بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على النبي الخاتم , سيد الأولين والأخرين , سيدنا محمد بن عبد الله , رسول الله حقا
وبعد
إخواني في الله .. أخواتي في الله
أردت أن أتحدث معكم في موضوع هام جدا وخطير جدا .. وأرجو منكم جميعا - وخصوصا من الأخوات - التفاعل والمشاركة والانفعال
إن من أكبر المشكلات التي تنخر في المجتمع اليوم هي مشكلة العنوسة
والعنوسة وباء خطير إن فشى في مجتمع من المجتمعات , أوشك المجتمع أن يهلك
وغني عن الإشارة , أن العنوسة تفتك بمجتمعنا الإسلامي اليوم , بله كل المجتمعات
ووالله من أكثر ما يُحزن المرء هو أن يتسرب هذا الوباء إلى مجتمع الملتزمين أنفسهم
فنجد من الأخوات من ركبت مركب العنوسة ولم تحظى بزوج , فأتساءل عن السبب
أولا , وقبل أن أخوض في مناقشة الأسباب والحلول , أود أن أشير إلى خطورة أن تطال العنوسة أخواتنا المنتقبات
ذلك أن كثيرا جدا من الآباء والأمهات يمتنعون عن صيانة بناتهن بزي العفاف - النقاب أعني - , بل ويمنعونهن منه , إن أرادته الفتاة لنفسها , ويتركون بناتهن معروضات بمحاسنهن على كل من هب ودب , وكل من برّ وفجر خوفا منهم على بناتهم من العنوسة
ولا والله ما كان الله ليضيع من أطاعه , ويجعل رزق الزواج في معصيته
فالعلة ليست في النقاب , والنقاب لم يكن يوما سببا في تعنس فتاة ولن يكون
بل بالعكس هو سببٌ في أن يرزق الله الفتاة زوجا صالحا يتقي الله فيها وإذا ذُكّر بالله ذكر , لا تأخذه العزة بالاثم
وهنا مكمن الخطورة في أن تطال العنوسة الأخوات المنتقبات , أنهن سيكن حائط صد عن الإقبال على هذه الطاعة
فعامة الناس يتذرعون بالامتناع عن إلباس النقاب لبناتهم خوفا من العنوسة , ولا ثمة دليل على أن النقاب يكون سببا في ذلك
فكيف إذا رأى هؤلاء من الأخوات من لم تتزوج , بالطبع سيبادرون إلى اتهام النقاب , ويزدادون إصرارا على موقفهم الظالم هذا
ولهذا فإن المشكلة كبيرة ولها تشعبات وآثار وخيمة , ومن هنا كان نقاشها وتحديد أسبابها وعلاجها من الأهمية بمكان
هل مشكلة عنوسة بعض الأخوات أو كثيرات منهن تكمن حقا في النقاب , أم الأمر وراءه أسباب أخرى
بالطبع فإن أسبابا أخرى هي التي تقف وراء هذه المشكلة , فما هي يا تُرى ؟؟؟
من خلال ما سمعت وما رأيت بنفسي وأنا أتعرض لهذه التجربة , أستطيع أن أقول أن سلوكيات الأخوات والتي يفعلنها في الرؤية أو حين الالتقاء بالأخ أو حتى من دون لقاء , هو ما يوّلد عزوفا لدى الأخ من الأخت , فإذا تكرر الأمر معه عددا من المرات , عزف عن الأخوات جميعا وراح يبحث عن ضالته في غيرهن , فكيف ذلك ؟ وما هذه السلوكيات التي تُولّد هذا العزوف ؟؟؟
كنت قد قرأت في بعض المنتديات , من يحكي بأن أخوات قبلن في النهاية - بعد بلوغ أسنانهن حدود العنوسة - الزواج من أناس غير ملتزمين بل ويدخنون و ... الخ
فلمّا سُئلت الأخت عن سبب قبولها لغير الملتزم هذا قالت "وهل جاء الملتزم ولم أقبل ؟!!"
وأرجعوا ذلك في نقاشهم إلى أن الأخ يترك الأخوات ويتقدم إلى غير الملتزمات , متذرعا بأنه سيدعوها ويهديها , ويكون بذلك سببا في التزام واحدة كانت بعيدة عن الالتزام
وهنا السؤال , إذا كان الأخوة سيتحركون بهذا المنطق , يتركون الأخوات ويتزوجون من غيرهن بذريعة دعوتهن , إذا فمن للأخوات ؟؟؟
وحقيقة , لا أستطيع أن أستسيغ هذا الأمر , فالله عز وجل لا يظلم الناس شيئا , وهو عند ظن عبده به , والله لا يُضيّع عبدا من عباده ولا أمة من إمائه , أخلص الدعاء إليه , وصدق اللجؤ إليه , وأحسن التوكل عليه , هذا من المحال
أعرف أخوة كثيرون بدأوا يفكرون في غير الملتزمات لما ضاقت بهم دنيا الملتزمات , ودعوني أستعرض معكم بعض السلوكيات والمفاهيم والأفكار التي تُعشش في أذهان أخواتنا المنتقبات اليوم , واسمحوا لي بشيء من التحليل
وسأضع سلوك الأخت أو مفهومها في عنوان , ثم أناقشه من تحته
الأخت تحفظ القرآن وهي تريد أخ حافظ للقرآن مثلها.
