ فَاعِلُهُ ولا يُمْدَحُ تَارِكُهُ.
        ويُنْظَر مُذَكِّرَة الشّنْقِيطِي عَلَى رَوْضَةِ النَّاظِر (9 - 22)، والوَجِيزُ في أُصُولِ الفِقْه (23 - 49).

        هذا بشَكْلٍ مُخْتَصَرٍ شَرْحٌ للأحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، ولَنَا فِيهِ وَقَفَات:
        الوَقْفَةُ الأُولَى: السُّنَّة:
        اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في ألْفَاظِ (النَّفْلُ – التَّطَوُّعُ – المَنْدُوبُ – المُسْتَحَبُّ – السُّنَّةُ المُؤَكَّدَةُ وغَيْرُ المُؤَكَّدَةِ) عَلَى ثَلاَثَةِ أقْوَالٍ:
        الأوَّلُ: أنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ، وهُوَ المَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. مَعَ أنَّهُم لا يَخْتَلِفُونَ في أنَّ بَعْضَ السُّنَنِ آكِدٌ مِنْ بَعْضٍ.
        الثَّانِي: أنَّ النَّفْلَ أعَمُّ، فَيَدْخُل فِيهِ السُّنَّة والمُسْتَحَبّ، وهُوَ قَوْلُ الحَنَفِيَّةِ.
        الثَّالِثُ: أنَّ النَّفْلَ: مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ، أي يَتْرُكُهُ في بَعْضِ الأحْيَان ويَفْعَلُهُ في بَعْضِ الأحْيَانِ، والسُّنَّةَ: مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأظْهَرَهُ حَالَةِ كَوْنِهِ في جَمَاعَةٍ ودَاوَمَ عَلَيْهِ ولَمْ يَدُلّ دَلِيل عَلَى وُجُوبِهِ، وهذا مَذْهَبُ المَالِكِيَّةِ، وقَرِيبٌ مِنْهُ مَذْهَب الحَنَابِلَة، فَقَدْ جَعَلُوا المَنْدُوب ثَلاَث مَرَاتِب، أعْلاَهَا السُّنَّة، ثُمَّ الفَضِيلَة، ثُمَّ النَّافِلَة.
        ومِنْ كَلاَمِ الفُقَهَاء في ذَلِكَ:
        1) قَالَ إبْرَاهِيم الحَلَبِيّ الحَنَفِيّ [ فَصْلٌ في النَّوَافِل: جَمْعُ نَافِلَةٍ، وهي في اللُّغَةِ الزِّيَادَة، وفي الشَّرْعِ العِبَادَة الَّتِي لَيْسَت بفَرْضٍ ولا وَاجِبٍ، فَتَعُمّ السُّنَّة والمُسْتَحَبّ والتَّطَوُّع غَيْر المُؤَقَّت ] غِنْيَةُ المُتَمَلِّي في شَرْحِ مُنْيَة المُصَلِّي (ص 383).
        2) قَالَ الدُّسُوقِي المَالِكِيّ [ النَّفْلُ لُغَةً: الزِّيَادَة...، واصْطِلاَحًا: مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ، أيْ يَتْرُكهُ في بَعْضِ الأحْيَان ويَفْعَلهُ في بَعْضِ الأحْيَان، ولَيْسَ المُرَاد أنَّهُ يَتْرُكهُ رَأسًا لأنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ أنَّهُ إذا عَمِلَ عَمَلاً مِنَ البِرِّ لا يَتْرُكهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَأسًا...، وأمَّا السُّنَّة فَهِيَ لُغَةً: الطَّرِيقَةُ، واصْطِلاَحًا: مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأظْهَرَهُ حَالَةِ كَوْنِهِ في جَمَاعَةٍ ودَاوَمَ عَلَيْهِ ولَمْ يَدُلّ دَلِيل عَلَى وُجُوبِهِ، والمُؤَكَّد مِنَ السُّنَنِ مَا كَثُرَ ثَوَابُهُ كَالوِتْر ] حَاشِيَةُ الدُّسُوقِي (1/312).
        3) قَالَ الخَطِيبُ الشِّرْبِينِي الشَّافِعِيُّ [ بَابٌ في صَلاَةِ النَّفْل: وهُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ, واصْطِلاَحًا: مَا عَدَا الفَرَائِض, سُمِّيَ بذَلِكَ لأنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى, ويُرَادِف النَّفْل: السُّنَّة والمَنْدُوب والمُسْتَحَبّ والمُرَغَّب فِيهِ والحَسَن, هذا هُوَ المَشْهُور. وقَالَ القَاضِي وغَيْرُهُ: غَيْرُ الفَرْضِ ثَلاَثَة: تَطَوُّع, وهُوَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْل بخُصُوصِهِ, بَلْ يُنْشِئُهُ الإنْسَان ابْتِدَاءً, وسُنَّة: وهي مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ومُسْتَحَبّ: وهُوَ مَا فَعَلَهُ أحْيَانًا, أو أمَرَ بِهِ ولَمْ يَفْعَلهُ, ولَمْ يَتَعَرَّضُوا للبَقِيَّةِ لعُمُومِهَا للثَّلاَثَةِ، مَعَ أنَّهُ لا خِلاَفَ في المَعْنَى, فَإنَّ بَعْضَ المَسْنُونَات آكِدٌ مِنْ بَعْضٍ قَطْعًا, وإنَّمَا الخِلاَفُ في الاسْمِ ] مُغْنِي المُحْتَاج (1/449).
        4) قَالَ ابْنُ النَّجَّار الحَنْبَلِيّ [ ويُسَمَّى المَنْدُوب سُنَّة ومُسْتَحَبًّا وتَطَوُّعًا وطَاعَةً ونَفْلاً وقُرْبَةً ومُرَغَّبًا فِيهِ وإحْسَانًا ... وأعْلاَهُ أي أعْلَى المَنْدُوب: سُنَّة, ثُمَّ فَضِيلَة, ثُمَّ نَافِلَة، قَالَ الشَّيْخ أبُو طَالِب مُدَرِّس المُسْتَنْصرِيَّة مِنْ أئِمَّةِ أصْحَابنَا في حَاوِيهِ الكَبِير (إنَّ المَنْدُوبَ يَنْقَسِمُ ثَلاَثَة أقْسَامٍ. أحَدُهَا: مَا يَعْظُمُ أجْرُهُ, فَيُسَمَّى سُنَّة. والثَّانِي: مَا يَقِلُّ أجْرُهُ, فَيُسَمَّى نَافِلَة. والثَّالِث: مَا يَتَوَسَّطُ في الأجْرِ بَيْنَ هَذَيْنِ, فَيُسَمَّى فَضِيلَة ورَغِيبَة ] شَرْحُ الكَوْكَبِ المُنِيرِ (ص 126).
        ويُنْظَرُ: المَوْسُوعَةُ الفِقْهِيَّةُ (41/100) .

