رد: & # سعادتكِ بين يديكِ # & متجـــــــــــدد
السبب الحادي عشر إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً يا إنسان بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ ري، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، سوف يصل الغائب ويهتدي الضال، ويفك العاني، وينقشع الظلام (( فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ)) . بشر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال، ومسارب الأودية، بشر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة . إذا رأيت الصحراء تمتد، فاعلم أن ورائها رياضاً خضراء وارفة الظلال . إذا رأيت الحبل يشتد يشتد، فاعلم أنه سوف ينقطع . أحسن كلمة قالها العرب في الجاهلية : الغمرات ثم ينـلجنّه ثم يذهبن ولا يجنّه مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمناً، ومع الفزع سكينة، النار لا تحرق إبراهيم التوحيد؛ لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة برداً وسلاماً . البحر لا يغرق كليم الرحمن؛ لأن الصوت القوي الصادق نطق بكلا إن معي ربي سيهدين . المعصوم في الغار بَشَّرَ صاحبه بأنه وحده معنا فـتـنـزل الأمن والفتح والسكينة . إن عبيد ساعدتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة لا يرون إلا النكد والضيق والتعاسة، لأنهم لا ينظرون إلا إلى جدار الغرفة وباب الدار فحسب . ألا فليمدوا أبصارهم وراء الحجب وليطلقوا أعنة أفكارهم إلى ما وراء الأسوار . إذاَ فلا تضق ذرعاَ فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج، الأيام دول، والدهر قلب، والليالي حبالى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، وإن مع العسر يسراَ .
السبب الثاني عشر اصنع من الليمون شراباً حلواً
الذكي الأريب يحول الخسائر إلى أرباح، والجاهل الرعديد يجعل المصيبة مصيبتين . طرد الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة فأقام في المدينة دولة ملأت سمع التاريخ وبصره . سجن أحمد بن حنبل وجلد، فصار إمام أهل السنة، وحبس ابن تيمية، فأخرج من حبسه علماً جماً، ووضع السرخسي في قعر بئر معطلة، فأخرج عشرين مجلداً في الفقه، وأقعد ابن الأثير فصنف جامع الأصول والنهاية من أشهر وأنفع كتب الحديث، ونفي ابن الجوزي من بغداد، فجود القراءات السبع، وأصابت حمى الموت مالك بن الريب، فأرسل للعالمين قصيدته الرائعة الذائعة التي تعدل دواوين شعراء الدولة العباسية، ومات أبناء أبي ذؤيب الهذلي فرثاهم بإلياذة أنصت لها الدهر، وذهل منها الجمهور، وصفق لها التاريخ . إذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأضف إليه حفنة من سكر، وإذا أهدى لك ثعباناً فخذ جلده الثمين واترك باقيه، وإذا لدغتك عقرب فاعلم أنه مصل واقي ومناعة حصينة صد سم الحيات . تكيف في ظرفك القاسي لتخرج لنا منه زهراً وورداً وياسميناً، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً . سجنت فرنسا قبل ثورتها العارمة شَاعِرَيْن مجيدين : متفائلاً ومتشائماً , فأخرجا رؤوسهما من نافذة السجن . فأما المتفائل فنظر نظرة في النجوم فضحك . وأما المتشائم فنظر إلى الطين في الشارع المجاور فبكى . انظر إلى الوجه الآخر للمأساة؛ لأن الشر المحض ليس موجوداً بل هناك خير ومكسب وفتح وأجر .
السبب الثالث عشر أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ من الذي يفزع إليه المكروب، ويستغيث به المنكوب، وتصمد إليه الكائنات وتسأله المخلوقات وتلهج بذكره الألسن، وتألهه القلوب إنه الله لا إله إلا هو . وحق علي وعليك أن ندعوه في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، ونفزع إليه في الملمات، ونتوسل إليه في الكربات، وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيـبـيـن، حينها يأتي مدده ويصل عونه ويسرع فرجه، ويحل فتحه (( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ )) فينجي الغريق ويرد الغائب، ويعافي المبتـلى، وينصر المظلوم، ويهدي الضال، ويشفي المريض، ويفرج عن المكروب (( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)) . ولن أسرد عليك هنا أدعية إزاحة الهم والغم والحزن والكرب، ولكن أحيلك إلى كتب السنة لتتعلم شريف الخطاب معه فتناجيه وتناديه وتدعوه وترجوه، فإن وجدته وجدت كل شيء، وإن فقدت الإيمان به فقدت كل شيء، إن دعاءك ربك عبادة أخرى، وطاعة عظمى ثانية فوق حصول المطلوب، وإن عبداَ يجيد فن الدعاء حري أن لا يهتم ولا يغتم ولا يقلق، كل الحبال تتصرم إلا حبله، كل الأبواب توصد إلا بابه، وهو قريب سميع مجيب، يجيب المضطر إذا دعاه . يأمرك وأنت الفقير الضعيف المحتاج، وهو الغني القوي الواحد الماجد، بأن تدعوه (( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) . إذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوب، فالهج بذكره، واهتف باسمه، واطلب مدده واسأله فتحه ونصره، مرغ الجبين لتقديس اسمه، لتحصل على تاج الحرية، وأرغم الأنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة . مد يديك، أرفع كفيك، أطلق لسانك، أكثر من طلبه، بالغ في سؤاله، ألح عليه، الزم بابه، انتظر لطفه، ترقب فتحه، أشد باسمه، أحسن ظنك فيه، انقطع إليه، تبتل إليه تبتيلاً حتى تسعد وتفلح .