وهذا في الأخوات كثير , ترفض الأخت الأخ , لأنه غير حافظ للقرآن أي والله هذا رأيته وسمعته كثيرا جدا
أولا يجب أن تعرف الأخوات , أنهن أوفر وقتا من الأخوة , وأقل انشغالا منهم , وهذا ما يساعدهن على الاستمرار في الحفظ وصولا إلى ختم القرآن
ذلك أن الأخت لا تعمل , وليس مطلوبا منها ثمة شيء فأبوها يُنفق عليها , وهو من سيجهز لها , وهي في الأجازات الدراسية أو بعد الدراسة , لا تجد ما تنشغل به , فهي قعيدة بيتها , بانتظار نصيبها , فتندفع إلى أن تملأ فراغ وقتها بالحفظ وبطلب العلم الشرعي
ولو كان وقت الأخت مشغول لربما ما حفظت شيئا والدليل على ذلك , انظروا للأخوات الحافظات طالبات العلم بعد الزواج وبعد الإنجاب وانشعالهن بالبيت والأولاد , لا أقول تتوقف الأخت عن الاستمرار على الدرب , بل لربما نسيت أيضا ما كانت تحفظ , حتى اشتهرت في الأوساط الدعوية عبارة " الزواج مقبرة الداعيات "
بينما الأخوة على النقيض من ذلك , فهم يدرورون في طاحونة الحياة ويعملون من أجل توفير ما يساعدهم على اتمام مشروع الزواج في عصر يموج بالفتن , لذا من الصعوبة جدا بمكان على كثير من الأخوة , السير في مشروع الحفظ بانتظام حتى الإتمام
هذا من وجه , أما الوجه الآخر , فإن ما أعرفه أن هذا الشرط , ليس من مقومات الحياة الزوجية في شيء , وليس بشرط شرعي مطلقا , فلماذا تشترطه الأخت ؟؟؟
شيء عجيب والله , الرسول صلى الله عليه وسلم يقول " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ... " ولم يقل إذا أتاكم حافظا للقرآن , فمال لهذه البدعة تكون سببا في رفض شاب ديّن وعلى خلق يطلب العفاف , فإذا ما علمنا أن أغلب الأخوات حافظات للقرآن بسبب تفرغهن ليس أكثر , وإذا علمنا أيضا انتشار هذه الموضة بينهن يقلدن بعضهن البعض , ظنا منهن أن هذا من ضمن طقوس الالتزام , عرفنا إذا السبب في عزوف كثير من الأخوة عن التقدم للأخوات
أخ يحفظ ثلث القرآن , تقدم لأخت ختمت القرآن حفظا , فقبلت لكن بشرط , أنه لن يدخل بها إلا إذا أتم القرآن حفظا , فرفض الأخ
أخت رفضت أخ لأنه لا يحفظ سوى سبعة أجزاء , وأخت ترفض مقابلة أي أخ أصلا لا يحفظ القرآن ..... الخ
سبحان الله , من أين نأتي لكل هؤلاء الحافظات - بسبب تفرعهن , أُعيد ذلك وأكرر - بأخوة حافظين
وأحيانا ما أسرح مع نفسي وأتساءل , هل إذا تبادل الأخوة الأدوار مع الأخوات , فلزم الأخوة البيوت وخرجت الأخوات للكد والسعي خلف لقمة العيش وتوفير النفقات التي تلزم لإقامة عش الزوجية , هل ستظل المعادلة هكذا , هل سنرى كل هذا الكم من الأخوات الحافظات
أخواتي المنتقبات , رفقا بالأخوة , أصلح الله حالكن وحالهم
ثم ما الذي تريده الزوجة من زوجها ؟؟؟ , وما الذي يريده الزوج من زوجته ؟؟؟
أليس الرجل يطلب لنفسه المرأة الصالحة , والمرأة هي أيضا ينبغي أن تطلب لنفسها الزوج الصالح ؟!!
بالتأكيد الرجل يريد المرأة ذات الدين , التي حث الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال على طلبها فقال " تُنكح المرأة لأربع لجمالها ولمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك "
والتي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر جائزة يمكن أن يحظى بها العبد في دنياه فقال " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة "
فانظر يا رعاك الله كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المرأة الصالحة هي خير متاع بإطلاق يمكن أن يحظى بها العبد في دنياه
فما هي مواصفات تلكم المرأة الصالحة إذن .. هل هي حافظة القرآن حافظة السنن والمتون طالبة العلم الشرعي المجتهدة في الدعوة , والتي تُعلّم الأخوات العلم ... الخ ؟؟؟؟
لا والله , ما هي بذلك كله ولا بشيء منه البتة
فالرسول صلى الله عليه وسلم , في وصفه المرأة الصالحة قال " إذا نظر إليها سرته , وإذا أمرها أطاعته , وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله "
وقال صلى الله عليه وسلم " خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية ، إذا اتقين الله ..."
