حين تذرف عيون الأم دمعاً
الكاتب: د. رياض بن محمد المسيميري
الأمُّ ريحانةُ الدنيا ، ونسمةُ الحياة ... وسرُّ الوجود ومفتاحُ الخلود... وفيضُ الحنان، ومملكةُ الأمان...
ودفقُ المشاعر, ولحنُ البشائر... وملاكُ الرحمة ، وعنوانُ المحبة ...ومعدنُ الوفاء، وأساسُ البناء..
ومصنعُ الرجال, ومنبعُ الأبطال !
أوجب البارئ – سبحانه – برَّها وحُبَّها , وفَرَضَ تكريمها وإسعادها, وصان حقَّها وفضلها!
وبشَّرَ بسعادة من أرضاها, وبهجة من رعاها ! ووعد بأجزل الثواب لمن جبر خاطرها ,وأقال عثرتها, وأحسن معاملتها, وحفظ كبريائها !
أليس الله يقول : (( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )) ( لقمان : 14)
هذه الأمُّ الرؤوم طالما أثقل كاهلها, حَمْلُ أجنتها في أحشائها, يتغذون بدمها, ويمتصون رحيقها ، ويجهدون قواها ، وينهكون كيانها!
حتى إذا وضعت ثمرةَ فؤادها, وفلذة كبدها, بعد جُهد جهيد, وعناءٍ شديد ، وبُكاءٍ يُمزِّقُ الأفئدة , ويُفتتُ الأوردة !
فاضت عيناها بدموعٍ باردة, وأشرق ثغرها بابتسامة الرضا, وأخلدت لغفوةٍ عابرةٍ , ليست سوى استراحة المحارب !
فبعدها يبدأ الحولان المستنزفان للبقية الباقية من قوى الأمِّ المُبدَّدة، وجناحها المَهيض !
((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)) (البقرة : 233) .
وهكذا يتواصلُ العطاء المتدفق ، ويتتابع العطف المهيب!
حتى إذا ما اشتدَّ عُوْدُ الغلامِ أو الفتاة, وشبَّ كلٌ منها عن الطوق!
وألقت المراهقةُ بظلالها القاتمة, وسط ردهات المنزل وحجراته ؛ بدأ مسلسلُ الجحود والنكران, وتتابعت حلقاتُ المكر والعصيان, وظهرت أَماراتُ العقوق والخذلان ، وبانت دلائلُ الظلم والعدوان!
فلم تعد القضية دائرةً بين ((الأُفْ !)) وأخواتها؛ لهان الخَطْبُ وما هو بهيّن ؛ ولكنها فاقت الخيال , وأوغلت في الضلال!
وضُيِّعت أشرفُ وصيةٍ, من أعظم مُوصٍ- سبحانه- في حقِّ أزكى الناس, على يد أبناء متغطرسين , وفتيات حمقاوات!
((وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) (العنكبوت: 8) .
وردتني هذه القصة من إحدى الأخوات عبر البريد الالكتروني واعرضها كما جاءت... مع إدراكي التام بأنَّ في الأمّة نماذج لا عداد لها ممّن يُضرب بهم المثل في البرِّ والوفاء!
تقول الأخت:
انقطعت عن زيارتي .. فأخذت الأفكار تتأرجح في رأسي...فقد كانت دائما تسأل عني وعن أخباري.. خصوصاً إذا سافرت أمي.. فهذه المرأة الكبيرة في السن تعتبر نفسها كأمي .. هي جارتنا وتسكن في الطابق الأسفل منا.
ودائما تحيطنا بالحنان والعطف والسؤال عن أخبارنا..
قررت أن أزورها لأعرف ما الذي أخرَّها عني.. وذهبت إلى بيتها .. للسؤال عنها فهي أم لثلاثة أولاد وثلاث بنات.
إثنان من أولادها ممن بلغوا سن الثلاثين متزوجان ويسكنان معها في نفس المنزل، فزوجها متوفى وهي تحيط أسرتها بالحب والحنان والدفء!
لكن من ينقذ الأمهات من عقوق وأنانية الأبناء ؟
هذه الأم المسكينة ابتليت باثنين من الأبناء قساة القلوب، ذوي أنانية مفرطة فكل واحد منهما يحاول الحصول على نصيب الأسد من إرث الأب حتى وإن سكنت الأم وبناتها في أسوء مكان !
