الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
خلق الله الذكر والأنثى، و خلق فيهما ميل كل واحد منهما للآخر لحكمة عالية قضاها في أن يكون ذلك الميل دافعاً ذاتياً لتكوين الأسر وتحمل تبعات ذلك، و لتكون هذه الأسر هي نواة المجتمع الكبير، و من أسرار الله في خلقه و التي لا يكاد العقل البشري أن يدركها إلا بعد أن ينبهه الشرع لها أن هذا الميل -الذي هو نوع من التوتر- لا يحصل له استقرار إلا متى أشبع من خلال الزواج، و الزواج فقط.
و لذلك وصفه الله -تعالى- بأنه سكن حيث يقول: {وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم:21]، و أما إشباع هذا الميل عن طريق الزنا فهو لا يزيد القلب إلا اشتعالاً، و النفس إلا اضطراباً، و لذلك وصفه الله تعالى بقوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [سورة الإسراء:32].
و لذلك لم يرد ذكر الرجال و النساء خارج علاقة الزواج إلا على سبيل الفتنة كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الدنيا حلوة خضرة و إن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا و اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» [رواه مسلم]، و كما قال النبي -صلى الله عليه و سلم-: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» [رواه البخاري].
و كلمة الفتنة تحمل بأصل وضعها اللغوي معنى الشدة والاشتعال، ولذلك كان قرب الرجل من المرأة من باب: "وضع النفط بجوار النار" كما يقولون في الأمثال.
و من هنا جاء الشرع بسد كل الذرائع المؤدية إلى اشتعال هذه الفتنة و التي تتمثل في إبعاد الرجال عن النساء حتى في الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها أخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» [رواه مسلم].
و متى اقتضت الضرورة أو الحاجة الماسة؛ شيئاً من التعامل فليكن مع حفظ العورة، وغض السمع والبصر، وكف اليد عن اللمس، وقد بالغ النبي -صلى الله عليه وسلم- في النهي عن ذلك كله واصفاً هذا كله "بالزنا" تنفيراً عنه وتذكيراً بأن هذه الأمور وسائل وذرائع تؤدي إلى الزنا وإن لم تؤدي مع واحداً أدت مع غيره، و في ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه» [متفق عليه].
و قد عملت الأمة بهذه التوجيهات النبوية فكان في ذلك سبب لقوة عزيمة أبنائها وصفاء روح بناتها، فكانت أمة منتجة بحق عن طريق تكوين الأسر الصالحة من هؤلاء الشباب و الفتيات، ثم إنجاب الذرية و تربيتها على هذه الأخلاق و غيرها من الأخلاق الإسلامية، و من ثمَّ كان النصر حليفها في كل معاركها، مما دعا أمة الروم أن يُفرِّغوا عدداً من أذكيائهم لدراسة أسباب قوة المسلمين وتماسكهم فيما عرف "بالاستشراق"، و وصل هؤلاء إلى كثير من أسباب قوة المسلمين.
و وعوا أقوامهم إلى أن يعملوا على تحطيم جوانب القوة في الأمة الإسلامية و منها جانب الفضيلة، و في ذلك يقول أحدهم: "كأس وغانية تفعلان في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ما لا يفعله ألف مدفع".
و بالفعل جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر و معها الكأس و الغانية جنباً إلى جنب مع المدفع، و كاد القوم أن يفلحوا في نشر كؤوسهم و غوانيهم في بلاد المسلمين، لولا أن قيض الله لهذا الدين أقواماً استعملهم في الصمود أمام هذه الموجة من الفسق و الفجور، و لكن الأعداء لا ييأسون، فإذا كانت الأمة قد رفضت بحمد الله تلك الصورة الفجة من الفسق؛ فلا بأس بأن يقدموا صورة هي أقل شراً، و لكن هذا سوف يجعل عدد القابلين لها أكثر.
و من هنا رحلت الحملة الفرنسية عن مصر تاركة فيها أذناباً يدعون إلى مخالطة المرأة للرجل في ميدان الدراسة و العمل و السياسة و الرياضة، كل ذلك مع التبرج و الخضوع بالقول من المرأة و النظرة الجريئة و الثناء المكشوف من الرجل، و أما المصافحة فواجب اجتماعي و ربما تطور الأمر عند المستغرقين في التبعية للغرب إلى السهر و المراقصة، و أما الأوساط التي مازالت تحتفظ ببقية من دين أو حياء فالأمر في حاجة إلى "مبرر شريف" من بيع أو شراء أو نحو ذلك ليكون باباً إلى تبادل النظرات و الهمسات.