وقال صلى الله عليه وسلم " خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ " والشاهد من هذا الحديث هو سبب خيرية نساء قريش على غيرهن من النساء حيث قال صلى الله عليه وسلم أحناه على ولد في صغره وقال أيضا أرعاه على زوج في ذات يده .. فهاتان هما مناط الخيرية
فأين نجد في كل تلكم المواصفات للنساء الصالحات الخيّرات شرط حفظ القرآن أو حفظ المتون العلمية أو طلب العلم , أو حتى الاجتهاد في الدعوة ؟؟؟
إذن فلا دلالة يمكن أن تُؤخذ من كل هذه الأمور على صلاح المرأة , أي أن حفظها للقرآن لا يُستدل منه على كونها امرأة صالحة , وكذا أيضا طلبها العلم أو ممارستها الدعوة إلى الله , وإلا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في وصفه للنساء الصالحات , فلمّا لم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك علمنا أن هذه الأمور لا يُستدل منها على صلاح المرأة
وليس معنى ذلك أن تعزف المرأة عن أمور الخير هذه إذا قدرت عليها , لكن المقصد أنه لا يُحتكم إليها وإنما يُستأنس بها , فليست الأصل في الحكم على صلاح المرأة ولا حتى فرع
فإن كانت امرأة صالحة تعرف حق زوجها عليها وترعاه وترعى بيته وهي فوق ذلك تحفظ القرآن و لها في العلم الشرعي باع ولها في الدعوة جهد , فهذه أفضل بالتأكيد من امرأة صالحة وفقط
لكن هذه المرأة الصالحة وفقط , أفضل ألف مرة من امرأة تحفظ القرآن كاملا وتحفظ كتب السنة الست و تدعو إلى الله وتقيم الليل كله ... وتفعل وتفعل , لكنها لا تطيع زوجها ولا ترعى بيتها
ودليلي على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة "
وقوله صلى الله عليه وسلم " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وأطاعت بعلها , فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت "
فهذه امرأة لم تفعل من الطاعات سوى الفروض , وهي لا تحفظ من القرآن شيئا ولا من السنة وليس لها في الدعوة باع , ورغم ذلك يقال لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت ,
وعلى الضد من ذلك , لو تخلينا تلكم المرأة الحافظة العالمة الداعية لكن زوجها يبيت وهو عليها غضبان , فإنها تبيت والملائكة تلعنها ,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح "
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها , فإن أضاعت ذلك ضاعت , ولا ينفعها في ذلك يومئذ ما كان من حفطها وجدها واجتهادها
فالعبرة في صلاح المرأة هو أن تُدرك مكانة الزوج وعظيم حقه عليها , قال صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها "
وفوز المرأة وفلاحها يكون بحسن التبعل لزوجها , وذلك واضح من النصوص الشرعية , ودل عليه حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية
فقد أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت : "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني وافدةُ النساءِ إليكَ -أي مرسلة من عندهن- وأعلمُ نفسي لكَ الفداء، أنه ما من امرأةٍ كائنةٍ في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي .
إن الله بعثكَ بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنَّا بك وبإلهك الذي أرسلَكَ. وإنا معشر النساء محصوراتٍ، مقصورات قواعد بيوتِكم ومقضى شهواتِكم وحاملات أولادَكم. وإنكم معاشرَ الرجالِ فُضِّلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله . وإن الرجلَ منكم إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مُرابِطا حفِظنا لكم أموالَكم، وغزلنا لكم أثوابَكم، وربَّينا لكم أولادَكم، فما نشارككم في الأجر يا رسولَ الله : فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال : "هل سمعتم مقالةَ امرأة قطّ أحسن من مُساءلتِها في أمر دينها من هذه : فقالوا : يا رسول الله ما ظنَنَّا أن امرأة تهتدي إلى مثلِ هذا .
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ثم قال لها : انصرفي أيتها المرأةُ، وأَعلِمي من خَلفَكِ من النساء أن حسنَ تبعَُل إحداكُن لزوجها وطلب مرضاته، واتباعها موافقته يعدلُ ذلكَ كلَّه. فأدبَرت المرأَة وهي تُهلِّل وتكبِّرُ استبشارا ".
وأخرج البيهقي أيضا عن أنس رضي الله عنه قال : جاء النساءُ إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقُلنَ : يا رسول الله، ذهب الرجالُ بالفضل : بالجهادِ في سبيل الله، أفما لنا عملٌ ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مِهنَةُ إحداكُنَّ في بيتها تدركُ عملَ المجاهدين في سبيل الله ".
