إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

علمتني الأيام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علمتني الأيام

    الحياة كنز العظة، ومخزن العِبَر، سواء في الماضي؛ حيث أعماقُ التاريخ السحيق، أو في الحاضر؛ حيث التجارب أكثر واقعيةً، وألصق معايشة.





    وحظُّ كافة البشر من دروس الحياة يكاد يكون متساويًا، إلا أن الاختلافَ بينهم بحسب إعمال الفكر في استخلاص الفوائد؛ لصَقْل مواهبنا الذاتية، وتدعيم خبراتنا الشخصية، فحظُّ الناسِ من الاستفادة من وقائع الأيام بقدر حظِّهم من تدبُّرِها وتحليلها، واستخراج عصارة تجاربها؛ لتكون وقودًا للأحداث والمواقف المستقبلة، أما مَن تمرُّ عليه صروف الأيام وهو غفلان، فهذا من أهل الهوان والخِذْلان، بل هو من العُميان؛ وقد قال الرحمن: ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].



    علَّمتني الأيام: أن ظهورَ القُبح ممن كنت تظنُّهم أهلاً لذلك إنما هو انتصارٌ لرَجاحة عقلك، وبُعْدِ نظرك، وجودة حُكْمِك على الخَلق، وما ظهر منهم إنما هو رسالة ربّانية بأنهم لا ينفعون وقت شدائدك وملمَّاتك، فلا تعوِّل عليهم كثيرًا.



    علَّمتني الأيام: ألا أجاهرَ بالعداوة أحدًا، فلأن أكسِبَ صديقًا خيرٌ لي من اكتسابِ عدو، ومن يدري؛ لعل الأيام تطول بي فأرى أني كنتُ مخطئًا في تلك العداوة، أو أحتاج - يومًا ما - إلى هذا الذي خسِرته جرّاء اندفاعي؟! وحينها لا ينفع الندم!



    علَّمتني الأيام: أن كل معصية إنما هي خصمٌ من رصيد راحتك وسكينتك وسعادتك في الدنيا والآخرة، وصدق إمامُ التابعين سعيدُ بن المسيب حيث يقول عن ذلك: "ما أكرمتِ العبادُ أنفسَها بمثل طاعة الله، ولا أهانت أنفسَها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرةً من الله - عز وجل - أن يرى عدوَّه يعمل بمعصية الله".



    علَّمتني الأيام: ألا أتحدثَ عن إنجازاتي الشخصية، بل أدَعُ الآخرين يتحدَّثون عنها، وما أصدقَ الإمامَ مالكًا حين قال: "إذا مدَحَ الرجلُ نفسَه ذهب بهاؤُه"!



    علمتني الأيام: أن أفرَّ من الفاشلين فراري من الأسد؛ فالفاشل كالذي يغرق في البحر، يتشبث بقوة بِمَن يُنقذه، حتى ولو كبَّل سواعده وأدَّى ذلك لغرقِهما معًا، والطبع لصٌّ كما يقولون.



    علمتني الأيام: أن انتقاءَ الكلمات واختيار الألفاظ مِن شِيَم العقلاء، وسلوك النُّجَباء، الذين ينتقون الكلام كما تُنتَقى أطايبُ الثمر، إن التسرُّع في إطلاق لفظٍ غير مسؤول يمكن - وبسهولة - أن يغيِّر نفسيةَ المتلقِّي، وتخسره وأنت لا تدري، فتجده صَعْبَ المِراس، سيئ التواصل، يتصيد لك الأخطاءَ، حتى ولو دقَّت أو صغرت، وكما قال الشاعر:


    وعين الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ
    ولكنَّ عينَ السُّخط تُبْدي المساويا


    علمتني الأيام: أن الناس مُولَعون دائمًا بالغرائب والمبالغات والتشدد، وقد يكون هذا جليًّا في الوصفات الشَّعبية العُشْبية؛ حيث يبالغون في قدرة عُشب معيَّن، أو عطار مخصوص على تحقيق الشفاء وبلوغ المراد، هذا فضلاً عن المبالغة في وصف الأحداث؛ لإضفاء المزيد من الإثارة، والظهور بمظهر المثقف العميق، أو المحلل البعيد الرؤية المتابع للأحداث، وقليل ما هم الذين يُلزمون أنفسَهم بالتحرِّي والتثبُّت قبل نقل الأخبار، فإذا رأيت أمثال هؤلاء، فعَضَّ عليهم بالنواجذ؛ لأن مجاورة الأُمَناء سِمةُ الفضلاء.



