إني لأحبك
كلمة تحب سماعها الآذان ..
وتقر برؤيتها العيون ..
وتسعد بها القلوب ..
وتطير النفوس فرحاً عندما تكون هدفاً لها !
والذي يزيدها روعة وجمالاً وأثراً ..
أن حبيبنا ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم نطق بها لسانه الشريف؛ فخرجت عذبة ندية من بين شفتيه !
أتعرف لمن قالها نبي الرحمة ؟
قالها لشاب من أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم..
فقد روى الإمام أحمد عن الصنابحي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي يوماً، ثم قال : " يا معاذ! والله إني لأحبك " . فقال معاذ : بأبي وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبك ، فقال : " أوصيك يا معاذ! لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك ،وشكرك ،وحسن عبادتك " . قال : وأوصى بذلك معاذٌ الصنابحي ، وأوصى الصنابحي أبا عبد الرحمن الحبلى ، وأوصى أبو عبد الرحمن عقبة بن مسلم[1].
أخي المسلم .. أختي المسلمة ..
تعالا ننهل من معين النبوة العذب المعنى الحقيقي للحب، والمتمثل في :
الحب مشاعر فياضة .. والحب سلوك سوي منضبط .. والحب خطاب صادق .. والحب ترجمة عملية صحيحة في الواقع .
ولا تعجب من تميز حياة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - بمثل هذه المعاني السامية ؛ فقد جاء بدين الإسلام الذي ارتفع بالحب من درك العلاقات الغير شرعية بين الجنسين أو الجنس الواحد ( والتي ما أسرع أن تحرق لذتها القصيرة نيران آثارها السيئة على الفرد والأسرة والمجتمع والأمة ) يرتفع بالحب إلى قمة الطهر والنقاء ؛ لتتوج بأسمى حب ، وهو حب الله جل جلاله : {.. وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ ..}البقرة 165؛ فتنعم نفس المؤمن والمؤمنة بكل حبٍ يؤدي إلى حب الله تعالى .
قال معاذ( الشاب )عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخذ بيدي "
أرأيت .. إلى مشاعر الحب الصادقة كيف ترجمت في سلوك سوي سامي ؛ فبالإضافة إلى إشارته إلى خلق التواضع في نبينا الكريم، نجده يلقي ظلال المودة والإخاء في نفس معاذ ( الشاب )، يدلك عليه الأثر البالغ في نفس معاذ ، والذي رد بعبارات الحب والتقدير للنبي صلى الله عليه وسلم ..
فما أحوجنا اليوم إلى مراجعة أنفسنا ..
كيف نحن وهدي " أخذ بيدي "
كيف هو أخذنا اليوم بأيدي شبابنا المسلم وشاباتنا، كلٌ بما يناسب تكوينه والدور الذي هيئه الله له ؟
هل ترجمنا حبنا ومودتنا الصادقة لهم في سلوكيات عملية ، يحسون بها ، ويلمسونها منا تجاههم ، لتمتد جسور المودة بيننا وبينهم ؟ ولنأخذ النصيب الأكبر من حيز الحب في قلوبهم؛ فتنتبه لخطاب الحب الذي نوجهه إليهم ، ويصغون إليه ، ويقبلونه ، ويطبقونه في حياتهم .
إن المصاعب التي تجدها شريحة من المعنيين بمخاطبة فئة الشباب والشابات في أمتنا المسلمة ، والمتمثلة في انصرافهم عن سماع خطابنا ، فضلاً عن قبوله والعمل به ، مرجعها إلى فقدنا ثقافة " أخذ بيدي " لذلك الحل يكمن في أن نأخذ بهذا الهدي النبوي " أخذ بيدي " ..
ولتتضح الصورة كم هي المسافة بيننا وبينهم ؟ فهم في غناً عمن يخاطبهم من قمة البرج البعيد عن واقعهم ، هل جالسناهم ( نحن كأفراد )، ومازحناهم ، وداعبناهم ، ولاعبناهم،وسمعنا لهم ، وتلمسنا حاجاتهم ( النفسية ، والاجتماعية، والصحية ، والعلمية و..)، وشاركناهم حل مشكلاتهم ؟
تقلقنا البطالة ..
فهل زدنا حيزهم في خطط وبرامج التأهيل في مشاريع المسلمين التنموية ؟
وأين دور الأسرة والحي، بل وجماعة المسجد وإمامهم ؟
ويزعجنا التسكع ( الذهاب والإياب في الشوارع والأسواق والمقاهي بلا هدف أو فائدة ) ..
فكم هو حجم برامجنا العملية لإشباع حاجاتهم العديدة
( بما يلائم خصائص كل جنس ) من :
المرح والرياضة وغيرها ، بل واستثمار أوقات فراغهم بما يرتقي بمواهبهم ومهاراتهم وقدراتهم؛ لتعود عليهم بالنفع في مستقبلهم، وعلى بلدانهم، وأمتهم .