السبب الرابع عشر وليسعك بيتك
العزلة الشرعية السنية: بعدك عن الشر وأهله، والفارغين واللاهين والفوضويين، فيجتمع عليك شملك، يهدأ بالك، ويرتاح خاطرك، ويجود ذهنك بدرر الحكم ويسرح طرفك في بستان المعادن . إن العزلة عن كل ما يشغل عن الخير والطاعة دواء عزيز , جربه أطباء القلوب فنجح أيما نجاح ، وأنا أدلك عليه . في العزلة عن الشر واللغو وعن الدهماء تلقيح للفكر، وإقامة لناموس الخشية، واحتفال بمولد الإنابة والتذكر، وإنما كان الاجتماع المحمود والاختلاط الممدوح في الصلوات والجمع ومجالس العلم والتعاون على الخير، أما مجالس البطالة والعطالة فحذار حذار، اهرب بجلدك ، ابك على خطيئتك، وامسك عليك لسانك، وليسعك بيتك . الاختلاط الهمجي حرب شعواء على النفس ، وتهديد خطير لدنيا الأمن والاستقرار في نفسك ؛ لأنك تجالس أساطين الشائعات وأبطال الأراجيف ، وأساتذة التبشير بالفتن والكوارث والمحن ، حتى تموت كل يوم سبع مرات قبل أن يصلك الموت ((لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا )) .
وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا
إذاً فرجائي الوحيد إقبالك على شأنك والانزواء في غرفتك إلا من قول خير أو فعل خير، حينها تجد قلبك عاد إليك، فسلم وقتك من الضياع، وعمرك من الإهدار، ولسانك من الغيبة، وقلبك من القلق، وأذنك من الخنا ونفسك من سوء الظن، ومن جرب عرف، ومن أركب نفسه مطايا الأوهام، واسترسل مع العوام فقل عليه السلام .
السبب الخامس عشر العوض من الله
لا يسلبك الله شيئاً إلا عوضك خيراً منه، إذا صبرت واحتسبت " من أخذت حبيبتيه فصبر عوضته منهماالجنة " يعني عينيه , " من سلبت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسب عوضته من الجنة " من فقد ابنه وصبر بني له بيت الحمد في الخلد، وقس على هذا المنوال فإن هذا مجرد مثال . فلا تأسف على مصيبة فإن الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم . إن أولياء الله المصابين المبتلين ينوه بهم في الفردوس (( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ . وحق علينا أن ننظر في عوض المصيبة وفي ثوابها وفي خلفها الخير ((أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)) هنيئاَ للمصابين ، وبشرى للمنكوبين . إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير ، والآخرة خير وأبقى فمن أصيب هنا كوفي هناك ، ومن تعب هنا ارتاح هناك، أما المتعـلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها، فأشد ما على قلوبهم فوت حظوظهم منها وتنغيص راحتهم فيها لأنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظم عليهم المصائب وتكبر عندهم النكبات لأنهم ينظرون تحت أقدامهم فلا يرون إلا الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة . أيها المصابون ما فات شيء وأنتم الرابحون ، فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها لطف وعطف وثواب وحسن اختيار إن على المصاب الذي ضرب عليه سرادق المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة (( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَاب )) وما عند الله خير وأبقى وأهنأ وأمرأ وأجل وأعلى .
يتبع إن شاء الله
التعديل الأخير تم بواسطة محبة لقاء الله; الساعة 26-04-2012, 12:08 PM.
سبب آخر: تشكيل الايات ... بارك الله فيكى
رد: & # سعادتكِ بين يديكِ # & متجـــــــــــدد
السبب السادس عشر
الإيمان هو الحياة
الأشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز الإيمان، ومن رصيد اليقين، فهم أبداً في تعاسة وغضب ومهانة وذلة وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
لا يسعد النفس ويزكيها ويهزها ويفرحها ويذهب غمها وهمها وقلقها إلا الإيمان بالله رب العالمين، لا طعم للحياة أصلاً إلا بالإيمان .
إذا الإيمان ضاع فلا حياة
ولا دنيا لمن لم يحي دينا
إن الطريقة المثلى للملاحدة إن لم يؤمنوا أن ينتحروا ليريحوا أنفسهم من هذه الآصار والأغلال والظـلمات والدواهي ، يا لها من حياة تعيسة بلا إيمان، يالها من لعنة أبدية حاقت بالخارجين على منهج الله في الأرض (( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)) وقد آن الآوان للعالم أن يقتنع كل القناعة وأن يؤمن كل الإيمان بأن لا إله إلا الله بعد تجربة طويلة شاقة عبر قرون غابرة توصل بعدها العقل إلى أن الصنم خرافة والكفر لعنة، والإلحاد كذبة، وأن الرسل صادقون، وأن الله حق , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
وبقدر إيمانك قوة وضعفاً، حرارة وبرودة، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك .
