الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه وقفات مع جملة من الآيات الواردة في سورة الأحزاب
والتي تتصل بتربية القرآن أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
تربية رفيعة؛ ذلك أن البيوت الرفيعة والنفوس الشريفة يليق بها نوع خاص من التربية التي تترفع بصاحبها عن سفاسف الأمور ودنيء الخلال إلى أرقى مراتب الكمال البشري الممكن لأمثاله، فتسمو همته وتزكو نفسه وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
وهذه الآيات المشار إليها هي قول الله تعالى:
{يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً* وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً* إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً* وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} [الأحزاب: 32-36].
الوقفة الأولى:
مع قوله: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ} حيث خاطبهن بهذا النداء المقتضي إصغاء المخاطب وتهيؤه لتلقي ما خوطب به.
الوقفة الثانية:
أنه أضافهن إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا من رفع أقدارهن وتشريفهن ما فيه، إضافة إلى ما يشعر به من سمو التعاليم التي سيوجهها لهنَّ؛ نظرًا لعلو مرتبتهن.
الوقفة الثالثة:
مع قوله: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} ذلك أن نفي المشابهة هنا يقتضي نفي المساواة، فكنى به عن الأفضلية على غيرهن، وهذا بالقيد بعده وهو في:
الوقفة الرابعة:
مع قوله: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} فهذا الشرط متعلق بما قبله على الأرجح، وجوابه دل عليه ما قبله في قوله {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} والمعنى -والله أعلم- إن اتقيتن فأنتن أفضل من غيركن.
ومعلوم أن كونهن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقتضي تفضيلهن على غيرهن؛ لأن القرآن دلَّ على ذلك كما في آخر سورة التحريم، وهو قول الله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10]، فمن الغلط جعلُ صحبةِ الأشراف دافعةً للعقاب على الإسراف.
الوقفة الخامسة:
وهو أن في قوله: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} دلالة على التحريض كما تشعر به الصيغة، ومعلوم أن فعل الشرط هنا مستعمل في الدلالة على الدوام، أي: إن دمتن على التقوى، ومعلوم أن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- كن متقيات قبل نزول هذه الآية.
منقول
ويتبع إن شاء الله
تعليق