[" أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ:
إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ: بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا؛ وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
رواه البخاري في صحيحه (427)، ورواه مسلم في صحيحه(528)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (703)، وصححه أيضاً الألباني في صحيح الجامع(2010).
مَعْشَرَ الْمُوَحِّدِينَ؛ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ:
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْمَكَايِدِ التِي كَادَ بِهَا الشَّيْطَانُ أَكْثَرَ النَّاسِ؛ وَوَقَعَ فِيهَا الرَّيْبُ وَالْحَيْرَةُ وَالشَّكُّ وَالالْتِبَاسُ، وَمَا نَجَا مِنْهَا إِلاَّ مَنْ لَمْ يُرِدِ اللهُ تَعَالَى فِتْنَتَهُمْ مِمَّنْ شَرَحَ لَهُمُ الصُّدُورَ: مَا أَوْحَاهُ الشَّيْطَانُ قَدِيماً وَحَدِيثاً إِلَى حِزْبِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ بِالْقُبُورِ؛ حَتَّى آلَ الأَمْرُ فِيهَا إِلَى أَنْ عُبِدَ أَرْبَابُهَا مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى عِيَاناً، فَقُصِدُوا بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ وَاتُّخِذَتْ قُبُورُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْثَاناً، وَكَانَ أَوَّلُ هَذَا الدَّاءِ الْعَظِيمِ: فِي قَوْمِ نُوحٍٍ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالتَّسْلِيمُ، كَمَا أَخْبَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ الْحَكِيمِ: )قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا( [نوح: 21-23]. وَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الأَسْمَاءِ قَالَ: «أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا: أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ: أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا؛ وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ –أَيْ: ذَهَبَ-: عُبِدَتْ».
فَالشِّرْكُ الذِي بُعِثَ لِتَطْهِيرِ الأَرْضِ مِنْهُ أَوَّلُ الْمُرْسَلِينَ: هُوَ نَفْسُ الشِّرْكِ الذِي حَذَّرَ مِنْ فِتْنَتِهِ خَاتِمُ النَّبِيِّينَ، فَقَدِ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الشِّرْكِ وَالتَّضْلِيلِ: الْجَمْعُ بِيْنَ فِتْنَةِ القُبُورِ وَفِتْنَةِ التَّمَاثِيلِ، وَهَذَا عَيْنُ الْمُحَادَّةِ للهِ تَعَالَى وَالْمُخَالَفَةِ لِشَرْعِهِ وَابْتِدَاعُ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ وَبَيَانِ أنَّهُ صَادِرٌ مِنْ شِرَارِ الْمُخْلُوقِينَ، فَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: (إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ: بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا؛ وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الأَنَامُ، وَاجْتَنِبُوا الشِّرْكَ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الآثَامِ، وَمُحْبِطُ الأَعْمَالِ الْجِسَامِ، وَاعْلَمُوا مَعْشَرَ الْبَرِيَّةِ: أَنَّ الشِّرْكَ هَضْمٌ لِحَقِّ الأُلُوهِيَّةِ، وَانْتِهَاكٌ لِحُرْمَةِ الربوبية