فمنشآتنا ومؤسساتنا في عالمنا الإسلامي ( الأندية بمناشطها الرياضية والثقافية والاجتماعية ، والديوانيات ،والحدائق ، ومراكز الأحياء والتدريب ، و...و..) جديرة أن تكون في أعدادها، وتوزيعها، وتصميماتها ومرفقاتها بمستوى يضمن جذبهم وإفادتهم .
إن هذا اللون من الثقافة " أخذ بيدي "
نحتاجه في أسرنا؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس في أهله، و" كان في مهنة أهله"[2] ، وفي حياتنا الاجتماعية " أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس ، و أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربة ، أو يقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، و لأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن اعتكف في هذا المسجد ، يعني مسجد المدينة شهرا ، و من كف غضبه ستر الله عورته ، و من كظم غيظه ، و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ، و من مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام "[3]، وفي أعمالنا ووظائفنا " فليصنع لأخرق "[4] والأخرق هو الذي لا يتقن ما يعمله .
أما ثمرتنا الثانية :
فهي خطاب الحب .." إني لأحبك " ..
فبعد أن أسر قلب معاذ ( الشاب ) أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، فاجأه بخطابه الندي ، وعبارته الحانية " إني لأحبك " ، فتناغمت مع مشاعره وأحاسيسه ..
فكانت النتيجة عظيمة وواضحة ، ظهرت على لسان معاذ حيث قال : " بأبي وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبك "
وأجيال المسلمين اليوم الناشئة والشابة تتعرض لسيل جارف من الفتن يستهدف طمس هويتهم الإسلامية ، واقتلاع قيمهم الإسلامية السامية؛ ليئد إيمانهم فيكون الخسران نعوذ بالله من ذلك .
وهذا الأمر يحتم اختيار الوسائل المناسبة لحمايتهم منه ، وإنقاذهم إلى بر الأمان ، ومما يحقق ذلك أن يتميز خطابنا لهم بقوله صلى الله عليه وسلم " إني لأحبك " .. فسياط كثرة اللوم والعتاب المؤلمة، وضربات كثرة التأنيب الموجعة، وتحقيرهم ، كل ذلك لا يحقق قرباً منهم ، بل تنفرهم وتحفر فجوة بيننا وبينهم ، تزداد كلما زادت هذه النبرة في خطابنا ، وتشعرهم أيضاً بالاستعلاء والوصاية ، فلا يزدادون منا إلا بعداً.
أما خطاب الحب " إني لأحبك " الذي تُزينه عبارات المودة والشفقة والحرص على المنفعة " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك " ، ويُلطفه تنوع العبارات " أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ " ، فيوحي لهم هذا الخطاب الحاني بحجم الشفقة والحرص عليهم ومن أجلهم؛ فينتبهوا لخطابنا ، وينصتوا له ، ويتبعون أحسنه ، كما حدث مع معاذٍ رضي الله عنه الذي تقبل توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم : " أوصيك يا معاذ! لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك ،وشكرك ،وحسن عبادتك " ، حتى أن معاذاً أوصى بذلك الصنابحي الذي روى الحديث عنه .
ومنه نعلم علم اليقين أن أي خطاب ٍ، وبرنامجٍ عملي لا يربط الأجيال المسلمة (ناشئة وشباب ) بربهم جل جلاله فهو عقيم، مفتقد لأعظم مقومات النجاح .
فلا تعجب حين تقرأ سيرة معاذٍ رضي الله عنه لتجد أن التربية بالحب أنتجت شخصية متميزة ، كانت لها بصمتها الواضحة في الحياة " وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل"[5]، وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه شاباً سمحاً ، من خير شباب قومه ، لا يسأل شيئا إلا أعطاه[6]، وكان له دوره في صناعة الحياة، ونصرة دين الإسلام والعمل له، فلما أراد أن يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ( وهم أهل كتاب )، قال : " كيف تصنع إذا عرض لك قضاء ؟ " قال : أقضي بكتاب الله . قال : "فإن لم يكن في كتاب الله ؟ " قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : "فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال : أجتهد رأيي لا آلو . فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله "[7].
لقد كانت تربية نبوية عجيبة ، نال نتيجتها معاذاً رضي الله عنه مكانة سامية ،فعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا رضي الله عنه إلى اليمن ، خرج معه يوصيه ومعاذ راكبٌ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى تحت راحلته، فلما فرغ ، قال :" يا معاذ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري " . فبكى معاذ بن جبل جشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"لا تبك يا معاذ؛ للبكاء ، أو إن البكاء من الشيطان "[8].
تعليق