و في سن الشباب حيث الشهوة على أشدها، جاء الشيطان بحيلة هي من أعظم حيله إلا و هي "كشكول المحاضرات".
و لقد استدعى الأمر في أوله جيوشاً جرارة من الصحافيين والمصورين ليصوروا الفتيات الجريئات السابقات لعصرهن و اللاتي قبلن بتبادل "كشكول المحاضرات" مع زملائهم من الطلاب، و قديماً قال الشاعر:
نظرة فابتسامة فسلام **** فكلام فموعد فلقاء
فصار في عرف الجامعة؛ تبادل "الكشكول" في قاعة الدرس، ثم في فناء الكلية ثم في مطعمها ثم في المتنزهات و هكذا... و إلى أن يصرح كل طرف للآخر بحبه على طريقة الأفلام السينمائية، أو يهدي له وردة في عيد الحب على طريقة "القنوات الفضائية"، و لا بأس أن تُدَس داخل "الكشكول" لمن بقي عنده أو بقيت عندها بقية من حياء.
قد تندهش من هذا المكر و الكيد العجيب من شياطين الجن و الإنس، و لكن يبقى أولاً و أخراً ضعيفاً لأنه من كيد الشيطان {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76]، وأحد عوامل ضعفه أنه متكرر لا يدخل إلا على من لم يعتبر بالسنن الشرعية و السنن الكونية، و إليك هذه القصة الطريفة من السيرة لترى كيف كان الشيطان يصنع لإيقاع ضحاياه في فتنة النساء في مجتمع عربي ورث مروءة و شهامة تمنع الرجل من الوقوع في عرض جيرانه، و إن لم تمنعهم من الوقوع في أعراض غيرهم.
روى الطبراني بإسناد رجاله ثقات: أن خوات بن جبير رضي الله عنه كان جالسا إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة فطلع عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم -و الظاهر من السياق أن ذلك قبل إسلام خوات رضي الله عنه، و قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة- فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «يا أبا عبد الله مالك مع النسوة »-و تأمل في إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم حتى مع الكافر حرصاً على منع انتشار الفساد- فقال: "يفتلن ضفيرا لجمل لي شرود" و لم يكن صادقا في ذلك كحال صاحب كشكول المحاضرات في زماننا، وعلى كل ففتل الحبل لا يقتضي أن يجلس معهن إلى أن يفرغن منه و ربما لا يفرغن إذا طاب المجلس كما لا يفرغ الطلاب من نقل المحاضرة الأولى حتى ينتهي العام و أحياناً إلى أن يصبح زميله أستاذاً عليه، و الكشكول مازال يروح و يجيء على أمل الانتهاء من نقل المحاضرة "الأولى".
يقول رضي الله عنه: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم لحاجته ثم عاد فقال: «يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد» قال فسكت و استحييت -سبحان الله هذا على كفره آنذاك يستحي من أن يجادل عن جلسته تلك بعد مرتين فقط، و شباب المسلمين يظل يجادل و يجادل إلى آخر فرصة من مرات الرسوب.
يقول رضي الله عنه: و كنت بعد ذلك أتفرر منه كلما رأيته حياء منه حتى قدمت المدينة "أي مسلماً" و بعد ما قدمت رآني في المسجد يوماً أصلي فجلس إلي فطولت فقال: «لا تطول فإني أنتظرك» فلما سلمت قال: «يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد» فسكت و استحييت فقام و كنت بعد ذلك أتفرر منه حتى لحقني يوماً و هو على حمار فقال: «يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد» فقلت: "و الذي بعثك بالحق ما شرد منذ أسلمت" فقال: «الله أكبر الله أكبر اللهم اهد أبا عبد الله» [رواه الطبراني في الكبير و الهيثمي في مجمع الزوائد و قال العراقي في تخريج الإحياء رجاله ثقات]، فكان ممن حسن إسلامهم و هداهم الله رضي الله عنه.
فانظر إلى تفقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتخلص كل من أسلم من رواسب الجاهلية، و عاداتها الفاسدة، بينما يظل أبناء المسلمين في زماننا يتشربون من مستنقعات الجاهلية الآسنة، و لا يوجد من يذكرهم ويقول لهم: "أما ترك ذلك الكشكول الذهاب و الإياب بعد".
نسأل الله -تعالى- أن يهدينا ويهدي بنا.