أرجو أن تكون هذه النقطة قد وضحت جيدا , وخرجنا منها بالفصل بين الصلاح وبين الحفظ وطلب العلم والدعوة وغير ذلك , وأننا ينبغي ألا نستدل بالثاني على الأول
وهنا أخرج من الحديث عن الزوجة الصالحة إلى الحديث عن الزوج الصالح , فما قلته في حق المرأة , مثله يُقال في حق الرجل
فإن المرأة ينبغي أن تطلب لنفسها من الله عز وجل أن يرزقها الزوج الصالح الذي يرعى حقوقها ويجبر كسرها ويرحم ضعفها ويرعاها كما يجب أن تكون الرعاية
و لا علاقة البتة أيضا بين ذلك وبين حفظ القرآن والمتون , فقد يكون رجل أُمّي لا يقرأ ولا يكتب لكنه نعم الزوج الصالح للمرأة , به تسعد وتهنأ ويطيب عيشها
وقد يكون حافظا وطالب علم لكنه سيء الخلق سيء العشرة رقيق الدين , تعيش معه المرأة أحلك أيام عمرها , حتى لتتمنى أن يُريحها الموت منه
والواقع يشهد بذلك , فعلى سبيل المثال , كثيرون الآن ممن يطيلون لحاهم ويقصّرون ثيابهم ويطلبون العلم ويحفظون القرآن لا يتورعون عن أكل لحوم العلماء , وهذه رقة دين ولا شك , فهل مثل هذا رجل صالح , هو لم يتقي الله في أهل العلم وأهل الفضل , أفيتقيه في غير ذلك ؟؟
فالرجل الصالح للمرأة هو من يقوم بأداء حقوقها عليه , فيحفظها ويرعاها ويكرمها فلا يضرب ولا يسب ويعينها على الطاعة ويؤدي حقها عليه من النفقة
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماحق زوجة أحدنا عليه , قال " تُطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا كسيت ولا تضرب الوجه ولا تُقبّح ولا تهجر إلا في البيت "
وفال صلى الله عليه وسلم " وحقهن عليكم أن تُحسنوا إليهن في طعامهن وكسوتهن "
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل النفقة على زوجته وجعل ذلك من الصدقة التي يؤجر الرجل عليها بل من خير ما يتصدق به المرء ,
وحث الرجل أيضا على الصبر على زوجته فقال " لا يفرك مؤمن مؤمنة - أي لا يبغض - إن كره منها خلقا رضي منها آخر "
وحث على الرفق مع النساء واللين فقال رفقا بالقوارير وقال " خيركم خيركم لأهله "
وقال صلى الله هليه وسلم , استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم
فكل من يعمل بهذه النصوص ويقف عندها هو نعم الزوج للمرأة ,
والمتأمل , سيجد أنها قد خلت من أي شرط لحفظ القرآن أو ما شابه , فمن أين أتت هؤلاء الأخوات بهذا الشرط ؟؟؟؟
قال صلى الله عليه وسلم " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه ...."
فأين اشتراط الحفظ وطلب العلم هنا ؟؟
لا يختلف اثنان في أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أدين أهل القبلة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهم في التفضيل فيما بينهم على درجات , لكن لا خلاف في أن أفل الصحابة شأنا أعلى دينا من أعلى التابعين شأنا , فضلا عمن هم بعد ذلك من تابعي التابعين وتابعيهم
رغم أن التابعي أو من بعده قد يكون أحفظ لكتاب الله وأكثر علما وعبادة , لكنه لا يمكن أن يفضل صاحبيا واحدا بحال ,
ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم فاقوا كل من بعدهم بالإيمان الذي وقر في قلوبهم ,
والشاهد أن قوة الديانة شيء بالقلب لا تدل عليه كثرة الحفظ أو العبادة وإنما يتجلى بشدة خشية الله ومراقبته في السر والعلن والوقوف عند أمره ونهيه
وأما عن قصص الفشل الزوجي بين أخوات وأخوة يحفظون القرآن , فإني قد سمعت منها وعاينت الكثير , فهذه أخت تحفظ القرآن وتدعو إلى الله , حصل بينها وبين زوجها من المشاكل ما وقف بهما على شفير الطلاق
وهذان أخ وأخت كليهما يحفظ القرآن تزوجا ثم لم يلبثا وأن فرق بينهما الطلاق بعد مشاكل لا حصر لها
فهل منع حفظ القرآن .. البيت أن ينهار ؟ , لم يمنع بينما يمنع ذلك صلاح الزوجة وصلاح الزوج
شُريح القاضي , الذي مكث مع زوجته عشرون عاما لم تُغضبه قط , هل جاء في وصفها أنها كانت من الحافظات العابدات العالمات الداعيات , لا بالطبع , بل لربما كانت أمُية لا تقرأ ولا تكتب , لكن نحسبها والله حسيبها من خير نساء العالمين
وحتى أختم هذه النقطة أسرد ملخصا لها , فقد أردت التأكيد على :