    علمتني الأيام: أن اكتسابَ الآخرين لا يكون إلا بنُكْران الذات، والاهتمام بهم، والانخراط في مشاكلهم، والاستماع لشكواهم وخوالج صدورهم، والسعي في قضاء حوائجهم، إنك إذا منحتَ نفسَك للآخرين ملَكْتَ قلوبهم.



    علمتني الأيام: أن من الناس مَن لا يؤثِّر فيهم الجميل، ولا تملِكُهم بالإحسان؛ بل وقد يقابلون أياديَك بالجحود، ولا يعرفون غيرَ لغة الشكوى ومفردات التسخط، وهؤلاء حُمَّى الأرواح ومنبع الأسقام، ومن لا يشكر الناسَ لا يشكر اللهَ تعالى.



    علمتني الأيام: أن الإنجازاتِ من أجمل أطايب الدنيا، وأنها الوحيدة التي تهوِّن انفلاتَ لحظات العمر من بين أيدينا، فما أجمل أن تضع رأسَك على الوسادة آخر اليوم وترصد إنجازاتك بين عملٍ مثمر يصون عِرْضَك عن ذل السؤال، وصلاةٍ أديتَها، وصدقة أخرجتها، ورحِمٍ وصلتها، وحاجة لضعيف قضيتها، إن برد الحسنات يقع على القلب المكلوم فيطفئ لهيبَ عِلَّتِه، ويزرع بين جنبات الصدر سكينةً طيبة الإحساس؛ فاحزم أمرك، ورتِّب أوراقك، وتعامل مع أحداث الحياة بإيجابية، تدخل إلى السعادة في الدنيا من أعظم أبوابها، ألا وهو باب: "الرضا عن النفس".




    علمتني الأيام: أن أهمَّ أسرار السعادة الزوجية قضية "الإعفاف"؛ فهي المقصودُ الأعظم للزواج، وهذا سر الإشكالية، والقضية الجوهرية التي لا يفهمها غالبُ النِّساء، حدثني واحد ممن تزوج بخادمة وليست أنثى وسَكنًا تُتقن فنونَ التجمُّل - حدثني قائلاً: إنه ما أن تقع عيناه مصادفةً على امرأة متبرِّجة في الشارع قد اهتمت بكل تفاصيلِ أنوثتها إلا وينزف قلبُه حسرةً وألَمًا، وآخر أسرَّ لي أنه متزوِّجٌ من سبع وعشرين سنة ولم يتذكر مرة أنه أراد زوجتَه بطريقة هادئة وسلِسة، بل لا بد من مناورات ومشاورات، وكرٍّ وفرٍّ، والغلبة لمن يتقن السيطرة على الموقف لصالحه، ويحول دون هروب الطرف الآخر من تحقيق مراده؛ فهذا طالب وهذه هاربة، والعِبْرة بفنون المكر والدهاء، بالله عليكم هل هذه حياة؟ فلا عجب بعد هذا أن تسمع حديثًا نبويًّا في أنهن أكثرُ أهل النار.

    علمتني الأيام: أن مِن الناس مَن كثُر عِلمه وقل عَقْلُه، ومنهم من قل عِلمه وكبُر عقلُه، والسعيد من كثُر عِلمه وكبُر عقلُه، فهو يتعامل مع المواقف بحِكْمة وعقلانية وحصافة، يقود دفتها نورُ المعرفة، وما أرجحَها من قيادة، وأسعدَه من زمام!