حاولت الأم كسب أبنائها وزوجاتهم فقامت بخدمتهم وخدمة زوجاتهم، إذ ليس لهم غاية ولا هدف إلا النوم والخروج للمطاعم وتلبية رغبات زوجاتهم والتفنن في خدمتهن...
أما الأم وبناتها الثلاث وابنها الأصغر فلا بأس أن يذهبوا في سيارات الليموزين لقضاء حوائجهم، ولا داعي لخروجهم للتنزه، فهم ليسوا كباقي البشر!
هذه الأم الحنون تعرضت لموقف لن أصفه بالمأساوي لأنه أعظم من ذلك فهؤلاء الأبناء يريدون إخراجها من منزلها الذي تركه لها زوجها ليكون حصناَ لها ولبناتها, ولكن أنانية أبنائها جعلتهم يتلذذون في تعذيبها ومحاولة إخراجها بشتى الصور من هذا المنزل ليمتلكانه بدون أي حق وأي إنصاف !
وبعد أن هددوها بأخذ الوصاية منها على أخواتهم، حاولت أن تخرج بأقل الخسائر.
فاقترحت : أن تستأجر شقة لها ولبناتها وتترك لهم المنزل ليتقاسمه الاثنان بينهم، ولكن من يرحم هؤلاء الأبناء من ألسنة الناس ؟!
فرفضوا ذلك أشذ الرفض وهددوها بأخذ البنات أو أن تخرج إلى منطقة نائية؛ حيث يوجد لهم هناك بيت من تركة أبيهم !
فلما رفضت ذلك منعوا عنها وسائل الاتصال بمن حولها ومنعوها من الخروج حتى تيسر لها - بفضل الله- أن تتصل بأحد أعمامهم ليتفاهم معهم!
لكن ماذا تتوقعون أن يحدث ؟! فهل ترأف قلوب هؤلاء القساة أو تحن ؟؟
لا والله ، بل جاء الاثنان تتطاير من عيونهم الشرر والحقد، وقاموا بسحب أمهم المريضة ( والتي تعاني من سرطان في الرحم) وأركبوها سيارة أحدهم وهي تصيح وتبكي وتنزف الدماء من الشد والضرب والقهر, وبكل قسوة خرجوا بها إلى ذلك المنزل الوضيع، وأقفلوا عليها الأبواب هي وبناتها خشية أن يسمع أحد أعمامهم بما يحدث داخل منزلهم والأم مضرجة بدمائها والبنات لا حول لهن ولا قوة إلا الصياح والعويل!
فلما رأوا ساحة المنزل وقد امتلأت بدماء أمهم وكأنها شاة مذبوحة خشوا أن تموت فيعيرهم الناس بذلك ؛ فقرروا نقلها إلى المستشفى حيث أدخلت غرفة العمليات وأجريت لها عملية استئصال الرحم!
فأي القلوب هذه القلوب وهل هؤلاء بشر؟!
وللعلم:
إن هؤلاء الأبناء حققوا غايتهم وأخرجوا هذه الأم المكلومة من المستشفى كسيرة ذليلة إلى ذلك المنزل الوضيع فنعوذ بالله من عقوق هؤلاء الأبناء
انتهى كلامها.
هذه الأم النازفة المنكوبة, مثالٌ وحيدٌ لما في جُعبتنا من الأمثلة العديدة التي هي خارج نطاق الحصر والعدّ ؛ بفضل عوامل متشابكة ساهمت في غرس المأساة وسقيها, حتى ترعرعت وضربت بجذورها في أعماق الواقع الاجتماعي المخيف !
ولسنا بقادرين – والله – على تتبع كلِّ أسباب المشكلة ؛ لكثرتها وتشبعها , وتنوعها وتلونها؛ لكن حسبنا منها الإعلام ودوره البغيض في صُنع المأساة وتجذيرها !
أليس الإعلام هو الذي يُقدِّم الأمَّ ((الحماة)) دوماً, وهي تلعب دور الشريرة التي كثيراً ما تتطفلُ على أبنائها وزوجاتهم,وتتدخل في كلِّ خصوصياتهم البيتية, حتى أحالت البيت جحيماً, والحياة علقماً ؟!