        ويَنْبَغِي التَّنْبِيه إلى أنَّ الحَنَفِيَّةَ يَرَوْنَ إثْم تَارِك السُّنَّة المُؤَكَّدَة، لَكِنْ يَقُولُونَ: إثْمُهُ أقَلّ مِنْ إثْمِ تَارِك الوَاجِب. قَالَ ابْنُ نُجَيْم [ والَّذِي يَظْهَر مِنْ كَلاَمِ أهْل المَذْهَب أنَّ الإثْمَ مَنُوط بتَرْكِ الوَاجِب أو السُّنَّة المُؤَكَّدَة عَلَى الصَّحِيحِ؛ لتَصْرِيحِهِم بأنَّ مَنْ تَرَكَ سُنَن الصَّلَوَات الخَمْس قِيلَ لا يَأثَم، والصَّحِيحُ أنَّهُ يَأثَم، ذَكَرَهُ في فَتْحِ القَدِيرِ، وتَصْرِيحِهِم بالإثْمِ لِمَنْ تَرَكَ الجَمَاعَة مَعَ أنَّهَا سُنَّة مُؤَكَّدَة عَلَى الصَّحِيحِ, وكَذَا في نَظَائِرِهِ لِمَنْ تَتَبَّعَ كَلاَمهم، ولا شَكَّ أنَّ الإثْمَ مُقَوَّلٌ بالتَّشْكِيكِ بَعْضهُ أشَدّ مِنْ بَعْضٍ، فَالإثْم لتَارِكِ السُّنَّة المُؤَكَّدَة أخَفّ مِنَ الإثْمِ لتَارِك الوَاجِب ] البَحْرُ الرَّائِق (1/319).

        والحَاصِلُ: أنَّ مَا زَادَ عَلَى الفَرْضِ والوَاجِبِ يُسَمَّى سُنَّة ومَنْدُوبًا ومُسْتَحَبًّا ورَغِيبَةً وفَضِيلَةً، وهي عَلَى مَرَاتِب، وآكِدُهَا مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وفَعَلَهُ في جَمَاعَةٍ. ولا يَضُرُّ الخِلاَف في التَّسْمِيَةِ.

        وعَلَى ذَلِكَ؛ فَلَفْظ السُّنَّة يُرَادُ بِهِ أمْرَانِ:
        - الطَّرِيقَةُ والهَدْيُ، وهُوَ المُرَادُ بالأحَادِيث الكَثِيرَةِ، ومِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ].
        - مَا يَقْصُدهُ الأُصُولِيُّونَ والفُقَهَاءُ بالمُسْتَحَبِّ، وهُوَ مَا يُثَابُ فَاعِلُهُ، ولا يَسْتَحِقُّ العِقَابِ تَارِكُهُ، وذَلِكَ مِثْل السُّنَنِ الرَّوَاتِب، وصَلاَةِ الضُّحَى، ومَا أشْبَهَهُمَا، وهو اصْطِلاَحٌ طَارِئٌ قَصَدُوا بِهِ التَّمْيِيز بَيْنهَا وبَيْنَ الفَرْض، فَمَثَلاً إذا قِيلَ أنَّ إعْفَاءَ اللِّحْيَة سُنَّة؛ فَالمَقْصُود مِنْ ذَلِكَ المَعْنَى الشَّرْعِيّ الأوَّل وهُوَ الطَّرِيقَة المَحْمُودَة ونَهْج رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أمَّا صِفَتُهُ مِنَ النَّاحِيَةِ الفِقْهِيَّةِ فَهُوَ وَاجِبٌ، ويُرَاجَع تَحْقِيق هذا المَعْنَى في (العُدَّة) حَاشِيَة الصَّنْعَانِي عَلَى (إحْكَامِ الأحْكَام) لابْنِ دَقِيق العِيد (1/353 - 357)، وكَذَا تُحْفَة المَوْدُود بأحْكَامِ المَوْلُود لابْنِ القَيِّم الجَوْزِيَّة (176 - 177).
        وعَلَيْهِ: فَلاَ عُقُوبَة عَلَى تَارِك السُّنَّة بالمَعْنَى الثَّانِي، وأمَّا عَلَى المَعْنَى الأوَّل فَلاَ، لأنَّهَا تَنْقَسِم إلى وَاجِبَات ونَوَافِل، فَتَارِك السُّنَن الوَاجِبَة يُعَاقَب، والَّذِي يَتْرُك سُنَّة مُسْتَحَبَّة لا يُعَاقَب، لَكِنْ يَفُوتُهُ الأجْر العَظِيم ويَفُوتُهُ تَعْوِيض وَاجِبَاته النَّاقِصَة، لأنَّهَا تُكَمَّل يَوْمَ القِيَامَة مِنْ أُجُور السُّنَن إنْ وُجِدَت، كَمَا أنَّ القِيَامَ بالسُّنَنِ وَسِيلَةٌ لحِفْظِ الوَاجِبَات مِنَ التَّضْيِيعِ.