    علمتني الأيام: أن العمل المميَّز أعداؤُه كثُر، ومنتقدوه أكثر وأكثر؛ ذلك لأن قيمته فريدة، وقدرتَه المبتكرة على إثبات نفسه، وكسرِ المألوف، وبراعتَه في التجديد - منقطعةُ النظير، فمن الطبيعي أن يَلفت انتباه الناقدين، ويثير حفيظةَ المحلِّلين، ويكشف حقد الحاقدين والغَيُورين، لكن بعد كل هذا التمحيص يبقى بريقُه أبد الآبدين، لما ظهرت "قناة الجزيرة" في سماء الإعلام العربي حرَّكت الكثيرَ من المياه الراكدة في مجتمعاتنا العربية الآسنة، وقال المأجورون فيها الكثيرَ على شاشات القنوات الحكومية الرسمية في مختلف البلدان العربية، بعد كل هذا تلاشت كلُّ هذه السحب السوداء، وبقِيت الجزيرة في صورة قشيبة رائدة؛ لأنها مسَّت قضايا الشعوب في الصميم دون الالتفات للمجاملات والشعارات، حتى إنها تعد مرحلة فارقة في حياة الإعلام العربي، وصرنا نصنِّف حياة الإعلام بفترة ما قبل الجزيرة، وفترة ما بعد الجزيرة، وما لبثت الكثير من القنوات الفضائية تقلِّدها؛ ولكن هيهات، وهكذا صارت الجزيرةُ القناةَ الإخبارية الأولى بامتياز، يشاهد حصادَها الإخباريَّ اليومي أكثرُ من 60 مليون نسمة، ويدخل على موقعها على النت ملايين وملايين من مختلف أرجاء المعمورة.

    علمتني الأيام: أن الطرق التقليدية رغم أنها بطيئةٌ وتستنزف الوقت والجهد؛ فإنها لا تخلو من بعض الفوائد، في كثير من الأحيان وأنا أطالع الكتب في مختلف نواحي المعرفة أجد دُررًا من الأقوال، وروائعَ من الأحداث الجديرة بالتدوين، فعزمت على أن أرصدها وأعيدَ نقلها على حاسوبي الشخصي بصفِّ حروفها حرفًا حرفًا، بصرف النظر عن قِصَرها أو طولها في بعض الأحيان الذي قد يصل لصفحات، كان العمل مضنيًا، وصفُّ الحروف مملٌّ لأبعد غاية، إلا أنني بعد فترة حصَّلت فوائدَ أكثر من رائعة، فلقد تسارعت أناملي على لوحة مفاتيح الحاسوب بشكل غير عادي، وصرتُ أضرب عليها بتلقائية وسلاسة بعدما كنت في السابق أتعب في البحث عن كل حرف، كما أنني صرتُ لا أعبأ بطول الفقرات؛ فالتدوين صار عندي مَلَكةً راقية لا تلتفت لطول الكلمات، بل التفاتها لروعة المعنى، هذا فضلاً عن أن العيشَ مع الروائع الفكرية بتمهُّل حرفًا حرفًا وكلمة كلمة يجعلك تستمتعُ بها أكثر، وتستفيدُ منها أكبر، ولا ننسى بركة نشرها على النت واستفادة الناس منها.

    علمتني الأيام: ألا أعطيَ قبل أن أملكَ القدرة على العطاء، في بواكير الصِّبا فكرت أن أكتبَ مذكراتي، وأرصد يوميًّا الأحداثَ التي تمر بي في أجندة خاصة، لكن لما عزمت على الأمر، وبدأت بالفعل، وجدت أن أحداثي اليومية وقتَها باهتةٌ وشبهُ عادية، تخلو من عِبْرة تُذكَر، أو فكرة تُسرَد؛ لكن لما تقدم بي السن وجاوزت الأربعين، وجدت من رصيد الذكريات وحصيلة التجارِب ما هو جديرٌ بالتدوين، وأن العطاء المعرفي أو المادي لا بد له من رصيد ثمين؛ كي يليقَ في قيمته بالعطاء كقيمة سامية.

    علمتني الأيام: أن المرضَ إذا تجاهلتَه فلن يتجاهلَك، وأن المشكلةَ إذا أهملتها كبرت أكثرَ مما تتوقع؛ فاحزِمْ أمرَك، وتفقَّد أحوالك، وفتِّشْ عن مكامن الخلل، تُوهبْ لك آفاق النجاح.
    علمتني الأيام: أن الفرصةَ قد تأتي أكثر من مرة، عكس ما يتوهم الكثير من أنها لا تأتي إلا مرة واحدة، في رحلتي الأولى للعمرة حرَصت على قراءة كتب الفقه عن أحكام العمرة بتفصيل وتركيز منقطعِ النظير؛ كي يتسنى لي أداء عمرة نموذجية على هَدْي النبوّة، رجاءَ القبول والمغفرة من الكريم الوهَّاب، كنتُ أطوف حول الكعبة، وإذا بشابٍّ ملتصق بجدارها ومعه زجاجة طِيب يأخذ منها ويدهن جدار البيت العتيق، أدركت حينها أنه قد فاتني شيءٌ مهم وتمنَّيت صنيعه، ثم ما لبثتُ أن منَّ الله - تعالى - برحلة الحج بسرعة لم أكن أتوقعها، حينها أيقنت أن فرصتي قد عادت مرة أخرى، وبالفعل جهزت زجاجة الطيب وطيَّبت الكعبة، وحقق اللهُ لي الأمنية الغالية، التي أرجو قبولَها من الكريم المنان.