(( من عمل صلحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) وهذه الحياة الطيبة هي استقرار نفوسهم لحسن موعد ربهم، وثبات قلوبهم بحب باريهم، وطهارة ضمائرهم من أوضاع الانحراف، وبرود أعصابهم أمام الحوادث، وسكينة قلوبهم عند وقع القضاء ورضاهم في مواطن القدر؛ لأنهم رضوا بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا .
السبب السابع عشر
اجن العسل ولا تكسر الخلية
الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، اللين في الخطاب, البسمة الرائقة على المحيا، الكلمة الطيبة عند اللقاء، هذه حلل منسوجة يرتديها السعداء، وهي صفات المؤمن كالنحلة تأكل طيباً وتصنع طيباً، وإذا وقعت على زهرة لا تكسرها لأن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف . إن من الناس من تشرأب لقدومهم الأعناق، وتشخص إلى طلعاتهم الأبصار، وتحييهم الأفئدة وتشيعهم الأرواح؛ لأنهم محبوبون في كلامهم , في أخذهم وعطائهم، في لقائهم ووداعهم .
إن اكتساب الأصدقاء فن مدروس يجيده النبلاء الأبرار، فهم محفوفون دائماً وأبداً بهالة من الناس , إن حضروا فالبشر والأنس، وإن غابوا فالسؤال والدعاء .
سهرنا ونام الركب والليل مسرف
وكنت حديث الركب في كل منزل
إن هؤلاء السعداء لهم دستور أخلاق عنوانه(( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
فهم يمتصون الأحقاد بعاطفتهم الجياشة، وحلمهم الدافيء، وصفحهم البريء، يتناسون الإساءة ويحفظون الإحسان، تمر بهم الكلمات النابية فلا تلج آذانهم بل تذهب بعيداً هناك إلى غير رجعة . هم في راحة والناس منهم في أمن والمسلمون منهم في سلام " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمنمن أمنه الناس على دماءهم وأموالهم " , " إن الله أمرني أن أصل من قطعني وأن أعفو عمن ظلمني وأنأعطي من حرمني " , (( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظوَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)) بشر هؤلاء بثواب عاجل من الطمأنينة والسكينة والهدوء .
من سالم الناس يسلم من عواذلهم
ونام وهو قرير العين جذلان
وبشرهم بثواب أخروي كبير في جوار رب غفور في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
السبب الثامن عشر
الا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
الصدق حبيب الله والصراحة صابون القلوب، والتجربة برهان، والرائد لا يكذب أهله، ولم يوجد عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر ((فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )) , وذكره سبحانه جنته في أرضه من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة , وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضطرابها بل هو طريق ميسر مختصر إلى كل فوز وفلاح . طالع دواوين الوحي لتر فوائد الذكر، وجرب مع الأيام بلسمه لتنال الشفاء .
ولا عجب أن يرتاح الذاكرون فهذا هو الأصل الأصيل، لكن العجب العجاب كيف يعيش الغافلون عن ذكره (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)
يا من شكى الأرق وبكى من الألم وتفجع من الحوادث، ورمته الخطوب , هيا اهتف باسمه المقدس، هل تعلم له سمياً .
الله أكبر كل هم ينجلي
عن قلب كل مكبر ومهلل
بقدر إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك، يهدأ قلبك، تسعد نفسك، يرتاح ضميرك، لأن في ذكره جل في علاه معاني التوكل عليه والثقة به والاعتماد عليه والرجوع إليه، وحسن الظن فيه، وانتظار الفرج منه، فهو قريب إذا دعي، سميع إذا نودي، مجيب إذا سئل ، فاضرع واخضع واخشع ، وردد اسمه الطيب المبارك على لسانك ثناء ومدحاً ودعاءً وسؤالاً واستغفاراً ، وسوف تجد بحوله وقوته السعادة والأمن والسرور والنور والحبور ((فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
الحسد كالأكلة الملحة تنخر العظم نخراً، إن الحسد مرض مزمن يعيث في الجسم فسادا، وقد قيل: لا راحة لحسود فهو ظالم في ثوب مظلوم، وعدو في جلباب صديق . وقد قالوا:
لله در الحسد ما أعدله
بدأ بصاحبه فقتله
إنني أنهى نفسي ونفسك عن الحسد رحمة بي وبك، قبل أن نرحم الآخرين؛ لأننا بحسدنا لهم نطعم الهم لحومنا، ونسقي الغم دماءنا ونوزع نوم جفوننا على الآخرين .
إن الحاسد يشعل فرناً ساخناً ثم يقتحم فيه . التنغيص والكدر والهم الحاضر أمراض يولدها الحسد لتقضي على الراحة والحياة الطيبة الجميلة .
