صفات المؤمنين
(الإيمان الصادق وآثاره)
هكذا وصفهم الله تعالى بخمسة أوصاف:
الأول: أنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم أي خافت فأدوا فرائضه واجتنبوا محارمه.
الثاني: أنهم إذا تليت عليهم آيات الله ازدادوا إيمانًا بما يحصل لهم عند ذلك من الخوف والرجاء والرغبة والرهبة عند سماع الوعد والوعيد.
الثالث: أنهم يتوكلون على الله ويعتمدون عليه وحده في قضاء الحوائج وجلب المنافع ودفع المضار.
الرابع: أنهم يقيمون الصلاة ويأتون بها كاملة بشروطها وأركانها وواجباتها ومستحباتها، ويؤدونها في أوقاتها مع الجماعة في المساجد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان» رواه الترمذي وقال حديث حسن([2])، قال الله تعالى: }إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ{([3]) الآية.
الخامس: من أوصاف المؤمنين أنهم ينفقون مما رزقهم الله النفقات الواجبة والمستحبة، فبالقيام بهذه الأعمال الجليلة صاروا مؤمنين حق الإيمان واستحقوا من ربهم الدرجات العالية والمغفرة لذنوبهم والرزق الكريم في جنات النعيم المقيم مما تشتهيه الأنفس وتلذ له الأعين. وقال تعالى في أوصاف المؤمنين الصادقين في آية أخرى: }التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{([4]).
فوصفهم الله بلزوم التوبة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والاستمرار في عبادة الله وطاعته، وحمده في السراء والضراء والعسر واليسر، والثناء عليه، ووصفهم بالصيام له أو السفر في طاعته كالحج والعمرة والجهاد والهجرة وطلب العلم النافع والعمل الصالح، ووصفهم بكثرة#
الصلاة وبالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر، وحفظ حدود الله وشرائعه وأحكامه وأوامره ونواهيه علمًا وعملاً وبذلك استحقوا البشارة بالفوز العظيم والثواب الجسيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ثم إن من واجبات الإيمان متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحكيم شريعته والانقياد لحكمه والتسليم لأمره.
وقد نفى الله ورسوله الإيمان عن من لم يكن كذلك قال تعالى:}فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{([5]) فأقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء يحصل فيه تنازع واختلاف، بخلاف مسائل الإجماع فإنه متفق عليها، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر وطمأنينة نفس وانقياد في الباطن والظاهر، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»([6]) أي لا يكون آتيًا بالإيمان الواجب حتى يكون حبه وبغضه وفعله وتركه وقوله واعتقاده وعمله بحسب أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ونواهيه، كما نفى الإيمان عن من لم يقدم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين ولا ريب أن المحبة تستلزم الانقياد والمتابعة، ولما ادَّعى قوم أنهم يحبون الله جعل لمحبته دليلاً وهو متابعة رسوله فقال تعالى: }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ{([7]) فأوجب اتباع الرسول محبة الله لمن اتبعه ومغفرة ذنوبه وذلك برحمة الله الغفور الرحيم.#
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، آمين يا رب العالمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
([1]) سورة الأنفال (الآية: 2 – 4).
([2]) رياض الصالحين باب فضل المشي إلى المساجد رقم (8).
([3]) سورة التوبة (الآية: 18).
([4]) سورة التوبة (الآية: 112).
([5]) سورة النساء (الآية: 65).
([6]) قال النووي حديث صحيح – رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
([7]) سورة آل عمران (الآية: 31).
تعليق