أولياء الرحمن وأولياء الشيطان([1])
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: «من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة – أو فقد آذنته بالحرب...» الحديث.
َ [3]) ولابد في الإيمان أن تؤمن أن محمدًا#
صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا نبي بعده، وأن الله أرسله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، فكل من لم يؤمن بما جاء به فليس بمؤمن ، فضلاً عن أن يكون من أولياء الله المتقين، ومن الإيمان به الإيمان بأنه هو الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده وحلاله وحرامه فالحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فمن اعتقد أن لأحد من الأولياء طريقًا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان.
وأما خلق الله تعالى للخلق ورزقه إياهم وإجابته لدعائهم وهدايته لقلوبهم ونصرهم على أعدائهم وغير ذلك من جلب المنافع ودفع المضار فهذا لله وحده يفعله بما يشاء من الأسباب لا يدخل في مثل هذا
وساطة رسل.
ثم لو بلغ الرجل من الزهد والعبادة ما بلغ ولم يؤمن بجميع ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فليس بمؤمن ولا ولي لله تعالى كالأحبار والرهبان من علماء اليهود والنصارى وعُبَّادهم وكذلك المنتسبين إلى العلم والعبادة من المشركين ممن له عبادة في دينه وزهد وليس مؤمنًا بجميع ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر عدو لله، ولهذا نزلت عليهم الشياطين واقترنت بهم فصاروا أولياء الشيطان، لا من
أولياء الرحمن قال تعالى:}وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ{([4])، وذكر الرحمن هو الذكر الذي بعث به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم مثل القرآن، فمن لم يؤمن بالقرآن ويصدق خبره ويعتقد وجوب أمره فقد أعرض عنه؛ فيقيض له شيطان فيقترن به
ويصده عن الطريق السوي، قال تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{([5]) فدل ذلك على
أن ذكره هو آياته التي أنزلها؛ ولهذا لو ذكر العبد الله تعالى دائمًا ليلاً ونهارًا مع غاية الزهد وعبده مجتهدًا في عبادته، ولم يكن متبعًا لذكره الذي أنزله وهو القرآن كان من أولياء الشيطان ولو طار في الهواء ومشى على الماء فإن الشيطان يحمله في الهواء. وإذا كان أولياء الله هم المؤمنين المتقين فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله، فمن كان أكثر إيمانًا وتقوى كان أكمل ولاية لله، والناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى.
وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق وأولياء الله على طبقتين: سابقون مقربون، وأصحاب يمين مقتصدون، ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول الواقعة وآخرها وفي سورة الإنسان والمطففين وفي سورة فاطر.
فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إلى الله بالفرائض يفعلون ما أوجب الله عليهم، ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات، ولا الكف عن فضول المباحات، وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض ففعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباته أحبهم الرب حبًّا تامًّا كما قال تعالى في الحديث القدسي: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»([6]) فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات يتقربون بها إلى الله عز وجل، فكانت أعمالهم كلها عبادات لله فشربوا صرفًا كما عملوا له صرفًا، والمقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوا لنفوسهم فلا يعاقبون عليه ولا يثابون، فلم يشربوا صرفًا بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا، فالمقربون السابقون أفضل من الأبرار أصحاب اليمين.
وإذا كان أولياء الله هم المؤمنين المتقين والناس يتفاضلون في الإيمان والتقوى فهم متفاضلون في ولاية الله بحسب ذلك، كما أنهم لما كانوا متفاضلين في الكفر والفسوق والمعاصي والنفاق كانوا متفاضلين في عداوة الله بحسب ذلك.