        ويُطْلِقُ العُلَمَاءُ أيْضًا (السُّنَّةَ) في مُقَابِلِ البِدْعَة، ويَقُولُونَ أهْل السُّنَّة في مُقَابِلِ أصْحَاب الفِرَق الضَّالَّة الكُفَّار مِنْهُم كَالجَهْمِيَّة, والمُبْتَدِعَة غَيْر الكُفَّار كَالأشَاعِرَة وغَيْرهم، والسُّنَّة بهذا الاعْتِبَار وَاجِبَة الاتِّبَاع، واقْتِفَاء طَرِيق أهْل السُّنَّة والسِّيَر في رِكَابِهِم وَاجِبٌ ومَنْ فَارَقَهُم هَلَكَ، قَالَ الإمَامُ مَالِك رَحِمَهُ اللهُ [ السُّنَّةُ كَسَفِينَةِ نُوح، مَنْ رَكبَهَا نَجَا ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرقَ ].

        الوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: الأمْرُ للوُجُوبِ:
        مِنَ التَّعْرِيفَاتِ السَّابِقَةِ ظَهَرَ أنَّ هُنَاكَ سُنَنٌ وَاجِبَةٌ، مَنْ تَرَكَهَا أثِمَ، لأنَّهَا تَحْمِل أوَامِر للوُجُوبِ، مِثْل قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (صَلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أُصَلِّي)، فَهِيَ سُنَّة، ولَكِنَّهَا تَضَمَّنَت أمْرًا وَاجِبًا، فَصَارَ فَاعِلهَا مُثَابًا وتَارِكهَا آثِمًا، وهُنَا لاَبُدَّ مِنْ سُؤَالٍ: كَيْفَ نَعْرِف الأمْر للوُجُوبِ؟

        يَقُولُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ إسْمَاعِيل المُقَدِّم حَفِظَهُ اللهُ في كِتَابِهِ المَاتِع أدِلَّةُ تَحْرِيمِ حَلْق اللِّحْيَة [ فَصْلُ: الأمْرُ حَقِيقَةٌ في الوُجُوبِ: ذَهَبَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ إلى أنَّ صِيغَةَ الأمْرِ حَقِيقَةٌ في الوُجُوبِ لُغَةً وشَرْعًا، ومِنْ حَيْثُ العَقْلِ والنَّقْلِ، فإذا وَرَدَ الأمْرُ مُتَجَرِّدًا عَن القَرَائِنِ اقْتَضَى الوُجُوب.
        أمَّا العَقْلُ: فَمَا عُلِمَ مِنْ أهْلِ اللُّغَةِ قَبْلَ وُرُود الشَّرْع أنَّهُم أطْبَقُوا عَلَى ذَمِّ عَبْدٍ لَمْ يَمْتَثِل أمْرَ سَيِّده، وأنَّهُم يَصِفُونَهُ بالعِصْيَانِ، ولا يُذَمّ ولا يُوصَف بالعِصْيَانِ إلاَّ مَنْ كَانَ تَارِكًا لوَاجِبٍ عَلَيْهِ.
        أمَّا النَّقْلُ: فَقَدْ تَكَرَّرَ اسْتِدْلاَل السَّلَف بصِيغَةِ الأمْر مَعَ تَجَرُّدِهَا عَنِ القَرَائِنِ عَلَى الوُجُوبِ، وشَاعَ ذَلِكَ بِلاَ نَكِيرٍ، فَأوْجَبَ العِلْم العَادِي باتِّفَاقِهِم عَلَيْهِ، وبالتَّتَبُّعِ يُعْلَم أنَّ فَهْمَ الوُجُوب لا يَحْتَاجُ إلى قَرِينَةٍ لتَبَادُرِهِ إلى الذِّهْنِ، بخِلاَفِ فَهْم النَّدْب، فَإنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، واسْتَدَلُّوا بالأدِلَّةِ الآتِيَةِ:
        1) قَوْلُهُ تَعَالَى لإبْلِيس (مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)، ولَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الاسْتِفْهَام بالاتِّفَاقِ، بَلِ الذَّمّ، وأنَّهُ لا عُذْرَ لَهُ في الإخْلاَلِ بالسُّجُودِ بَعْدَ وُرُود الأمْر بِهِ لَهُ في ضِمْنِ قَوْله تَعَالَى للمَلاَئِكَةِ (اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ)، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أنَّ مَعْنَى الأمْر المُجَرَّد عَنِ القَرَائِن للوُجُوبِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ دَالاًّ عَلَى الوُجُوبِ لَمَا ذَمَّهُ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَلَى التَّرْكِ، ولَكَانَ لإبْلِيس أنْ يَقُولَ (إنَّكَ مَا ألْزَمْتَنِي بالسُّجُودِ).
        2) واسْتَدَلُّوا أيْضًا بقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ)، فَذَمَّهُم عَلَى تَرْكِ فِعْلِ مَا قِيلَ لَهُم افْعَلُوه، ولَوْ كَانَ الأمْرُ يُفِيدُ النَّدْبِ لَمَا حَسُنَ هذا الكَلاَم، كَمَا لَوْ أنَّهُ قَالَ لَهُم: الأوْلَى أنْ تَفْعَلُوا ويَجُوزُ لَكُم تَرْكه، فَإنَّهُ لَيْسَ لَهُ أنْ يَذُمَّهُم عَلَى تَرْكِهِ.
        3) واسْتَدَلُّوا أيْضًا بقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) أي يُعْرِضُونَ عَنْهُ بتَرْكِ مُقْتَضَاه (أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، لأنَّهُ رَتَّبَ عَلَى تَرْكِ أمْرِهِ إصَابَة الفِتْنَة في الدُّنْيَا أو العَذَاب الألِيم في الآخِرَة، فَأفَادَت الآيَة بِمَا تَقْتَضِيه إضَافَة الجِنْس في قَوْلِهِ (أمْرِهِ) مِنَ العُمُومِ أنَّ لَفْظَ الأمْر يُفِيد الوُجُوب شَرْعًا مَعَ تَجْرِيدِهِ عَنِ القَرَائِن، إذْ لَوْلاَ ذَلِكَ لقبح التَّحْذِير.
        4) واسْتَدَلُّوا أيْضًا بقَوْلِهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى عَلَى لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَم مُخَاطِبًا أخَاهُ هَارُون عَلَيْهِ السَّلاَم (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا 92 أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي 93) أي تَرَكْتَ مُقْتَضَاه، فَدَلَّ عَلَى أنَّ تَارِكَ المَأمُورُ بِهِ عَاصٍ، وكُلُّ عَاصٍ مُتَوَعَّدٌ، وهُوَ دَلِيلُ الوُجُوبِ لهذه الآيَة، ولقَوْلِهِ (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ)، والأمْر الَّذِي أمَرَهُ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَم هُوَ (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)، وهُوَ أمْرٌ مُجَرَّدٌ عَنِ القَرَائِن.
        5) واسْتَدَلُّوا أيْضًا بقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، والقَضَاءُ هُنَا بمَعْنَى الحُكْم، و(أمْرًا) مَصْدَرٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظه أو حَالٍ أو تَمْيِيزٍ، ولا يَصِحّ أنْ يَكُونَ المُرَاد بالقَضَاءِ مَا هُوَ المُرَاد في قَوْلِهِ تَعَالَى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)، لأنَّ عَطْفَ الرَّسُول عَلَيْهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ، فَتَعَيَّنَ أنَّ المُرَادَ الحُكْم، والمُرَادُ مِنَ الأمْرِ القَوْل لا الفِعْل.
        6) واسْتَدَلُّوا أيْضًا بقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، والمُرَادُ مِنْهُ الأمْر حَقِيقَةً، ولَيْسَ بمَجَازٍ عَنْ سُرْعَةِ الإيِجَاد كَمَا قِيلَ، وعَلَى هذا يَكُون الوُجُود مُرَادًا بهذا الأمْر، أي أرَادَ اللهُ كُلَّمَا وُجِدَ الأمْر يُوجَد المَأمُور بِهِ، فَكَذَا في كُلِّ أمْرٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى ومِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
        7) واسْتَدَلُّوا أيْضًا بِمَا صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ (لَوْلاَ أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأمَرْتُهُم بالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ)، وكَلِمَة (لَوْلاَ) تُفِيدُ انْتِفَاء الشَّيْء لوُجُودِ غَيْرِهِ، فَهُنَا تُفِيدُ انْتِفَاء الأمْر لوُجُودِ المَشَقَّة، فهذا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ لَمْ يُوجَد الأمْر بالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ، والإجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى أنَّهُ مَنْدُوب، فَلَوْ كَانَ المَنْدُوبُ مَأمُورًا بِهِ لَكَانَ الأمْرُ قَائِمًا عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ، فَلَمَّا لَمْ يُوجَد الأمْر عَلِمْنَا أنَّ المَنْدُوبَ غَيْرُ مَأمُورٍ بِهِ.