كتبه/ عبد المنعم الشحات
خلق الله الذكر والأنثى، و خلق فيهما ميل كل واحد منهما للآخر لحكمة عالية قضاها في أن يكون ذلك الميل دافعاً ذاتياً لتكوين الأسر وتحمل تبعات ذلك، و لتكون هذه الأسر هي نواة المجتمع الكبير، و من أسرار الله في خلقه و التي لا يكاد العقل البشري أن يدركها إلا بعد أن ينبهه الشرع لها أن هذا الميل -الذي هو نوع من التوتر- لا يحصل له استقرار إلا متى أشبع من خلال الزواج، و الزواج فقط.
و لذلك وصفه الله -تعالى- بأنه سكن حيث يقول: {وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم:21]، و أما إشباع هذا الميل عن طريق الزنا فهو لا يزيد القلب إلا اشتعالاً، و النفس إلا اضطراباً، و لذلك وصفه الله تعالى بقوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [سورة الإسراء:32].
و لذلك لم يرد ذكر الرجال و النساء خارج علاقة الزواج إلا على سبيل الفتنة كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الدنيا حلوة خضرة و إن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا و اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» [رواه مسلم]، و كما قال النبي -صلى الله عليه و سلم-: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» [رواه البخاري].
و كلمة الفتنة تحمل بأصل وضعها اللغوي معنى الشدة والاشتعال، ولذلك كان قرب الرجل من المرأة من باب: "وضع النفط بجوار النار" كما يقولون في الأمثال.
و من هنا جاء الشرع بسد كل الذرائع المؤدية إلى اشتعال هذه الفتنة و التي تتمثل في إبعاد الرجال عن النساء حتى في الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها أخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» [رواه مسلم].
و متى اقتضت الضرورة أو الحاجة الماسة؛ شيئاً من التعامل فليكن مع حفظ العورة، وغض السمع والبصر، وكف اليد عن اللمس، وقد بالغ النبي -صلى الله عليه وسلم- في النهي عن ذلك كله واصفاً هذا كله "بالزنا" تنفيراً عنه وتذكيراً بأن هذه الأمور وسائل وذرائع تؤدي إلى الزنا وإن لم تؤدي مع واحداً أدت مع غيره، و في ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه» [متفق عليه].
و قد عملت الأمة بهذه التوجيهات النبوية فكان في ذلك سبب لقوة عزيمة أبنائها وصفاء روح بناتها، فكانت أمة منتجة بحق عن طريق تكوين الأسر الصالحة من هؤلاء الشباب و الفتيات، ثم إنجاب الذرية و تربيتها على هذه الأخلاق و غيرها من الأخلاق الإسلامية، و من ثمَّ كان النصر حليفها في كل معاركها، مما دعا أمة الروم أن يُفرِّغوا عدداً من أذكيائهم لدراسة أسباب قوة المسلمين وتماسكهم فيما عرف "بالاستشراق"، و وصل هؤلاء إلى كثير من أسباب قوة المسلمين.
و وعوا أقوامهم إلى أن يعملوا على تحطيم جوانب القوة في الأمة الإسلامية و منها جانب الفضيلة، و في ذلك يقول أحدهم: "كأس وغانية تفعلان في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ما لا يفعله ألف مدفع".
و بالفعل جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر و معها الكأس و الغانية جنباً إلى جنب مع المدفع، و كاد القوم أن يفلحوا في نشر كؤوسهم و غوانيهم في بلاد المسلمين، لولا أن قيض الله لهذا الدين أقواماً استعملهم في الصمود أمام هذه الموجة من الفسق و الفجور، و لكن الأعداء لا ييأسون، فإذا كانت الأمة قد رفضت بحمد الله تلك الصورة الفجة من الفسق؛ فلا بأس بأن يقدموا صورة هي أقل شراً، و لكن هذا سوف يجعل عدد القابلين لها أكثر.
و من هنا رحلت الحملة الفرنسية عن مصر تاركة فيها أذناباً يدعون إلى مخالطة المرأة للرجل في ميدان الدراسة و العمل و السياسة و الرياضة، كل ذلك مع التبرج و الخضوع بالقول من المرأة و النظرة الجريئة و الثناء المكشوف من الرجل، و أما المصافحة فواجب اجتماعي و ربما تطور الأمر عند المستغرقين في التبعية للغرب إلى السهر و المراقصة، و أما الأوساط التي مازالت تحتفظ ببقية من دين أو حياء فالأمر في حاجة إلى "مبرر شريف" من بيع أو شراء أو نحو ذلك ليكون باباً إلى تبادل النظرات و الهمسات.