بلية الحاسد أنه خاصم القضاء واتهم الباري في العدل وأساء الأدب مع الشرع وخالف صاحب المنهج .
يا للحسد من مرض لا يؤجر عليه صاحبه، ومن بلاء لا يثاب عليه المبتلى به، وسوف يبقى هذا الحاسد في حرقة دائمة حتى يموت أو تذهب نعم الناس عنهم . كل يصالح إلا الحاسد فالصلح معه أن تتخلى عن نعم الله وتتنازل عن مواهبك، وتلغي خصائصك، ومناقبك، فإن فعلت ذلك فلعله يرضى على مضض، نعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد ، فإنه يصبح كالثعبان الأسود السام لا يقر قراره حتى يفرغ سمه في جسم بريء .
فأنهاك أنهاك عن الحسد واستعذ بالله من الحاسد فإنه لك بالمرصاد .
السبب العشرون
اقبل الحياة كما هي
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفواً من الأقذاء والأكدار
هذا حال الدنيا منغصة اللذات، كثيرة التبعات، جاهمة المحيا، كثيرة التلون، مزجت بالكدر، وخلطت بالنكد، وأنت منها في كبد .
ولن تجد ولداً أو زوجة، أو صديقاً، أو نبيلاً، ولا مسكناً ولا وظيفة إلا وفيه ما يكدر وعنده ما يسوء أحياناً، فأطفيء حر شره ببرد خيره، لتنجو رأساً برأس والجروح قصاص .
أراد الله لهذه الدنيا أن تكون جامعة لضدين والنوعين والفريقين والرأيين خير وشر، صلاح وفساد، سرور وحزن، ثم يصفو الخير كله والصلاح والسرور في الجنة ويجمع الشر كله والفساد والحزن في النار .
وفي الحديث: " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم " فعش واقعك ولا تسرح مع الخيال وحلق في عالم المثاليات، اقبل دنياك كما هي، وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها، فسوف لا يصفو لك فيها صاحب ولا يكمل لك فيها أمر؛ لأن الصفو والكمال والتمام ليس من شأنها ولا من صفاتها .
لن تكمل لك زوجة وفي الحديث " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر" .
فينبغي أن نسدد ونقارب ونعفو ونصفح ونأخذ ما تيسر ونذر ما تعسر ونغمض الطرف أحيانا ونسدد الخطى ، ونتغافل عن أمور .
ومن لم يصانع في أمور كثيرة
يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
يتبع إن شاء الله
التعديل الأخير تم بواسطة محبة لقاء الله; الساعة 26-04-2012, 12:24 PM.
سبب آخر: تشكيل الايات .... بارك الله فيكى
رد: & # سعادتكِ بين يديكِ # & متجـــــــــــدد
السبب الحادي والعشرون تعز بأهل البلاء
تلفت يمنة ويسرة فهل ترى إلا مبتلى وهل تشاهد إلا منكوباً، في كل دار نائحة، وعلى كل خد دمع وفي كل وادٍ بنو سعد . أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرؤ الموفور كم من المصائب وكم من الصابرين، فلست أنت وحدك المصاب بل مصابك أنت بالنسبة لغيرك قليل، كم من مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين وذات الشمال يئن من الألم ويصيح من السقم . كم من محبوس مر به سنوات ما رأى الشمس بعينه ، وما عرف غير زنزانته . وكم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان العمر . وكم من مكروب ومديون ومصاب ومنكوب . آن لك أن تتعـزى بهؤلاء وأن تعلم علم اليقين أن هذه الحياة سجنٌ للمؤمن ودار للأحزان والنكبات، تصبح القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها . بينما الشمل مجتمع والأبدان في عافية والأموال وافرة، والأولاد كثر، ثم ما هي إلا أيام فإذا الفقر والموت والفراق والأمراض (( وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ )) فعليك أن توطن نفسك كتوطين الجمل المحنك الذي يبرك على الصخرة ، وعليك أن توازن مصابك بمن حولك وبمن سبقك في مسيرة الدهر، ليظهر لك أنك معافى بالنسبة لهؤلاء وأنه لم يأتك إلا وخزات سهلة فاحمد الله على لطفه واشكره على ما أبقى ، واحتسب ما أخذ ، وتعز بمن حولك . ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي ولك قدوة في رسول صلى الله عليه وسلم وقد وضع السلا على رأسه وأدميت قدماه وشج وجهه وحوصر في الشعب حتى أكل ورق الشجر، وطرد من مكة، وكسرت ثنيته، ورمي عرض زوجته الشريف، وقتل سبعون من أصحابه، وفقد ابنه، وأكثر بناته في حياته، وربط الحجر على بطنه من الجوع، واتهم بأنه شاعر ساحر كاهن مجنون كذاب، صانه الله من ذلك، وهذا بلاء لا بد منه ومحيص لا أعظم منه، وقد قتل قبل زكريا وذبح يحيى ، وهاجر موسى، ووضع الخليل في النار، وصار الأئمة على هذا الطريق فضرج عمر بدمه، واغتيل عثمان، وطعن علي ، وجلدت ظهور الأئمة وسجن الأخيار، ونكل بالأبرار (( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا )) .
