إن الأحمق فقط من يرى حفرة ويصر أن يقع فيها من باب التجربة، والأحمق أيضا من لا يتعظ بتاريخ وتجارب غيره، ويصر أن يذوق طعم الأذى والألم و الهزيمة بنفسه، ذلك أن النفس البشرية السوية تنفر من السوء و تحب استجلاب الخير والمنفعة على الدوام، و هذه الأهمية في الاستفادة من تجارب الآخرين هي ما جعل المولى سبحانه و تعالى يُفرد مساحة كبيرة من كتابه المعجر، وآخر رسائله الى البشرية لقصص الأمم السابقة حتى يتعظ و يأخذ العبرة منها أولو الألباب، ولهذا أيضا كان التاريخ و تجارب الأمم وما زالا من أهم مساقات العلم التي تمكن الدارسين من القياس على ما هو آت بالنظر الى ما فات، و قد نبهنا الإسلام على ان المرء يجب أن يطلب الحكمة ويقبل بها أيا كان مصدرها وحتى لو خرجت من فم عدو مبغض.
و للأسف فإن الأمة العربية و الإسلامية أصبحت أمة استهلاكية مستوردة ليس فقط على مستوى السلع و الكماليات المادية، من أول الإبرة حتى الطائرة، و حتى المسبحة و سجادة الصلاة، و لكن على مستوى المعرفة و الأخلاق و القيم، و ليت هذه الأخيرة بقيت في نطاق المقبول حضارة و دينا و عرفا، و لكننا استوردنا الغث و السمين، و غلب تعلقنا بالغث و تركنا السمين من مدارس العلم و تطبيقات التكنولوجيا، ففي الوقت الذي يقوم فيه العرب بإطلاق قنوات اباحيه لإسقاط و إلهاء الشباب العربي و المسلم، تقوم الصين و هي البلد الرائدة في صناعة و تصدير التكنولوجيا بإطلاق حملة و برنامج باسم السد الأخضر Green Dam الذي يزود الحواسيب بتقنية مراقبة و حظر المواقع الإباحية و المواقع التي تشجع على العنف، و قاومت الصين من أجل شبابها أمريكا و منظمات التجارة الحرة مؤكدة على أهمية هذا البرنامج لحماية الشباب من الانشغال بالمتع ونسيان واجبهم الوطني في خدمة بلادهم بالعلم و العمل، و حماية المجتمع من زيادة معدلات الجريمة و الانحراف و التفكك الأسري.
إذن عادت الصين و هي من أساطين التكنولوجيا العالمية الى تطبيق معايير الفضيلة الى جانب معايير الجودة و الإنتاج، عادت إلى فرض رؤية أخلاقية إلى جانب الأهداف الربحية في تأكيد جديد الى أن الغاية لا تبرر الوسيلة، و أن الانتشار و التسويق لا يعني الانكفاء على الأخلاق، و أن الحرية الشخصية لا تعني الحجر على رغبة الكثيرين في تأمين أنفسهم من خطر الإباحية، و تبعت هذه الخطوة قيام شركة أبل الأمريكية الرائدة في صناعة أجهزة الكمبيوتر و الهاتف المحمول و آخرها الأي فون I Phone بما فيه من تقنيات تجمع بين أجهزة الكمبيوتر و الخلوي و التلفاز و المسجل و غيرها برفض إدراج برنامج تحتوى على مواد اباحيه ضمن برامج الهاتف، و بررت القرار بعدم تبني التسويق للمواد الإباحية حتى و ان كان بإمكان الزبون الحصول عليها من أي مكان آخر، و أكدت الشركة رفضها للبرنامج برغم المطالبات بإدراجه، و برغم الأرباح الهائلة التي كانت ستحصلها، و التي كانت ستمكنها من التفوق و منافسة الأجهزة الشبيهة الأخرى مثل جهازي بلاك بري ستورم و بالم بري.
و في الوقت الذي يهاجم فيه الكثيرون من العلمانيين غض البصر باعتباره سخافة و تقييدا يعود بالبشر الى عقلية العصر الحجري، تنصح دراسة حديثة أُجريت في هولندا الرجال بغض بصرهم، إذ ان النظر الى النساء يُضعف الذاكرة القصيرة لدى الرجال، و يخفض أداؤهم العقلي بشكل كبير، و قال الباحثون أن خلايا الدماغ التي تقوم بمعالجة المعلومات و اتخاذ القرارات تتأثر كثيرا بحضور المرأة و النظر اليها و الحديث معها، و ان إطالة النظر إلى المرأة لساعات طويلة يؤثر على القلب، و يسبب تصلب الشرايين و ارتفاع ضغط الدم و بعض الاضطرابات النفسية نتيجة الهيجان الذي يسببه التحديق، فيما نسينا كمسلمين فضائل غض البصر على راحة النفس و القلب و الجوارح و صدق الشاعر في توصيف مشاكل إطلاق البصر اذ قال:
كل الحوادث مبدؤها من النظـر ** ومُعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ** فتك السهام بلا قـوس ولا وتـر
والمرء ما دام ذا عين يقلّبُها في ** أعين الغيد موقوف على الخطـر
يَسُـرّ مقتله ما ضرّ مهجتـه ** لا مرحبًا بسرور عاد بالضـرر
و في مجال آخر لصيق، فقد أظهرت دراسات أجريت على مجموعة من المدارس البريطانية و الأمريكية الإعدادية و الثانوية تقدم نتائج الطلاب في التعليم المنفصل بنسبة 75.7% على نتائج الطلاب في التعليم المختلط، و يقول المؤيدون للفصل بين الجنسين في المدارس إن هذا أمر ضروري لزيادة مستوى تحصيل الطلبة، فمرحلة المراهقة من أكثر مراحل التشتت و التمرد لدى الشباب و الفتيات و في الوقت الذي تشجع الدول الغربية التعليم المنفصل ها هي الاتفاقيات الدولية، و على رأسها سيداو، تفرض على الدول العربية اعتماد التعليم المختلط!!
كان سبب عودة هذه الشعوب العلمانية الى الفضيلة ما عانته من ويلات التفلت و انتشار الرذيلة و الجرائم، فهل علينا أن نسير على خطاهم و نجرب العلقم حتى نتعظ بعد فوات الأوان و عندما لا ينفع الندم؟؟إن من معاني الإسلام الاستسلام، أي معرفة أن الله ما فرض علينا شيئا الا و هو يريد سعادتنا في الدنيا و الآخرة دون الحاجة إلى الإثبات و التجريب و صدق سبحانه" يريد الله ليبين لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم و يتوب عليكم و الله عليم حكيم، و الله يريد أن يتوب عليكم و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما، يريد الله أن يخفف عنكم و خلق الإنسان ضعيفا"
تعليق