أليست الأم تُصوَّرُ في المسلسلات العربية وهي تلعبُ دورَ الساذجةِ الغبيةِ تارة , والقرويةِ البلهاء تارة, وبائعة الهوى تارات وتارات ؟!!
أليس الإعلام هو الذي يُربِّي أولاد المسلمين على حبِّ الجريمة عبر أفلام القسوة والعنف, وحبِّ الفاحشة عبر أفلام الحبِّ والغرام ؟!
ومن الذي يُهوِّن لبناتنا عقد الصداقات الغرامية, وإقامة العلاقات المُحرَّمة مع الشباب غير قنوات الشرِّ الفضائية, وحلقات ستار أكاديمي الداعرة ؟
ومن الذي روّج الأغاني الهابطة, وأشرطة الفيديو الماجنة , ودبَّج المقالات الماكرة , وسوّد الصفحات الكائدة , لتغريب الأمة, وإماتة الأخلاق إلاَّ الإعلاميون ؟!
ماذا ننتظر من شبابٍ وبناتٍ... هذه أخلاقهم.. وهذا مبلغهم من العلم والتربية ؟!
ماذا ننتظر منهم غيرَ ركْلِ الأمَّهات ,وصفع وجوههن, وإراقة دمائهن الزكية أشراً وبطراً ورئاء الناس !
ألا أيها الإعلاميون فروا إلى الله إنِّي لكم منه نذير مبين,واعلموا أن خصومكم أمام الله يتكاثرون كل ساعة, بل كلَّ لحظة بما تقدمون من شهوات, وبما تؤجّجون من عداوات, وبما تهدمون من قيم , وبما تذيبون من أخلاق!
إنَّ خصومكم عجائزُ مُعذَّبات , وشيوخ مهانون ,وشباب مفتونون, وفتيات متهتكات!
ربنا ألطف واغفر, واصفح واستر..وارحم آبائنا وأمهاتنا كما ربونا صغاراً.. والله المستعان .
الكاتب: د. رياض بن محمد المسيميري
الأمُّ ريحانةُ الدنيا ، ونسمةُ الحياة ... وسرُّ الوجود ومفتاحُ الخلود... وفيضُ الحنان، ومملكةُ الأمان...
ودفقُ المشاعر, ولحنُ البشائر... وملاكُ الرحمة ، وعنوانُ المحبة ...ومعدنُ الوفاء، وأساسُ البناء..
ومصنعُ الرجال, ومنبعُ الأبطال !
أوجب البارئ – سبحانه – برَّها وحُبَّها , وفَرَضَ تكريمها وإسعادها, وصان حقَّها وفضلها!
وبشَّرَ بسعادة من أرضاها, وبهجة من رعاها ! ووعد بأجزل الثواب لمن جبر خاطرها ,وأقال عثرتها, وأحسن معاملتها, وحفظ كبريائها !
أليس الله يقول : (( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )) ( لقمان : 14)
هذه الأمُّ الرؤوم طالما أثقل كاهلها, حَمْلُ أجنتها في أحشائها, يتغذون بدمها, ويمتصون رحيقها ، ويجهدون قواها ، وينهكون كيانها!
حتى إذا وضعت ثمرةَ فؤادها, وفلذة كبدها, بعد جُهد جهيد, وعناءٍ شديد ، وبُكاءٍ يُمزِّقُ الأفئدة , ويُفتتُ الأوردة !
فاضت عيناها بدموعٍ باردة, وأشرق ثغرها بابتسامة الرضا, وأخلدت لغفوةٍ عابرةٍ , ليست سوى استراحة المحارب !
فبعدها يبدأ الحولان المستنزفان للبقية الباقية من قوى الأمِّ المُبدَّدة، وجناحها المَهيض !
((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)) (البقرة : 233) .
وهكذا يتواصلُ العطاء المتدفق ، ويتتابع العطف المهيب!
حتى إذا ما اشتدَّ عُوْدُ الغلامِ أو الفتاة, وشبَّ كلٌ منها عن الطوق!