السبب الثاني والعشرون الصلاة ... الصلاة
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) إذا داهمك الخوف وطوقك الحزن، وأخذ الهم بتلابيبك، فقم حالاً إلى الصلاة، تثوب لك روحك وتطمئن نفسك، إن الصلاة كفيلة بإذن الله باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم ومطاردة فلول الاكتئاب . كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ قال : " أرحنا بالصلاة يا بلال " فكانت قرة عينه وسعادته وبهجته . وقد طالعت سير قوم أفذاذ كانت إذا ضاقت بهم الضوائق وكشرت في وجوههم الخطوب، فزعوا إلى صلاة خاشعة فتعود لهم قواهم وإراداتهم وهممهم . إن صلاة الخوف فرضت لتؤدى في ساعة الرعب، يوم تتطاير الجماجم، وتسيل النفوس على شفرات السيوف، فإذا أعظم تثبيت وأجل سكينة صلاة خاشعة . إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعرف على المسجد ، وأن يمرغ جبيـنه ليرضي ربه أولا ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب وإلا فإن الدمع سوف يحرق جفنه والحزن سوف يحطم أعصابه وليس لديه طاقة تمده بالسكينة والأمن إلا الصلاة. من أعظم النعم لو كنا نعقل هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا، رفع لدرجاتنا عند ربنا، ثم هي علاج عظيم لمآسينا ودواء ناجع لأمراضنا، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين وتملؤ جوانحنا بالرضا. أما أولئك الذي جانبوا المسجد وتركوا الصلاة، فمن نكد إلى نكد، ومن حزن إلى حزن ومن شقاء إلى شقاء (( فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)) .
السبب الثالث والعشرون حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ تفويض الأمر إلى الله ، والتوكل عليه، والثقة بوعده، والرضا بصنيعه، وحسن الظن به، وانتظار الفرج منه من أعظم ثمرات الإيمان، ومن أجل صفات المؤمنين، وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة ويعتمد على ربه في كل شأنه يجد الرعاية والولاية والكفاية والتأييد والنصرة . وإذا الرعاية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فجعـلها الله عليه برداً وسلاماً، ورسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما هددوا بجيوش الكفار وكتائب الوثنية قالوا: ((حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ )) . إن الإنسان وحده لا يستطيع أن يصارع الأحداث، ولا يقاوم الملمات، ولا ينازل الخطوب؛ لأنه خلق ضعيفاً عاجزاً، ولكنه حينما يتوكل على ربه ويثق بمولاه، ويفوض الأمر إليه، وإلا فما حيلة هذا العبد الفقير الحقير إذا احتوشته المصائب وأحاطت به النكبات (( وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين)) . فيا من أراد أن ينصح نفسه توكل على القوي الغني ذي القوة المتين، لينقذك من الويلات، ويخرجك من الكربات، واجعل شعارك ودثارك حسبنا الله ونعم الوكيل، فإن قل مالك، وكثر دَيْنك، وجفت مواردك وشحت مصادرك، فناد حسبنا الله ونعم الوكيل . وإذا داهمك المرض، وألمح عليك السقم، وتضاعف عليك البلاء، فقل حسبنا الله ونعم الوكيل . وإذا خفت من عدو، أو رعبت من ظالم، أو فزعت من خطب فاهتف حسبنا الله ونعم الوكيل . (( وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا )) .
السبب الرابع والعشرون قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ مما يشرح الصدر ويزيح سحب الهم والغم ؛ السفر في الديار، وقطع القفار، والتقلب في الأرض الواسعة، والنظر في كتاب الكون المفتوح لتشاهد أقلام القدرة وهي تكتب على صفحات الوجود آيات الجمال، لترى حدائق ذات بهجة، ورياضاً أنيقة وجنات ألفافاً، أخرج من بيتك وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلفك، اصعد الجبال، اهبط الأودية، تسلق الأشجار، عب من الماء النمير، ضع أنفك على أغصان الياسمين، حينها تجد روحك حرة طليقة، كالطائر الغريد تسبح في فضاء السعادة، اخرج من بيتك، ألق الغطاء الأسود عن عينيك، ثم سر في فجاج الله الواسعة ذاكراً مسبحاً. إن الانزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح للانتحار، وليست غرفتك هي العالم ولست أنت كل الناس، فلم الاستسلام أمام كتائب الأحزان، ألا فاهتف ببصرك وسمعك وقلبك: انفروا خفافاً وثقالاً، تعال لتقرأ القرآن هنا بين الجداول والخمائل بين الطيور وهي تتلو خطب الحب، وبين الماء وهو يروي قصة وصوله من التل .
