أيها المسافر الى ربه,آذنت شمس العمر بالمغيب,ويوشك أن ينادى عليك ملك الموت بالرحيل,فتنتقل من دار العمل الى دار الجزاء,فان اليوم عمل ولا حساب,وغدا حساب ولاعمل,فاعمل لساعة الاجل قبل:
يوم السكرات
(كل يوم يقال: مات فلان وفلان,ولابد من يوم يقال فيه: مات عمر)
بهذه الكلمات كان الفاروق عمر رضى الله عنه يذكر نفسه بتلك الحقيقة الكبرى فى هذا الوجود.
ان الموت ايها المسافر الى الله, الزائر الاخير الذى لا ينجو من زيارته ملك مقرب ولا نبى مرسل, فضلا عن سائر الخلق , فلكل بداية نهاية, ولكل أجل كتاب, والليل مهما طال, فلابد من طلوع الفجر,والعمر مهما امتد, فلابد من دخول القبر.
ففى كل يوم يرحل الى الله راحلون, يمر الموت عليك, فيدعك ويأخذ غيرك, وسوف يأتى يوم يمر فيه على غيرك,فيدعه ليأخذك(قل ان الموت الذى تفرون منه فانه ملقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) الجمعة:8
ستعلم معنى التفريط فى جنب الله تعالى ان كنت من المفرطين, وعندها ستتمنى الرجعة الى الدنيا,فتقول حين يأتيك الموت:(رب ارجعون*لعلى أعمل صلحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون) المؤمنون:99-100
وستعلم جزاء الطاعة والاستقامة ان كنت من الصالحين(ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون*نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ماتدعون*نزلا من غفور رحيم) فصلت:30-32
اذكروا هاذم اللذات, لماذا؟
وشفقة عليك-أيها المسافر- من أن يبغتك الموت وأنت على غير مايرضى الله تعالى, كانت وصية الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لك ولغيرك من المؤمنين أن:
((أكثروا ذكر هاذم اللذات)) رواه الترمذى.
فان لتذكر الموت أثر كبير فى اصلاح النفوس وتهذيبها,وهى تجربة الصالحين من هذه الامة,التى لخصها الدقاق فقال:(من أكثرذكرالموت أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة, وقناعة القلب, ونشاط العبادة, ومن نسى ذكر الموت عوجل بثلاثة:تسويف التوبة,وترك الرضا بالكفاف, والتكاسل فى العبادة) لذلك فلابد من:
التحررمن أسر الشهوات
فذكرالموت هو الماء البارد الذى يطفئ فى قلب صاحبه نيران الشهوات,فيعلم حقيقتها الترابية التى صورها بعض الصالحين,حين قال وهو يناجى ربه:
اذا صح منك الود فالكل هين وكل الذى فوق التراب تراب
وذاك الذى استوقف عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه,حينما قدم اليه الطعام ليفطراذكان صائما, فأطرق ببصره متفكرا, فعاف الطعام ثم دمعت عيناه, وهو يقول:
((قتل مصعب بن عمير وهوخيرمنى , كفن فى بردة,ان غطى رأسه بدت رجلاه, وان غطى رجلاه بدا رأسه, ثم بسط لنا من الدنيا مابسط , وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا, ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام)) رواه البخارى(كتاب الجنائز).
سفر طويل وزاد قليل
فلقد علم كل منا أنه مسافر الى ربه شاء أم أبى ,وأن الطريق طويل وشاق, لايقدر على قطعه الا من أعد له زاده, قال سبحانه وتعالى:(وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول لولا أخرتنى الى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) المنافقون:10
فلقد بكى أبو هريرة رضى الله عنه فى مرضه الذى مات فيه, فقيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة؟ قال: أما انى لا أبكى على دنياكم هذه , ولكن أبكى لبعد سفرى , وقلة زادى , أصبحت فى صعود مهبطه الى جنة أو نار فلا أدرى الى أيتهما يسلك بى؟).
مصيبة الموت
انه حقا مصيبة كما سماه الله تعالى, فقال:( فأصابتكم مصيبة الموت)المائدة:106
أتدرى أيها المسافر الى ربه, لما هو مصيبة؟ ماذاك الا لانه:
*يأتى بغتة !!!
انه يوم السكرات, يأتى بغتة , ولا يحتاج الى استئذان, ولا يحجبه حاجب
فكم من صحيح مات من غيرعلة , وكم من سقيم عاش حينا من الدهر,وكم من معافى فى بدنه وأهله وماله , لكنه فى يوم ينام, وهو يؤمل أن يصحو كعادته كل يوم, وهو لا يدرى أنه سينتقل فى تلك الليلة, من الموتة الصغرى الى الموتة الكبرى.
قال سبحانه وتعالى:(الله يتوفى الانفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى أجل مسمى ان فى ذلك لايات لقوم يتفكرون)الزمر:42
يا من بدنياه انشغل وغره طول الامل
الموت يأتى بغتة والقبرصندوق العمل
*يبدل كل شئ !!!
لحظة الموت يتبدل كل شئ , تتبدل الدار,فاذا هى ليست كتلك الدار العامرة, ويتبدل الجسد, فاذا به ليس كذاك الجسد, تتبدل الدنيا كلها من حولك, فاذا أنت وحدك لاأحد معك الا ملك الموت, وملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب, انها لحظة تنتقل فيها من دار الغرور الى دار السرور أو الشرور.
انها لحظة حاسمة, وساعة قاصمة, يدنو فيها ملك الموت لكى ينادى عليك, اما نداء النعيم واما نداء الجحيم! وفى لحظة واحدة: تسلم روحك الى بارئها:
(والتفت الساق بالساق*الى ربك يومئذ المساق)القيامة:29-30
*لا يحابى أحد !!!
قال تعالى:(كل من عليها فان)الرحمن:26
وقال سبحانه:(كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور)آل عمران:185
فكل نفس آمنت أم كفرت, كبرت أم صغرت, عمرت قليلا أو كثيرا, لابد أن تذوق هذه السكرة, وتواجه ذلك اليقين, الكل يموت (كل نفس ذائقة الموت)آل عمران:185
ولو كان هناك أحد حاز الخلود و البقاء فى دار الفناء, لكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أولى بذلك من غيره, ولكنه والله ما نجا من الموت, كيف وقد نعى اليه ربه نفسه الشريفة, فقال تعالى:(انك ميت وانهم ميتون)الزمر:30
بل ان ملك الموت نفسه سيموت, فى يوم سينادى فيه الملك جل وعلا, فيقول:
(لمن الملك اليوم لله الواحد القهار*اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لاظلم اليوم ان الله سريع الحساب*)غافر:16-17
الهى تحملنا ذنوبا عظيمة أسأنا وقصرنا وجودك أكرم
سترنا معاصينا عن الخلق جملة وأنت ترانا ثم تعفو وترحم
لك الحمد عاملنا بما أنت أهله وسامح وسلمنا فأنت المسلّم
وعلى المسافر الحريص أن يأخذ زاده من هذه المحطة, والذى يتمثل فى:
*زيارة لقسم الحروق فى أى مستشفى.
*حضور ساعة احتضار مريض.
*تغسيل الموتى واتباع الجنائز.
تم تجميعه من كتاب(هزة الايمان)
للكاتب (فريد مناع)
وللامانة أضفت بعض الكلمات لضبط الصيغة اللغوية لان الموضوع مجمع وليس مسرودا فى صفحة واحدة
تعليق