التوبة النصوح
إن الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنا سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزء عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلأى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً الأخوة الفضلاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله الحليم الكريم- جلا وعلا – الذى جمعنى مع حضراتكم فى هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار مقامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
أحبتى فى الله نحن اليوم على موعد مع التوبة النصوح وكما تعودت حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا، فسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم فى هذا الموضوع الجليل العظيم فى العناصر المحددة التالية:
أولاً: وجوب التوبة.
ثانياً: فضل التوبة..
ثالثاً: شموس مضيئة فى سماء التوبة..
رابعاً شروط التوبة..
خامساً : عقبات فى طريق التوبة وكيف الخلاص منها..
فأعيرونى القلوب وألأسماع فى هذه اللحظات، والله أسأل أن يتوب على وعليكم، وأن يستر على وعليكم فى الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر
أولاً: وجوب التوبة..
أحبتى الكرام قال الإمام ابن القيم رحمة الله: أكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة، ولا حقيقتها فضلا عن القيام بها، علماً وعملاً وحالاً، مع أن التوبة هى حقيقة دين الإسلام، والدين كله داخل فى مسمى التوبة، من أجل ذلك استحق التائب أن يكون حبيب الرحمن – جل وعلا – فأصل التوبة فى اللغة الرجوع يقال: تاب وآب وثاب بمعنى رجع، فالتائب إلى الله هو الراجع عن كل ما يكرهه الله ظاهراً وباطناً، إلى كل ما يحبه الله ظاهراً وباطنا.
ولقد تظاهرت وتضافرت أدلة القرآن والسنة، وإجماع الأمة على وجوب التوبة فى كل لحظة وحين، لأن المسلم لا يخلو من معصية ظاهرة أو باطنة. من أجل ذلك وجب عليه أن يجدد التوبة والأوبة إلى الله بعدد أانفاس حياته حتى يلقى الله – عز وجل – وهو على توبة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم ويقول الله عز وعلا: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور ويقول جل وعلا:
{وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات
وفى سنة النبى الأمين كما يقول المصطفى كما فى صحيح مسلم من حديث ابن عمر: "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أتوب إليه فى اليوم مائة مرة" هذا نبينا وحبيبنا الذى غفر الله له
ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يتوب إلى الله ويستغفر الله فى اليوم مائة مرة.
وفى لفظ البخارى: "فإنى أستغفر الله وأتوب إليه أكثر من سبعين مرة" فإن كان المصطفى-
أيها المسلمون أيها الشباب- إن كان المصطفى يتوب فى التوبة إلى رب الأرض والسموات فى اليوم الواحد آلاف المرات، فوالله لا ينفك مسلم عن معصية صغرت أم كبرت، ظاهرة أم باطنة، فنحن نحتاج إلى التوبة بعدد أنفاس حياتنا فى هذه الدنيا. وأبشرك بأن الله تعالى لا يغلق باب التوبة أبداً حتى تبلغ روحك الحلقوم أو حتى تطلع الشمس من مغربها، فتدبر كلام الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى.
ففى صحيح مسلم من حديث أبى موسى أن النبى قال: " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى قال: "ينزل الله – عز وجل- إلى السماء الدنيا" .. ينزلا نزولا يليق بكماله رجلاله فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه ، استوى كما أخبر وعلى الوجه الذى أراد، وبالمعنى الذى قال: استواء منزها عن الحلول والانتقال. فلا العرش يحمله ولا الكرسى يسنده، بل العرش وحملته والكرسى وعظمته، الكل محمول بلطف قدرته مقهور بجلال قبضته.
فالأستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة لا تسأل كيف يتنزل، فإن الله يتنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا تنزلا يليق بكماله وجلاله، فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (103) سورة الأنعام قال تعالى {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (74) سورة النحل قال سبحانه {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (110) سورة طـه قال جل جلاله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (1 ، 4) سورة الإخلاص أحد فى أسمائه، أحد فى ذاته، أحد فى صفاته، أحد فى أفعاله.
