إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقاطع مهمة لزوار القسم

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقاطع مهمة لزوار القسم

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    الإخْوَةُ والأخَوَاتُ الكِرَامُ
    السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
    في هذا المَوْضُوع يَتِمّ تَجْمِيع المَقَاطِع المُهِمَّة الَّتِي يَحْتَاجهَا زُوَّار القِسْم، نَدْعُو اللهَ أنْ نَنْتَفِعَ جَمِيعًا بِهَا، اللَّهُمَّ آمِينَ.

    فهرس المقاطع
    الشعراوى يحسم قضية عمل المرأة بجملتين فقط من كتاب الله
    شباب في زماننا وكأنه في زمن الصحابة (شاب حفظ الصحيحين في أسبوعين): رسالة لمن لا يستطيع ترك المعصيه
    لمن يريد أن يتوب: قصة توبة حسان؛ يرويها الشيخ خالد الراشد
    لكل مهموم ولكل من أثقلته المعاصي
    قصة حب رائعة بين شاب وفتاة !! بماذا انتهت
    من الذي يفسر الرؤيا؟ وكيف يفسرها؟
    مشهد كان السبب فى توبة كثير منا....عدت اليك ربي....
    الوسواس القهري وعلاجه
    حكم عمل المرأة إذا كان مختلطا، وكيف تتجنب فتن الجامعات
    زواج الملتزمة من غير الملتزم
    التعديل الأخير تم بواسطة فريق استشارات سرك فى بير(الأخوات); الساعة 24-09-2012, 05:39 PM.

    زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
    كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
    في
    :

    جباال من الحسنات في انتظارك






  • #2
    رد: مقاطع مهمة لزوار القسم

    التعديل الأخير تم بواسطة فريق استشارات سرك فى بير(الأخوات); الساعة 05-07-2012, 12:06 PM.

    زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
    كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
    في
    :

    جباال من الحسنات في انتظارك





    تعليق


    • #3
      رد: مقاطع مهمة لزوار القسم


      زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
      كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
      في
      :

      جباال من الحسنات في انتظارك





      تعليق


      • #4
        رد: مقاطع مهمة لزوار القسم


        زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
        كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
        في
        :

        جباال من الحسنات في انتظارك





        تعليق


        • #5
          رد: مقاطع مهمة لزوار القسم


          زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
          كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
          في
          :

          جباال من الحسنات في انتظارك





          تعليق


          • #6
            رد: مقاطع مهمة لزوار القسم


            زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
            كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
            في
            :

            جباال من الحسنات في انتظارك





            تعليق


            • #7
              رد: مقاطع مهمة لزوار القسم


              زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
              كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
              في
              :

              جباال من الحسنات في انتظارك





              تعليق


              • #8
                رد: مقاطع مهمة لزوار القسم


                زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
                كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
                في
                :

                جباال من الحسنات في انتظارك





                تعليق


                • #9
                  رد: مقاطع مهمة لزوار القسم


                  زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
                  كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
                  في
                  :

                  جباال من الحسنات في انتظارك





                  تعليق


                  • #10
                    رد: مقاطع مهمة لزوار القسم

                    التعديل الأخير تم بواسطة فريق استشارات سرك فى بير(الأخوات); الساعة 24-09-2012, 05:37 PM.

                    زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
                    كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
                    في
                    :

                    جباال من الحسنات في انتظارك





                    تعليق


                    • #11
                      رحلة الصمود والصراع مع الحياة – قصة كفاح

                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                      =====

                      رحلة الصمود والصراع مع الحياة – قصة كفاح


                      الأخوة والأخوات
                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                      هذه القصة وصلتني على بريدى وترددت كثيرًا في نشرها لأسباب قد تقفوا على بعضها من خلال مروركم بمحتواها لكني رأيت فيها عبرًا ورحلة صمود وتحدي يعجز عنها كثير من الناس لذا توكلت على الله وقمت بمراجعتها لغويا ونشرتها إليكم لتعم بها الفائدة وأتذكر وأنا أقدم لها مقولة الزعيم المصري مصطفى كامل – رحمه الله – (( إن الصخور والعقبات تسد الطريق أمام الضعفاء بينما يرتكز عليها الأقوياء )) وإليكم القصة :


                      قد تتعجبون عند قراءتكم لقصتي وقد تقولون أنها ضرب من الخيال وقد نسجتها لكم من خيوط معاناتي ، لتعرفوا أنني ما عانقت اليأس فيها يومًا لأنني توكلت على ربي وفوضت أمري إليه فمنحني قوة الإيمان والأمل عشت طفولة بائسة أقل ما يقال عنها بأنها كئيبة مظلمة وسط أسرة فقيرة لا تكاد تجد ما تسد به رمقها من الجوع ، لم أعرف طعم الحلوى والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتي البائسة ، ومازلت أذكر كيف أننا كنا ننتظر الأعياد ومناسبات الأفراح لجيراننا وأهل الحارة لأننا نتذوق من خلالها اللحوم والفواكه التي حرمنا منها .

                      كانت أسرتي أسرة لا يكاد أي فرد فيها يشعر بالآخر فلكل منا عالمه الخاص، فكل فرد من أسرتي للأسف كان لديه ما يشغله من أعمال وخصوصيات يخجل قلمي من ذكرها وكان أبي يعمل مستخدما في أحد المعارض وراتبه البسيط لا يصل بالأسرة الكبيرة إلى نهاية الشهر بأمان بل كثيرا ما تتوقف بنا سفينة الحياة في منتصف الشهر وكان أبي إنسانًا سلبيًا قانعًا من الحياة بعشرة أطفال مشردين في الشوارع لا يعلم عنهم شيئًا وربما كان لاستخدامه المخدرات في بداية حياته وكثرة دخوله وخروجه من السجن آثارًا سلبية جعلته لا مباليا بكل ما حوله وكنت أشفق عليه أحيانًا وأنا أراه كثير الصمت والشرود ولا يحرك ساكنا .

                      أما والدتي !!!! فأعذروني إن تحدثت عنها بهذه الطريقة المؤلمة ، فالحقيقة أشد إيلاما" ، فقد كانت تتسكع بين بيوت الحارة طوال يومها وكأنها لم تستوعب يوما" أنها زوجة وأم،، وكانت دائما" تنظر إلى ما في أيدي الآخرين وتحسدهم وتطلبهم وتريق ماء وجهها ليجودوا عليها ببعض الفتات أما إخوتي فحدث ولا حرج فهم يعيشون على طرقات الشوارع ، وأغلبيتهم انحرفوا عن جادة الصواب،، حتى إخوتي،(البنات) لم يقمن وزنا" للأخلاق ولا للشرف ولا حتى لنظرة
                      المجتمع،،والكارثة، أن إخوتي بمجرد وصولهم إلى الصف الرابع ابتدائي فإنهم يتركون الدراسة من غير سبب في ظل هذه الأحداث من حولي ، عشت هذه الطفولة البائسة وأنا كارهة لوضعي ناقمة على أمي وأبي اللذين تجردا من أشرف وأسمى لقب في الوجود ، كنت متمسكة بدراستي وبقوة وكنت من المتفوقات بالرغم من قسوة الظروف من حولي وتفكك أسرتي وانحرافهم جميعا ، وسأحدثكم الآن عن اليوم الذي غير مسـار حياتي للأبد وفيه بدأت مأساتي الحقيقية والتي لولا إيمانــي بالله لما تجاوزتها .

                      فحين حصلت على شهادة الصف الثالث متوسط وأنا الوحيدة من أسرتي التي وصلت إلى هذا المستوى تقدم رجل لخطبتي من أبي وكان عمري حينها (١٥عامـا) أما هو فكان عمره ( ٦٠ عامــا) ومصاب بالضغط والسكر وزيادة عليها كان مدمنا" وتاجر للمخدرات ؛ رمما جعلته تجارته هذه تجني أرباحا كثيرة، وهو السبب الوحيد الذي جعل لعاب أبي وأمي يسيل ولا يكاد يقاوم الإغراء المادي الذي يتراقص أمامهما بكل بريق ولمعان، ومن دون تردد وافقا ولم يأخذا أذني،، فصرخت في وجهيهما وقلت:لا أريده، أريد أن أكمل دراستي زوجوه أختي الكبرى ولكن لا حياة لمن تنادي ، فقد تم زفافي وسط جو كئيب ولم تبالي أمي بي أتعلمون ما أول شيىء وضعته أنا في حقيبتي؟! وضعت دروسي وكتبي ، ودخلت داري الجديدة ، عفوا أقصد سجني ، ولكم أن تتخيلوا فتاة في الخامسة عشر من عمرها في هذا الموقف المروع.الذي اغتال آدميتها ونقاءها.
                      خمس سنوات مرت من عمري دفعت ثمنها كفاتورة قاسية للجشع والطمع اللذين أعميا أبصار أهلي خمس سنوات من عمري دفعت ثمنها غاليا" وذقت فيها كل ألوان العذاب من ضرب بالسياط والنعال _أكرمكم الله_ والحبس والحرمان من الطعام ،،، كل ذلك لم يقهرني بقدر ما قهرني وجعلني أنزف من الداخل حرماني من الدراسة ورفضه التام لذهابي إلى المدرسة،، أصبحت أشبه هيكل عظمي نتيجة الهم والغم، ولكن الله الرحيم يشاء أن يهبني أطفالا" يشغلونني ، أنجبت ولدين وبنت خلال( 5 سنوات) فقط. كان عمري حينها(20) وعاهدت نفسي أن أجنب أطفالي جميع ما مررت به في طفولتي ولكن أنى لي ذلك وأبوهم إنسان متجرد من شرف الأبوة. فبمجرد أن يشرب الخمر فإنه يقوم بضربي وإياهم.. أتدرون أنني في أغلب الليالي الطويلة كنت أحتضنهم وأنام وإياهم ونحن جالسين خوفا من أن يقوم بقتلنا كما كان يتوعد.. أما حين يكون بحاجة إلى المخدر ولا يجده فإنه يقوم بتحطيم الأثاث وطردي وأطفالي إلى الشارع، وكثيرا" ما يقوم جيراننا الطيبون بإيوائنا رحمة وشفقة بنا لعلكم قد تتساءلون عن دور والداي ؟
                      أسمحوا لي أن أصدمكم:فقد كانا لا يحركا ساكنا" كعادتهما كنت أدعوا الله في الليالي المدلهمة أن يفرج كربتي ويزيل عني هذا البلاء الذي تعجز نفسي على احتماله ، وقد استجاب الله لدعائي ، ففي ذات يوم سمعت صراخ الجيران من حولنا وهم ينادوني: ( يا أم فلان ، زوجك...زوجك!!!) ركضت أنا وأطفالي مسرعين لنرى ما حدث ، لقد قام زوجي بالعراك مع رجل من زبائنه اختلف وإياه على ثمن قطعة هيروين، فتطاعنا بالسكين، فطعنة زوجي ومات على الفور لقد شاهدت زوجي المجرم وقد تلطخت ملابسه بالدماء وهو يرتجف بين أيدي الشرطة وكانت شفتاه تميلان إلى اللون الأبيض من هول الموقف. أما عيناه فقد كانت زائغتان ينظر إلى الناس من حوله بذهول...

