قال الإمام ابن الجوزى
إعلم أن الجزاء بالمرصاد إن كانت حسنة أو كانت سيئة .
و من الإغترار أن يظن المذنب إذا لم ير عقوبة أنه قد سومح ، و ربما جاءت العقوبة بعد مدة .
و قل من فعل ذنباً إلا و قوبل عليه ، قال عز وجل : من يعمل سوءاً يجز به .
هذا آدم عليه السلام أكل لقمة فقد عرفتم ما جرى عليه .
قال وهب بن منبه : [ أوحى الله تعالى إليه ألم أصنعك لنفسي ، و أحللتك داري ، و أسجدت لك ملائكتي ، فعصيت أمري ، و نسيت عهدي ؟ ]
و عزتي لو ملأت الأرض كلهم مثلك ، يعبدون يسبحون في الليل و النهار ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين .
فنزع جبريل التاج عن رأسه ، و حل ميكائيل الإكليل عن جبينه ، و جذب بناصيته فأهبط .
فبكى آدم ثلاث مائة عام على جبل الهند تجري دموعه في أودية جبالها ، فنبتت بتلك المدامع أشجار طيبكم هذا .
و كذلك داود عليه السلام ، نظر نظرة فأوجبت عتابه و بكاءه الدائم ، حتى نبت العشب من دموعه .
و أما سليمان عليه السلام فإن قوماً إختصموا إليه فكان هواه مع أحد الخصمين ، فعوقب و تغير في أعين الناس ، و كان يقول : [ أطعموني فلا يطعم ] .
و أما يعقوب عليه السلام ، فإنه يقال إنه ذبح عجلاً بين يدي أمه ، فعوقب بفراق يوسف .
و أما يوسف عليه السلام فأخذ بالهم ، و كل واحد من إخوته ولد له إثنا عشر ولداً ، و نقص هو ولداً لتلك الهمة .
و أما أيوب عليه السلام فإنه قصر في الإنكار على ملك ظالم ، لأجل خيل كانت في ناحيته ، فابتلى .
و أما يونس عليه السلام فخرج عن قومه بغير إذن فالتقمه الحوت .
و أوحى الله عز وجل إلى أرميا : إن قومك تركوا الأمر الذي أكرمت به أباءهم ، و عزتي لأهيجن عليهم جنوداً لا يرحمون بكائهم .
فقال : يا رب هم ولد خليلك إبراهيم ، و أمة صفيك موسى ، و قوم نبيك داود ، فأوحى الله تعالى إليه : إنما أكرمت إبراهيم و موسى و داود بطاعتي ، و لو عصوني لأنزلتهم منازل العاصين .
و نظر بعض العباد شخصاً مستحسناً ، فقال له شيخه : ما هذا النظر ؟ ستجد غبه ، فنسى القرآن بعد أربعين سنة .
و قال آخر : قد عبت سخصاً قد ذهب بعض أسنانه ، فانتثرت أسناني .
و نظرت إلى امرأة لا تحل ، فنظر إلى زوجتي من لا أريد .
و كان بعض العاقين ضرب أباه و سحبه إلى مكان ، فقال له الأب : حسبك إلى ههنا سحبت أبي .
و قال ابن سيرين : عيرت رجلاً بالإفلاس فأفلست . و مثل هذا كثير .
و من أعجب ما سمعت فيه عن الوزير ابن حصير الملقب بالنظام أن المقتفي غضب عليه و أمر بأن يؤخذ منه عشرة آلاف دينار .
فدخل عليه أهله محزونين و قالوا له : من أين لك عشرة آلاف دينار ؟
فقال : ما يؤخذ مني عشرة و لا خمسة و لا أربعة .
قالوا : من أين لك ؟ قال : إني ظلمت رجلاً فألزمته ثلاثة آلاف فما يؤخذ مني أكثر منها .
فلما أدى ثلاثة آلاف دينار وقع الخليفة بإطلاقه و مسامحته في الباقي .
و أنا أقول عن نفسي : ما نزلت بي آفة أو غم أو ضيق صدر إلا بزلل أعرفه حتى
يمكننني أن أقول : هذا بالشيء الفلاني .
ربما تأولت في بعد ، فأرى العقوبة .
فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنوب ، فقل أن يسلم منه .
و ليجتهد في التوبة ، فقد روي في الحديث : ما من شيء أسرع لحاقاً بشيء من حسنة حديثة لذنب قديم .
و مع التوبة يكون خائفاً من المؤاخذة متوقعاً لها ، فإن الله تعالى قد تاب على الأنبياء عليهم السلام .
و في حديث الشفاعة يقول آدم : ذنبي ، و يقول إبراهيم و موسى : ذنبي .
فإن قال قائل : قوله تعالى : من يعمل سوءاً يجز به خبر ، فهو يقتضي ألا يجاوز عن مذنب ، وقد عرفنا قبول التوبة و الصفح عن الخاطئين .
فالجواب من وجهين : أحدهما : أن يحمل على من مات مصراً و لم يتب ، فإن التوبة تجب ما قبلها .
و الثاني : أنه على إطلاقه ، و هو الذي أختاره أنا و أستدل بالنقل و المعنى .
أما النقل ، فإنه لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر : يا رسول الله أو نجازي بكل ما نعمل ؟ فقال : ألست تمرض ؟ ألست تحزن ؟ أليس يصيبك البلاء ؟ فذلك ما تجزون به .
و أما المعنى فإن المؤمن إذا تاب و ندم ، كان أسفه على ذنبه في كل وقت أقوى من كل عقوبة .