وألقت المراهقةُ بظلالها القاتمة, وسط ردهات المنزل وحجراته ؛ بدأ مسلسلُ الجحود والنكران, وتتابعت حلقاتُ المكر والعصيان, وظهرت أَماراتُ العقوق والخذلان ، وبانت دلائلُ الظلم والعدوان!
فلم تعد القضية دائرةً بين ((الأُفْ !)) وأخواتها؛ لهان الخَطْبُ وما هو بهيّن ؛ ولكنها فاقت الخيال , وأوغلت في الضلال!
وضُيِّعت أشرفُ وصيةٍ, من أعظم مُوصٍ- سبحانه- في حقِّ أزكى الناس, على يد أبناء متغطرسين , وفتيات حمقاوات!
((وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) (العنكبوت: 8) .
وردتني هذه القصة من إحدى الأخوات عبر البريد الالكتروني واعرضها كما جاءت... مع إدراكي التام بأنَّ في الأمّة نماذج لا عداد لها ممّن يُضرب بهم المثل في البرِّ والوفاء!
تقول الأخت:
انقطعت عن زيارتي .. فأخذت الأفكار تتأرجح في رأسي...فقد كانت دائما تسأل عني وعن أخباري.. خصوصاً إذا سافرت أمي.. فهذه المرأة الكبيرة في السن تعتبر نفسها كأمي .. هي جارتنا وتسكن في الطابق الأسفل منا.
ودائما تحيطنا بالحنان والعطف والسؤال عن أخبارنا..
قررت أن أزورها لأعرف ما الذي أخرَّها عني.. وذهبت إلى بيتها .. للسؤال عنها فهي أم لثلاثة أولاد وثلاث بنات.
إثنان من أولادها ممن بلغوا سن الثلاثين متزوجان ويسكنان معها في نفس المنزل، فزوجها متوفى وهي تحيط أسرتها بالحب والحنان والدفء!
لكن من ينقذ الأمهات من عقوق وأنانية الأبناء ؟
هذه الأم المسكينة ابتليت باثنين من الأبناء قساة القلوب، ذوي أنانية مفرطة فكل واحد منهما يحاول الحصول على نصيب الأسد من إرث الأب حتى وإن سكنت الأم وبناتها في أسوء مكان !
حاولت الأم كسب أبنائها وزوجاتهم فقامت بخدمتهم وخدمة زوجاتهم، إذ ليس لهم غاية ولا هدف إلا النوم والخروج للمطاعم وتلبية رغبات زوجاتهم والتفنن في خدمتهن...
أما الأم وبناتها الثلاث وابنها الأصغر فلا بأس أن يذهبوا في سيارات الليموزين لقضاء حوائجهم، ولا داعي لخروجهم للتنزه، فهم ليسوا كباقي البشر!
هذه الأم الحنون تعرضت لموقف لن أصفه بالمأساوي لأنه أعظم من ذلك فهؤلاء الأبناء يريدون إخراجها من منزلها الذي تركه لها زوجها ليكون حصناَ لها ولبناتها, ولكن أنانية أبنائها جعلتهم يتلذذون في تعذيبها ومحاولة إخراجها بشتى الصور من هذا المنزل ليمتلكانه بدون أي حق وأي إنصاف !
وبعد أن هددوها بأخذ الوصاية منها على أخواتهم، حاولت أن تخرج بأقل الخسائر.
فاقترحت : أن تستأجر شقة لها ولبناتها وتترك لهم المنزل ليتقاسمه الاثنان بينهم، ولكن من يرحم هؤلاء الأبناء من ألسنة الناس ؟!
فرفضوا ذلك أشذ الرفض وهددوها بأخذ البنات أو أن تخرج إلى منطقة نائية؛ حيث يوجد لهم هناك بيت من تركة أبيهم !
فلما رفضت ذلك منعوا عنها وسائل الاتصال بمن حولها ومنعوها من الخروج حتى تيسر لها - بفضل الله- أن تتصل بأحد أعمامهم ليتفاهم معهم!