أن حفظ القرآن ينبغي ألا يكون شرطا لا للفتاة ولا للشاب , فإن كان موجودا أصلا فبها ونعمت وإلا فلا يُرفض الشاب الديّن ذو الخلق لأجل هذا , وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم , تلكم الفتنة التي نستعر بلظاها اليوم , وهذا الفساد الذي نُعاني من ويلاته
وصلى الله وسلم على النبي الخاتم , سيد الأولين والأخرين , سيدنا محمد بن عبد الله , رسول الله حقا
وبعد
إخواني في الله .. أخواتي في الله
أردت أن أتحدث معكم في موضوع هام جدا وخطير جدا .. وأرجو منكم جميعا - وخصوصا من الأخوات - التفاعل والمشاركة والانفعال
إن من أكبر المشكلات التي تنخر في المجتمع اليوم هي مشكلة العنوسة
والعنوسة وباء خطير إن فشى في مجتمع من المجتمعات , أوشك المجتمع أن يهلك
وغني عن الإشارة , أن العنوسة تفتك بمجتمعنا الإسلامي اليوم , بله كل المجتمعات
ووالله من أكثر ما يُحزن المرء هو أن يتسرب هذا الوباء إلى مجتمع الملتزمين أنفسهم
فنجد من الأخوات من ركبت مركب العنوسة ولم تحظى بزوج , فأتساءل عن السبب
أولا , وقبل أن أخوض في مناقشة الأسباب والحلول , أود أن أشير إلى خطورة أن تطال العنوسة أخواتنا المنتقبات
ذلك أن كثيرا جدا من الآباء والأمهات يمتنعون عن صيانة بناتهن بزي العفاف - النقاب أعني - , بل ويمنعونهن منه , إن أرادته الفتاة لنفسها , ويتركون بناتهن معروضات بمحاسنهن على كل من هب ودب , وكل من برّ وفجر خوفا منهم على بناتهم من العنوسة
ولا والله ما كان الله ليضيع من أطاعه , ويجعل رزق الزواج في معصيته
فالعلة ليست في النقاب , والنقاب لم يكن يوما سببا في تعنس فتاة ولن يكون
بل بالعكس هو سببٌ في أن يرزق الله الفتاة زوجا صالحا يتقي الله فيها وإذا ذُكّر بالله ذكر , لا تأخذه العزة بالاثم
وهنا مكمن الخطورة في أن تطال العنوسة الأخوات المنتقبات , أنهن سيكن حائط صد عن الإقبال على هذه الطاعة
فعامة الناس يتذرعون بالامتناع عن إلباس النقاب لبناتهم خوفا من العنوسة , ولا ثمة دليل على أن النقاب يكون سببا في ذلك
فكيف إذا رأى هؤلاء من الأخوات من لم تتزوج , بالطبع سيبادرون إلى اتهام النقاب , ويزدادون إصرارا على موقفهم الظالم هذا
ولهذا فإن المشكلة كبيرة ولها تشعبات وآثار وخيمة , ومن هنا كان نقاشها وتحديد أسبابها وعلاجها من الأهمية بمكان
هل مشكلة عنوسة بعض الأخوات أو كثيرات منهن تكمن حقا في النقاب , أم الأمر وراءه أسباب أخرى
بالطبع فإن أسبابا أخرى هي التي تقف وراء هذه المشكلة , فما هي يا تُرى ؟؟؟
من خلال ما سمعت وما رأيت بنفسي وأنا أتعرض لهذه التجربة , أستطيع أن أقول أن سلوكيات الأخوات والتي يفعلنها في الرؤية أو حين الالتقاء بالأخ أو حتى من دون لقاء , هو ما يوّلد عزوفا لدى الأخ من الأخت , فإذا تكرر الأمر معه عددا من المرات , عزف عن الأخوات جميعا وراح يبحث عن ضالته في غيرهن , فكيف ذلك ؟ وما هذه السلوكيات التي تُولّد هذا العزوف ؟؟؟
كنت قد قرأت في بعض المنتديات , من يحكي بأن أخوات قبلن في النهاية - بعد بلوغ أسنانهن حدود العنوسة - الزواج من أناس غير ملتزمين بل ويدخنون و ... الخ
فلمّا سُئلت الأخت عن سبب قبولها لغير الملتزم هذا قالت "وهل جاء الملتزم ولم أقبل ؟!!"
وأرجعوا ذلك في نقاشهم إلى أن الأخ يترك الأخوات ويتقدم إلى غير الملتزمات , متذرعا بأنه سيدعوها ويهديها , ويكون بذلك سببا في التزام واحدة كانت بعيدة عن الالتزام
وهنا السؤال , إذا كان الأخوة سيتحركون بهذا المنطق , يتركون الأخوات ويتزوجون من غيرهن بذريعة دعوتهن , إذا فمن للأخوات ؟؟؟
وحقيقة , لا أستطيع أن أستسيغ هذا الأمر , فالله عز وجل لا يظلم الناس شيئا , وهو عند ظن عبده به , والله لا يُضيّع عبدا من عباده ولا أمة من إمائه , أخلص الدعاء إليه , وصدق اللجؤ إليه , وأحسن التوكل عليه , هذا من المحال
أعرف أخوة كثيرون بدأوا يفكرون في غير الملتزمات لما ضاقت بهم دنيا الملتزمات , ودعوني أستعرض معكم بعض السلوكيات والمفاهيم والأفكار التي تُعشش في أذهان أخواتنا المنتقبات اليوم , واسمحوا لي بشيء من التحليل
وسأضع سلوك الأخت أو مفهومها في عنوان , ثم أناقشه من تحته
الأخت تحفظ القرآن وهي تريد أخ حافظ للقرآن مثلها.