أيها ذا الشاكي وما بك داء كن جميلاً ترى الوجود جميلاً أترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقه الندى إكليلا
إن الترحال في مسارب الأرض متعة يوصي بها الأطباء لمن ثقلت عليه نفسه، وأظلمت عليه غرفته الضيقة، فهيا بنا نسافر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبر ((وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) . السبب الخامس والعشرون فَصَبْرٌ جَمِيلٌ التحلي بالصبر من شيم الأفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر وبقوة إرادة وبمناعة أبية. وإن لم أصبر أنا وأنت فماذا نصنع؟ هل عندك حل لنا غير الصبر؟ هل تعلم لنا زاداً غيره ؟ كان أحد العظماء مسرحاً تركض فيه المصائب وميداناً تتسابق فيه النكبات كلما خرج من كربة زارته كربة أخرى، وهو متترس بالصبر، متدرع بالثقة بالله، يقول عن حاله:
تنكر لي دهري ولم يدر أنني أعز وأحداث الزمان تهون فبات يريني الدهر كيف عتوه وبت أريه الصبر كيف يكون
هكذا يفعل النبلاء، يصارعون الملمات ويطرحون النكبات أرضاً . دخلوا على أبي بكر وهو مريض، قالوا: ألا ندعو لك طبيباً ؟ قال: الطبيب قد رآني . قالوا: فماذا قال ؟ قال : يقول: إني فعال لما أريد . ومرض أحد الصالحين فقيل له: ماذا يؤلمك ؟ فقال: تموت النفوس بأوصابها ولم يدر عوادها ما بها وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها
واصبر وما صبرك إلا بالله، اصبر صبر واثق بالفرج، عالم بحسن المصير، طالب للأجر، راغب في تكفير السيئات، اصبر مهما ادلهمت الخطوب، وأظلمت أمامك الدروب، فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً . قرأت سير عظماء مروا في هذه الدنيا وذهلت لعظيم صبرهم وقوة احتمالهم، كانت المصائب تقع على رؤوسهم كأنها قطرات ماء باردة، وهم في ثبات الجبال، وفي رسوخ الحق، فما هو إلا وقت قصير فتشرق وجوههم على طلائع فجر الفرج، وفرحة الفتح، وعصر النصر. وأحدهم ما اكتفى بالصبر وحده، بل نازل الكوارث وتحدى المصائب وصاح في وجهها منشداً: إن كان عندك يا زمان بقية مما يهان به الكرام فهاتها
يتبع إن شاء الله
التعديل الأخير تم بواسطة محبة لقاء الله; الساعة 26-04-2012, 12:39 PM.
سبب آخر: تشكيل الايات ..... بارك الله فيكى
رد: & # سعادتكِ بين يديكِ # & متجـــــــــــدد
السبب السادس والعشرون
لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك
نفر من الناس تدور في نفوسهم حرب عالمية، وهم على فرش النوم، فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا قرحة المعدة، وضغط الدم والسكري . يحترقون مع الأحداث، يغضبون من غلاء الأسعار، يثورون لتأخر الأمطار، يضجون لانخفاض سعر العملة، فهم في انزعاج دائم، وقلق واصب ((يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ )) .
ونصيحتي لك أن لا تحمل الكرة الأرضية على رأسك، دع الأحداث على الأرض ولا تضعها في أمعاءك . إن البعض عنده قلب كالإسفنجة يتشرب الشائعات والأراجيف , ينزعج للتوافه، يهتز للواردات، يضطرب لكل شيء، وهذا القلب كفيل أن يحطم صاحبه وأن يهدم كيان حامله .
أهل المبدأ الحق تزيدهم العبر والعظات إيماناً إلى إيمانهم، وأهل الخور تزيدهم الزلازل خوفاً إلى خوفهم، وليس أنفع أمام الزوابع والدواهي من قلبٍ شجاع، فإن المقدام الباسل واسع البطان، ثابت الجأش، راسخ اليقين، بارد الأعصاب، منشرح الصدر، أما الجبان فهو يذبح نفسه كل يوم مرات بسيف التوقعات والأراجيف والأوهام والأحلام، فإن كنت تريد الحياة المستقرة فواجه الأمور بشجاعة وجلد ولا يستخفـنك الذين لا يوقنون، ولا تك في ضيق مما يمكرون، كن أصلب من الأحداث، وأعتى من رياح الأزمات، وأقوى من الأعاصير، وارحمتاه لأصحاب القلوب الضعيفة كم تهزهم الأيام هزاً (( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ )) وأما الأباة فهم من الله في مدد، وعلى الوعد في ثقة (( فَأنزَلَ السّكِينَةَ عَلَيْهِمْ )) .
السبب السابع والعشرين
لا تحطمك التوافه
كم من مهموم سبب همه أمرٌ حقير تافه لا يذكر .
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
انظر إلى المنافقين، ما أسقط هممهم وما أبرد عزائمهم . هذه أقوالهم: لا تنفروا في الحر، إئذن لي ولا تفتني ، بيوتنا عورة ، نخشى أن تصيبنا دائرة ، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا . يا لخيبة هذه المعاطس , يا لتعاسة هذه النفوس .
