السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى من يردون أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
جنابه مصان
ومع كل أذان صلاة يرفع له ذكرا بين الورى
ومن مثل محمد صلى الله عليه وسلم؟!!!
والتحق بالرفيق الأعلى
وهو صاحب اللواء المعقود
والشفاعة العظمى
ولقد صبر على الأذى كثيرا
في سبيل دعوته وتبيلغ رسالة ربه
عن أمنا عائشة -رضي الله عنها- أنَّها قالت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم
هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحُدٍ؟ قال
"لقَد لقيتُ من قومِك، وكان أشدَّ ما لقيتُ منهم يوم العقبة، إذْ عرَضْتُ نفسي على ابن عبد ياليلَ بن عبد كلالٍ
فلم يُجِبْني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفق إلاَّ وأنا بقرن الثَّعالب
فرفعتُ رأسي، وإذا أنا بسحابةٍ قد أظلَّتْني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل عليه السَّلام فناداني، فقال
إنَّ الله تعالى قد سمع قول قومك لك
وما ردُّوا عليك وقد بعث إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملكُ الجبال،
فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد، إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَكُ الجبال
وقد بعثني ربِّي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؛ إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبَيْن".
فقال النبِيُّ صلى الله عليه وسلم
"بل أرجو أن يُخْرِج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئًا" (متفقٌ عليه)
إنه الرحمة المهداة
هذه الكلمات خرجت من فيه الشريف
بعد رحلة الصبر عظيم
لأنه بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته أمنا خديجة رضي الله عنها
كثر إيذاء المشركين له
فلقد أسرفوا في إيذائه إسرافًا بعيدًا عن الكرامة والإنسانية
فقد كان النبِيُّ صلى الله عليه وسلم يمرُّ في السوق
فيَنْثرون على رأسه الشريف التُّراب
فيذهب الصابر المحتسب إلى بيته فتغسله السيدة فاطمة
ويدور الحوار التالي بينه وبينها وعمرها آنذاك ثلاث عشرة سنة
تسأله السيدة فاطمة وهي تبكي
ما هذا الذي أرى يا أبتاه؟
وتمرح الابتسامة النبويَّةُ على شفتيه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لها
"لا تَبْكي يا بُنيَّة، إنَّ الله مانِعٌ أباك".
نعم.. هذا هو نداء الحقِّ الذي لا يتزعزع
هذا هو الثَّبات على المبدأ والعقيدة
وتظَلُّ السيِّدة فاطمة تبكي وتقول له
وهل يَبقى هذا يتبعك يا أبتاه؟
فيردُّ عليها النبِيُّ صلى الله عليه وسلم
"سأغادر مكَّة يا فاطمة"..
إلى أين يا أبتَاه؟
"إلى مكانٍ يُسمَع فيه صوت الحق
ويعينني على أعدائي".
حتَّى إنَّه صلى الله عليه وسلم صوَّرَ هذه الحقيقة
بقوله "ما نالت منِّي قريشٌ شيئًا أكرهه حتَّى مات أبو طالب".
فقرَّر النبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَخرج بالدَّعوة من مكة إلى الطائف
لعلَّه يجد بينهم من يؤمن بهذه الرِّسالة الخالدة
ويطلب النُّصرة والعونَ من أهلها
ويَرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عندِ الله تعالى
ولكن كيف وصل النبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف؟
كيف استطاعَ أن يقطع كلَّ هذه المسافة؟
أو هل سار على الأقل على بعيرٍ أصيل؟
لا إنَّما سار إلى الطائف على قدمَيْه الشريفتين..