قال أعرف الناس به :" إن الله لا ينام ولا ينبغى له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .. ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا، ويقول سبحانه
وتعالى: " أنا الملك من ذا الذى يدعونى فأستجيب له، من ذا الذى يسألنى فأعطيه، من ذا الذى يستغفرنى فأغفر له" فلا يزال كذلك حتى يصىء الفجر
فأين أنت؟ تقضى الليل أمام الأفلام الداعرة، أفق أيها المسكين! يا من قضيت العمر أمام المسلسلات والأفلام قم وانتبه! قم فإن الموت يأتى بغتة. المولى جل جلاله ينادى عليك وأنت فى غفلة: أنتبه:
دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا
لم ينسها الملكان حين نسيته
والروح منك وديعة أودعتها
وغرور دنياك التى تسعى لها
الليل فاعلم والنهار كلا هما
ذ
واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
ستردها بالرغم منك وتسلب
دار حقيقتها متاع يذهب
أنفاسنا فيهما تعد وتحسب
الله جل جلاله ينادى عليك فيقول: " أنا الملك من ذا الذى يدعونى فأستجيب له، من ذا الذى يسألنى فأعطيه، من ذا الذى يستغفرنى فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضىء الفجر". .
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة – – أن النبى قال: "قال الله عز وجل فى الحديث القدسى: " أنا عند ظن عبدى بى، وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم، وإن تقرب منى شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب منى ذراعاً تقربت إليه باعا، وإن أتانى يمشى أتيته هروله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر
فهيا أيها المسلم! هيا إلى هذا الفضل العظيم، فوالله لو عرفت فضل التوبة ما تركت التوبة طرفة عين ... وهذا هو عنصرنا الثانى من عناصر اللقاء ..
فضل التوبة: وأعظم فضل للتوبة أنها سبب لمحبة الرب للعبد . هل تدبرت ما ذكرت أيها الكريم الفاضل؟ أقول: إنها سبب لمحبة الرب للعبد ولم أقل التوبة سبب لمحبة العبد للرب، فمن أنت ليحبك الملك؟! قال جل وعلا فى الحديث القدسى الذى رواه الإمام البخارى من حديث أبى هريرة يقول تعالى: " من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب.." " من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى مما أفترضه عليه ، ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش لها، ورجله التى يمشى عليها ولئن سألنى لأعطينة ولئن استعاذنى لأعيذنه"..
ماذا لو أحبك الله؟ اسمع ! يقول النبى كما فى حديث أبى هريرة: "إذا أحب الله عبداً دعا جبريل عليه السلام". " إذا أحب الله عبداً دعا جبريل عليه السلام.
وقال : يا جبريل إنى أحب فلانا فأحببه" وتذكر أنت عند الملك ويذكر أسمك ملك الملوك" إنى أحب فلانا فأحببه، يحبه جبريل ، ثم ينادى جبريل فى أهل السماء، ويقول: يا هل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم ينادى جبريل فى الأرض، فيوضع له القبول فى الأرض)
حيثما توجه، وضع الله له القبول إذا احبه الله سبحانه، وإذا أبغض الله عبداً دعا جبريل وقال:" يا جبريل إنى أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل وينادى جبريل، لأهل السماء فيبغضه أهل السماء ثم ينادى على أهل الأرض فتوضع له البغضاء فى الأرض" أعاذنى الله وإياكم من البغضاء.
فإن أحبك رب الأرض والسماء سعدت فى الدنيا والآخرة، ولو أحبك مسئول سعدت فى دنياك، فكيف لو احبك من بيده الدنيا والآخرة، سعدت فى الدنيا وسعدت فى الآخرة، أسأل الله أن يجعلنى وإياكم من أهل السعادة فى الدنيا والآخرة.
ثانياً : من فضائل التوبة: أنها سبب لفرح الرب بالعبد .. الله يفرح لا تعطل ولا تكيف ولا تمثل. اسمع ماذا قال أعرف الناس بربه وهو المصطفى كما فى الصحيحين من حديث أنس بن مالك: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فاتفلتت منه راحلته وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع فى ظلها وقد أيس من راحلته .
