عندما يصبح الرجال عبيداً تصير النساء أسيادا ، عندما تغيب الشمس يخرج البدر يبدد الظلام ، وينشر النور والأمن في الربوع الخائفة والصدور الواجفة ، ولعلي عندما أنظر حولي فأجد كثيراً من الرجال قد تحولوا إلى صورة شائهة أعود سريعا إلى محاضن الأطفال ، وصانعات الأبطال ومؤازرات الرجال ، فأهتف من أعماقي مناديا :
أين دوركن ؟ أين مكانكن في هذا الصراع الرهيب ؟
لقد آتاك الله سحراً يجذب القلوب ، لكن الأزمة زادت يوم انصرفت النساء إلى إلهاء الرجال بأجسادهن ، وغفلن عن حقيقة جمالهن ، جمال الروح(والجمال هو الكمال) ، جمال نفس أبية تأبى الدنية ، أو تعيش على هامش البرية ، والقوم لا يزالون في حروب كلامية ،
هل تصلح النساء لهذه المهام العتيدة ، والهموم الشديدة ، والأمانات الثقيلة ؟ ، وأنت تضربين في الأسواق لا تخطئ عينك شيئاً من الحلل الأنيقة ، أو الحلي الرقيقة ، أو الأصباغ الدقيقة، أو العطور العتيقة ، كل ذلك لإخفاء جوهرك ، وتلميع مظهرك ، بصبغ الوجوه وتنميق الحواجب (وزججن الحواجب والعيونا) وتصفيف الشعر ، وترقيق الصوت ، عوضاً عن صبغ الحياة بصبغة الإيمان لقوله تعالى : (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ) البقرة:138 ، عوضاً عن ترطيب اللسان بأطايب الكلام ، الذي تتعمق جذوره وتعلو سيقانه وتكثر ثماره كما قال سبحانه (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ) إبراهيم:25 ، عوضاً عن حلم يأتي بالتحلم يحجبك عن مجاراة السفهاء ، أو اندفاع إلى سب ولعن ثم حقد وغل وغيبة ونميمة ، كما قال الله تعالى : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) الأعراف : 199 ، أو كما قال الشاعر :
ولقد أمر على اللئيم يسبني *** فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
عوضاً عن علم يأتي بالتعلم يرفعك إلى مصاف كرام العلماء ، وخير البلغاء مثل الحميراء أم المؤمنين ، أو الخنساء أم الشهداء المقربين ، حتى يروى عنك علمك وقديماً قالت العرب : قطعت جهيزة قول كل خطيب ، ، وقال الشاعر:
إذا قـالت حـذام فصـــدقوها *** فـإن القــول مــا قالـت حذام
عوضا عن عفة تأتي بالتعفف لقوله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) النور : 33 ، بالحياء الذي لا يأتي إلا بخير ، بالصوم الذي يهذب الشهوات ، بالدعاء الذي يرفع الفتن ويخفف البلاء، لإحياء عفة العربية الأصيلة في قولها : تجوع الحُرّة ولا تأكل بثدييها ، أو عفة المسلمة التي تؤمن من أعماقها بقوله صلى الله عليه وسلم :" من قتل دون عرضه فهو شهيد " .
عوضا عن الاهتمام بهموم المسجد الأقصى الذي يشق أوغاد اليهود الأنفاق تحته إلى عشرين مترا تمهيدا لتساقط جدرانه على أشلاء عزتنا ، وأنقاض كرامتنا ، متناسين قول الشاعر :
يا ثالث الحرمين يا أرض الفدا *** آليت أجعل منك مقبرة العدا
ذقت الردى إن لم أعد لك سيدا *** أنا لن أظل مدى الحياة مشردا
أرأيت يا أختاه كيف نحّيْت معالي الأمور واستحوذت عليك سفاسفها ؟ كيف أخفيت جمال الروح والقلب ؟ وبالغت في إظهار شكل لم تخلقيه ، لم تشتريه بدرهم ولا دينار ، ولم تعتبري بيوم تذهب فيه نضارة الشباب ، ساعتها لن تجدي إلا السراب ، وتلتصق يداك بالتراب .