وتصوَّروا المشقة التي لاقَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة من مكة إلى الطائف
والطائف تبعد عن مكةَ المكرَّمةِ حوالي أكثر من خمسة وثمانين كيلو مترًا
وكل هذه المتاعب والمِحَن والشدائد من أجل ماذا؟
هل من أجل الحصول على الجاه؟
هل من أجل الحصول على المنصب؟
هل من أجل الحصول على المال؟
هل من أجل الحصول على الملذَّات والشهوات؟
هل من أجل الحصول على الشُّهرة؟
لا بل من أجل أن يُخرِج النَّاس من الظلمات إلى النور
ومن أجل الدِّين والعقيدة
وفي الطَّائف التي وصَلَها صلى الله عليه وسلم
بعد جهدٍ طويل يتعرَّض لبلاءٍ أكبر
لقد التقى بنفَرٍ من سادة ثقيف فجلس إليهم ودعاهم إلى الله
وإلى الدين الجديد وعرض عليهم المهمَّة التي جاء من أجلها
وطلب منهم السَّند والعون
ولكن أهل الطائف لَم يكونوا أشرفَ مِن سادة قريش
فقد ردُّوه ردًّا عنيفًا
وكيف تقبل ثقيف دعوته
وعندهم صنَمُهم المعبود المقدَّس (اللات)
الذي تزوره العرَبُ أيام الصيف الحارِّ في الطائف فتستفيد ثقيف منهم؟
أمَّا لو دخَلوا في دين الإسلام
فلن يَزورهم أحد
وسيُحرَمون من الأرباح الطائلة
فكيف تقبل ثقيف دعوتَه؟
كيف يَقْبلون دعوته وهو يدعوهم إلى مبدأ المُساواة بين العبيد والسَّادة
وإزالة تجارة الرِّبا؟
أهل الطائف عرفوا أن دين الإسلام سيَضرب مصالحهم الماديَّة
لذلك ردُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ردًّا عنيفًا
وسَخِروا منه واستهزءوا به
قال له أحدهم هو يَمْرُط (أي: أُمَزِّق) ثيابَ الكعبة إنْ كان الله أرسلَك
وقال الآخَر
أمَا وجَدَ الله أحدًا يرسله غيرك؟
وقال الثَّالث
والله لا أكلِّمك أبدًا
لئن كنتَ رسولاً من الله كما تقول لأنتَ أعظمُ خطرًا من أن أردَّ عليك الكلام
ولئن كنتَ تكذب على الله (وحاشا رسول الله من الكذب وهو الصادق الأمين) ما ينبغي لي أن أكلِّمك!
سيد الخلق صلى الله عليه وسلم تحمل كثيرا في سبيل دعوته
رجلٌ غريبٌ وحيد بعيدٌ عن أهله وعشيرته ووطنِه
يُصنَع به كل هذا ماذا يكون موقفه؟
وكيف تكون حالته؟
ولكن رسول صلى الله عليه وسلم لَم يترك دعوته
بل مكث عشرة أيَّام في الطائف يتردَّدُ على مَنازلِهم
يدعوهم إلى دين التوحيد ولكن دون فائدة
لقدأرسلوا رسولَهم إلى مكَّة
لِيُخبر طواغيتها وشياطينها بما حصل لِمُحمَّد في الطائف
ولَم يكتفوا بهذا بل تخلَّوا عن أخلاق العرب كلها
فسلَّطوا عليه الصِّبيان والعبيد والسُّفهاءووقفوا صفَّيْن
وأخذوا يرمونه بالحجارة ويسخرون منه ويسبُّونه بأقبح السباب والشتائم
من يطيق كل هذا
حتَّى إنَّه صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع قدَمًاولا يضعها
إلاَّ على الحجارة وسالت الدِّماء من قدَميْه الشريفتين
وشجَّ رأس سيدنا زيد بن حارثة -رضي الله عنه-
الذي حاول الدِّفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وألْجأ السُّفهاءُ والصبيانُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
إلى بستانٍ لعُتبة وشيبة ابنَيْ ربيعة
ولم يَجِد النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جلس
والدماء تَنْزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين
إلاَّ أن يتوجه إلى ربِّه،وراح النبِيُّ صلى الله عليه وسلم يتذكر أصحابَه الذين يُجلَدون ويُعذَّبون في مكة
وتذكَّر خديجة وتذكَّر أبا طالب
فلم يجد بُدًّا من أن يرفع هذه الشَّكوى إلى الله
ولكن يا تُرى بِمَ سيدعو النبِيُّ على الطائف؟
بِم سيدعو على الذين طاردوه وسبُّوه وأدمَوْا قدميه بالحجارة؟
لنستمع معًا إلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه
"اللَّهمَّ إليك أشكو ضَعْف قوَّتي، وقلَّة حيلتي،
وهواني على النَّاس، يا أرحم الرَّاحمين، أنتَ ربُّ المستضعفين وأنت ربِّي، إلى من تَكِلُني؟
إلى بعيدٍ يتجهَّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمري؟
إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الَّذي أشرقَتْ له الظُّلمات،
وصلحَ عليه أمر الدُّنيا والآخرة مِن أن تُنْزِل بي غضبك، أو يحلَّ عليَّ سخطك، لك العُتْبَى حتَّى ترضى، ولا حول ولا قوَّة إلا بك".