                      أما أنا فلا تسألوني عن مشاعري المضطربة ،،، لا أدري هل هي لحظات سعادة أم شماتة انتظرتها من زمن طويل أم هي مشاعر ألم هيجتها ذكرياتي المؤلمة ، لم أشعر إلا وأنا أردد لاشعوريا"

                      : الحمد لله، الحمد لله بعد أسبوع فقط من القبض عليه وقبل حتى أن تبدأ محاكمته وأصدرت عدالة السماء حكمها فمات بعد ارتفاع الضغط وإصابته بنزيف دماغي .

                      كنت أنظر في منزلي وبصقت على دولاب ملابسه وعلى كؤوس خمره وعلى سوطه الذي ألهب جسدي وجسد أطفالي بصقت على كل شبر في منزلي سار عليه وجاءت أسرتي تعزيني بوفاته وأنا التي لم أراهم منذ سنتين كانت أول كلمه قالتها لي أمي حتى قبل أن تسلم علي قالت : (الله يرحمه هل عنــده ورث ؟؟؟!!!) ولولا خوفي من الله لطردتها ،، ومن تصاريف الله أن زوجي كان مديونًا وحين علمت أسرتي بذلك لم أعد أراهم فقد خافوا أن أشكل عليهم عبئا" إضافيا" أنا وأطفالي وشعرت بالألم الممزوج بالقهر .فيالها من بيعة خاسرة تلك البيعة التي عقدها أهلي مع ذلك الجلاد،،
                      وفضل أهلي الهرب بعيدا" عني وجلست أفكر فأنا أرملة جميلة في العشرين من عمري وعندي 3 أطفال وليس لدي أي مصدر للرزق وأمامي طريقان:
                      الأول هو طريق الكفاح والصبر
                      والثاني هو طريق الكسب السريع حيث أبيع أنوثتي للراغبين في امرأة وحيدة مثلي . واخترت الطريق الأول بلا تردد،،، وكان أول ما فعلته أنني بعت آخر قطعة ذهب ورحلت عن منزلي الأول الذي شهد أسوأ ذكرياتي وانتقلت أنا وأطفالي إلى مدينة بعيده واستأجرت غرفة صغيرة بحمامها فقط،،واشتريت موقدا صغيرا وسريرا مستعمل لي ولأطفالي، وبعض الأواني القديمة المستعملة،، وأنا أعترف لكم بأن هذه الغرفة حقيرة حتى في نظر الفقراء. ولكن ما جعلها مثل الحلم في نظري هو أنني وحدي فيها مع أطفالي فأنا التي أحدد مصيري بعد إرادة الله طبعا".

                      بدأت أبحث عن عمل شريف، ولقد سخر الله لي جيران طيبين ساعدوني كثيرا فقد كانوا يتصدقون علينا ببعض الطعام والملابس القديمة وأحسنوا إلي فجزاهم الله عني خير الجزاء ، ووجدت عمل حكومي كمستخدمة في أحد المدارس الثانوية القريبة من بيتي ، ولا أنســــى أول راتب قبضته في حياتي كان بسيط ولكن دموعي انهمرت لحظة استلامه بكيت كثيرا وحمدت الله على رزقه وإعانتي على لقمة العيش اشتريت لأطفالي ملابس جديدة وألعاب وطعاما" طيبا" ولأول مرة منذ أربعة أشهر أطبخ دجاجا" لأطفالي واشتريت لهم بسكويتا " وشوكولاته.. كنت أرى السعادة في أعينهم .

                      مرت سنة كاملة وأنا في وظيفتي استطعت أن أكسب احترام مديرتي وتعاطف المعلمات وحب الطالبات،، وذات يوم.

                      سألت نفسي: لماذا لا أكمل تعليمي الثانوي خاصة أنني في مدرسة ثانوية ؟ عرضت الأمر على مديرتي فشجعتني وقدمت أوراق انتسابي وكان صدفه أن ابني البكر يدرس في الصف الأول ابتدائي وأنا أول ثانوي،، اجتهدت في دراستي بالرغم من الأحمال الملقاه على عاتقي كأم وموظفة وطالبه!!!

                      وفي خلال3سنوات حصلت على شهادة الثانوية العامة بنسبه ٩٧% بكيت كثيرا وأنا أرى بداية الخير وأرى ثمار جهدي بدأت تنضج انتقلت من عملي مستخدمة وقدمت على وظيفة كاتبه في إحدى الدوائر الحكومية.براتب جيد بالإضافة إلى
                      تقديم أوراق انتسابي إلى الجامعة[قسم تربية إسلامية] استأجرت شقة صغيرة مكونة من غرفتين وصالة ومطبخ ودورة مياه ولأول مرة يدخل tv‏ إلى بيتنا بعد أن أخذت سلفه من البنك أثثت فيها الشقة]] وبدأت ارتاح في حياتي،خاصة أن أطفالي دخلوا المدارس وأصبحوا متفوقين دراسيا وأخلاقيا" حاولت أن أعوض أطفالي واشتري لهم كل ما تهفوا إليه أنفسهم.. وكونت علاقات صداقة مع زميلاتي وأخوات لي في الله كن نعم العون لي فكنا نذهب في نزهات وزيارات ، وكل ذلك من أجل أن أرفه أبنائي..

                      مرت أربع سنوات عصيبة حصلت من خلالها على البكالوريوس بتقدير عام امتياز مع مرتبه الشرف ، وبعدها تم وبفضل الله تعييني في مدرسة ثانوية..كان ابني الكبير في الثالثة عشر من عمره واحتضنني وقال : أنت أعظم أم أنا فخور بك . واحتضنتهم جميعا" وظللنا نبكي بلاشعور لساعات ولأول مره أقبض مرتبا" ضخما" تصدقت بنصفه كشكر لله ونصفه الباقي اشتريت لأطفالي جميع ما يحتاجون ، وبدأت أدخر جزء كبير من مرتبي لكي أبني به منزل خاص لي ، وقدمت على الماجستير وحصلت عليها خلال سنتين فقط بتقدير امتياز مع مرتبه الشرف ، وبدأت في بناء منزلنا مكون من طابقين به عشر غرف وصالتين ومطبخ ومستودع وحديقة كبيرة ومسبح ،، ثم قدمت على الدكتوراه وكان مشوارها صعبا" جدا" جدا" جدا" خاصة أن أطفالي بدأوا يكبرون وكان الإرهاق يكاد يقتلني وأنا أشتت نفسي بين عملي كمعلمة وبين مذاكرتي للدكتوراه وأبحاثي وبين مذاكرة أولادي وبين الإشراف على البناء والتأثيث، والذي كان أثاثا" ضخما" ورائعا"
                      وحصلت على درجة الدكتوراه وتم تعييني كأستاذة في الجامعة وكان عمري حينها ٣٧ أتعلمون لحظة استلامي لشهادتي بمن فكرت ؟
                      لقد فكرت بأمــــي ، ترى لو رأتني في هذا المشهد فهل كانت ستبكي من الفرح،، أم أنها ستسألني عن العائد المادي الذي سأجنيه من وراء ذلك ؟
                      ولكن لا تعتقدوا أني عاقة لوالدتي أو أنني لم أحاول صلتها في ما مضى ! بالعكس لقد ذهبت إليها أكثر من مره ووجدتها كما هي لم تتغير ، أما أبي فقد توفي بعد زوجي بسنة وقد كنت أرسل لها من مرتبي ، وأما إخوتي وأخواتي فلم يكن يشرفني التعرف إليهم أو تواجدهم في حياتي فابتعدت عنهم من أجل أبنائي ، أبتسمــ*_*ــت الحياة لي بعد عبوس طويل .

                      وأنا الآن أخبركم عن وضعي أنا وأبنائي: أنا الآن لي مركزي الاجتماعي وأعيش في بيت فخم وعندي الخدم والسائقين..

                      أما أبنائــــي: فقد تخرجوا جميعا" من جامعاتهم العلمية فابني الكبير أصبح طبيبــا" جراحــا"، وابني الثاني مهنــــدس معمــاري ، وابنتي الصغرى طبيبــة أطفــــال ، وقد زوجتهم جميعا" وأصر ابني الأكبر أن يعيش هو وزوجته معي فملأ علي البيت بالحياة وضحكات أحفادي ، وها أنا الآن في الخامسة والخمسين من عمري . والحمــــد لله..

                      قصتي هذه أهديها لكل يائس،ومحبط،، لعل بها من بصيص الأمل ما يبدد لحظات اليأس في حياته ، وصدقوني لو استسلمت لليأس ولحظاته المريرة لما وصلت إلى هذه الحيــــاة التي أعيشها الآن بفضل الله ثم بفضل تمسكي بالأمل وصدقوني ومن تجربه خضتها واستطعت النجاح فيها، ليس هناك أجمل من التفـــــــــــــاؤل، والتشبث بالأمل حتى وإن كان صغيرًا .

                      كاتبة القصة إحدى زميلات الأخت صاحبة القصة وكتبتها عن لسانها شخصيًا ولقربها الشديد منها وصدق الله العظيم
                      (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الله كريم فلا يتسلل اليأس لقلوبكم أبدًا .