إن التحدي الذي تواجهينه اليوم ألا يعلو صوتك بالنحيب أين حقنا ؟ أين ميداننا في الدعوة إلى الله ؟ تقدمي نحو غايتك الكبرى وهدفك الأسمى ، آنئذ ستجدين حقك موفورا ، وميدانك مفتوحا بغير جعجعة ولا طحنا ، ولا ضجيج ولا تصديةِ لأن القوم سيرون روحا جديدة ونفسا سوية وعزيمة فتية ، سيُكبر القوم وَقارها ويقدرون رأيها ويذللون العقبات في طريقها .
إننا معشر الرجال سنظل ننتظر ذلك الفجر الجديد والأمل السعيد الذي يجود براغبة الكمال وصانعة الأبطال ، ليعيد إلى واقعنا الآن صورة حية من أمثال أسماء بنت الصديق ذات الدور البارز في الهجرة مع أبيها ، ثم حُسن تبعل زوجها ، ثم تربيتها لفلذة كبدها حتى حفزته للشهادة راضية موقنة أنها تُنزل ولدها أرفع المنازل في الدنيا والآخرة ، ونريد صورة حية من نساء المهاجرين والأنصار عندما غضبن من المجاهدين العائدين من غزوة مؤتة بخطة تعد في الحروب نصراً إذ لقي ثلاثة آلاف مسلم مائتي ألف من الروم لأن نساءنا لم يقنعن بما دون النزال وانتزاع النصر ولو كثر الرجال ، أو الشهادة في ميدان القتال ، ورفعن المغازل في وجوه الآباء والأزواج معلنات : رجعتم يا فرار ، دونكم المغازل فاغزلوا ، وأعطونا السيوف ننازل الأبطال . والآن تنتظر الفتاة أو الزوجة أو الأم الرجال ينظرن في أيديهم لا وجوههم كم يحملون من ألوان الطعام وأصناف الحلوى ؟ بل صارت تنتظر مع كل مناسبة مستحدثة أو مفتعلة هدية ذهبية أو عباءة حريرية ، أو نزهة خلوية ، أو رحلة جوية ، وذلك لتواري عجزاً عن تقويم نفسها أو القيام بدورها لتضع أقدامها على عتبات جنة ربها ، أرأيتن ذلك البون الشاسع بين نسائنا اليوم ونساء الأمس ؟
إنني أدعوكِ ويحدوني فيك أمل ورجاء ألا تبالغي في إذكاء جمالك الجسدي الذي لا تملكين زيادته ولا تضمنين بقاءه ولا ينظر إليه ربنا ، بل ينظر إليه شياطين الإنس بعين زائغة وقلوب مريضة ونفس مسعورة ، مع ما يفوتك من إدراك ركب الصالحين ، ودعاء القانتين ، واستغفار الملائكة حملة العرش العظيم .
أختنا تقدمي نحو الكمال في الروح والخلق والعقل فلقد فتحت لك الطريق أمك خديجة وعائشة وأم سلمة وزينب وجويرية وأم حبيبة ، وأختك فاطمة وأسماء وعاتكة وأم سليم وأم الفضل ورفيدة في سلفنا فلا تغفلي عنه في خلوتك ، أو جولتك ، إنني أعيذك أن تكوني شكلا بلا مضمون ، أو فؤاداً كله هواء ، أو عقلا كله خواء ، إن في أعماقك نفائس مدفونة ، وقلائد مركوزة ، ودرراً مكنونة ، أخرجيها فأمتك الإسلامية أحوج إليها الآن قبل أي وقت مضى.
د/ صلاح سلطان
تم تنسيق الموضوع بواسطه الاخت\ ام صلاح الدين
تعليق