وهذا في الأخوات كثير , ترفض الأخت الأخ , لأنه غير حافظ للقرآن أي والله هذا رأيته وسمعته كثيرا جدا
أولا يجب أن تعرف الأخوات , أنهن أوفر وقتا من الأخوة , وأقل انشغالا منهم , وهذا ما يساعدهن على الاستمرار في الحفظ وصولا إلى ختم القرآن
ذلك أن الأخت لا تعمل , وليس مطلوبا منها ثمة شيء فأبوها يُنفق عليها , وهو من سيجهز لها , وهي في الأجازات الدراسية أو بعد الدراسة , لا تجد ما تنشغل به , فهي قعيدة بيتها , بانتظار نصيبها , فتندفع إلى أن تملأ فراغ وقتها بالحفظ وبطلب العلم الشرعي
ولو كان وقت الأخت مشغول لربما ما حفظت شيئا والدليل على ذلك , انظروا للأخوات الحافظات طالبات العلم بعد الزواج وبعد الإنجاب وانشعالهن بالبيت والأولاد , لا أقول تتوقف الأخت عن الاستمرار على الدرب , بل لربما نسيت أيضا ما كانت تحفظ , حتى اشتهرت في الأوساط الدعوية عبارة " الزواج مقبرة الداعيات "
بينما الأخوة على النقيض من ذلك , فهم يدرورون في طاحونة الحياة ويعملون من أجل توفير ما يساعدهم على اتمام مشروع الزواج في عصر يموج بالفتن , لذا من الصعوبة جدا بمكان على كثير من الأخوة , السير في مشروع الحفظ بانتظام حتى الإتمام
هذا من وجه , أما الوجه الآخر , فإن ما أعرفه أن هذا الشرط , ليس من مقومات الحياة الزوجية في شيء , وليس بشرط شرعي مطلقا , فلماذا تشترطه الأخت ؟؟؟
شيء عجيب والله , الرسول صلى الله عليه وسلم يقول " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ... " ولم يقل إذا أتاكم حافظا للقرآن , فمال لهذه البدعة تكون سببا في رفض شاب ديّن وعلى خلق يطلب العفاف , فإذا ما علمنا أن أغلب الأخوات حافظات للقرآن بسبب تفرغهن ليس أكثر , وإذا علمنا أيضا انتشار هذه الموضة بينهن يقلدن بعضهن البعض , ظنا منهن أن هذا من ضمن طقوس الالتزام , عرفنا إذا السبب في عزوف كثير من الأخوة عن التقدم للأخوات
أخ يحفظ ثلث القرآن , تقدم لأخت ختمت القرآن حفظا , فقبلت لكن بشرط , أنه لن يدخل بها إلا إذا أتم القرآن حفظا , فرفض الأخ
أخت رفضت أخ لأنه لا يحفظ سوى سبعة أجزاء , وأخت ترفض مقابلة أي أخ أصلا لا يحفظ القرآن ..... الخ
سبحان الله , من أين نأتي لكل هؤلاء الحافظات - بسبب تفرعهن , أُعيد ذلك وأكرر - بأخوة حافظين
وأحيانا ما أسرح مع نفسي وأتساءل , هل إذا تبادل الأخوة الأدوار مع الأخوات , فلزم الأخوة البيوت وخرجت الأخوات للكد والسعي خلف لقمة العيش وتوفير النفقات التي تلزم لإقامة عش الزوجية , هل ستظل المعادلة هكذا , هل سنرى كل هذا الكم من الأخوات الحافظات
أخواتي المنتقبات , رفقا بالأخوة , أصلح الله حالكن وحالهم
ثم ما الذي تريده الزوجة من زوجها ؟؟؟ , وما الذي يريده الزوج من زوجته ؟؟؟
أليس الرجل يطلب لنفسه المرأة الصالحة , والمرأة هي أيضا ينبغي أن تطلب لنفسها الزوج الصالح ؟!!
بالتأكيد الرجل يريد المرأة ذات الدين , التي حث الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال على طلبها فقال " تُنكح المرأة لأربع لجمالها ولمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك "
والتي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر جائزة يمكن أن يحظى بها العبد في دنياه فقال " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة "
فانظر يا رعاك الله كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المرأة الصالحة هي خير متاع بإطلاق يمكن أن يحظى بها العبد في دنياه
فما هي مواصفات تلكم المرأة الصالحة إذن .. هل هي حافظة القرآن حافظة السنن والمتون طالبة العلم الشرعي المجتهدة في الدعوة , والتي تُعلّم الأخوات العلم ... الخ ؟؟؟؟
لا والله , ما هي بذلك كله ولا بشيء منه البتة
فالرسول صلى الله عليه وسلم , في وصفه المرأة الصالحة قال " إذا نظر إليها سرته , وإذا أمرها أطاعته , وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله "
وقال صلى الله عليه وسلم " خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية ، إذا اتقين الله ..."