                      زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
                      كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
                      في
                      :

                      جباال من الحسنات في انتظارك





                      تعليق


                      • #12
                        أريـد أن أتـوب ولكـن ؟

                        أريـد أن أتـوب ولكـن ؟



                        المقدمة

                        مقدمة في خطر الاستهانة بالذنوب

                        شروط التوبة ومكملاتها

                        توبة عظيمة

                        التوبة تمحو ما قبلها

                        هل يغفر الله لي

                        توبة قاتل المائة

                        كيف أفعل إذا أذنبت

                        إنهم يهددونني

                        فهلم إلى دعاء إبراهيم

                        ذنوبي تنغص معيشتي

                        هل اعترف ؟

                        فتاوى مهمة للتائبين

                        وختاماً





                        المقدمة

                        إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

                        فإن الله أمر المؤمنين جميعاً بالتوبة: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} النور /31.

                        وقسم العباد إلى تائب وظالم، وليس ثم قسم ثالث البتة، فقال عز وجل: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الحجرات /11 وهذا أوان بعد فيه كثير من الناس عن دين الله فعمت المعاصي وانتشر الفساد، حتى ما بقي أحد لم يتلوث بشيء من الخبائث إلا من عصم الله.

                        ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره فانبعث الكثيرون من غفلتهم ورقادهم، وأحسوا بالتقصير في حق الله، وندموا على التفريط والعصيان، فتوجهت ركائبهم ميممة شطر منار التوبة، وآخرون سئموا حياة الشقاء وضنك العيش، وهاهم يتلمسون طريقهم للخروج من الظلمات إلى النور.

                        لكن تعترض طريق ثلة من هذا الموكب عوائق يظنونها تحول بينهم وبين التوبة، منها ما هو في النفس، ومنها ما هو في الواقع المحيط.

                        ولأجل ذلك كتبت هذه الرسالة آملاً أن يكون فيها توضيح للبس وكشف لشبهة أو بيان لحكم ودحر للشيطان.

                        وتحتوي هذه الرسالة على مقدمة عن خطورة الاستهانة بالذنوب فشرحاً لشروط التوبة، ثم علاجات نفسية، وفتاوى للتائبين مدعمة بالأدلة من القرآن الكريم والسنة، وكلام أهل العلم وخاتمة.

                        والله أسأل أن ينفعني وأخواني المسلمين بهذه الكلمات، وحسبي منهم دعوة صالحة أو نصيحة صادقة، والله يتوب علينا أجمعين.

                        مقدمة في خطر الاستهانة بالذنوب

                        اعلم رحمني الله وإياك أن الله عز وجل أمر العباد بإخلاص التوبة وجوباً فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا } التحريم /8

                        ومنحنا مهلة للتوبة قبل أن يقوم الكرام الكاتبون بالتدوين فقال صلى الله عليه وسلم: (إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات - محتمل أن تكون الساعة الفلكية المعروفة، أو هي المدة اليسيرة من الليل أو النهار، من لسان العرب - عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة) رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1209. ومهلة أخرى بعد الكتابة وقبل حضور الأجل.

                        ومصيبة كثير من الناس اليوم أنهم لا يرجون لله وقاراً، فيعصونه بأنواع الذنوب ليلاً ونهاراً، ومنهم طائفة ابتلوا باستصغار الذنوب، فترى أحدهم يحتقر في نفسه بعض الصغائر، فيقول مثلاً: وماذا تضر نظرة أو مصافحة أجنبية. الأجانب هم ما سوى المحارم.

                        ويتسلون بالنظر إلى المحرمات في المجلات والمسلسلات، حتى أن بعضهم يسأل باستخفاف إذا علم بحرمة مسألة كم سيئة فيها ؟ أهي كبيرة أم صغيرة ؟ فإذا علمت هذا الواقع الحاصل فقارن بينه وبين الأثرين التاليين من صحيح الإمام البخاري رحمه الله:

                        - عن أنس رضي الله عنه قال: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات) والموبقات هي المهلكات.

                        - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا – أي بيده – فذبه عنه "

                        وهل يقدر هؤلاء الآن خطورة الأمر إذا قرأوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه (وفي رواية) إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه) رواه أحمد، صحيح الجامع 2686-2687.

                        وقد ذكر أهل العلم أن الصغيرة قد يقترن بها من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف من الله مع الاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر بل يجعلها في رتبتها، ولأجل ذلك لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.

                        ونقول لمن هذه حاله: لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت.

                        وهذه كلمات سينتفع بها إن شاء الله الصادقون، الذين أحسوا بالذنب والتقصير وليس السادرون في غيهم ولا المصرون على باطلهم.

                        إنها لمن يؤمن بقوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الحجر /49، كما يؤمن بقوله: {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} الحجر /50.

                        شروط التوبة ومكملاتها

                        كلمة التوبة كلمة عظيمة، لها مدلولات عميقة، لا كما يظنها الكثيرون، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب، وتأمل قوله تعالى: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) هود /3 تجد أن التوبة هي أمر زائد على الاستغفار.

                        ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث، وهذا ذكر بعضها:

                        الأول: الإقلاع عن الذنب فوراً.

                        الثاني: الندم على ما فات.

                        الثالث: العزم على عدم العودة.

                        الرابع: إرجاع حقوق من ظلمهم، أو طلب البراءة منهم.

                        وذكر بعض أهل العلم تفصيلات أخرى لشروط التوبة النصوح، نسوقها مع بعض الأمثلة:

                        الأول: أن يكون ترك الذنب لله لا لشيء آخر، كعدم القدرة عليه أو على معاودته، أو خوف كلام الناس مثلاً.

                        فلا يسمى تائباً من ترك الذنوب لأنها تؤثر على جاهه وسمعته بين الناس، أو ربما طرد من وظيفته.

                        ولا يسمى تائباً من ترك الذنوب لحفظ صحته وقوته، كمن ترك الزنا أو الفاحشة خشية الأمراض الفتاكة المعدية، أو أنها تضعف جسمه وذاكرته.

                        ولا يسمى تائباً من ترك أخذ الرشوة لأنه خشي أن يكون معطيها من هيئة مكافحة الرشوة مثلاً.

                        ولا يسمى تائباً من ترك شرب الخمر وتعاطي المخدرات لإفلاسه.

                        وكذلك لا يسمى تائباً من عجز عن فعل معصية لأمر خارج عن إرادته، كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق، أو الزاني إذا فقد القدرة على الوقاع، أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه، بل لابد لمثل هذا من الندم والإقلاع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الندم توبة) رواه أحمد وابن ماجه، صحيح الجامع 6802.

                        والله نزّل العاجز المتمني بالقول منزلة الفاعل، ألا تراه صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الدنيا لأربعة نفر، عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء) رواه أحمد والترمذي وصححه صحيح الترغيب والترهيب 1/9.

                        الثاني: أن يستشعر قبح الذنب وضرره.

                        وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية، أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل.

                        وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء والفوائد أضراراً كثيرة للذنوب منها:

                        حرمان العلم – والوحشة في القلب – وتعسير الأمور – ووهن البدن – وحرمان الطاعة – ومحق البركة – وقلة التوفيق – وضيق الصدر – وتولد السيئات – واعتياد الذنوب – وهوان المذنب على الله – وهوانه على الناس – ولعنة البهائم له – ولباس الذل – والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة – ومنع إجابة الدعاء – والفساد في البر والبحر- وانعدام الغيرة – وذهاب الحياء – وزوال النعم – ونزول النقم – والرعب في قلب العاصي – والوقوع في أسر الشيطان – وسوء الخاتمة – وعذاب الآخرة.

                        وهذه المعرفة لأضرار الذنوب تجعله يبتعد عن الذنوب بالكلية، فإن بعض الناس قد يعدل عن معصية إلى معصية أخرى لأسباب منها:

                        أن يعتقد أن وزنها أخف.

                        لأن النفس تميل إليها أكثر، والشهوة فيها أقوى.

                        لأن ظروف هذه المعصية متيسرة أكثر من غيرها، بخلاف المعصية التي تحتاج إلى إعداد وتجهيز، أسبابها حاضرة متوافرة.

                        لأن قرناءه وخلطاؤه مقيمون على هذه المعصية ويصعب عليه أن يفارقهم.

                        لأن الشخص قد تجعل له المعصية المعينة جاهاً ومكانة بين أصحابه فيعز عليه أن يفقد هذه المكانة فيستمر في المعصية، كما يقع لبعض رؤساء عصابات الشر والفساد، وكذلك ما وقع لأبي نواس الشاعر الماجن لما نصحه أبو العتاهية الشاعر الواعظ ولامه على تهتكه في المعاصي، فأنشد أبو نواس:

                        أتراني يا عتاهي تاركاً تلك الملاهي

                        أتراني مفسداً بالنسك عند القوم جاهي

                        الثالث: أن يبادر العبد إلى التوبة، ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته ذنب يحتاج إلى توبة.

                        الرابع: أن يخشى على توبته من النقص، ولا يجزم بأنها قد قبلت، فيركن إلى نفسه ويأمن مكر الله.

                        الخامس: استدراك ما فات من حق الله إن كان ممكناً، كإخراج الزكاة التي منعت في الماضي ولما فيها من حق الفقير كذلك.

                        السادس: أن يفارق موضع المعصية إذا كان وجوده فيه قد يوقعه في المعصية مرة أخرى.

                        السابع: أن يفارق من أعانه على المعصية وهذا والذي قبله من فوائد حديث قاتل المائة وسيأتي سياقه.

                        والله يقول: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) الزخرف /67. وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة، ولذلك عليك أيها التائب بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم ولا يستجرينك الشيطان فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم وأنت تعلم أنك ضعيف لا تقاوم.

                        وهناك حالات كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلاقات مع قرناء الماضي.

                        الثامن: إتلاف المحرمات الموجودة عنده مثل المسكرات وآلات اللهو كالعود والمزمار، أو الصور والأفلام المحرمة والقصص الماجنة والتماثيل، وهكذا فينبغي تكسيرها وإتلافها أو إحراقها.