المعنى: رجل يركب حماراً أو ناقة أو حصاناً دابة عليها الطعام والشراب ويمشى فى صحراء مقفرة، مهلكة. وفجأة
إن الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنا سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزء عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلأى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً الأخوة الفضلاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله الحليم الكريم- جلا وعلا – الذى جمعنى مع حضراتكم فى هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار مقامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
أحبتى فى الله نحن اليوم على موعد مع التوبة النصوح وكما تعودت حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا، فسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم فى هذا الموضوع الجليل العظيم فى العناصر المحددة التالية:
أولاً: وجوب التوبة.
ثانياً: فضل التوبة..
ثالثاً: شموس مضيئة فى سماء التوبة..
رابعاً شروط التوبة..
خامساً : عقبات فى طريق التوبة وكيف الخلاص منها..
فأعيرونى القلوب وألأسماع فى هذه اللحظات، والله أسأل أن يتوب على وعليكم، وأن يستر على وعليكم فى الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر
أولاً: وجوب التوبة..
أحبتى الكرام قال الإمام ابن القيم رحمة الله: أكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة، ولا حقيقتها فضلا عن القيام بها، علماً وعملاً وحالاً، مع أن التوبة هى حقيقة دين الإسلام، والدين كله داخل فى مسمى التوبة، من أجل ذلك استحق التائب أن يكون حبيب الرحمن – جل وعلا – فأصل التوبة فى اللغة الرجوع يقال: تاب وآب وثاب بمعنى رجع، فالتائب إلى الله هو الراجع عن كل ما يكرهه الله ظاهراً وباطناً، إلى كل ما يحبه الله ظاهراً وباطنا.
ولقد تظاهرت وتضافرت أدلة القرآن والسنة، وإجماع الأمة على وجوب التوبة فى كل لحظة وحين، لأن المسلم لا يخلو من معصية ظاهرة أو باطنة. من أجل ذلك وجب عليه أن يجدد التوبة والأوبة إلى الله بعدد أانفاس حياته حتى يلقى الله – عز وجل – وهو على توبة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم ويقول الله عز وعلا: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (31) سورة النــور ويقول جل وعلا:
{وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات
وفى سنة النبى الأمين كما يقول المصطفى كما فى صحيح مسلم من حديث ابن عمر: "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أتوب إليه فى اليوم مائة مرة" هذا نبينا وحبيبنا الذى غفر الله له
ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يتوب إلى الله ويستغفر الله فى اليوم مائة مرة.
وفى لفظ البخارى: "فإنى أستغفر الله وأتوب إليه أكثر من سبعين مرة" فإن كان المصطفى-
أيها المسلمون أيها الشباب- إن كان المصطفى يتوب فى التوبة إلى رب الأرض والسموات فى اليوم الواحد آلاف المرات، فوالله لا ينفك مسلم عن معصية صغرت أم كبرت، ظاهرة أم باطنة، فنحن نحتاج إلى التوبة بعدد أنفاس حياتنا فى هذه الدنيا. وأبشرك بأن الله تعالى لا يغلق باب التوبة أبداً حتى تبلغ روحك الحلقوم أو حتى تطلع الشمس من مغربها، فتدبر كلام الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى.
ففى صحيح مسلم من حديث أبى موسى أن النبى قال: " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى قال: "ينزل الله – عز وجل- إلى السماء الدنيا" .. ينزلا نزولا يليق بكماله رجلاله فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه ، استوى كما أخبر وعلى الوجه الذى أراد، وبالمعنى الذى قال: استواء منزها عن الحلول والانتقال. فلا العرش يحمله ولا الكرسى يسنده، بل العرش وحملته والكرسى وعظمته، الكل محمول بلطف قدرته مقهور بجلال قبضته.
فالأستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة لا تسأل كيف يتنزل، فإن الله يتنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا تنزلا يليق بكماله وجلاله، فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (103) سورة الأنعام قال تعالى {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (74) سورة النحل قال سبحانه {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (110) سورة طـه قال جل جلاله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (1 ، 4) سورة الإخلاص أحد فى أسمائه، أحد فى ذاته، أحد فى صفاته، أحد فى أفعاله.