    علمتني الأيام: أن الوجود في حياة البشر هو الذي يخلق المكانة العظيمة في نفوسهم، وأن القعقعة لا تجذب اهتمامَ المحيطين، حتى ولو علا ضجيجُها، فأنا شخصيًّا لا أعرف - مثلاً - اسم وزير التعليم العالي والبحث العلمي؛ لأني أعيش في بلد المنتجات الصينية فيها أشبهُ بالسرطان الذي استشرى بالجسد، كما أني لا أعرف اسم وزير البيئة، ومعدلات التلوث في الهواء عندنا وصلت لأربعين ضعف المعدلات العالمية؛ بل إنني لا أعرف اسم وكيل الوزارة الذي يترأس القطاع الوظيفي الذي أعمل به؛ لأنني – وببساطة - لم أجده يومًا يسهر على راحتي، ويسعى في خدمتي، وفي المقابل تشدني أخبار إنجازات البلدان، وتراودني أحلام السفر إلى اليابان، إنه من السهل على الإنسان أن يتبوَّأَ أعلى الأمكنة والمناصب، ولكنه من الصعب أن يحتلَّ مكانةً في القلوب، وهذا هو السر الحقيقي للنفوس الكبيرة.

    علمتني الأيام: أن الحياة بها مفارقات أعجبُ من العجب؛ ففي ظل حالة السبات والخنوع العربي لا يقرع إسرائيل بالعصا إلا (حسن نصر الله) الشيعي الذي يتعبد إلى الله - تعالى - بسبِّ الشيخين وسائر الصحابة إلا أربعة بزعمه.


    كما أن الذي يملِك الطموح النووي والرغبة الجامحة في التقدم الدولي دولةُ إيران الشيعية التي تنام وتصحو على حُلْم تصدير الثورة، التي ترتكز على أمورٍ هي من الكفر البواح بمكان، وصدق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((إن الله ليؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر)).

    علمتني الأيام: أن البدايات دومًا تكون متعثرة وشاقة، وأن دواء العثرةِ المثابرةُ لا التراجع أو اليأس أو القنوط، فبعد العسر يأتي دومًا اليسر بإذن الله تعالى؛ حيث تتحسن المهارات، وتظهر القدرات الخلاَّقة والمبدعة، وما دام أحدٌ من البشر أحسَنَ أيَّ أمر تخوض فيه، فثِقْ دومًا بأنك مثله، قادر على إتقانه كما أتقنه أسلافك.

    علمتني الأيام: أنني في الدنيا وحدي، وأن الاعتماد المُفرِط على الغير ضربٌ من الوهم، ما أحد يشعر بك أكثر من ذاتك التي بين جنبيك، أما لغة التضحية فصارت لا تعرفها قواميس العصر، ويندر من تجده يجتهد لسعادتك؛ ربما لأني لا أستحقُّ أن يوجد بحياتي هذا الشخص، وربما لأن هذا الشخص غيرُ موجود في الواقع الذي تعيش فيه من الأساس، على العموم: لا يحكُّ جلدَك مثلُ ظُفرك.

    علمتني الأيام: أن للفكر دومًا صولةً وللهمَّة جولة، ولحظات الانتفاضة يمكن أن تكون قاسية على النفس، لكن مَن منا يبغي التغيير للأفضل دون أن يدفع الثمن؟! حتى باتت المشقة لذة، ليست لذة حاضرة، ولكنها لذة مستقبلة، نستشعرها حين نحل بساحات الوصول للهدف.

    علمتني الأيام: أن أكثر شيء يزعج الآخرين منك هو اقتحام خصوصياتهم، والتفتيش في أحوالهم ومدَّخراتهم ومكنون أسرارهم، إنه نوع مؤلم من هتك الأستار، وجرح الأخيار الذين ندَّعي محبتهم، ونرى هذا الاقتحام نوعًا من الاطمئنان عليهم، وهيهات أن يقنع هذا المبرِّر أي عاقل، فمن حسن إسلام المرء تركُه ما لا يَعْنيه.








    شبكة الالوكة




يعمل...
X