                        ومسألة خلع التائب على عتبة الاستقامة جميع ملابس الجاهلية لابد من حصولها، وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سبباً في نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضلالهم بعد الهدى، نسأل الله الثبات.

                        التاسع: أن يختار من الرفقاء الصالحين من يعينه على نفسه ويكون بديلاً عن رفقاء السوء وأن يحرص على حلق الذكر ومجالس العلم ويملأ وقته بما يفيد حتى لا يجد الشيطان لديه فراغاً ليذكره بالماضي.

                        العاشر: أن يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيصرف طاقته في طاعة الله ويتحرى الحلال حتى ينبت له لحم طيب.

                        الحادي عشر: أن تكون التوبة قبل الغرغرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها: والغرغرة الصوت الذي يخرج من الحلق عند سحب الروح والمقصود أن تكون التوبة قبل القيامة الصغرى والكبرى لقوله صلى الله عليه وسلم: (من تاب إلى الله قبل أن يغرغر قبل الله منه) رواه أحمد والترمذي، صحيح الجامع 6132. وقوله صلى الله عليه وسلم: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه) رواه مسلم.

                        توبة عظيمة

                        ونذكر هنا نموذجاً لتوبة الرعيل الأول من هذه الأمة، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

                        عن بريدة رضي الله عنه: أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إني ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول الله إني زنيت فرده الثانية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه، فقال: (أتعلمون بعقله بأساً ؟ أتنكرون منه شيئاً ؟) قالوا: ما نعلمه إلا وفيّ العقل، من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضاً، فسأل عنه فأخبره أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة، ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية، فقالت: يا رسول الله إني زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد، قالت: يا رسول الله لم تردني ؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً، فوالله إني لحبلى، قال: (أما لا، فاذهبي حتى تلدي)، قال: فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: (اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا رسول الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضخ الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله سبه إياها، فقال: (مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس "وهو الذي يأخذ الضرائب" لغفر له) رواه مسلم. ثم أمر بها فصلى عليها، ودفنت.

                        وفي رواية فقال عمر يا رسول الله رجمتها ثم تصلي عليها ! فقال: ( لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة وسعتهم، وهل وجدت شيئاً أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل. رواه عبد الرزاق في مصنفه 7/325.

                        التوبة تمحو ما قبلها

                        وقد يقول قائل: أريد أن أتوب ولكن من يضمن لي مغفرة الله إذا تبت وأنا راغب في سلوك طريق الاستقامة ولكن يداخلني شعور بالتردد ولو أني أعلم أن الله يغفر لي لتبت ؟

                        فأقول له ما داخلك من المشاعر داخل نفوس أناس قبلك من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                        ولو تأملت في هاتين الروايتين بيقين لزال ما في نفسك إن شاء الله.

                        الأولى: روى الإمام مسلم رحمه الله قصة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيها: " فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يديّ قال: مالك يا عمرو ؟ قال: قلت أردت أن أشترط، قال (تشترط بماذا؟) قلت: أن يغفر لي. قال: (أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟).

                        والثانية: وروى الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: " إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن، ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} الفرقان /68. ونزل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله).

                        هل يغفر الله لي

                        وقد تقول أريد أن أتوب ولكن ذنوبي كثيرة جداً ولم أترك نوعاً من الفواحش إلا واقترفته، ولا ذنباً تتخيله أو لا تتخيله إلا ارتكبته لدرجة أني لا أدري هل يمكن أن يغفر الله لي ما فعلته في تلك السنوات الطويلة.

                        وأقول لك أيها الأخ الكريم: هذه ليست مشكلة خاصة بل هي مشكلة كثير ممن يريدون التوبة وأذكر مثالاً عن شاب وجه سؤالاً مرة بأنه قد بدأ في عمل المعاصي من سن مبكرة وبلغ السابعة عشرة من عمره فقط وله سجل طويل من الفواحش كبيرها وصغيرها بأنواعها المختلفة مارسها مع أشخاص مختلفين صغاراً وكباراً حتى اعتدى على بنت صغيرة، وسرق عدة سرقات ثم يقول: تبت إلى الله عز وجل، أقوم وأتهجد بعض الليالي وأصوم الاثنين والخميس، وأقرأ القرآن الكريم بعد صلاة الفجر فهل لي من توبة ؟

                        والمبدأ عندنا أهل الإسلام أن نرجع إلى الكتاب والسنة في طلب الأحكام والحلول والعلاجات، فلما عدنا إلى الكتاب وجدنا قول الله عز وجل: (قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) الزمر الآيتان 53،54

                        فهذا الجواب الدقيق للمشكلة المذكورة وهو واضح لا يحتاج إلى بيان.

                        أما الإحساس بأن الذنوب أكثر من أن يغفرها الله فهو ناشيء عن عدم يقين العبد بسعة رحمة ربه أولاً.

                        ونقص في الإيمان بقدرة الله على مغفرة جميع الذنوب ثانياً.

                        وضعف عمل مهم من أعمال القلوب هو الرجاء ثالثاً.

                        وعدم تقدير مفعول التوبة في محو الذنوب رابعاً.

                        ونجيب عن كل منها.

                        فأما الأول: فيكفي في تبيانه قول الله تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف /56.

                        وأما الثاني: فيكفي فيه الحديث القدسي الصحيح: (قال تعالى من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئاً) رواه الطبراني في الكبير والحاكم، صحيح الجامع 4330. وذلك إذا لقي العبد ربه في الآخرة.

                        وأما الثالث: فيعالجه هذا الحديث القدسي العظيم: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي، صحيح الجامع 4338.

                        وأما الرابع: فيكفي فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه، صحيح الجامع 3008.

                        وإلى كل من يستصعب أن يغفر الله له فواحشه المتكاثرة نسوق هذا الحديث:

                        توبة قاتل المائة

                        عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة ؟ فقال: لا، فقتله فكمّل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدّل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة ؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه ملك الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط , فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم – أي حكماً - فقال: قيسوا ما بين الأرضيين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة) متفق عليه. وفي رواية في الصحيح (فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها) وفي رواية في الصحيح (فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له).

                        نعم ومن يحول بينه وبين التوبة ! فهل ترى الآن يا من تريد التوبة أن ذنوبك أعظم من هذا الرجل الذي تاب الله عليه، فلم اليأس ؟

                        بل إن الأمر أيها الأخ المسلم أعظم من ذلك، تأمل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} الفرقان /68 – 70.

                        ووقفة عند قوله: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} الفرقان /70 تبين لك فضل الله العظيم، قال العلماء التبديل هنا نوعان:

                        الأول: تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيماناً وبالزنا عفة وإحصاناً وبالكذب صدقاً وبالخيانة أمانة وهكذا.

                        والثاني: تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة، وتأمل قوله تعالى: (يبدل الله سيئاتهم حسنات) ولم يقل مكان كل سيئة حسنة فقد يكون أقل أو مساوياً أو أكثر في العدد أو الكيفية، وذلك بحسب صدق التائب وكمال توبته، فهل ترى فضلاً أعظم من هذا الفضل ؟ وانظر إلى شرح هذا الكرم الإلهي في الحديث الجميل:

                        عن عبد الرحمن بين جبير عن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم - وفي طرق أخرى – " جاء شيخ هرم قد سقط حاجباه على عينيه وهو يدّعم على عصا حتى قام بين يديّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئاً وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة أي صغيرة ولا كبيرة إلا أتاها، وفي رواية، إلا اقتطعها بيمينه لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم أي أهلكتهم فهل لذلك من توبة ؟ قال: (فهل أسلمت) قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال: (تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن) قال: وغدراتي وفجراتني، قال: (نعم) قال: الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى. قال الهيثمي رواه الطبراني والبزار بنحوه ورجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن هارون أبي نشيطة وهو ثقة، المجمع 1/36 وقال المنذري في الترغيب إسناده جيد قوي 4/113 وقال ابن حجر في الإصابة هو على شرط الصحيح 4/149.

                        وهنا قد يسأل تائب، فيقول: إني لما كنت ضالاً لا أصلي خارجاً عن ملة الإسلام قمت ببعض الأعمال الصالحة فهل تحسب لي بعد التوبة أو تكون ذهبت أدراج الرياح.

                        وإليك الجواب: عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رسول الله أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتِاقة أو صلة رحم أفيها أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسلمت على ما أسلفت من خير) رواه البخاري.

                        فهذه الذنوب تغفر، وهذه السيئات تبدل حسنات، وهذه الحسنات أيام الجاهلية تثبت لصاحبها بعد التوبة، فماذا بقي !

                        كيف أفعل إذا أذنبت

                        وقد تقول إذا وقعت في ذنب فكيف أتوب منه مباشرة وهل هناك فعل أقوم به بعد الذنب فوراً ؟.

                        فالجواب: ما ينبغي أن يحصل بعد الإقلاع عملان.

                        الأول: عمل القلب بالندم والعزم على عدم العودة، وهذه تكون نتيجة الخوف من الله.

                        الثاني: عمل الجوارح بفعل الحسنات المختلفة ومنها صلاة التوبة وهذا نصها:

                        عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) رواه أصحاب السنن، صحيح الترغيب والترهيب 1/284. ثم قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران /135.

                        وقد ورد في روايات أخرى صحيحة صفات أخرى لركعتين تكفران الذنوب وهذا ملخصها:

                        - ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء (لأن الخطايا تخرج من الأعضاء المغسولة مع الماء أو مع آخر قطر الماء)

                        ومن إحسان الوضوء قول بسم الله قبله والأذكار بعده وهي: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين – سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وهذه أذكار ما بعد الوضوء لكل منها أجر عظيم.

                        - يقوم فيصلي ركعتين.

                        - لا يسهو فيهما.

                        - لا يحدث فيهما نفسه.

                        - يحسن فيهن الذكر والخشوع.

                        - ثم استغفر الله.

                        والنتيجة:

                        غفر له ما تقدم من ذنبه.

                        إلا وجبت له الجنة. صحيح الترغيب 1/ 94، 95

                        ثم الإكثار من الحسنات والطاعات، ألا ترى أن عمر رضي الله عنه لما أحس بخطئه في المناقشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية، قال بعدها فعلمت لذلك أعمالاً أي صالحات لتكفير الذنب.