قال أعرف الناس به :" إن الله لا ينام ولا ينبغى له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .. ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا، ويقول سبحانه
وتعالى: " أنا الملك من ذا الذى يدعونى فأستجيب له، من ذا الذى يسألنى فأعطيه، من ذا الذى يستغفرنى فأغفر له" فلا يزال كذلك حتى يصىء الفجر
فأين أنت؟ تقضى الليل أمام الأفلام الداعرة، أفق أيها المسكين! يا من قضيت العمر أمام المسلسلات والأفلام قم وانتبه! قم فإن الموت يأتى بغتة. المولى جل جلاله ينادى عليك وأنت فى غفلة: أنتبه:
دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا
لم ينسها الملكان حين نسيته
والروح منك وديعة أودعتها
وغرور دنياك التى تسعى لها
الليل فاعلم والنهار كلا هما
ذ
واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
ستردها بالرغم منك وتسلب
دار حقيقتها متاع يذهب
أنفاسنا فيهما تعد وتحسب
الله جل جلاله ينادى عليك فيقول: " أنا الملك من ذا الذى يدعونى فأستجيب له، من ذا الذى يسألنى فأعطيه، من ذا الذى يستغفرنى فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضىء الفجر". .
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة – – أن النبى قال: "قال الله عز وجل فى الحديث القدسى: " أنا عند ظن عبدى بى، وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم، وإن تقرب منى شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب منى ذراعاً تقربت إليه باعا، وإن أتانى يمشى أتيته هروله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر
فهيا أيها المسلم! هيا إلى هذا الفضل العظيم، فوالله لو عرفت فضل التوبة ما تركت التوبة طرفة عين ... وهذا هو عنصرنا الثانى من عناصر اللقاء ..
فضل التوبة: وأعظم فضل للتوبة أنها سبب لمحبة الرب للعبد . هل تدبرت ما ذكرت أيها الكريم الفاضل؟ أقول: إنها سبب لمحبة الرب للعبد ولم أقل التوبة سبب لمحبة العبد للرب، فمن أنت ليحبك الملك؟! قال جل وعلا فى الحديث القدسى الذى رواه الإمام البخارى من حديث أبى هريرة يقول تعالى: " من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب.." " من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى مما أفترضه عليه ، ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش لها، ورجله التى يمشى عليها ولئن سألنى لأعطينة ولئن استعاذنى لأعيذنه"..
ماذا لو أحبك الله؟ اسمع ! يقول النبى كما فى حديث أبى هريرة: "إذا أحب الله عبداً دعا جبريل عليه السلام". " إذا أحب الله عبداً دعا جبريل عليه السلام.
وقال : يا جبريل إنى أحب فلانا فأحببه" وتذكر أنت عند الملك ويذكر أسمك ملك الملوك" إنى أحب فلانا فأحببه، يحبه جبريل ، ثم ينادى جبريل فى أهل السماء، ويقول: يا هل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم ينادى جبريل فى الأرض، فيوضع له القبول فى الأرض)
حيثما توجه، وضع الله له القبول إذا احبه الله سبحانه، وإذا أبغض الله عبداً دعا جبريل وقال:" يا جبريل إنى أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل وينادى جبريل، لأهل السماء فيبغضه أهل السماء ثم ينادى على أهل الأرض فتوضع له البغضاء فى الأرض" أعاذنى الله وإياكم من البغضاء.
فإن أحبك رب الأرض والسماء سعدت فى الدنيا والآخرة، ولو أحبك مسئول سعدت فى دنياك، فكيف لو احبك من بيده الدنيا والآخرة، سعدت فى الدنيا وسعدت فى الآخرة، أسأل الله أن يجعلنى وإياكم من أهل السعادة فى الدنيا والآخرة.
ثانياً : من فضائل التوبة: أنها سبب لفرح الرب بالعبد .. الله يفرح لا تعطل ولا تكيف ولا تمثل. اسمع ماذا قال أعرف الناس بربه وهو المصطفى كما فى الصحيحين من حديث أنس بن مالك: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فاتفلتت منه راحلته وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع فى ظلها وقد أيس من راحلته .
المعنى: رجل يركب حماراً أو ناقة أو حصاناً دابة عليها الطعام والشراب ويمشى فى صحراء مقفرة، مهلكة. وفجأة
تعليق