فالويل لمن عرف مرارة الجزاء الدائم ، ثم آثر لذة المعصية لحظة .
و من الإغترار أن يظن المذنب إذا لم ير عقوبة أنه قد سومح ، و ربما جاءت العقوبة بعد مدة .
و قل من فعل ذنباً إلا و قوبل عليه ، قال عز وجل : من يعمل سوءاً يجز به .
هذا آدم عليه السلام أكل لقمة فقد عرفتم ما جرى عليه .
قال وهب بن منبه : [ أوحى الله تعالى إليه ألم أصنعك لنفسي ، و أحللتك داري ، و أسجدت لك ملائكتي ، فعصيت أمري ، و نسيت عهدي ؟ ]
و عزتي لو ملأت الأرض كلهم مثلك ، يعبدون يسبحون في الليل و النهار ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين .
فنزع جبريل التاج عن رأسه ، و حل ميكائيل الإكليل عن جبينه ، و جذب بناصيته فأهبط .
فبكى آدم ثلاث مائة عام على جبل الهند تجري دموعه في أودية جبالها ، فنبتت بتلك المدامع أشجار طيبكم هذا .
و كذلك داود عليه السلام ، نظر نظرة فأوجبت عتابه و بكاءه الدائم ، حتى نبت العشب من دموعه .
و أما سليمان عليه السلام فإن قوماً إختصموا إليه فكان هواه مع أحد الخصمين ، فعوقب و تغير في أعين الناس ، و كان يقول : [ أطعموني فلا يطعم ] .
و أما يعقوب عليه السلام ، فإنه يقال إنه ذبح عجلاً بين يدي أمه ، فعوقب بفراق يوسف .
و أما يوسف عليه السلام فأخذ بالهم ، و كل واحد من إخوته ولد له إثنا عشر ولداً ، و نقص هو ولداً لتلك الهمة .
و أما أيوب عليه السلام فإنه قصر في الإنكار على ملك ظالم ، لأجل خيل كانت في ناحيته ، فابتلى .
و أما يونس عليه السلام فخرج عن قومه بغير إذن فالتقمه الحوت .
و أوحى الله عز وجل إلى أرميا : إن قومك تركوا الأمر الذي أكرمت به أباءهم ، و عزتي لأهيجن عليهم جنوداً لا يرحمون بكائهم .
فقال : يا رب هم ولد خليلك إبراهيم ، و أمة صفيك موسى ، و قوم نبيك داود ، فأوحى الله تعالى إليه : إنما أكرمت إبراهيم و موسى و داود بطاعتي ، و لو عصوني لأنزلتهم منازل العاصين .
و نظر بعض العباد شخصاً مستحسناً ، فقال له شيخه : ما هذا النظر ؟ ستجد غبه ، فنسى القرآن بعد أربعين سنة .
و قال آخر : قد عبت سخصاً قد ذهب بعض أسنانه ، فانتثرت أسناني .
و نظرت إلى امرأة لا تحل ، فنظر إلى زوجتي من لا أريد .
و كان بعض العاقين ضرب أباه و سحبه إلى مكان ، فقال له الأب : حسبك إلى ههنا سحبت أبي .
و قال ابن سيرين : عيرت رجلاً بالإفلاس فأفلست . و مثل هذا كثير .
و من أعجب ما سمعت فيه عن الوزير ابن حصير الملقب بالنظام أن المقتفي غضب عليه و أمر بأن يؤخذ منه عشرة آلاف دينار .
فدخل عليه أهله محزونين و قالوا له : من أين لك عشرة آلاف دينار ؟
فقال : ما يؤخذ مني عشرة و لا خمسة و لا أربعة .
قالوا : من أين لك ؟ قال : إني ظلمت رجلاً فألزمته ثلاثة آلاف فما يؤخذ مني أكثر منها .
فلما أدى ثلاثة آلاف دينار وقع الخليفة بإطلاقه و مسامحته في الباقي .
و أنا أقول عن نفسي : ما نزلت بي آفة أو غم أو ضيق صدر إلا بزلل أعرفه حتى
يمكننني أن أقول : هذا بالشيء الفلاني .
ربما تأولت في بعد ، فأرى العقوبة .
فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنوب ، فقل أن يسلم منه .
و ليجتهد في التوبة ، فقد روي في الحديث : ما من شيء أسرع لحاقاً بشيء من حسنة حديثة لذنب قديم .
و مع التوبة يكون خائفاً من المؤاخذة متوقعاً لها ، فإن الله تعالى قد تاب على الأنبياء عليهم السلام .
و في حديث الشفاعة يقول آدم : ذنبي ، و يقول إبراهيم و موسى : ذنبي .
فإن قال قائل : قوله تعالى : من يعمل سوءاً يجز به خبر ، فهو يقتضي ألا يجاوز عن مذنب ، وقد عرفنا قبول التوبة و الصفح عن الخاطئين .
فالجواب من وجهين : أحدهما : أن يحمل على من مات مصراً و لم يتب ، فإن التوبة تجب ما قبلها .
و الثاني : أنه على إطلاقه ، و هو الذي أختاره أنا و أستدل بالنقل و المعنى .
أما النقل ، فإنه لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر : يا رسول الله أو نجازي بكل ما نعمل ؟ فقال : ألست تمرض ؟ ألست تحزن ؟ أليس يصيبك البلاء ؟ فذلك ما تجزون به .
و أما المعنى فإن المؤمن إذا تاب و ندم ، كان أسفه على ذنبه في كل وقت أقوى من كل عقوبة .
فالويل لمن عرف مرارة الجزاء الدائم ، ثم آثر لذة المعصية لحظة .
تعليق