(أسَمِعتم إلى دعاءِ الذي وصَفَه ربُّه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
لَم يطلب من الله أن ينتقم منهم
وأن يسيل دماءهم وألا يُبقِي على أرض الطائف من الكافرين ديَّارًا..
بل لَم نسمع كلمة ذمٍّ واحدة على الذين طاردوه وسبُّوه وأدموا قدميه بالحجارة!!
كان كلُّ هَمِّه صلى الله عليه وسلم في تلك اللَّحظة هو ألا يكون قد غضب الله عليه!!
وفي هذه الرحلة الطويلة
أسلم عداس رضي الله عنه
إنَّ في إسلامه مواساةً للنبِيِّ صلى الله عليه وسلم
فلَئِن آذاه قومُه فهذا من العراق من نينوى يقبِّل يديه ورجليه
ويَشهد له بالرسالة ويُسْلِم
وكأنَّه يعتذر عن إيذاء أولئك السُّفهاء فبعد الصدِّ والإعراض من قومه
يأتي مَن يؤمن به صلى الله عليه وسلم مِن تلك البلاد البعيدة
السيرة دروس وعبر
لكل أصحاب دعوة حق
لكل صاحب رسالة
اصبر واحتسب ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة
خروجه صلى الله عليه وسلم لطائف
رسالة لكل صاحب رسالة
ابحث لك عن وطن جديد لدعوتك
تحرك
ولا ينتابك الاحباط ولا اليأس
وسيكون لسعيك وجهدك ثمرا
ربما تراه وربما لا
إيذاء المشركين رسالة لك
لن تجد الطريق سهلا
بل ستجد هناك عقبات كؤود
وطن نفسك على الصبر والمجاهدة مهما لقيت من مصاعب
اسلام عداس رضي الله عنه
هو جبرا للخاطر
ومستحيل وألف مستحيل
أن يضيع جهد مصلح يريد خيرا واصلاحا
وكان ختامه
جائزة الملك
التي لم يبلغها عبد من قبل ولا من بعده
انه الاسراء والمعراج
استمر
ولا يفل من عزمك قلة الصحاب
ولا تغتر بكثرتهم
فمعية رب الأرض والسماء خير وأبقى
ويحلو المسير
ولابد من الرفقة
مع من صدقوا في حبهم لله عزوجل
وكانت صحبتهم في الله
وجزاكم الله خيرا
إلى من يردون أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
جنابه مصان
ومع كل أذان صلاة يرفع له ذكرا بين الورى
ومن مثل محمد صلى الله عليه وسلم؟!!!
والتحق بالرفيق الأعلى
وهو صاحب اللواء المعقود
والشفاعة العظمى
ولقد صبر على الأذى كثيرا
في سبيل دعوته وتبيلغ رسالة ربه
عن أمنا عائشة -رضي الله عنها- أنَّها قالت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم
هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحُدٍ؟ قال
"لقَد لقيتُ من قومِك، وكان أشدَّ ما لقيتُ منهم يوم العقبة، إذْ عرَضْتُ نفسي على ابن عبد ياليلَ بن عبد كلالٍ
فلم يُجِبْني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفق إلاَّ وأنا بقرن الثَّعالب
فرفعتُ رأسي، وإذا أنا بسحابةٍ قد أظلَّتْني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل عليه السَّلام فناداني، فقال
إنَّ الله تعالى قد سمع قول قومك لك
وما ردُّوا عليك وقد بعث إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملكُ الجبال،
فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد، إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَكُ الجبال
وقد بعثني ربِّي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؛ إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبَيْن".
فقال النبِيُّ صلى الله عليه وسلم
"بل أرجو أن يُخْرِج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئًا" (متفقٌ عليه)
إنه الرحمة المهداة
هذه الكلمات خرجت من فيه الشريف
بعد رحلة الصبر عظيم
لأنه بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته أمنا خديجة رضي الله عنها
كثر إيذاء المشركين له
فلقد أسرفوا في إيذائه إسرافًا بعيدًا عن الكرامة والإنسانية
فقد كان النبِيُّ صلى الله عليه وسلم يمرُّ في السوق
فيَنْثرون على رأسه الشريف التُّراب
فيذهب الصابر المحتسب إلى بيته فتغسله السيدة فاطمة
ويدور الحوار التالي بينه وبينها وعمرها آنذاك ثلاث عشرة سنة
تسأله السيدة فاطمة وهي تبكي
ما هذا الذي أرى يا أبتاه؟
وتمرح الابتسامة النبويَّةُ على شفتيه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لها
"لا تَبْكي يا بُنيَّة، إنَّ الله مانِعٌ أباك".