                        وتأمل في المثل الوارد في هذا الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع أي لباس من حديد يرتديه المقاتل ضيقة، قد خنقته، ثم عمل حسنة فانفكت حلقة، ثم عمل أخرى فانفكت الأخرى حتى يخرج إلى الأرض) رواه الطبراني في الكبير، صحيح الجامع 2192. فالحسنات تحرر المذنب من سجن المعصية، وتخرجه إلى عالم الطاعة الفسيح، ويلخص لك يا أخي ما تقدم هذه القصة المعبرة.

                        عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني وجدت امرأة في بستان ففعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها، قبلتها ولزمتها، ولم أفعل غير ذلك فافعل بي ما شئت، فلم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه لو ستر نفسه، فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره، ثم قال: (ردوه علي)، فردوه عليه فقرأ عليه: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } (114) سورة هود .

                        فقال معاذ – وفي رواية عمر – يا رسول الله أله وحده، أم للناس كافة ؟ فقال: (بل للناس كافة) رواه مسلم.

                        أهل السوء يطاردونني

                        وقد تقول أريد أن أتوب ولكن أهل السوء من أصحابي يطاردونني في كل مكان وما أن علموا بشيء من التغير عندي حتى شنوا عليّ حملة شعواء وأنا أشعر بالضعف فماذا أفعل ؟!

                        ونقول لك اصبر فهذه سنة الله في ابتلاء المخلصين من عباده ليعلم الصادقين من الكاذبين وليميز الله الخبيث من الطيب.

                        وما دمت وضعت قدميك على بداية الطريق فاثبت، وهؤلاء شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض لكي يردوك على عقبيك فلا تطعهم، إنهم سيقولون لك في البداية هذا هوس لا يلبث أن يزول عنك، وهذه أزمة عارضة، والعجب أن بعضهم قال لصاحب له في بداية توبته عسى ما شر !!

                        والعجب أن إحداهن لما أغلق صاحبها الهاتف في وجهها لأنه تاب ولا يريد مزيداً من الآثام اتصلت به بعد فترة وقالت عسى أن يكون زال عنك الوسواس ؟

                        والله يقول: (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس) الناس /1-6.

                        فهل ربك أولى بالطاعة أم ندماء السوء ؟!

                        وعليك أن تعلم أنهم سيطاردونك في كل مكان وسيسعون لردك إلى طريق الغواية بكل وسيلة ولقد حدثني بعضهم بعد توبته أنه كانت له قرينة سوء تأمر سائق سيارتها أن يمشي وراءه وهو في طريقه إلى المسجد وتخاطبه من النافذة.

                        هنالك: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } إبراهيم /27.

                        سيسعون إلى تذكيرك بالماضي وتزيين المعاصي السابقة لك بكل طريقة، ذكريات.. توسلات.. صور.. ورسائل.. فلا تطعهم واحذرهم أن يفتنوك وتذكر هنا قصة كعب بن مالك الصحابي الجليل، لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة جميعاً بمقاطعته لتخلفه عن غزوة تبوك حتى يأذن الله، أرسل إليه ملك غسان الكافر رسالة يقول فيها: " أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك " يريد الكافر استمالة المسلم حتى يخرج من المدينة ويضيع هناك في ديار الكفر.

                        ما هو موقف الصحابي الجليل قال كعب: " فقلت حين قرأتها وهذه أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور أي الفرن فسجرتها أي أحرقتها.

                        وهكذا اعمد أنت أيها المسلم من ذكر أو أنثى إلى كل ما يرسل إليك من أهل السوء فاحرقه حتى يصير رماداً وتذكر وأنت تحرقه نار الآخرة. (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذي لا يوقنون)


                        إنهم يهددونني
                        أريد أن أتوب ولكن أصدقائي القدامى يهددونني بإعلان فضائحي بين الناس، ونشر أسراري على الملأ، إن عندهم صوراً ووثائق، وأنا أخشى على سمعتي، إني خائف !!

                        ونقول: جاهد أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، فهذه ضغوط أعوان إبليس تجتمع عليك كلها، ثم لا تلبث أن تتفرق وتتهاوى أمام صبر المؤمن وثباته.

                        واعلم أنك إن سايرتهم ورضخت لهم فسيأخذون عليك مزيداً من الإثباتات، فأنت الخاسر أولاً وأخيراً، لكن لا تطعهم واستعن بالله عليهم، وقل حسبي الله ونعم الوكيل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خاف قوماً قال: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم) رواه أحمد وأبو داود، صحيح الجامع 4582.

                        صحيح أن الموقف صعب وأن تلك المسكينة التائبة التي اتصل بها قرين السوء يقول مهدداً: لقد سجلت مكالمتك ولديّ صورتك ولو رفضت الخروج معي لأفضحنك عند أهلك !! صحيح أنها في موقف لا تحسد عليه.

                        وانظر إلى حرب أولياء الشياطين لمن تاب من المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات فإنهم يطرحون أسوأ إنتاجهم السابق في الأسواق للضغط والحرب النفسية، ولكن الله مع المتقين، ومع التائبين، وهو ولي المؤمنين، لا يخذلهم ولا يتخلى عنهم، وما لجأ عبد إليه فخاب أبداً، واعلم أن مع العسر يسراً، وأن بعد الضيق فرجاً.

                        وإليك أيها الأخ التائب هذه القصة المؤثرة شاهداً واضحاً على ما نقول.

                        إنها قصة الصحابي الجليل مرثد بن أبي مرثد الغنويّ الفدائي الذي كان يهرب المستضعفين من المسلمين من مكة إلى المدينة سراً. " كان رجل يقال له: مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلاً يحمل الأسرى من مكة، حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقة له، وأنه كان وعد رجلاً من أسارى مكة يحتمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجانب الحائط، فلما انتهت إليّ عرفت، فقالت: مرثد ؟ فقلت: مرثد، قالت: مرحباً وأهلاً، هلم فبت عندنا الليلة، قلت: يا عناق حرم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم قال فتبعني ثمانية، وسلكت الخندمة (وهو جبل معروف عند أحد مداخل مكة) فانتهيت إلى غار أو كهف، فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي وعماهم الله عني قال: ثم رجعوا، ورجعت إلى صاحبي فحملته، وكان رجلاً ثقيلاً، حتى انتهيت إلى الأذخر ففككت عنه أكبله (أي قيوده) فجعلت أحمله ويُعييني (أي يرهقني) حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً ؟ مرتين، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليّ شيئاً، حتى نزلت {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} النور /3 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فلا تنكحها) صحيح سنن الترمذي 3/80.

                        هل رأيت كيف يدافع الله عن الذين آمنوا وكيف يكون مع المحسنين؟.

                        وعلى أسوأ الحالات لو حصل ما تخشاه أو انكشفت بعض الأشياء واحتاج الأمر إلى بيان فوضح موقفك للآخرين وصارحهم، وقل نعم كنت مذنباً فتبت إلى الله فماذا تريدون ؟

                        ولنتذكر جميعاً أن الفضيحة الحقيقة هي التي تكون بين يدي الله يوم القيامة، يوم الخزي الأكبر، ليست أمام مائة أو مائتين ولا ألف أو ألفين، ولكنها على رؤوس الأشهاد، أما الخلق كلهم من الملائكة والجن والإنس، من آدم وحتى آخر رجل.

                        فهلم إلى دعاء إبراهيم:

                        (ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم) الشعراء /87-89

                        وتحصن في اللحظات الحرجة بالأدعية النبوية: اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم لا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين.




                        ذنوبي تنغص معيشتي

                        وقد تقول: إني ارتكبت من الذنوب الكثير وتبت إلى الله، ولكن ذنوبي تطاردني، وتذكري لما عملته ينغص عليّ حياتي، ويقض مضجعي، ويؤرق ليلي ويقلق راحتي، فما السبيل إلى إراحتي.

                        فأقول لك أيها الأخ المسلم، إن هذه المشاعر هي دلائل التوبة الصادقة، وهذا هو الندم بعينه، والندم توبة فالتفت إلى ما سبق بعين الرجاء، رجاء أن يغفر الله لك، ولا تيأس من روح الله، ولا تقنط من رحمة الله، والله يقول: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} الحجر /56.

                        قال ابن مسعود رضي الله عنه: (أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله) رواه عبد الرزاق وصححه الهيثمي وابن كثير.

                        والمؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء، وقد يُغلِّب أحدهما في بعض الأوقات لحاجة، فإذا عصى غلَّب جانب الخوف ليتوب، وإذا تاب غلَّب جانب الرجاء يطلب عفو الله.

                        هل اعترف ؟

                        وسأل سائل بصوت حزين يقول: أريد أن أتوب ولكن هل يجب عليّ أن أذهب وأعترف بما فعلت من ذنوب ؟

                        وهل من شروط توبتي أن أقر أمام القاضي في المحكمة بكل ما اقترفت وأطلب إقامة الحد عليّ ؟

                        وماذا تعني تلك القصة التي قرأتها قبل قليل عن توبة ماعز، والمرأة، والرجل الذي قبّل امرأة في بستان.

                        فأقول لك أيها الأخ المسلم: اتصال العبد بربه دون وسائط من مزايا هذا التوحيد العظيم، الذي ارتضاه الله (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) البقرة /186. وإذا آمنا أن التوبة لله فإن الاعتراف هو لله أيضاً، وفي دعاء سيد الاستغفار: (أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي) أي أعترف لك يا الله.

                        ولسنا ولله الحمد مثل النصارى، قسيس وكرسي اعتراف وصك غفران.. إلى آخر أركان المهزلة.

                        بل إن الله يقول: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } التوبة /104 أي عن عباده دون وسيط.

