ما أجمل الحياة عندما نجد من حولنا يرفرفون بكلماتهم الناصحة
المحبة للخير بالكلمة الطيّبة المثمرة .. وقد أتخذوا من سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
وصحبه الكرام في ذلك خير قدوة .
فليس هناك أروع من قلب يعتبرها كأحد الهدايا الثمينة إذ قدمت إليه النصيحة حيث
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ( رحم الله أمرأ أهدى إلي عيوبي ) .
هكذا والله أراها ولا أظن أحد منكم يخالفني هذا المنظار الجميل ..
* فمن منا لا يعتبر النصيحة الجميلة الرقيقة المغلفة بروح الأخوة الإيمانية الصادقة من أجمل الهدايا
التي تقدم لنا خاصة عندما تخالطها البشاشة واللين بعيداً عن الغلظة والشدة .
* من منا لا يحرص على الكلمة الطيبة فيها والتي تبعث على النفس الأمل والسرور .
فإياك أيها الناصح أن ينفر منك الطرف النقيض خصوصا عندما يتعصب الناصح لنصيحته أمام الملأ
ظاناً أنها الطريقة المثلى للأمتثال والتنفيذ فقط .
فتلك على رؤوس الأشهاد فضيحة فمن من البشر معصوم من الزلل أو الخطأ .. !! أفلا يُترفق بها ؟
و لنتذكر دائماً أن الناس أصنافاً في قبول النصيحة .. منهم من يقبل ببشر وسعادة .. ومنهم من يقبل
على مضض وجدال !! ولنتذكر دائماً أن الناصح مُخلص .. ليّن .. مُسر لا مجاهر بها .. لنبحث في أنفسنا
عن الطريقة المثلى لأدائها ..ونبقى دائما نسال أنفسنا هل نندم يوماً عليها وقدر راعينا آدابها عند
تقديمها ؟
فلنعتبرها هدية إخواننا و لا نبخل بها على من نحبه في الله ..و لنقدمها لبعضنا كلما وجدنا الحاجة إليها
معطرة بالكلمة الطيبة وبأريج الأخوة الصادقة مع كل الود .
هكذا أنتم أحبتي في الله وتلك هداياكم التي أتمنى أن نداوم على جمالها لتستقر في سويداء القلب بارتياح فلا تغادره .
آداب النصيحة
يُحكى أن الحسن والحسين مرَّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء. فاتفقا على أن ينصحا الرجل
ويعلماه كيف يتوضأ، ووقفا بجواره، وقالا له: يا عم، انظر أَيُّنا حسن وضوءًا. ثم توضأ كل منهما فإذا
بالرجل يرى أنهما يحسنان الوضوء، فعلم أنه هو الذي لا يحسنه، فشكرهما على ما قدماه له من نُصح
دون تجريح.
******
النصيحة دعامة من دعامات الإسلام. قال تعالى: {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة). قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله
ولأئمة المسلمين وعامتهم)
[متفق عليه].
وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.
[متفق عليه].
وللنصيحة جملة من الآداب، منها ما يتعلق بالناصح، ومنها ما يتعلق بالمنصوح.
..:: آداب الناصح::..
* الإخلاص*
فلا يبغي الناصح من نصحه إظهار رجاحة عقله، أو فضح المنصوح والتشهير به، وإنما يكون غرضه
من النصح الإصلاح، وابتغاء مرضاة الله.
* أن يكون عالما بما ينصح *
لأن النصيحة نوع من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم يكن على علم بما ينصح به
فقد ينهى عن معروف وهو يظن أنه ينهى عن منكر، وقد يأمر بمنكر وهو يظن أنه يأمر بمعروف.
* الحكمة والموعظة الحسنة واللين*
فالكلمة الطيبة مفتاح القلوب، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتي هي أحسن}
[_النحل: 125].
الرفق في النصح والبعد عن العنف واللوم كما في الحديث: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه".
* عدم كتمان النصيحة *
المسلم يعلم أن النصيحة هي أحد الحقوق التي يجب أن يؤديها لإخوانه المسلمين، فالمؤمن مرآة أخيه،
يقدم له النصيحة، ويخبره بعيوبه، ولا يكتم عنه ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على
المسلم ست). قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك
فانصحْ له، وإذا عطس فحمد فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته)
[مسلم].
* أن تكون النصيحة في السر*
المسلم لا يفضح المنصوح ولا يجرح مشاعره، وقد قيل: النصيحة في الملأ (العلن) فضيحة.
قال مسعر بن كدام رحمه الله : رحم الله من أهدى إليّ عيوبي في سر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع.
وما أجمل قول الإمام الشافعي :
تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي
وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ
فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ
مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه
تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي
وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ
فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ
مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه
وقال أيضا رحمه الله
من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصح أحد الحاضرين يقول :
ما بال أقوام يفعلون كذا، ما بال أحدكم يفعل كذا.
وقيل: النصح ثقيل فلا تجعلوه جبلا، ولا ترسلوه جدلا، والحقائق مرة فاستعينوا عليها بخفة البيان.
* الأمانة في النصح*
فلا يخدع المنصوح ولا يستهين بأمره، بل يبذل الجهد، ويعمل الفكر، قبل أن ينصح، وعليه بيان ما يراه من المفاسد إن وجد في ستر وأمانة.
..:: آداب المنصوح::..
* أن يتقبل النصيحة بصدر رحب*
وذلك دون ضجر أو ضيق أو تكبر، وقد قيل: تقبل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه.
* عدم الإصرار على الباطل*
فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم:
{وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} [_البقرة: 206].
فالواجب عليه الإصغاء إلى النصيحة والعمل بخيرها، والتخلص من حظوظ النفس، فقد كان السلف
يعتبرون النصيحة نوعا من الهدية يقدمها الناصح لهم، كما قال عمر رضي الله عنه: رحم الله امرءاً
أهدى إليّ عيوبي. ولا يحملنه شدة الناصح على عدم الانتفاع بالنصيحة.
* أخذ النصح من المسلم العاقل*
لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا
يحتسب. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أمرًا فشاور فيه امرءًا مسلمًا، وَفَّقَهُ الله لأرشد أموره)
[الطبراني].
* شكر الناصح*
يجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
جمعته لكم
وعليه فيرجى من الجميع إبداء النصح برفق ولين إما بالرسائل الخاصة أو بالرد الطيب في الموضوع وقبول النصح من الآخرين
وجزاكم الله خيرا
اللهم اغفر لنا وتجاوز عن أخطائنا
تعليق