نعم.. هذا هو نداء الحقِّ الذي لا يتزعزع
هذا هو الثَّبات على المبدأ والعقيدة
وتظَلُّ السيِّدة فاطمة تبكي وتقول له
وهل يَبقى هذا يتبعك يا أبتاه؟
فيردُّ عليها النبِيُّ صلى الله عليه وسلم
"سأغادر مكَّة يا فاطمة"..
إلى أين يا أبتَاه؟
"إلى مكانٍ يُسمَع فيه صوت الحق
ويعينني على أعدائي".
حتَّى إنَّه صلى الله عليه وسلم صوَّرَ هذه الحقيقة
بقوله "ما نالت منِّي قريشٌ شيئًا أكرهه حتَّى مات أبو طالب".
فقرَّر النبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَخرج بالدَّعوة من مكة إلى الطائف
لعلَّه يجد بينهم من يؤمن بهذه الرِّسالة الخالدة
ويطلب النُّصرة والعونَ من أهلها
ويَرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عندِ الله تعالى
ولكن كيف وصل النبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف؟
كيف استطاعَ أن يقطع كلَّ هذه المسافة؟
أو هل سار على الأقل على بعيرٍ أصيل؟
لا إنَّما سار إلى الطائف على قدمَيْه الشريفتين..
وتصوَّروا المشقة التي لاقَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة من مكة إلى الطائف
والطائف تبعد عن مكةَ المكرَّمةِ حوالي أكثر من خمسة وثمانين كيلو مترًا
وكل هذه المتاعب والمِحَن والشدائد من أجل ماذا؟
هل من أجل الحصول على الجاه؟
هل من أجل الحصول على المنصب؟
هل من أجل الحصول على المال؟
هل من أجل الحصول على الملذَّات والشهوات؟
هل من أجل الحصول على الشُّهرة؟
لا بل من أجل أن يُخرِج النَّاس من الظلمات إلى النور
ومن أجل الدِّين والعقيدة
وفي الطَّائف التي وصَلَها صلى الله عليه وسلم
بعد جهدٍ طويل يتعرَّض لبلاءٍ أكبر
لقد التقى بنفَرٍ من سادة ثقيف فجلس إليهم ودعاهم إلى الله
وإلى الدين الجديد وعرض عليهم المهمَّة التي جاء من أجلها
وطلب منهم السَّند والعون
ولكن أهل الطائف لَم يكونوا أشرفَ مِن سادة قريش
فقد ردُّوه ردًّا عنيفًا
وكيف تقبل ثقيف دعوته
وعندهم صنَمُهم المعبود المقدَّس (اللات)
الذي تزوره العرَبُ أيام الصيف الحارِّ في الطائف فتستفيد ثقيف منهم؟
أمَّا لو دخَلوا في دين الإسلام
فلن يَزورهم أحد
وسيُحرَمون من الأرباح الطائلة
فكيف تقبل ثقيف دعوتَه؟
كيف يَقْبلون دعوته وهو يدعوهم إلى مبدأ المُساواة بين العبيد والسَّادة
وإزالة تجارة الرِّبا؟
أهل الطائف عرفوا أن دين الإسلام سيَضرب مصالحهم الماديَّة
لذلك ردُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ردًّا عنيفًا
وسَخِروا منه واستهزءوا به
قال له أحدهم هو يَمْرُط (أي: أُمَزِّق) ثيابَ الكعبة إنْ كان الله أرسلَك
وقال الآخَر
أمَا وجَدَ الله أحدًا يرسله غيرك؟
وقال الثَّالث
والله لا أكلِّمك أبدًا
لئن كنتَ رسولاً من الله كما تقول لأنتَ أعظمُ خطرًا من أن أردَّ عليك الكلام
ولئن كنتَ تكذب على الله (وحاشا رسول الله من الكذب وهو الصادق الأمين) ما ينبغي لي أن أكلِّمك!