لكن ماذا تتوقعون أن يحدث ؟! فهل ترأف قلوب هؤلاء القساة أو تحن ؟؟
لا والله ، بل جاء الاثنان تتطاير من عيونهم الشرر والحقد، وقاموا بسحب أمهم المريضة ( والتي تعاني من سرطان في الرحم) وأركبوها سيارة أحدهم وهي تصيح وتبكي وتنزف الدماء من الشد والضرب والقهر, وبكل قسوة خرجوا بها إلى ذلك المنزل الوضيع، وأقفلوا عليها الأبواب هي وبناتها خشية أن يسمع أحد أعمامهم بما يحدث داخل منزلهم والأم مضرجة بدمائها والبنات لا حول لهن ولا قوة إلا الصياح والعويل!
فلما رأوا ساحة المنزل وقد امتلأت بدماء أمهم وكأنها شاة مذبوحة خشوا أن تموت فيعيرهم الناس بذلك ؛ فقرروا نقلها إلى المستشفى حيث أدخلت غرفة العمليات وأجريت لها عملية استئصال الرحم!
فأي القلوب هذه القلوب وهل هؤلاء بشر؟!
وللعلم:
إن هؤلاء الأبناء حققوا غايتهم وأخرجوا هذه الأم المكلومة من المستشفى كسيرة ذليلة إلى ذلك المنزل الوضيع فنعوذ بالله من عقوق هؤلاء الأبناء
انتهى كلامها.
هذه الأم النازفة المنكوبة, مثالٌ وحيدٌ لما في جُعبتنا من الأمثلة العديدة التي هي خارج نطاق الحصر والعدّ ؛ بفضل عوامل متشابكة ساهمت في غرس المأساة وسقيها, حتى ترعرعت وضربت بجذورها في أعماق الواقع الاجتماعي المخيف !
ولسنا بقادرين – والله – على تتبع كلِّ أسباب المشكلة ؛ لكثرتها وتشبعها , وتنوعها وتلونها؛ لكن حسبنا منها الإعلام ودوره البغيض في صُنع المأساة وتجذيرها !
أليس الإعلام هو الذي يُقدِّم الأمَّ ((الحماة)) دوماً, وهي تلعب دور الشريرة التي كثيراً ما تتطفلُ على أبنائها وزوجاتهم,وتتدخل في كلِّ خصوصياتهم البيتية, حتى أحالت البيت جحيماً, والحياة علقماً ؟!
أليست الأم تُصوَّرُ في المسلسلات العربية وهي تلعبُ دورَ الساذجةِ الغبيةِ تارة , والقرويةِ البلهاء تارة, وبائعة الهوى تارات وتارات ؟!!
أليس الإعلام هو الذي يُربِّي أولاد المسلمين على حبِّ الجريمة عبر أفلام القسوة والعنف, وحبِّ الفاحشة عبر أفلام الحبِّ والغرام ؟!
ومن الذي يُهوِّن لبناتنا عقد الصداقات الغرامية, وإقامة العلاقات المُحرَّمة مع الشباب غير قنوات الشرِّ الفضائية, وحلقات ستار أكاديمي الداعرة ؟
ومن الذي روّج الأغاني الهابطة, وأشرطة الفيديو الماجنة , ودبَّج المقالات الماكرة , وسوّد الصفحات الكائدة , لتغريب الأمة, وإماتة الأخلاق إلاَّ الإعلاميون ؟!
ماذا ننتظر من شبابٍ وبناتٍ... هذه أخلاقهم.. وهذا مبلغهم من العلم والتربية ؟!
ماذا ننتظر منهم غيرَ ركْلِ الأمَّهات ,وصفع وجوههن, وإراقة دمائهن الزكية أشراً وبطراً ورئاء الناس !
ألا أيها الإعلاميون فروا إلى الله إنِّي لكم منه نذير مبين,واعلموا أن خصومكم أمام الله يتكاثرون كل ساعة, بل كلَّ لحظة بما تقدمون من شهوات, وبما تؤجّجون من عداوات, وبما تهدمون من قيم , وبما تذيبون من أخلاق!
إنَّ خصومكم عجائزُ مُعذَّبات , وشيوخ مهانون ,وشباب مفتونون, وفتيات متهتكات!
ربنا ألطف واغفر, واصفح واستر..وارحم آبائنا وأمهاتنا كما ربونا صغاراً.. والله المستعان .
تعليق