و في سن الشباب حيث الشهوة على أشدها، جاء الشيطان بحيلة هي من أعظم حيله إلا و هي "كشكول المحاضرات".
و لقد استدعى الأمر في أوله جيوشاً جرارة من الصحافيين والمصورين ليصوروا الفتيات الجريئات السابقات لعصرهن و اللاتي قبلن بتبادل "كشكول المحاضرات" مع زملائهم من الطلاب، و قديماً قال الشاعر:
نظرة فابتسامة فسلام **** فكلام فموعد فلقاء
فصار في عرف الجامعة؛ تبادل "الكشكول" في قاعة الدرس، ثم في فناء الكلية ثم في مطعمها ثم في المتنزهات و هكذا... و إلى أن يصرح كل طرف للآخر بحبه على طريقة الأفلام السينمائية، أو يهدي له وردة في عيد الحب على طريقة "القنوات الفضائية"، و لا بأس أن تُدَس داخل "الكشكول" لمن بقي عنده أو بقيت عندها بقية من حياء.
قد تندهش من هذا المكر و الكيد العجيب من شياطين الجن و الإنس، و لكن يبقى أولاً و أخراً ضعيفاً لأنه من كيد الشيطان {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76]، وأحد عوامل ضعفه أنه متكرر لا يدخل إلا على من لم يعتبر بالسنن الشرعية و السنن الكونية، و إليك هذه القصة الطريفة من السيرة لترى كيف كان الشيطان يصنع لإيقاع ضحاياه في فتنة النساء في مجتمع عربي ورث مروءة و شهامة تمنع الرجل من الوقوع في عرض جيرانه، و إن لم تمنعهم من الوقوع في أعراض غيرهم.
روى الطبراني بإسناد رجاله ثقات: أن خوات بن جبير رضي الله عنه كان جالسا إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة فطلع عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم -و الظاهر من السياق أن ذلك قبل إسلام خوات رضي الله عنه، و قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة- فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «يا أبا عبد الله مالك مع النسوة »-و تأمل في إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم حتى مع الكافر حرصاً على منع انتشار الفساد- فقال: "يفتلن ضفيرا لجمل لي شرود" و لم يكن صادقا في ذلك كحال صاحب كشكول المحاضرات في زماننا، وعلى كل ففتل الحبل لا يقتضي أن يجلس معهن إلى أن يفرغن منه و ربما لا يفرغن إذا طاب المجلس كما لا يفرغ الطلاب من نقل المحاضرة الأولى حتى ينتهي العام و أحياناً إلى أن يصبح زميله أستاذاً عليه، و الكشكول مازال يروح و يجيء على أمل الانتهاء من نقل المحاضرة "الأولى".
يقول رضي الله عنه: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم لحاجته ثم عاد فقال: «يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد» قال فسكت و استحييت -سبحان الله هذا على كفره آنذاك يستحي من أن يجادل عن جلسته تلك بعد مرتين فقط، و شباب المسلمين يظل يجادل و يجادل إلى آخر فرصة من مرات الرسوب.
يقول رضي الله عنه: و كنت بعد ذلك أتفرر منه كلما رأيته حياء منه حتى قدمت المدينة "أي مسلماً" و بعد ما قدمت رآني في المسجد يوماً أصلي فجلس إلي فطولت فقال: «لا تطول فإني أنتظرك» فلما سلمت قال: «يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد» فسكت و استحييت فقام و كنت بعد ذلك أتفرر منه حتى لحقني يوماً و هو على حمار فقال: «يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد» فقلت: "و الذي بعثك بالحق ما شرد منذ أسلمت" فقال: «الله أكبر الله أكبر اللهم اهد أبا عبد الله» [رواه الطبراني في الكبير و الهيثمي في مجمع الزوائد و قال العراقي في تخريج الإحياء رجاله ثقات]، فكان ممن حسن إسلامهم و هداهم الله رضي الله عنه.
فانظر إلى تفقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتخلص كل من أسلم من رواسب الجاهلية، و عاداتها الفاسدة، بينما يظل أبناء المسلمين في زماننا يتشربون من مستنقعات الجاهلية الآسنة، و لا يوجد من يذكرهم ويقول لهم: "أما ترك ذلك الكشكول الذهاب و الإياب بعد".
نسأل الله -تعالى- أن يهدينا ويهدي بنا.
كتبه/ عبد المنعم الشحات
نقلا عن طريق السلف
تعليق