        8) واسْتَدَلُّوا أيْضًا بِمَا وَقَعَ في قِصَّةِ بُرَيْرَة، لَمَّا رَغَّبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في الرُّجُوعِ إلى زَوْجِهَا فَقَالَت (يَا رَسُولَ اللهِ؛ تَأمُرنِي؟ قَالَ: إنَّمَا أشْفَعُ، قَالَت: فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ)، فَنَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الأمْر مَعَ ثُبُوتِ الشَّفَاعَة الدَّالَّة عَلَى النَّدْبِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أنَّ المَنْدُوبَ غَيْرُ مَأمُورٍ بِهِ، وإذا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أنْ يتَنَاوَلَ الأمْر بالنَّدْبِ.
        9) واسْتَدَلُّوا أيْضًا بأنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم كَانُوا يَسْتَدِلُّونَ بالأوَامِر عَلَى الوُجُوبِ، ولَمْ يَظْهَر مُخَالِف مِنْهُم ولا مِنْ غَيْرِهِم، فَكَانَ إجْمَاعًا.
        ...، وقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمُ وغَيْرُهُمَا عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهم -مِنْهُم أبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وابْن عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بإعْفَاءِ اللِّحَى، مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (أمَرَ بإحْفَاءِ الشَّوَارِب، وإعْفَاءِ اللِّحْيَة)، وعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (أنْهِكُوا الشَّوَارِب، وأعْفُوا اللِّحَى)، وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (جُزُّوا الشَّوَارِب، وأرْخُوا اللِّحَى، وخَالِفُوا المَجْوُس)، ووَرَدَ هذا الأمْر بألْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ عَدَّهَا النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فَبَلَغَت خَمْسَة، وهي قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (أعْفُوا – أوْفُوا – أرْخُوا – أرْجُوا - وَفِّرُوا)، والأمْرُ بهذا يُفِيدُ وُجُوب المَأمُور بِهِ، بحَيْثُ يُثَابُ فَاعِلُهُ ويُعَاقَبُ تَارِكُهُ، ولَيْسَت هُنَاكَ قَرِينَة تَصْرِفُهُ إلى النَّدْبِ، ومِنْهُ يُعْلَم أنَّ حَلْقَ اللِّحْيَة مُخَالَفَة صَرِيحَة لأمْرِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، واعْلَم أنَّ شُبْهَةَ القَائِلِينَ بكَرَاهَةِ حَلْق اللِّحْيَة اعْتِقَادُهُم أنَّ الأمْرَ لغَيْرِ الوُجُوب، وقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ.
        ...، إنَّ مَنْ يَتَأمَّل رِوَايَات الحَدِيث الَّتِي يَحْتَجُّونَ بِهَا يَجِدهَا جَمِيعًا تَحْمِل الأمْر بتَكْثِيرِ اللِّحَى، ولَيْسَ مُجَرَّد إبْقَاء اللِّحْيَة كَيْفَمَا اتَّفَقَ، ولا شَكَّ أنَّ قَوْلَهُ (أرْخُوا – أرْجُوا – أوْفُوا – أعْفُوا - وَفِّرُوا) يَتَضَمَّن مَعْنًى زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ وُجُود لِحْيَة ولَوْ قَصِيرَة، وعَلَيْهِ، فَإنَّهُ –عَلَى التَّسْلِيمِ الجَدَلِيِّ بأنَّ الأمْرَ للنَّدْبِ- فَإنَّ مَوْضُوعَ الأمْر هُوَ تَكْبِير وتَكْثِير اللِّحْيَة، وهُوَ أمْرٌ لا يُقَابِلهُ الحَلْق والاسْتِئْصَال، ...
        ويُمْكِنُ الاسْتِدْلاَل عَلَى الوُجُوبِ أيْضًا بالنَّهْي الوَارِد بصِيغَةِ الأمْر، فَإنَّ النَّهْيَ هُوَ طَلَبُ الكَفّ عَنِ الفِعْلِ، وقَدْ وَرَدَ النَّهْي بصِيغَةِ الأمْر، فَقَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (أعْفُوا) مَعْنَاهُ: اتْرُكُوهَا وَافِيَة لا تُقَصِّرُوهَا، كَمَا قَالَ الإمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في تَفْسِيرِ (أعْفُوا)، ونَقَلَ ابْنُ حَجَر عَنِ ابْنِ دَقِيقِ العِيد قَوْله (حَقِيقَةُ الإعْفَاءِ التَّرْك)، فَالإعْفَاءُ هُوَ طَلَبُ التَّرْكِ، فَهُوَ للنَّهْي، والنَّهْي يَلْزَم اجْتِنَابه، قَالَ تَعَالَى (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (مَا نَهَيْتُكُم عَنْهُ فَاجْتَنِبُوه).
        وقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُورُ مِنْ أهْلِ الأُصُولِ ومِنَ الحَنَفِيَّةِ والشَّافِعِيَّةِ والمُحَدِّثِينَ إلى أنَّ الشَّيْءَ المُعَيَّنَ إذا أُمِرَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ الأمْر نَهْيًا عَنِ الشَّيْءِ المُعَيَّنِ المُضَادِّ لَهُ، سَوَاء كَانَ الضِّدُّ وَاحِدًا –كَمَا إذا أمَرَهُ بالإيِمَانِ فَإنَّهُ يَكُون نَهْيًا عَنِ الكُفْرِ، وإذا أمَرَهُ بالحَرَكَةِ فَإنَّهُ يَكُون نَهْيًا عَنِ السُّكُونِ- أو كَانَ الضِّدُّ مُتَعَدِّدًا –كَمَا إذا أمَرَهُ بالقِيَامِ فَإنَّهُ يَكُون نَهْيًا عَنِ القُعُودِ والاضْطِجَاعِ والسُّجُودِ وغَيْرِ ذَلِكَ-، فَالكَفّ عَنِ الضِّدِّ لاَزِمٌ للأمْرِ لُزُومًا لا يَنْفَكّ، إذْ لا يَصْلُح الأمْر بحَالٍ إلاَّ مَعَ الكَفِّ عَنْ ضِدِّهِ، فَالأمْرُ مُسْتَلْزِمُ ضَرُورَة النَّهْي عَنْ ضِدِّهِ لاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاع الضِّدَّيْنِ.
        والحَاصِلُ أنَّ الأمْرَ بإعْفَاءِ اللِّحْيَة يُفْهَم مِنْهُ النَّهْي عَنْ حَلْقِهَا واسْتِئْصَالِهَا أو تَقْصِيرِهَا... ].

        الوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ: كَيْفَ نُفَرِّق بَيْنَ الوَاجِب والمَنْدُوب:
        تَكَرَّرَ في كَلاَمِنَا السَّابِق قَوْلُ (الأمْرُ المُتَجَرِّدُ عَنِ القَرَائِن يُفِيدُ الوُجُوب)، فَمَا مَعْنَاهُ؟ المَعْنَى أنَّ الأمْرَ لَوْ جَاءَ في آيَةٍ أو حَدِيثٍ دُونَ وُجُود قَرِينَة تَدُلّ عَلَى أنَّهُ للنَّدْبِ، فَهُوَ أمْرٌ وَاجِبٌ بالإجْمَاعِ، إذْ أنَّ النَّدْبَ هُوَ مَا يَحْتَاجُ إلى قَرِينَةٍ لتَدُلّ عَلَى نَدْبِهِ واسْتِحْبَابِهِ، أمَّا الأمْرُ الوَاجِبُ فَهُوَ يَأتِي مُتَجَرِّدًا بنَفْسِهِ.
        مِثَالُ الأمْرِ للوُجُوبِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ أنْهِكُوا الشَّوَارِب، وأعْفُوا اللِّحَى ]، فَلَمْ تَأتِ في الحَدِيث قَرِينَة تَصْرِف الأمْر للنَّدْبِ، فَدَلَّ عَلَى الوُجُوبِ.
        مِثَالُ الأمْرِ للنَّدْبِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ يَا أهْلَ القُرْآنِ؛ أوْتِرُوا، فَإنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ ]، فَقَدْ ثَبَتَتِ القَرِينَة المُفِيدَة لصَرْفِهِ عَنِ الوُجُوبِ إلى النَّدْبِ؛ حَيْثُ دَلَّ حَدِيثٌ آخَر عَلَى أنَّ الصَّلَوَات لا يَجِب مِنْهَا غَيْر الخَمْس، وذَلِكَ في حَدِيثِ الرَّجُل الَّذِي جَاءَ يَسْأل عَنِ الإسْلاَمِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ خَمْسُ صَلَوَاتٍ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرِهَا؟ قَالَ: لا، إلاَّ أنْ تَطَوَّعَ ] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، قَالَ البَاجِي في المُنْتَقَى [ وهذا نَصٌّ في أنَّهُ لا يَجِبُ مِنَ الصَّلَوَاتِ غَيْر الصَّلَوَات الخَمْس، لا وِتْر ولا غَيْره ].