همهم البطون والصحون والدور والقصور، لم يرفعوا أبصارهم إلى سماء المثل، لم ينظروا أبداً إلى نجوم الفضائل . هم أحدهم ومبلغ علمه: دابته وثوبه ونعمه ومأدبته، وانظر لقطاع هائل من الناس تراهم صباح مساء سبب همومهم خلاف مع الزوجة أو الابن أو القريب أو سماع كلمة نابية أو موقف تافه . هذه مصائب هؤلاء البشر، ليس عندهم من المقاصد العليا من يشغلهم، ليس عندهم من الاهتمامات الجليلة ما يملأ وقتهم، وقد قالوا: إذا خرج الماء من الإناء ملأه الهواء، إذاَ ففكر في الأمر الذي تهتم له وتغتم، هل يستحق هذا الجهد وهذا العناء، لأنك أعطيته من عقلك ولحمك ودمك وراحتك ووقتك، وهذا غبن في الصفقة وخسارة هائلة ثمنها بخس، وعلماء النفس يقولون أجعل لكل شيء حداً معقولاً، وأصدق من هذا قوله تعالى: (( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )) فأعط القضية حجمها ووزنها وقدرها وإياك والظلم والغلو .
هؤلاء الصحابة الأبرار همهم تحت الشجرة الوفاء بالبيعة ، فنالوا رضوان الله , ورجل معهم أهمه جمله حتى فاته البيع فكان جزاءه الحرمان والمقت .
فاطرح التوافه والاشتغال بها تجد أن أكثر همومك ذهبت عنك وعدت فرحاً مسروراً .
السبب الثامن والعشرون
ارض بما قسم الله لك
تكن أغنى الناس
مر فيما سبق بعض معاني هذا السبب لكنني أبسطه هنا ليفهم أكثر وهو أن عليك أن تقنع بما قسم لك من جسم ومال وولد سكن وموهبة، وهذا منطق القرآن (( فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ)) . إن غالب علماء السلف وأكثر الجيل الأول كانوا فقراء لم يكن لديهم أعطيات ولا مساكن بهية، ولا مراكب، ولا حشم، ومع ذلك أثروا الحياة وأسعدوا أنفسهم والإنسانية؛ لأنهم وجهوا ما آتاهم الله من خير في سبيله الصحيح , فبورك لهم في أعمارهم وأوقاتهم ومواهبهم، ويقابل هذا الصنف المبارك ملأٌ أعطوا من الأموال والأولاد والنعم، فكانت سبب شقائهم وتعاستهم؛ لأنهم انحرفوا عن الفطرة السوية والمنهج الحق وهذا برهان ساطع على أن هذه الأشياء ليست كل شيء، انظر إلى من حمل شهادات عالمية لكنه نكرة من النكرات في عطاءه وفهمه وأثره، بينما تجد آخرين عندهم علم محدود، وقد جعلوا منه نهراً دافقاً بالنفع والإصلاح والعمار .
إن كنت تريد السعادة فارض بصورتك التي ركبك الله فيها، وارض بوضعك الأسري وصوتك ومستوى فهمك، ودخلك، بل إن بعض المربين الزهاد يذهبون إلى أبعد من ذلك فيقولون لك: ارض بأقل مما أنت فيه وبدون ما أنت عليه وأنشدوا :
سعادتك العظمى إذا كنت عاقلاً
مناك بحال دون حال تعيشها
هاك قائمة رائعة مليئة باللامعين الذين بخسوا حظوظهم الدنيوية :
عطاء بن أبي رباح عالم الدنيا في عهده، مولى أسود أفطس أشل مفلفل الشعر .
الأحنف بن قيس، حليم العرب قاطبة، نحيف الجسم، أحدب الظهر، أحنى الساقين، ضعيف البنية .
الأعمش محدث الدنيا، من الموالي، ضعيف البصر، فقير ذات اليد، ممزق الثياب، رث الهيئة والمنزل .
بل الأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، كل منهم رعى الغنم، وكان داود حداداً وزكريا نجاراً وإدريس خياطاً، وهم صفوة الناس وخير البشر .
إذاً فقيمتك مواهبك وعملك الصالح ونفعك وخلقك، فلا تأس على ما فات من جمال أو مال أو عيال، وارض بقسمة الله (( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) .
السبب التاسع والعشرون
ذكر نفسك بجنة عرضها السموات والأرض
إن جعت في هذه الدار أو افتقرت أو حزنت أو مرضت أو بخست حقاً أو ذقت ظلماً فذكر نفسك بالنعيم والراحة والسرور والحبور والأمن والخلد في جنات النعيم، إنك إن اعتقدت هذه العقيدة وعملت لهذا المصير تحولت خسائرك إلى أرباح، وبلاياك إلى عطايا . إن أعقل الناس هم الذين يعملون للآخرة لأنها خير وأبقى . وإن أحمق وأبله هذه الخـليقة هم الذين يرون أن هذه الدنيا هي قرارهم ودارهم ومنتهى أمانيهم، فتجدهم أجزع الناس عند المصائب، وأندمهم عند الحوادث؛ لأنهم لا يرون إلا حياتهم الزهيدة الحقيرة، لا ينظرون إلا إلى هذه الفانية، لا يتفكرون في غيرها ولا يعملون لسواها، فلا يريدون أن يعكر لهم سرورهم ولا يكدر عليهم فرحهم، ولو أنهم خلعوا حجاب الران عن قلوبهم، وغطاء الجهل عن عيونهم لحدثوا أنفسهم بدار الخلد ونعيمها ودورها وقصورها، ولسمعوا وأنصتوا لخطاب الوحي في وصفها، إنها والله الدار التي تستحق الاهتمام والكد والجهد .