وأصل الإيمان والتقوى الإيمان برسل الله، وجماع ذلك الإيمان بخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، فالإيمان به يتضمن الإيمان بجميع كتب الله ورسله. وأصل الكفر والنفاق هو الكفر بالرسل وبما جاءوا به فإن هذا هو الكفر الذي يستحق صاحبه العذاب في الآخرة؛ فإن الله تعالى أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد بلوغ الرسالة قال تعالى: }وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا{([7])، وإذا كان العبد لا يكون وليًّا لله حتى يكون مؤمنًا تقيًّا ولا يكون مؤمنًا تقيًّا حتى يتقرب إلى الله بالفرائض فيكون من الأبرار أهل اليمين، ثم بعد ذلك لا يزال يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يكون من السابقين المقربين. ومعلوم أن أحدًا من الكفار والمنافقين لا يكون وليًّا لله فمن لم يتقرب إلى الله بفعل الحسنات ولا بترك السيئات لم يكن من أولياء الله.
وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات، فلا يتميزون بلباس دون لباس، إذا كان كلاهما مباحًا ولا بحلق شعر أو تقصيره أو ظفره إذا كان مباحًا، كما قيل كم من صديق في قباء وكم من زنديق في عباء، وقد دل الكتاب والسنة على أن أكرم الناس عند الله أتقاهم.
وليس من شرط ولي الله أن يكون معصومًا لا يغلط ولا يخطئ بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين حتى يظن بعض الأمور مما أمر الله به ومما نهى عنه وليس كذلك ولم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى: فإن الله تعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وتقوى الله حق تقاته، بأن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر؛ كما فسر التقوى بذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحقيقة حقيقة الدين دين رب العالمين هي ما اتفق عليها الأنبياء والمرسلون وإن كان لكل منهم شرعة ومنهاجًا، فالشرعة هي الشريعة، والمنهاج هو الطريق، والغاية المقصودة هي حقيقة الدين وهي عبادة الله وحده لا شريك له وهي حقيقة دين الإسلام وهي أن يستسلم العبد لله رب العالمين ولا يستسلم لغيره.
فمن استسلم لغيره كان مشركًا }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ{([8]) ومن لم يستسلم لله بل استكبر عن عبادته كان ممن قال الله فيهم: }إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{([9]) ودين الإسلام هو دين الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين وقوله تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ{([10]) عام في كل زمان ومكان فنوح وإبراهيم ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى والحواريون كلهم دينهم الإسلام الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له فدين الأنبياء واحد وإن تنوعت شرائعهم.
وأولياء الله المؤمنون المتقون هم الذين فعلوا المأمور وتركوا المحظور وصبروا على المقدور، فأحبهم وأحبوه ورضي عنهم ورضوا عنه، وأعداؤه أولياء الشيطان وإن كانوا تحت قدرته فهو يبغضهم ويغضب عليهم ويلعنهم ويعاديهم. وبسط هذه الأمور له موضوع آخر وإنما كتبت هنا تنبيهًا على مجامع الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فأولياء الله المتقون هم المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيفعلون ما أمر به وينتهون عما نهى عنه، ويقتدون به فيما بين لهم أن يتبعوه فيه. ومن أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية سماع الغنا والملاهي وهو سماع المشركين. ومما يجب أن يعلم أن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الإنس والجن فلم يبق أنسي ولا جني إلا وجب عليه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه فعليه أن يصدقه فيما أخبر ويطيعه فيما أمر، ومن قامت عليه الحجة برسالته فلم يؤمن به فهو كافر سواء كان إنسيًّا أو جنيًّا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على محمد سيد رسله وأنبيائه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وخلفائه صلاة وسلامًا نستوجب بهما شفاعته آمين.
([1]) مختصر من كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
([2]) سورة يونس (الآية: 62 – 63).
([3]) سورة البقرة (الآية: 136 – 137).
([4]) سورة الزخرف (الآية:36).
([5]) سورة طه (الآية:124).
([6]) رواه البخاري وتقدم.
([7]) سورة الإسراء (آية: 15).
([8]) سورة النساء (الآية: 48 و 116).
([9]) سورة غافر (الآية: 60).
([10]) سورة آل عمران (الآية: 85).
تعليق