إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فقه الأمانى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فقه الأمانى


    **فقه الأمانى**




    للمرء مع نفسه في هذه الحياة أسرار وأطوار، وهو -ولا شك- منذ أن يبدأ مرحلة التمييز المبكر يبدأ تفاعلُه مع الحياة ومناحيها في أولى مراحلها، لا يثنيه عن ذلك براءة الطفولة، ولا غيب المستقبل، ولا صِفر السِّجل من ماضٍ مجرب، كل ذلك لا يثنيه ألبتة عن أن يستعجل المستقبل، ويملأ فراغه المبكر مشرئبًا بكمٍ هائلٍ من الأماني والآمال، تلكم الأماني التي لا تخضع للهرم أو الشيب، كعجلة دائرة، لا يحول دونها إلا الموت، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر)رواه مسلم.
    إنَّ من أعجب ما في المرء! حرصه على كشف ما مُنِع منه، وتَوقِه الجارف إلى ما لم ينل، والكثرة الكاثرة منَّا مبتلاة بتضخم الأماني واستسمانها، ولربما لم يسعف الزمان على تحقيقها، أو قد تضعُف الآلة فيبقى المتمني في عذاب، وقد قيل: "لو أُمِرَ الناس بالجوع لصبروا، ولو نُهوا عن تفتيت البعر -أجلَّكم الله- لرغبوا فيه، وقالوا: ما نُهينا عنه إلا لشيء"، والمقولة المشهورة: "أحب شيء إلى الناس ما منع عنهم".
    ولهذا لو قََعَد الإنسان في بيته شهرًا برمته؛ لم يصعب عليه، ولو قيل له: لا تخرج من بيتك يومًا لطال عليه ذلك اليوم.

    وإن تعجبوا فعجبٌ حرصُ المرء على التمني، والإلحاح على ربه على تحقيقه، بل كلما زاد تعويقه؛ ازداد إلحاحه على ربه، ثم ينسى المرء أنَّ ربه منعه ذلك، إمَّا لمصلحة، فرُبَّ مُعَجَّلٍ هو أذى، وإمَّا لذنوبه، فإنَّ صاحب الذنب بعيدٌ من الإجابة.
    وفي الجملة: فتدبير الحق سبحانه للمرء خيرٌ من تدبير المرء لنفسه، وقد يمنعه ما يتمنى ابتلاءًَ ليبلو صبره، فالله الله.. في الصبر الجميل، يرى صاحبُه عن قربٍ ما يسُر، ويعلم أن كل ما يجري أصلح له عطاءً كان أو منعًا.

    ولا غَرْوَ في انتشار الأماني الكاذبة، والطموحات الساذجة، والتطلعات الدنيئة في هذه العصور المتأخرة التي ضعف فيها الوازع الديني الزاجر، ولله كم من أمنياتٍ كانت وستكون مولِّدة لأمنيةٍ أخرى هي على الضد من ذلك عند اختلال الموازين، يقف لها شَعْر المرء المسلم!
    روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: (لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء)، يقول ابن عبد البر: "سيكون هذا لشدة تنزل بالناس من فساد الحال في الدين، أو ضعفه، أو خوف ذهابه".

    وثَمَّ أمرٌ مهمٌ ليس يخفى وهو العبُّ من التمني والآمال الكاذبة التي هي أقرب ما تكون إلى أحلام اليقظة وأطياف الخيال -لا سيما القاصرة منها- والتي لا ينتفع بها غادٍ ولا رائح، وإنَّما هي أماني ملء البطون، وإشباع الفروج، وما أشبه ذلك ممَّا يجلب عليه الشيطان بخيله ورجله ويعدهم به ويمنيهم {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء:120]، ومن كان مرعى همومه وعزمه في مثل هذا روض الأماني؛ لم يزل مهزولًا ثملًا.

    وقد قال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين في مثل هذا: إنَّ التمني من مفسدات القلب، وهو بحرٌ لا ساحل له، وهو الذي يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إنَّ المنى رأس أموال المفاليس، وبضاعة ركابه مواعيد الشيطان، وكلٌ بحسب حاله من متمنٍ للقدرة والسلطان، وللضرب في الأرض والتطواف في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنسوان والمُردان، فيمثِّل المتمني صورة مطلوبه في نفسه وقد فاز بوصولها، والتَذَّ بالظفر بها، فبينا هو على هذه الحال إذ استيقظ فإذا يده والحصير، بخلاف أماني المؤمن الصادق فهي نورٌ وحكمة، وأمانيُ أولئك خداعٌ وغرور.
    والمهم أن يتفطَّن المرء إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تمنَّى أحدكم؛ فلينظر ما يتمنَّى، فإنه لا يدري ما يُكتب من أُمنيته)رواه أحمد
    فالدين ليس بالتحلِّي ولا بالتمنِّي، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقته الأعمال، وليس كل من تمنَّى شيئًا حصل له، ولا كل من قال إنَّه على الحق وتمنَّاه؛ سُمِع قولُه بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان:{وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ}[الحديد:14].
    يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "المنافق يقول: سواد الناس كثير، وسيغفر الله لي، ولا بأس علي بسيئ العمل، ويتمنَّى على الله"، وفي الحديث الصحيح عند الترمذي وغيره: (الكيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتَمنَّى على الله الأمانى)
    والله المستعان
    دمتم بحفظ الله




  • #2
    رد: فقه الأمانى

    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
    جزاكي الله خيرًا لهذا الموضوع الرائع
    اللهم أرزقنا وإياكم الأخلاص والثبات

    تعليق


    • #3
      رد: فقه الأمانى

      المشاركة الأصلية بواسطة راجية الشهادة مشاهدة المشاركة
      السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
      جزاكي الله خيرًا لهذا الموضوع الرائع
      اللهم أرزقنا وإياكم الأخلاص والثبات
      جزاك الله خيرا أختى
      أسعدتنى بمرورك


      تعليق


      • #4
        رد: فقه الأمانى

        أخواتى للأمانة الموضوع منقووووول
        وقد نسيت ذكر ذلك
        جزاكم الله خيرا


        تعليق


        • #5
          رد: فقه الأمانى

          جزاك الله خيرا أختى راجية الشهادة على المشاركة


          تعليق


          • #6
            رد: فقه الأمانى





            تعليق


            • #7
              رد: فقه الأمانى

              المشاركة الأصلية بواسطة ام محمد المؤمن مشاهدة المشاركة
              جزاااااااااااك الله خيرا


              تعليق

              يعمل...
              X