                        أما بالنسبة لإقامة الحدود فإن الحد إذا لم يصل إلى الإمام أو الحاكم أو القاضي فإنه لا يلزم الإنسان أن يأتي ويعترف، ومن ستر الله عليه لا بأس أن يستر نفسه، وتكفيه توبته فيما بينه وبين الله، ومن أسمائه سبحانه الستِّير وهو يحب الستر على عباده، أما أولئك الصحابة مثل ماعز والمرأة اللذان زنيا والرجل الذي قبل امرأة في بستان فإنهم رضي الله عنهم فعلوا أمراً لا يجب عليهم وذلك من شدة حرصهم على تطهير أنفسهم بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما جاءه ماعز أعرض عنه وعن المرأة في البداية وكذلك قول عمر للرجل الذي قبّل امرأة في بستان لقد ستر الله عليه لو ستر نفسه، وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم إقراراً.

                        وعلى هذا فلا يلزم الذهاب للمحكمة لتسجيل الاعترافات رسمياً إذا أصبح العبد وقد ستره ربه، ولا يلزم كذلك الذهاب إلى إمام المسجد وطلب إقامة الحد، ولا الاستعانة بصديق في الجلد داخل البيت، كما يخطر في أذهان البعض.

                        وعند ذلك تُعلم بشاعة موقف بعض الجهال من بعض التائبين في مثل القصة الآتي ملخصها:

                        ذهب مذنب إلى إمام مسجد جاهل، واعترف لديه بما ارتكب من ذنوب وطلب منه الحل، فقال هذا الإمام لابد أولاً أن تذهب إلى المحكمة وتصدق اعترافاتك شرعاً، وتقام عليك الحدود، ثم ينظر في أمرك، فلما رأى المسكين أنه لا يطيق تطبيق هذا الكلام، عدل عن التوبة ورجع إلى ما كان فيه.

                        وأنتهز هذه الفرصة لتعليق مهم فأقول: أيها المسلمون إن معرفة أحكام الدين أمانة، وطلبها من مصادرها الصحيحة أمانة، والله يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} النحل /43 وقال: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} الفرقان /59.

                        فليس كل واعظ يصلح أن يُفتي، ولا كل إمام مسجد أو مؤذن يصلح أن يُخبر بالأحكام الشرعية في قضايا الناس، ولا كل أديب أو قاصّ يصلح ناقلاً للفتاوى، والمسلم مسئول عمن يأخذ الفتوى، وهذه مسألة تعبدية، وقد خشي صلى الله عليه وسلم على الأمة من الأئمة المضلين، قال أحد السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم، فاحذروا عباد الله من هذه المزالق والتمسوا أهل العلم فيما أشكل عليكم. والله المستعان.

                        فتاوى مهمة للتائبين

                        وقد تقول: أريد أن أتوب ولكني أجهل أحكام التوبة، وتدور في ذهني أسئلة كثيرة عن صحة التوبة من بعض الذنوب، وكيفية قضاء حقوق الله التي فرطت فيها، وطريقة إرجاع حقوق العباد التي أخذتها، فهل من إجابات على هذه التساؤلات ؟

                        وإليك أيها العائد إلى الله ما علّه يشفي الغليل.

                        س1: إنني أقع في الذنب فأتوب منه، ثم تغلبني نفسي الأمارة بالسوء فأعود إليه ! فهل تبطل توبتي الأولى ويبقى عليّ إثم الذنب الأول وما بعده ؟

                        جـ1: ذكر أكثر العلماء على أنه لا يشترط في صحة التوبة ألا يعود إلى الذنب، وإنما صحة التوبة تتوقف على الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم الجازم على ترك معاودته، فإن عاوده يصبح حينئذ كمن عمل معصية جديدة تلزمه توبة جديدة منها وتوبته الأولى صحيحة.

                        س2: هل تصح التوبة من ذنب وأنا مصر على ذنب آخر ؟

                        جـ2: تصح التوبة من ذنب ولو أصر على ذنب آخر، إذا لم يكن من النوع نفسه، ولا يتعلق بالذنب الأول، فمثلاً لو تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر فتوبته من الربا صحيحة، والعكس صحيح، أما إذا تاب من ربا الفضل وأصر على ربا النسيئة فلا تقبل توبته حينئذ، وكذلك من تاب من تناول الحشيشة وأصر على شرب الخمر أو العكس، وكذلك من تاب عن الزنا بامرأة وهو مصر على الزنا بغيرها فهؤلاء توبتهم غير صحيحة، وغاية ما فعلوه أنهم عدلوا عن نوع من الذنب إلى نوع آخر منه. راجع المدارج.

                        س3: تركت حقوقاً لله في الماضي من صلوات لم أؤدها وصيام تركته وزكاة منعتها، فماذا أفعل الآن؟

                        جـ3: أما تارك الصلاة فالراجح أنه لا يلزمه القضاء لأنه قد فات وقتها، ولا يمكن استدراكه ويعوضه بكثرة التوبة والاستغفار، والإكثار من النوافل لعل الله أن يتجاوز عنه.

                        وأما تارك الصيام فإن كان مسلماً وقت تركه للصيام، فإنه يجب عليه القضاء مع إطعام مسكين عن كل يوم أخره من رمضان حتى دخل رمضان الذي بعده، من غير عذر وهذه كفارة التأخير، وهي واحدة لا تتضاعف ولو توالت أشهر رمضان.

                        مثال: رجل ترك 3 أيام من رمضان سنة 1400 هـ و 5 أيام من رمضان سنة 1401 هـ تهاوناً، وبعد سنين تاب إلى الله، فإنه يلزمه قضاء الصيام ثمانية أيام، وإطعام مسكين عن كل يوم من الأيام الثمانية.

                        مثال آخر: امرأة بلغت عام 1400 هـ وخجلت من إخبار أهلها، فصامت أيام عادتها الثمانية مثلاً ولم تقضها، ثم تابت إلى الله الآن فعليها الحكم السابق نفسه، وينبغي أن يعلم أن هناك فروقاً بين ترك الصلاة وترك الصيام، ذكره أهل العلم على أن هناك في العلماء من يرى عدم القضاء على من ترك الصيام متعمداً دون عذر.

                        وأما تارك الزكاة فيجب عليه إخراجها وهي حق لله من جهة، وحق للفقير من جهة أخرى. للمزيد راجع مدارج السالكين 1/383.

                        س4: إذا كانت السيئة في حق آدميّ فكيف تكون التوبة ؟

                        جـ4: الأصل في هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت لأخيه عنده مظلمة، من عرض أو مال، فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه) رواه البخاري فيخرج التائب من هذه المظالم إما بأدائها إلى أصحابها وإما باستحلالها منهم وطلب مسامحتهم، فإن سامحوه وإلا ردها.

                        س5: وقعت في غيبة شخص أو أشخاص، وقذفت آخرين بأمورٍ هم بريئون منها فهل يشترط إخبارهم بذلك مع طلب المسامحة وإذا كان لا يشترط فكيف أتوب ؟!

                        جـ5: المسألة هنا تعتمد على تقدير المصالح والمفاسد.

                        فإن كان إذا أخبرهم بم اغتابهم أو قذفهم لا يغضبون منه ولا يزدادون عليه حنقاً وغماً صارحهم وطلب منهم المسامحة ولو بعبارات عامة، كأن يقول إني أخطأت في حقك في الماضي، أو ظلمتك بكلام، وإني تبت إلى الله فسامحني، دون أن يفصل فلا بأس بهذا.

                        وإن كان إذا أخبرهم بما اغتابهم أو قذفهم حنقوا عليه وازدادوا غماً وغيظاً – وربما يكون هذا هو الغالب – أو أنه إذا أخبرهم بعبارات عامة لم يرضوا إلا بالتفاصيل التي إذا سمعوها زادوا كراهية له، فإنه حينئذ لا يجب عليه إخبارهم أصلاً لأن الشريعة لا تأمر بزيادة المفاسد، وإخبار شخص بأمور كان مستريحاً قبل سماعها على وجه يسبب البغضاء وينافي مقصد الشريعة في تأليف القلوب والتحاب بين المسلمين، وربما يكون الإخبار سبباً لعداوة لا يصفو بعدها قلب المغتاب أبداً لمن اغتابه، وفي هذه الحالة يكفي التوبة أمور منها:

                        1- الندم وطلب المغفرة من الله والتأمل في شناعة هذه الجريمة واعتقاد تحريمها.

                        2- أن يكذب نفسه عند من سمع الغيبة، أو القذف ويبرئ المقذوف.

                        3- أن يثني بالخير على من اغتابه في المجالس التي ظلمته فيها، ويذكر محاسنه.

                        4- أن يدافع عمن اغتابه، ويرد عنه إذا أراد أحد أن يسيء إليه.

                        5- أن يستغفر له بظهر الغيب المدارج 1/291، والمغني مع الشرح 12/78

                        ولاحظ أيها الأخ المسلم الفرق بين الحقوق المالية وجنايات الأبدان، وبين الغيبة والنميمة، فالحقوق المالية يستفيد أهلها إذا أخبروا بها، وردت إليهم، ويسرون بذلك، ولذلك لا يجوز كتمها بخلاف الحقوق التي في جانب العِرض، والتي لا تزيد من يُخبر بها إلا ضرراً وتهييجاً.



                        س6: كيف يتوب القاتل المتعمد ؟

                        جـ6: القاتل المتعمد عليه ثلاثة حقوق:

                        حق الله، وحق القتيل، وحق الورثة.

                        فحق الله لا يُقضى إلا بالتوبة.

                        حق الورثة أن يسلم نفسه إليهم ليأخذوا حقهم، إما بالقصاص أو بالدية أو العفو.

                        ويبقى حق القتيل الذي لا يمكن الوفاء به في الدنيا، وهنا قال أهل العم إذا حسنت توبة القاتل، فإن الله يرفع عنه حق القتيل ويعوض القتيل يوم القيامة خيراً من عنده عز وجل، وهذا أحسن الأقوال. المدارج 1/299.

                        س7: كيف يتوب السارق ؟

                        جـ7: إذا كان الشيء عنده الآن رده إلى أصحابه.

                        وإن تلف أو نقصت قيمته بالاستعمال أو الزمن وجب عليه أن يعوضهم عن ذلك، إلا إذا سامحوه فالحمد لله.

