لم يعد خافياً على أحد اليوم أن العلمانية نهج فكري له موقف يتعارض مع الدين، وأن أنصاره يقفون من الدين موقف المحادَّة، وقد يكون هناك ما يسوِّغ لهم إظهار موقفهم بالإعلان عنه بالمظاهرات ونحوها، وإظهار التمسك به وتحمُّل التبعات في ذلك، لكن الذي لا يستطاع قبوله أن تجد في مَنْ ليس في ظاهرهم مصلحة في ذلك، مَنْ يبالغ في نشر ذلك وكأنه يشيد بهذا المسلك ويعده من البطولة، ويشد الناس للإعجاب به شداً. فقد لاحظ القراء كثيراً من وسائل النشر في بلاد عربية شعوبها مسلمة وتنص دساتيرها على أن دينها الإسلام والشريعة مصدر رئيسي للتشريع فيها تتبع هذا المنهج، فتعاملت بطريقة غير مقبولة مع تظاهرات العلمانيين في تركيا ضد ترشيح وزير الخارجية ذي الأصول الإسلامية لرئاسة الدولة؛ فإذا بهذه المطبوعات تنقل أحداث المظاهرات وتقول: (تظاهرة المليون دفاعاً عن العلمانية)، وتنقل صور الجموع الحاشدة، ثم تُجري المقابلات مع بعض العلمانيين، وتنقل قول إحدى النساء العلمانيات: (لا يسعني كامرأة سوى أن أشعر بالخوف من أن أُجبَر يوماً على ارتداء الحجـاب) في لهجـة تحريـضية لا يظهـر منهـا أدنـى اعتراض أو توجيه أو حتى تلميح بتعارض ذلك مع الدين. وتزهو تلك المطبوعات بالقوة التي حققتها المعارضة من خلال هذه التظاهرات المبالغ في تقديرها. والناظر في هذا الموضوع يتساءل: هل كان الناخب التركي الذي انتخب هذا الحزب بالغالبية يجهل أصوله؟ أم جاء الحزب إلى الحكم عن طريق القوة والانقلاب المسلح؟ ألم يكن ذلك عبر انتخابات لا شك في نزاهتها حتى بمعايير العلمانيين أنفسهم؟ أم أنها الرغبة الجامحة في تسويق مشروع فكري آسن ذبلت أغصانه في أشد البلاد تمسكاً به، وزكمت رائحته النتنة الأنوف؟ لو كان المشهد معكوساً لانبرت الصحافة وأخرجت قاموس مفرداتها المشهور تتهم الإسلاميين بأنهم: إقصائيـون أصحـاب مــواقف حــدِّية، لا يقبلون بالديمقراطية ولا يعترفون بالآخر. فلماذا تخاذلت الصحافة أمام علمانيي تركيـا؟!
قليـلاً مـن الحـياء أيتهـا الصحـافة؛ فإن القول الحق: (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئ)
تعليق