وقال صلى الله عليه وسلم " خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ " والشاهد من هذا الحديث هو سبب خيرية نساء قريش على غيرهن من النساء حيث قال صلى الله عليه وسلم أحناه على ولد في صغره وقال أيضا أرعاه على زوج في ذات يده .. فهاتان هما مناط الخيرية
فأين نجد في كل تلكم المواصفات للنساء الصالحات الخيّرات شرط حفظ القرآن أو حفظ المتون العلمية أو طلب العلم , أو حتى الاجتهاد في الدعوة ؟؟؟
إذن فلا دلالة يمكن أن تُؤخذ من كل هذه الأمور على صلاح المرأة , أي أن حفظها للقرآن لا يُستدل منه على كونها امرأة صالحة , وكذا أيضا طلبها العلم أو ممارستها الدعوة إلى الله , وإلا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في وصفه للنساء الصالحات , فلمّا لم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك علمنا أن هذه الأمور لا يُستدل منها على صلاح المرأة
وليس معنى ذلك أن تعزف المرأة عن أمور الخير هذه إذا قدرت عليها , لكن المقصد أنه لا يُحتكم إليها وإنما يُستأنس بها , فليست الأصل في الحكم على صلاح المرأة ولا حتى فرع
فإن كانت امرأة صالحة تعرف حق زوجها عليها وترعاه وترعى بيته وهي فوق ذلك تحفظ القرآن و لها في العلم الشرعي باع ولها في الدعوة جهد , فهذه أفضل بالتأكيد من امرأة صالحة وفقط
لكن هذه المرأة الصالحة وفقط , أفضل ألف مرة من امرأة تحفظ القرآن كاملا وتحفظ كتب السنة الست و تدعو إلى الله وتقيم الليل كله ... وتفعل وتفعل , لكنها لا تطيع زوجها ولا ترعى بيتها
ودليلي على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة "
وقوله صلى الله عليه وسلم " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وأطاعت بعلها , فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت "
فهذه امرأة لم تفعل من الطاعات سوى الفروض , وهي لا تحفظ من القرآن شيئا ولا من السنة وليس لها في الدعوة باع , ورغم ذلك يقال لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت ,
وعلى الضد من ذلك , لو تخلينا تلكم المرأة الحافظة العالمة الداعية لكن زوجها يبيت وهو عليها غضبان , فإنها تبيت والملائكة تلعنها ,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح "
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها , فإن أضاعت ذلك ضاعت , ولا ينفعها في ذلك يومئذ ما كان من حفطها وجدها واجتهادها
فالعبرة في صلاح المرأة هو أن تُدرك مكانة الزوج وعظيم حقه عليها , قال صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها "
وفوز المرأة وفلاحها يكون بحسن التبعل لزوجها , وذلك واضح من النصوص الشرعية , ودل عليه حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية
فقد أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت : "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني وافدةُ النساءِ إليكَ -أي مرسلة من عندهن- وأعلمُ نفسي لكَ الفداء، أنه ما من امرأةٍ كائنةٍ في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي .
إن الله بعثكَ بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنَّا بك وبإلهك الذي أرسلَكَ. وإنا معشر النساء محصوراتٍ، مقصورات قواعد بيوتِكم ومقضى شهواتِكم وحاملات أولادَكم. وإنكم معاشرَ الرجالِ فُضِّلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله . وإن الرجلَ منكم إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مُرابِطا حفِظنا لكم أموالَكم، وغزلنا لكم أثوابَكم، وربَّينا لكم أولادَكم، فما نشارككم في الأجر يا رسولَ الله : فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال : "هل سمعتم مقالةَ امرأة قطّ أحسن من مُساءلتِها في أمر دينها من هذه : فقالوا : يا رسول الله ما ظنَنَّا أن امرأة تهتدي إلى مثلِ هذا .
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ثم قال لها : انصرفي أيتها المرأةُ، وأَعلِمي من خَلفَكِ من النساء أن حسنَ تبعَُل إحداكُن لزوجها وطلب مرضاته، واتباعها موافقته يعدلُ ذلكَ كلَّه. فأدبَرت المرأَة وهي تُهلِّل وتكبِّرُ استبشارا ".
وأخرج البيهقي أيضا عن أنس رضي الله عنه قال : جاء النساءُ إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقُلنَ : يا رسول الله، ذهب الرجالُ بالفضل : بالجهادِ في سبيل الله، أفما لنا عملٌ ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مِهنَةُ إحداكُنَّ في بيتها تدركُ عملَ المجاهدين في سبيل الله ".