سيد الخلق صلى الله عليه وسلم تحمل كثيرا في سبيل دعوته
رجلٌ غريبٌ وحيد بعيدٌ عن أهله وعشيرته ووطنِه
يُصنَع به كل هذا ماذا يكون موقفه؟
وكيف تكون حالته؟
ولكن رسول صلى الله عليه وسلم لَم يترك دعوته
بل مكث عشرة أيَّام في الطائف يتردَّدُ على مَنازلِهم
يدعوهم إلى دين التوحيد ولكن دون فائدة
لقدأرسلوا رسولَهم إلى مكَّة
لِيُخبر طواغيتها وشياطينها بما حصل لِمُحمَّد في الطائف
ولَم يكتفوا بهذا بل تخلَّوا عن أخلاق العرب كلها
فسلَّطوا عليه الصِّبيان والعبيد والسُّفهاءووقفوا صفَّيْن
وأخذوا يرمونه بالحجارة ويسخرون منه ويسبُّونه بأقبح السباب والشتائم
من يطيق كل هذا
حتَّى إنَّه صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع قدَمًاولا يضعها
إلاَّ على الحجارة وسالت الدِّماء من قدَميْه الشريفتين
وشجَّ رأس سيدنا زيد بن حارثة -رضي الله عنه-
الذي حاول الدِّفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وألْجأ السُّفهاءُ والصبيانُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
إلى بستانٍ لعُتبة وشيبة ابنَيْ ربيعة
ولم يَجِد النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جلس
والدماء تَنْزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين
إلاَّ أن يتوجه إلى ربِّه،وراح النبِيُّ صلى الله عليه وسلم يتذكر أصحابَه الذين يُجلَدون ويُعذَّبون في مكة
وتذكَّر خديجة وتذكَّر أبا طالب
فلم يجد بُدًّا من أن يرفع هذه الشَّكوى إلى الله
ولكن يا تُرى بِمَ سيدعو النبِيُّ على الطائف؟
بِم سيدعو على الذين طاردوه وسبُّوه وأدمَوْا قدميه بالحجارة؟
لنستمع معًا إلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه
"اللَّهمَّ إليك أشكو ضَعْف قوَّتي، وقلَّة حيلتي،
وهواني على النَّاس، يا أرحم الرَّاحمين، أنتَ ربُّ المستضعفين وأنت ربِّي، إلى من تَكِلُني؟
إلى بعيدٍ يتجهَّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمري؟
إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الَّذي أشرقَتْ له الظُّلمات،
وصلحَ عليه أمر الدُّنيا والآخرة مِن أن تُنْزِل بي غضبك، أو يحلَّ عليَّ سخطك، لك العُتْبَى حتَّى ترضى، ولا حول ولا قوَّة إلا بك".
(أسَمِعتم إلى دعاءِ الذي وصَفَه ربُّه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
لَم يطلب من الله أن ينتقم منهم
وأن يسيل دماءهم وألا يُبقِي على أرض الطائف من الكافرين ديَّارًا..
بل لَم نسمع كلمة ذمٍّ واحدة على الذين طاردوه وسبُّوه وأدموا قدميه بالحجارة!!
كان كلُّ هَمِّه صلى الله عليه وسلم في تلك اللَّحظة هو ألا يكون قد غضب الله عليه!!
وفي هذه الرحلة الطويلة
أسلم عداس رضي الله عنه
إنَّ في إسلامه مواساةً للنبِيِّ صلى الله عليه وسلم
فلَئِن آذاه قومُه فهذا من العراق من نينوى يقبِّل يديه ورجليه
ويَشهد له بالرسالة ويُسْلِم
وكأنَّه يعتذر عن إيذاء أولئك السُّفهاء فبعد الصدِّ والإعراض من قومه
يأتي مَن يؤمن به صلى الله عليه وسلم مِن تلك البلاد البعيدة
السيرة دروس وعبر
لكل أصحاب دعوة حق
لكل صاحب رسالة
اصبر واحتسب ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة
خروجه صلى الله عليه وسلم لطائف
رسالة لكل صاحب رسالة
ابحث لك عن وطن جديد لدعوتك
تحرك
ولا ينتابك الاحباط ولا اليأس
وسيكون لسعيك وجهدك ثمرا
ربما تراه وربما لا
إيذاء المشركين رسالة لك
لن تجد الطريق سهلا
بل ستجد هناك عقبات كؤود
وطن نفسك على الصبر والمجاهدة مهما لقيت من مصاعب
اسلام عداس رضي الله عنه
هو جبرا للخاطر
ومستحيل وألف مستحيل
أن يضيع جهد مصلح يريد خيرا واصلاحا
وكان ختامه
جائزة الملك
التي لم يبلغها عبد من قبل ولا من بعده
انه الاسراء والمعراج
استمر
ولا يفل من عزمك قلة الصحاب
ولا تغتر بكثرتهم
فمعية رب الأرض والسماء خير وأبقى
ويحلو المسير
ولابد من الرفقة
مع من صدقوا في حبهم لله عزوجل
وكانت صحبتهم في الله
وجزاكم الله خيرا
تعليق