                        س8: أشعر بالحرج الشديد إذا واجهت من سرقت منهم، ولا أستطيع أن أصارحهم، ولا أن أطلب منهم المسامحة فكيف أفعل ؟

                        جـ8: لا حرج عليك في البحث عن طريق تتفادى فيه هذا الإحراج الذي لا تستطيع مواجهته، كأن ترسل حقوقهم مع شخص آخر، وتطلب عدم ذكر اسمك، أو بالبريد، أو تضعها خفية عندهم، أو تستخدم التورية وتقول هذه حقوق لكم عند شخص، وهو لا يريد ذكر اسمه، والمهم رجوع الحق إلى أصحابه.

                        س9: كنت أسرق من جيب أبي خفية، وأريد الآن أن أتوب ولا أعلم كم سرقت بالضبط، وأنا محرج من مواجهته ؟

                        جـ9: عليك أن تقدر ما سرقته بما يغلب على ظنك أنه هو أو أكثر منه، ولا بأس أن تعيده إلى أبيك خفية كما أخذته خفية.

                        س10: سرقت أموالاً من أناس وتبت إلى الله، ولا أعرف عناوينهم ؟

                        وآخر يقول أخذت من شركة أموالاً خلسة، وقد أنهت عملها وغادرت البلد ؟

                        وثالث يقول سرقت من محل تجاري سلعاً، وتغير مكانه ولا أعرف صاحبه ؟

                        جـ10: عليك بالبحث عنهم على قدر طاقتك ووسعك، فإذا وجدتهم فادفعها إليهم والحمد لله، وإذا مات صاحب المال فتعطى لورثته، وإن لم تجدهم على الرغم من البحث الجاد فتصدق بهذه الأموال بالنيابة عنهم، وانوها لهم ولو كانوا كفاراً لأن الله يعطيهم في الدنيا ولا يعطيهم في الآخرة.

                        ويشبه هذه المسألة ما ذكره ابن القيم رحمه الله في المدراج 1/388 أن رجلاً في جيش المسلمين غل (أي سرق) من الغنيمة، ثم تاب بعد زمن، فجاء بما غله إلى أمير الجيش فأبى أن يقبله منه، وقال كيف لي بإيصاله إلى الجيش وقد تفرقوا ؟ فأتى هذا التائب حجاج بن الشاعر يستفتيه فقال له حجاج: يا هذا إن الله يعلم الجيش وأسماءهم وأنسابهم فادفع خمسه إلى صاحب الخمس وتصدق بالباقي عنهم، فإن الله يوصل ذلك إليهم ففعل فلما أخبر معاوية قال لأن أكون أفتيتك بذلك أحب إليّ من نصف ملكي، وهناك فتوى مشابهة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قريبة من هذه قصة مذكورة في المدارج.

                        س11: غصبت مالاً لأيتام وتاجرت به وربحت، ونما المال أضعافاً وخفت من الله فكيف أتوب ؟

                        جـ11: للعلماء في هذه المسألة أقوال أوسطها وأعدلها أنك ترد رأس المال الأصلي للأيتام، زائداً نصف الأرباح، فتكون كأنك وإياهم شركاء في الربح مع إعادة الأصل إليهم.

                        وهذه رواية عن الإمام أحمد، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وترجيح تلميذه ابن القيم رحمه الله (المدراج 1/392)

                        وكذلك لو غصب سائمة من إبل أو غنم فنتجت أولاداً فهي ونصف أولادها للمالك الأصلي، فإن ماتت أعطى قيمتها مع نصف النتاج إلى مالكها.

                        س12: رجل يعمل في الشحن الجوي وتتخلف عندهم بضائع أخذ منها مسجلاً خلسة وبعد سنوات تاب فهل يُرجع المسجل نفسه أو قيمته أو شبيهاً به، علماً بأن هذا النوع قد انتهى من السوق ؟

                        جـ12: يرجع المسجل نفسه زائداً عليه ما نقص من قيمته لقاء الاستعمال أو تقادم الزمن، وذلك بطريقة مناسبة دون أن يؤذي نفسه، فإن تعذر، تصدق بقيمته نيابة عن صاحبه الأصلي.

                        س13: كان عندي أموال من الربا ولكني أنفقتها كلها، ولم يبق عندي منها شيء، وأنا الآن تائب فماذا يلزمني ؟

                        جـ13: لا يلزمك إلا التوبة إلى الله عز وجل توبة نصوحاً والربا خطير، ولم يؤذن بحرب أحد في القرآن الكريم إلا أهل الربا وما دامت الأموال الربوية قد ذهبت كلها، فليس عليك من جهتها شيء الآن.

                        س14: اشتريت سيارة بمال بعضه حلال وبعضه حرام، وهي موجودة عندي الآن فكيف أفعل ؟

                        جـ14: من اشترى شيئاً لا يتجزأ كالبيت أو السيارة بمال بعضه حلال وبعضه حرام فيكفيه أن يخرج ما يقابل الحرام من ماله الآخر ويتصدق به تطييباً لتلك الممتلكات، فإن كان هذا الجزء من المال الحرام هو حق للآخرين وجب ردّ مثله إليهم على التفصيل السابق.

                        س15: ماذا يفعل بالمال الذي ربحه من تجارة الدخان، وكذلك إذا احتفظ بأمواله الأخرى الحلال ؟

                        جـ15: من تاجر بالمحرمات كبيع آلات اللهو والأشرطة المحرمة والدخان وهو يعلم حكمها ثم تاب يصرف أرباح هذه التجارة المحرمة في وجوه الخير تخلصاً لا صدقة، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

                        وإذا اختلط هذا المال الحرام بأموال أخرى حلال كصاحب البقالة الذي يبيع الدخان مع السلع المباحة، فإنه يقدر هذا المال الحرام تقديراً باجتهاده، ويخرجه بحيث يغلب على ظنه أنه نقى أمواله من الكسب الحرام، والله يعوضه خيراً وهو الواسع الكريم.

                        وعلى وجه العموم فإن من لديه أموالاً من كسب حرام، وأراد أن يتوب فإن كان:

                        1- كافراً عند كسبها فلا يُلزم عند التوبة بإخراجها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُلزم الصحابة بإخراج ما لديهم من الأموال المحرمة لما أسلموا.

                        2- وأما إن كان عند كسبه للحرام مسلماً عالماً بالتحريم فإنه يُخرج ما لديه من الحرام إذا تاب.

                        س16: شخص يأخذ الرشاوي، ثم هداه الله إلى الاستقامة، فماذا يفعل بالأموال التي أخذها من الرشوة ؟

                        جـ16: هذا الشخص لا يخلو من حالتين:

                        1- إما أن يكون أخذ الرشوة من صاحب حق مظلوم اضطر أن يدفع الرشوة ليحصل على حقه لأنه لم يكن له سبيل للوصول إلى حقه إلا بالرشوة، فهنا يجب على هذا التائب أن يرد المال إلى الراشي صاحب الحق لأنه في حكم المال المغصوب ولأنه ألجأه إلى دفعه بالإكراه.

                        2- أن يكون أخذ الرشوة من راش ظالم مثله تحصل عن طريق الرشوة على أشياء ليست من حقه، فهذا لا يُرجع إليه ما أخذه منه، وإنما يتخلص التائب من هذا المال الحرام في وجوه الخير كإعطائه للفقراء مثلاً، كما يتوب مما تسبب فيه من صرف الحق عن أهله.

                        س17: عملت أعمالاً محرمة وأخذت مقابلها أموالاً فهل يجب عليّ وقد تبت إرجاع هذه الأموال لمن دفعها إليّ ؟

                        جـ17: الشخص الذي يعمل في أعمال محرمة، أو يقدم خدمات محرمة، ويأخذ مقابلاً أو أجرة على ذلك إذا تاب إلى الله وعنده هذا المال الحرام فإنه يتخلص منه ولا يعيده إلى من أخذه منه.

                        فالزانية التي أخذت مالاً على الزنا لا تعيده إلى الزاني إذا تابت، والمغني الذي أخذ أموالاً على الغناء المحرم لا يعيده إلى أصحاب الحفلة إذا تاب، وبائع الخمر أو المخدارت لا يعيدها إلى من اشتروها منه إذا تاب، وشاهد الزور الذي أخذ مقابلاً لا يعيد المال من استخدمه لشهادة الزور وهكذا، والسبب أنه إذا أرجع المال للعاصي الذي دفعه فإنه يكون قد جمع له بين العِوض الحرام والمُعوَّض بالتخلص منه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وترجيح تلميذه ابن القيم. كما في المدارج 1/390.

                        س18: هناك أمر يقلقني ويسبب لي إرهاقاً وأرقاً، وهو أني وقعت في الفاحشة مع امرأة فكيف أتوب، وهل يجوز لي أن الزواج منها لستر القضية ؟

                        وآخر يسأل أنه وقع في الفاحشة في الخارج، وأن المرأة حملت منه فهل يكون هذا ولده، وهل يجب عليه إرسال نفقة الولد.

                        جـ18: لقد كثرت الأسئلة عن الموضوعات المتعلقة بالفواحش كثرة تجعل من الواجب على المسلمين جميعاً إعادة النظر في أوضاعهم وإصلاحها على هدي الكتاب والسنة وخصوصاً في مسائل غض البصر وتحريم الخلوة، وعدم مصافحة المرأة الأجنبية والالتزام بالحجاب الشرعي الكامل وخطورة الاختلاط، وعدم السفر إلى بلاد الكفار والاعتناء بالبيت المسلم والأسرة المسلمة والزواج المبكر وتذليل صعوباته.

                        أما بالنسبة إلى السؤال فمن فعل الفاحشة فلا يخلو من حالتين:

                        1- إما أنه زنى بالمرأة اغتصاباً وإكراهاً فهذا عليه أن يدفع لها مهر مثلها، عوضاً عما ألحق بها من الضرر، مع توبته إلى الله توبة نصوحاً، وإقامة الحد عليه إذا وصل أمره إلى الإمام، أو من ينوب عنه كالقاضي ونحوه. انظر المدارج 1/366

                        2- أن يكون قد زنى بها برضاها، فهذا لا يجب عليه إلا التوبة، ولا يُلحق به الولد مطلقاً ولا تجب عليه النفقة لأن الولد جاء من سفاح ومثل هذا ينسب لأمه، ولا يجوز إلحاقه بنسب الزاني.