        وعَلَى ذَلِكَ فَالضَّابِط الَّذِي يُعْرَف بِهِ الفَرْق بَيْنَ الأمْرِ الَّذِي يُفِيدُ الوُجُوب والأمْرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ غَيْر ذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بسِيَاقِ الكَلاَم والجَمْعِ بَيْنَ الأدِلَّةِ، وفي ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ مُصْطَفَى العَدَوِيّ في كِتَابِهِ مَفَاتِيحُ الفِقْهِ في الدِّينِ [ فَلاَ يَسْتَوِي أبَدًا العَالِم والجَاهِل، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَإِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)، وقَالَ سُبْحَانَهُ (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)، فَلاَ يَسْتَوِي أبَدًا جَاهِل وعَالِم، بَلْ إنَّ الكَلْبَ المُعَلَّم والصَّقْرَ المُعَلَّم أفْضَل مِنَ الكَلْبِ الجَاهِلِ والصَّقْرِ الجَاهِلِ، وكُلّهَا كِلاَب وصُقُور!! إلاَّ أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أبَاحَ لَنَا صَيْد الكَلْب المُعَلَّم والصَّقْر المُعَلَّم، أمَّا الآخَر فَلاَ... ]، إلى أنْ قَالَ [ فَمِنْ هذا يَلْزَمنَا إذا أرَدْنَا البَحْث في مَسْألَةٍ، أنْ نَجْمَعَ كُلّ النُّصُوص الوَارِدَة فِيهَا أمْرًا ونَهْيًا، حَظْرًا وإبَاحَةً، إطْلاَقًا وتَقْيِيدًا، عُمُومًا أو خُصُوصًا، ونُوَفِّقَ بَيْنَ تِلْكَ النُّصُوص قَدْرَ اسْتِطَاعَتنَا، ثُمَّ نُنْشِئ عَلَى إثْرِ ذَلِكَ الحُكْم الَّذِي يَحْتَوِي تِلْكَ الأدِلَّة والنُّصُوص كُلّهَا ويَنْتَظِمهَا جَمِيعًا، فَحِينَئِذٍ نَخْرُجُ بإذْنِ الله بفِقْهٍ مُتَّزِنٍ بَعِيدٍ –إلى حَدٍّ كَبِيرٍ- عَنِ الاسْتِدْرَاكِ والانْتِقَادِ والتَّعْقِيبِ، أمَّا إذا عَمَدْنَا في الحُكْمِ عَلَى مَسْألَةٍ إلى حَدِيثٍ وَاحِدٍ، فَأصْدَرْنَا مِنْ خِلاَلِهِ الحُكْم، أو إلى عِدَّةِ أحَادِيث عَلَى نَسَقٍ مُعَيَّنٍ ووَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأصْدَرْنَا بنَاءً عَلَيْهَا الحُكْم، وتَرَكْنَا أحَادِيث في نَفْسِ البَابِ لَمْ نَتَنَاوَلْهَا بالتَّوْجِيهِ أو الجَمْعِ بَيْنَهَا وبَيْنَ الأحَادِيث الأُوَل، فَإنَّنَا نَضْطَرِب ولاَبُدّ، ونَشِذّ ولا مَفَرّ، ولا نَكَادُ نَعْلَم فِرْقَة ضَلَّت مِنْ فِرَقِ المُسْلِمِينَ، ولا عَالمًِا شَذَّ في مَسْألَةٍ مِنَ المَسَائِلِ، ولا فَقِيهًا شَرَدَ في مَسْألَةٍ فِقْهِيَّةٍ، إلاَّ للعَمَلِ ببَعْضِ الأحَادِيث في الجَانِبِ الَّذِي شَذَّ فِيهِ وتَرَكَ البَعْض الآخَر، إمَّا عَنْ قَصْدٍ كَفِرَقِ الضَّلاَلِ، وإمَّا عَنْ غِيَابِ نَصٍّ كَالمُجْتَهِدِينَ مِنْ أهْلِ العِلْم، وإمَّا لعَدَمِ اسْتِيعَاب فِقْهِ النَّصّ كَكَثِيرٍ مِنْ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ،... ].

        وبنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ يُمْكِننَا أنْ نَقُولَ:
        - (هل الصلاة كالحجاب - وبر الوالدين كاللحية): نَعَمْ، كُلُّهُم وَاجِبَاتٌ (فُرُوض)، يَخْتَلِفُونَ في الثَّوَابِ والعِقَابِ المُتَرَتِّب عَلَيْهم، ولَكِنَّهُم وَاجِبَات، يَأثَمُ تَارِكهَا ويُثَابُ فَاعِلهَا.
        - (والزكاة كالسواك): لا طَبْعًا، لأنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ، بَيْنَمَا السِّوَاك فَوَرَدَ في حَقِّهِ النَّدْب المُؤَكَّد، فَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَتْرُكهُ.
        - (ما هي الأصول والفروع): هذا المُصْطَلَح رُوعِيَ فِيهِ المَعْنَى اللُّغَوِيّ للكَلِمَتَيْنِ، فَالأصْلُ هُوَ كُلُّ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْره ويَنْدَرِج تَحْته سَوَاء أكَانَ حِسِّيًّا أمْ مَعْنَوِيًّا، والفَرْعُ ضِدّهُ، أي كُلُّ مَا يَنْبَنِي عَلَى غَيْرِهِ، فَالأبُ أصْلٌ والابْنُ فَرْعٌ، وجِذْعُ الشَّجَرَةِ أصْلٌ وأغْصَانُهَا فُرُوعٌ، وهذا المُصْطَلَحُ في كُلِّ شَيْءٍ بحَسْبِهِ، ويُقْصَد بالأُصُولِ في الإسْلاَمِ الكُلِّيَّات والثَّوَابِت والقَوَاعِد العَامَّة للدِّينِ،والثَّوَابِت هي الأُمُور الكُلِّيَّة والأُصُول المُجْمَع عَلَيْهَا والَّتِي لا يَجُوزُ الخِلاَف فِيهَا، أمَّا المُتَغَيِّرَات فَالمُرَاد بِهَا الأُمُور الجُزْئِيَّة الفَرْعِيَّة الاجْتِهَادِيَّة الَّتِي يَجُوزُ الخِلاَف فِيهَا بَيْنَ العُلَمَاء، وضَابِطُ ذَلِكَ أنَّ مَا كَانَ فِيهِ نَصٌّ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ أو إجْمَاعٌ فَهُوَ مِنَ الثَّوَابِت، ومَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ أو إجْمَاعٌ فَهُوَ مِنَ المُتَغَيِّرَاتِ، قَالَ الإمَامُ ابْنُ القَيِّم في كِتَابِهِ إغَاثَة اللَّهْفَان [ الأحْكَامُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لا يَتَغَيَّر عَنْ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ هُوَ عَلَيْهَا لا بحَسْبِ الأزْمِنَة ولا الأمْكِنَة ولا اجْتِهَاد الأئِمَّة، كَوُجُوب وتَحْرِيم المُحَرَّمَات والحُدُود المُقَدَّرَة بالشَّرْعِ عَلَى الجَرَائِم ونَحْو ذَلِكَ، فهذا لا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَغْيِيرٌ ولا اجْتِهَادٌ يُخَالِفُ مَا وُضِعَ عَلَيْهِ. النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَتَغَيَّر بحَسْبِ اقْتِضَاء المَصْلَحَة لَهُ زَمَانًا ومَكَانًا وحَالاً، كَمَقَادِير التَّعْزِيرَات وأجْنَاسهَا وصِفَاتهَا، فَإنَّ الشَّارِعَ يُنَوِّعُ فِيهَا بحَسْبِ المَصْلَحَة ]، والأمْثِلَةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَة جِدًّا، فَأكْثَر مَسَائِل العَقَائِد هي مِنَ الثَّوَابِت، وأكْثَر مَسَائِل الأحْكَام هي مِنَ المُتَغَيِّرَات، وللوُقُوفِ عَلَى الأمْثِلَةِ رَاجِع كُتُب العَقَائِد وكُتُب الأحْكَام، مِثْل كِتَاب العَقِيدَة الطَّحَاوِيَّة في العَقَائِد لأبِي جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، وكِتَاب بِدَايَة المُجْتَهِد ونِهَايَة المُقْتَصِد في الأحْكَامِ لابْنِ رُشْد الحَفِيد.
        - (و هناك حديث بمعنى انه لبد ان نتوغل في هدا الدين برفق ما معنى هدا الحديث لان الكقير كل من يرى احد انفعل غيرة على الدين او حضر الدروس و اطلق اللحية و قصر الثياب كانه سؤا التوغل في الدين): تَجِد الرَّدّ عَلَيْهِ بإذْنِ الله في الفَتْوَى التَّالِيَة (شرح حديث لا يشاد الدين أحد إلا غلبه)، وأيْضًا (ينكرون عليه تطبيق السُّنَّة ويدََّعون أنها تفرق المسلمين) و(ما هو التنطع المذموم) و(لا تكن متشددا).
        - (مادا يعني قَبل أن تُحَدثنِي عَن الإسلَام، دَعنِي أرَى الإسلَامَ فِيك): النَّصِيحَةُ حَدٌّ فَاصِلٌ بَيْنَ النَّاصِح والمُنْتَصِح، فَأمَّا النَّاصِح: فَيَقُولُ الشَّيْخُ مُحَمَّد صَالِح العُثَيْمِين رَحِمَهُ اللهُ [ الوَاجِبُ عَلَى العَبْدِ أنْ يُصْلِحَ نَفْسهُ أوَّلاً، ثُمَّ يَسْعَى في إصْلاَحِ غَيْره، فَهُنَا وَاجِبَانِ: وَاجِبٌ للنَّفْسِ ووَاجِبٌ للغَيْرِ. فَالعَاقِلُ يَبْدَأ أوَّلاً بنَفْسِهِ ثُمَّ يُحَاوِل إصْلاَح غَيْره، وقَدْ أنْكَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى مَنْ يَأمُرُونَ النَّاسَ بالبِرِّ ويَنْسَوْنَ أنْفُسَهُم فَقَالَ تَعَالَى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)، ولَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَالوَاجِب عَلَى هذا الإنْسَان أنْ يَأمُرَ بالمَعْرُوفِ وإنْ كَانَ لا يَفْعَلُهُ، وكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وإنْ كَانَ يَفْعَلُهُ، لأنَّهُ لَوْ تَرَكَ الأمْرَ بالمَعْرُوفِ وهُوَ لا يَفْعَلُهُ أضَاعَ وَاجِبَيْنِ، ولَوْ تَرَكَ النَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ وهُوَ يَفْعَلُهُ أضَاعَ وَاجِبَيْنِ أيْضًا، فإذا أضَاعَ أحَد الوَاجِبَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ الثَّانِي، ولَوْ أنَّ الإنْسَانَ لا يَأمُر إلاَّ بِمَا يَفْعَل ولا يَنْهَى إلاَّ عَمَّا تَرَكَ لَسَقَطَ كَثِيرٌ مِنَ الأمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ. وأضْرِبُ لهذا مَثَلاً برَجُلٍ يَنْهَى عَنِ الغَيْبَةِ، والغَيْبَةُ هي ذِكْرُكَ أخَاكَ بِمَا يَكْرَه، لَكِنْ هُوَ يَغْتَابُ النَّاس، هَلْ نَقُولُ: لا تَنْهَ عَنِ الغَيْبَةِ لأنَّكَ تَغْتَاب النَّاس؟ لَوْ قُلْنَا بهذا لَكَانَ أكْثَر النَّاس لا يَنْهَوْنَ عَنِ الغَيْبَةِ، مَنِ الَّذِي يَسْلَم مِنَ الغَيْبَةِ إلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ؟ لهذا نَقُولُ: مُرْ بالمَعْرُوفِ وإنْ كُنْتَ لا تَفْعَلُهُ، لَكِنْ ذَلِكَ سَوْفَ يَكُون حُجَّة عَلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَة، وانْهَ عَنِ المُنْكَر وإنْ كُنْتَ تَفْعَلُهُ، ولَكِنْ هذا سَيَكُون حُجَّة عَلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَة ]، وأمَّا المُنْتَصِح فَعَلَيْهِ أنْ يَقْبَلَ النَّصِيحَة مِنْ أيِّ شَخْصٍ كَانَ طَالَمَا نَصَحَهُ بالحَقِّ، ولا يَرْفُضهَا لَكْوِن النَّاصِح لا يَعْمَل بِهَا، لأنَّهُ يَأخُذهَا للحَقِّ الَّذِي فِيهَا لا لشَخْصِ مَنْ قَالَهَا، وعَلَى ذَلِكَ فَالجُمْلَة المَسْئُول عَنْهَا لا مَجَالَ لقَوْلِهَا مِنَ المُنْتَصِح، ولا تَمْنَع النَّاصِح مِنْ قَوْلِ النَّصِيحَة وإنْ لَمْ يَكُنْ عَامِلاً بِهَا، وفي النِّهَايَةِ: للنَّصِيحَة أدَب، إنْ خَرَجَت عَنْهُ كَانَت إهَانَة، مِثْل النَّصِيحَة في العَلَنِ عَلَى ذَنْبٍ مُسْتَتِر، أو النَّصِيحَة عَلَى وَجْهِ المُعَايَرَة والفَضْح، ومَا شَابَهَ.
        هذا؛ ومَا تَوْفِيقِي إلاَّ باللهِ، وأدْعُو اللهَ أنْ أكُونَ قَدْ وُفِّقْت في إجَابَةِ أسْئِلَتكَ، وأعْتَذِرُ لَكَ عَنِ التَّأخِيرِ، وأشْكُرُ لَكَ الْتِمَاس العُذْر، وَفَّقَنَا اللهُ وإيَّاكُم لفَهْمٍ صَحِيحٍ لدِينِهِ وتَطْبِيقِهِ عَلَى مُرَادِهِ بالوَجْهِ الَّذِي يُرْضِيه عَنَّا في الدُّنْيَا والآخِرَة، اللَّهُمَّ آمِينَ.

        وهذا مَا أعْلَمُ؛ واللهُ تَعَالَى أعْلَى وأعْلَمُ
        والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ

        زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
        كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
        في
        :

        جباال من الحسنات في انتظارك





        تعليق


        • #5
          رد: ترتيب الاولويات في الدين

          بارك الله فيكم

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          x
          إدراج: مصغرة صغير متوسط كبير الحجم الكامل إزالة  
          x
          أو نوع الملف مسموح به: jpg, jpeg, png, gif
          x
          x
          يعمل...
          X