أرجو أن تكون هذه النقطة قد وضحت جيدا , وخرجنا منها بالفصل بين الصلاح وبين الحفظ وطلب العلم والدعوة وغير ذلك , وأننا ينبغي ألا نستدل بالثاني على الأول
وهنا أخرج من الحديث عن الزوجة الصالحة إلى الحديث عن الزوج الصالح , فما قلته في حق المرأة , مثله يُقال في حق الرجل
فإن المرأة ينبغي أن تطلب لنفسها من الله عز وجل أن يرزقها الزوج الصالح الذي يرعى حقوقها ويجبر كسرها ويرحم ضعفها ويرعاها كما يجب أن تكون الرعاية
و لا علاقة البتة أيضا بين ذلك وبين حفظ القرآن والمتون , فقد يكون رجل أُمّي لا يقرأ ولا يكتب لكنه نعم الزوج الصالح للمرأة , به تسعد وتهنأ ويطيب عيشها
وقد يكون حافظا وطالب علم لكنه سيء الخلق سيء العشرة رقيق الدين , تعيش معه المرأة أحلك أيام عمرها , حتى لتتمنى أن يُريحها الموت منه
والواقع يشهد بذلك , فعلى سبيل المثال , كثيرون الآن ممن يطيلون لحاهم ويقصّرون ثيابهم ويطلبون العلم ويحفظون القرآن لا يتورعون عن أكل لحوم العلماء , وهذه رقة دين ولا شك , فهل مثل هذا رجل صالح , هو لم يتقي الله في أهل العلم وأهل الفضل , أفيتقيه في غير ذلك ؟؟
فالرجل الصالح للمرأة هو من يقوم بأداء حقوقها عليه , فيحفظها ويرعاها ويكرمها فلا يضرب ولا يسب ويعينها على الطاعة ويؤدي حقها عليه من النفقة
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماحق زوجة أحدنا عليه , قال " تُطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا كسيت ولا تضرب الوجه ولا تُقبّح ولا تهجر إلا في البيت "
وفال صلى الله عليه وسلم " وحقهن عليكم أن تُحسنوا إليهن في طعامهن وكسوتهن "
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل النفقة على زوجته وجعل ذلك من الصدقة التي يؤجر الرجل عليها بل من خير ما يتصدق به المرء ,
وحث الرجل أيضا على الصبر على زوجته فقال " لا يفرك مؤمن مؤمنة - أي لا يبغض - إن كره منها خلقا رضي منها آخر "
وحث على الرفق مع النساء واللين فقال رفقا بالقوارير وقال " خيركم خيركم لأهله "
وقال صلى الله هليه وسلم , استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم
فكل من يعمل بهذه النصوص ويقف عندها هو نعم الزوج للمرأة ,
والمتأمل , سيجد أنها قد خلت من أي شرط لحفظ القرآن أو ما شابه , فمن أين أتت هؤلاء الأخوات بهذا الشرط ؟؟؟؟
قال صلى الله عليه وسلم " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه ...."
فأين اشتراط الحفظ وطلب العلم هنا ؟؟
لا يختلف اثنان في أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أدين أهل القبلة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهم في التفضيل فيما بينهم على درجات , لكن لا خلاف في أن أفل الصحابة شأنا أعلى دينا من أعلى التابعين شأنا , فضلا عمن هم بعد ذلك من تابعي التابعين وتابعيهم
رغم أن التابعي أو من بعده قد يكون أحفظ لكتاب الله وأكثر علما وعبادة , لكنه لا يمكن أن يفضل صاحبيا واحدا بحال ,
ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم فاقوا كل من بعدهم بالإيمان الذي وقر في قلوبهم ,
والشاهد أن قوة الديانة شيء بالقلب لا تدل عليه كثرة الحفظ أو العبادة وإنما يتجلى بشدة خشية الله ومراقبته في السر والعلن والوقوف عند أمره ونهيه
وأما عن قصص الفشل الزوجي بين أخوات وأخوة يحفظون القرآن , فإني قد سمعت منها وعاينت الكثير , فهذه أخت تحفظ القرآن وتدعو إلى الله , حصل بينها وبين زوجها من المشاكل ما وقف بهما على شفير الطلاق
وهذان أخ وأخت كليهما يحفظ القرآن تزوجا ثم لم يلبثا وأن فرق بينهما الطلاق بعد مشاكل لا حصر لها
فهل منع حفظ القرآن .. البيت أن ينهار ؟ , لم يمنع بينما يمنع ذلك صلاح الزوجة وصلاح الزوج
شُريح القاضي , الذي مكث مع زوجته عشرون عاما لم تُغضبه قط , هل جاء في وصفها أنها كانت من الحافظات العابدات العالمات الداعيات , لا بالطبع , بل لربما كانت أمُية لا تقرأ ولا تكتب , لكن نحسبها والله حسيبها من خير نساء العالمين
وحتى أختم هذه النقطة أسرد ملخصا لها , فقد أردت التأكيد على :
أن حفظ القرآن ينبغي ألا يكون شرطا لا للفتاة ولا للشاب , فإن كان موجودا أصلا فبها ونعمت وإلا فلا يُرفض الشاب الديّن ذو الخلق لأجل هذا , وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم , تلكم الفتنة التي نستعر بلظاها اليوم , وهذا الفساد الذي نُعاني من ويلاته
تعليق