هل تأملنا طويلاً وصف أهل الجنة بأنهم لا يمرضون ولا يحزنون ولا يموتون ، ولا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم، في غرف يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يسير الراكب في ظل شجرة من أشجارها مائة عام لا يقـطعها، طول الخيمة فيها ستون ميلاً، أنهارها مطردة، قصورها منيفة، قطوفها دانية، عيونها جارية، سررها مرفوعة، أكوابها موضوعة، نمارقها مصفوفة، زرابيها مبثوثة، تم سرورها، عظم حبورها، فاح عرفها، عظم وصفها، منتهى الأماني فيها، فأين عقولنا لا تفكر، ما لنا لا نتدبر .
إذا كان المصير إلى هذه الدار فلتخف المصائب على المصابين ولتقر عيون المنكوبين ولتفرح قلوب المعدمين .
العدل مطلب عقلي وشرعي، لا غلو ولا جفاء، لا إفراط ولا تفريط، ومن أراد السعادة فعليه أن يضبط عواطفه، واندفاعاته، وليكن عادلاً في رضاه وغضبه وسروره وحزنه؛ لأن الشطط والمبالغة في التعامل مع الأحداث ظلمٌ للنفس، وما أحسن الوسطية، فإن الشرع نزل بالميزان، والحياة قامت على القسط، ومن أتعب الناس من طاوع هواه واستسلم لعواطفه وميولاته حينها تتضخم عنده الحوادث وتظلـم لديه الزوايا وتقوم في قبله معارك ضارية من الأحقاد والدخائل والضغائن لأنه يعيش في أوهام وخيالات، حتى إن بعضهم يتصور أن الجميع ضده، وأن الآخرين يحبكون مؤامرة لإبادته، وتملي عليه وساوسه أن الدنيا له بالمرصاد، فلذلك يعيش في سحب سود من الخوف والهم والغم .
إن الإرجاف ممنوع شرعاً , رخيص طبعاً وما يمارسه إلا أناس مفـلسون من القيم الحية والمبادئ الربانية (( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ)) .
أجلس قلبك على كرسيه، فأكثر ما يخاف لا يكون، ولك قبل وقوع ما تخاف وقوعه أن تقدر أسوأ الاحتمالات ثم توطن نفسك على تقبل هذا الأسوأ، حينها تنجو من التكهنات الجائرة التي تمزق القلب قبل أن يقع الحدث فيبقى كقول الأول:
كأن قطاة علقت بجناحها
على كبدي من شدة الخفقان
فيا أيها العاقل النابه اعط كل شيء حجمه، ولا تضخم الأحداث والمواقف والقضايا بل اقـتصد واعـدل ولا تجور ولا تذهب مع الوهم الزائف والسراب الخادع , اسمع ميزان الحب والبغض في الحديث : " أحبب حبيبكهوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما "
إن كثيراً من التخويفات والأراجيف لا حقيقة لها وقديماً قالوا :
وقلت لقلبي إن نزا بك نزوة
من الهم افرح أكثر الروع باطـلهُ
الخاتمة
هذا الكلام المكتوب لن تستفيد منه حتى تحاول تطبيقه في نفسك وبيتك وعملك وحياتك لتحصل على حياة أجمل بكثير من حياتك التي تعيشها , حياة سعيدة رغيدةً طيبة تصل منها إلى حياة دائمة مطمئنة في جنات النعيم (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))) .
جزاكِ الله خيرا أخيتى وبارك فيكِ
جعلنا الله وإياكِ من السعداء فى الدنيا والآخرة
اللهم آمين
الإسلام ليس قضية تُطرح للنقاش بل هو الحَكَم الفصل فى أى قضية تُطرح للنقاش رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك
الإسلام ليس قضية تُطرح للنقاش بل هو الحَكَم الفصل فى أى قضية تُطرح للنقاش رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك
الإسلام ليس قضية تُطرح للنقاش بل هو الحَكَم الفصل فى أى قضية تُطرح للنقاش رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكِ الله خيراً اسعدكِ الله فى الدارين
الْحَافِـظُ الْمُتْقِـنُ قَـدْ سَــاوى الْمَـلَـكْ .....فَاسْتَعْمِـلِالْـجِـدَّ فَـمَـنْ جَــدَّمَـلَـكْ
:rose::rose::rose: القرآن كلام الله ..... خطاب الملك....القرآن عزيز ...... مطلوب وليس طالب إذا تركته تركك ..... وإذا ذهبت عنه ذهب من تعاهدني ..... ويكون قلبـــــ♥ها القرآن ؟
تعليق