                        ولا يجوز للتائب الزواج منها لستر القضية والله يقول: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) التوبة /3.

                        ولا يجوز العقد على امرأة في بطنها جنين من الزنا، ولو كان منه، كما لا يجوز العقد على امرأة لا يدرى أهي حامل أم لا.

                        أما إذا تاب هو وتابت المرأة توبة صادقة وتبين براءة رحمها، فإنه يجوز له حينئذ أن يتزوج منها، ويبدأ معها حياة جديدة يحبها الله.

                        س19: لقد حصل والعياذ بالله أني ارتكبت الفاحشة وعقدت على المرأة الزانية، وقد صار لنا سنوات وقد تبنا أنا وهي إلى الله توبة صادقة فماذا يجب عليّ ؟

                        جـ19: ما دامت التوبة قد صحت من الطرفين فعليكما إعادة العقد بشروطه الشرعية من الولي والشاهدين، ولا يلزم أن يكون ذلك في المحكمة بل لو حصل في البيت لكان كافياً.

                        س20: امرأة تقول إنها تزوجت من رجل صالح وقد فعلت أموراً لا ترضي الله قبل زواجها، وضميرها يؤنبها الآن، وتسأل هل يجب عليها إخبار زوجها بما حصل منها في الماضي ؟

                        جـ20: لا يجب على أيٍّ من الزوجين إخبار الآخر بما فعل في الماضي من المنكرات، ومن ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله وتكفيه التوبة النصوح.

                        وأما من تزوج بكراً ثم تبين له عند الدخول بها أنها ليست كذلك لفاحشة ارتكبتها في الماضي، فإنه يحق له أخذ المهر الذي أعطاها ويفارقها، وإن رأى أنها تابت فستر الله عليها وأبقاها فله الأجر والمثوبة من الله.

                        س21: ماذا يجب على التائب من فاحشة اللواط ؟

                        جـ21: الواجب على الفاعل والمفعول به التوبة إلى الله توبة عظيمة، فإنه لا يُعلم أن الله أنزل أنواعاً من العذاب بأمة كما أنزله بقوم لوط لشناعة جريمتهم فإنه:

                        1- أخذ أبصارهم فصاروا عمياناً، يتخبطون كما قال تعالى: (فطمسنا أعينهم)

                        2- أرسل عليهم الصيحة.

                        3- قلب ديارهم، فجعل عاليها سافلها.

                        4- أمطرهم بحجارة من سجيل منضود، فأهلكهم عن بكرة أبيهم.

                        ولذلك كان الحد الذي يقام على مرتكب هذه الفاحشة القتل محصناً أو غير محصن، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في إرواء الغليل.

                        س22: تبت إلى الله ولديّ أشياء محرمة كأدوات موسيقية وأشرطة وأفلام، فهل يجوز لي بيعها خصوصاً وأنها تساوي مبلغاً كبيراً ؟

                        جـ22: لا يجوز بيع المحرمات وثمن بيعها حرام، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) رواه أبو داود وهو حديث صحيح. وكل ما تعلم أن غيرك سيستخدمه في الحرام فلا يجوز لك بيعه إياه، لأن الله نهى عن ذلك فقال: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ومهما خسرت من مال الدنيا فما عند الله خير وأبقى، وهو يعوضك بمنه وفضله وكرمه.

                        س23: كنت إنساناً ضالاً أنشر الأفكار العلمانية، وأكتب القصص والمقالات الإلحادية، وأستخدم شعري في نشر الإباحية والفسوق، وقد تداركني الله برحمته، فأخرجني من الظلمات إلى النور وهداني فكيف أتوب ؟

                        جـ23: هذه والله النعمة الكبرى والمنة العظمى، وهي الهداية فاحمد الله عليها، واسأل الله الثبات والمزيد من فضله.

                        أما من كان يستخدم لسانه وقلمه في حرب الإسلام ونشر العقائد المنحرفة أو البدع المضلة والفجور والفسق فإنه يجب عليه الآتي:

                        أولاً: أن يعلن توبته منها جميعاً، ويُظهر تراجعه على الملأ بكل وسيلة وسبيل يستطيعه حتى يُعذر فيمن أضلهم، ويبين الباطل الذي كان لئلا يغتر من تأثر به من قبل، ويتتبع الشبهات التي أثارها والأخطاء التي وقع فيها فيرد عليها، ويتبرأ مما قال وهذا التبيين واجب من واجبات التوبة، قال تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة /160.

                        ثانياً: أن يسخر قلمه ولسانه في نشر الإسلام، ويوظف طاقته وقدراته في نصر دين الله، وتعليم الناس الحق والدعوة إليه.

                        ثالثاً: أن يستخدم هذه الطاقات في الرد على أعداء وفضحهم وفضح مخططاتهم، كما كان يناصرهم من قبل ويفند مزاعم أعداء الإسلام، ويكون سيفاً لأهل الحق على أهل الباطل، وكذلك كل من اقنع شخصاً ولو في مجلس خاص بأمر محرم كجواز الربا، وأنه فوائد مباحة، فإنه ينبغي عليه أن يعود ويبين له كما أضله حتى يكفّر عن خطيئته والله الهادي.

                        وختاماً:

                        يا عبد الله فتح الله باب التوبة فهلا ولجت (إن للتوبة باباً عرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب، وفي رواية عرضه مسيرة سبعين عاماً، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها). رواه الطبراني في الكبير، صحيح الجامع 2177.

                        ونادى الله (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم) رواه مسلم. فهلا استغفرت.

                        والله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، والله يحب الإعتذار فهلا أقبلت.

                        فلله ما أحلى قول التائب، أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني.

                        أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك وفقري إليك هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين وابتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير سؤال من خضعت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك عيناه وذل لك قلبه.

                        وتأمل هذه القصة ودلالتها في موضع التوبة:

                        روي أن أحد الصالحين كان يسير في بعض الطرقات فرأى باباً قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه، ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف مفكراً فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزيناً فوجد الباب مغلقاً فتوسده ووضع خده على عتبة الباب، ونام ودموعه على خديه، فخرجت أمه بعد حين، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي، وتقول: يا ولدي أين ذهبت عني ومن يؤويك سواي، ألم أقل لك لا تخالفني ولا تحملني على عقوبتك بخلاف ما جبلني الله عليه من الرحمة بك والشفقة عليك ثم أخذته ودخلت !!

                        ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أرحم بعباده من هذه بولدها) رواه مسلم.

                        وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟

                        والله يفرح إذا تاب العبد إليه، ولن نعدم خيراً من رب يفرح (لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من رجل كان في سفر في فلاة من الأرض، نزل منزلاً وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فأوى إلى ظل شجرة، فوضع رأسه فنام نومة تحتها، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها، فأتى شرفاً فصعد عليه فلم ير شيئاً، ثم أتى آخر فأشرف فلم ير شيئاً، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فينما هو كذلك، رفع رأسه فإذا راحلته قائمة عنده، تجر خطامها، عليها زاده طعامه وشرابه، فأخذ بخطامها، فالله أشد فرحاً بتوبة المؤمن من هذا براحلته وزاده) السياق مجموع من روايات صحيحة، انظر ترتيب صحيح الجامع 4/368.

                        واعلم يا أخي، أن الذنب يُحدث للتائب الصادق انكساراً وذلة بين يدي الله، وأنين التائبين محبوب عند رب العالمين.

                        ولا يزال العبد المؤمن واضعاً ذنوبه نُصب عينيه فتُحدث له انكساراً وندماً، فيعقب الذنب طاعات وحسنات كثيرة حتى أن الشيطان ربما يقول: يا ليتني لم أوقعه في هذا الذنب، ولذلك فإن بعض التائبين قد يرجع بعد الذنب أحس مما كان قبله بحسب توبته.

                        والله لا يتخلى عن عبده أبداً إذا جاء مقبلاً عليه تائباً إليه.

                        أرأيت لو أن ولداً كان يعيش في كنف أبيه يغذيه بأطيب الطعام والشراب، ويلبسه أحسن الثياب، ويربيه أحسن التربية، ويعطيه النفقة، وهو القائم بمصالحه كلها، فبعثه أبوه يوماً في حاجة، فخرج عليه عدو في الطريق فأسره وكتفه وشد وثاقه، ثم ذهب إلى بلاد الأعداء، وصار يعامله بعكس ما كان يعامله به أبوه، فكان كلما تذكر تربية أبيه وإحسانه إليه المرة بعد المرة تهيجت من قلبه لواعج الحسرات، وتذكر ما كان عليه وكل ما كان فيه من النعيم.

                        فينما هو في أسر عدوه يسومه سوء العذاب، ويريد ذبحه في نهاية المطاف، إذ حانت منه التفاتة نحو ديار أبيه فرأى أباه منه قريباً، فسعى إليه وألقى بنفسه عليه وانطرح بين يديه يستغيث يا أبتاه يا أبتاه يا أبتاه، أنظر إلى ولدك وما هو فيه والدموع تسيل على خديه، وهو قد اعتنق أباه والتزمه وعدوه يشتد في طلبه حتى وقف على رأسه وهو ملتزم لوالده ممسك به.

                        فهل تقول إن والده سيسلمه في هذه الحال إلى عدوه ويخلي بينه وبينه فما الظن بمن هو أرحم بعبده من الوالد بولده ومن الوالدة بولدها. إذا فر عبد إليه وهرب من عدوه إليه، وألقى بنفسه طريحاً ببابه يمرغ خده في ثرى أعتابه باكياً بين يديه، يقول: يا رب ارحم من لا راحم له سواك، ولا ناصر له سواك، ولا مؤوي له سواك، ولا معين له سواك، مسكينك وفقيرك وسائلك، أنت معاذه، وبك ملاذه، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، فهيا إلى فعل الخيرات، وكسب الحسنات، ورفقة الصالحين، وحذار من الزيغ بعد الرشاد، والضلالة بعد الهداية والله معك.

                        زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
                        كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
                        في
                        :

                        جباال من الحسنات في انتظارك





                        تعليق


                        • #13
                          رد: مقاطع مهمة لزوار القسم


                          زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
                          كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
                          في
                          :

                          جباال من الحسنات في انتظارك





                          تعليق

                          يعمل...
                          X