السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يموت أقوام وتبلى الأجساد
ولكن فئة ربانية
تبقى ذكراهم حية خالدة بين الأنام
وتتنزل على قبورهم الرحمات
وتبقى أعمالهم
كالنهر الجاري نفعا وانتفاعا وبركة ورحمة عليهم وعلى العباد
من بينهم الشيخ الفاضل الدكتور فريد الأنصاري
وأحسبه على خير ولا أزكي على الله أحد
ولكن أعماله شاهدة على ذلك
وكان كما كان دائما يقول الفضل كله للمربي في حياته
منقول
إن الدكتور كانت له مسيرته البحثية الأكاديمية موفقة
والتي تتجاوز أكثر من عقد من الزمن، صاحب فيها علم أصول الفقه والشاطبي ومصطلحاته،
والملفت للنظر أن يكون الإشراف في جميع البحوث للشيخ العلامة الشاهد البوشيخي
ولذلك عند قول الأنصاري في كتاباته «الأستاذ» دون أن يسمي من هو هذا الأستاذ
فالمقصود به البوشيخي، فهو مربيه وأستاذه
أثمرت هذه الصحبة لمربيه معاني وجدانية عميقة ومنهجيات علمية دقيقة
وليس غريبا أن يقول البوشيخي مقدما لأطروحة الأنصاري في الدكتوراه المصطلح الأصولي
عند الشاطبي: “إن فريدا الفريد لم يكد يخلق إلا للعلم والبحث العلمي»
ويقول الأنصاري في حق أستاذه:
« لعمري لقد هذب وربى، وعلم فأربى.
نهلت من علمه، وتشبهت بخلقه، ونشأت على فكرته، وتخرجت من معهده»
«والمقصود بالمعهد معهد الدراسات المصطلحية بكلية الآداب ظهر المهراز
الذي أسسه البوشيخي مع ثلة من تلامذته سنة 1993.
ويتضح من خلال تجربته البحثية أن التضلع في المعرفة الإسلامية
لا يمكن أن يكون إلا «بالمصاحبة» للشيخ العالم والمربي
إذ المعرفة الإسلامية من أقوى مصادر تلقيها «أفواه الرجال»،
وهذا التلقي هو ما يصنع الطالب الذي يبتغي العالمية
فالعالمية لا يتحقق بها من ركن إلى مطالعة الكتب والمخطوطات
لأن سلامة المنطق ودقة المعلومة لا تتحقق إلا مشافهة
وهذه الصحبة ليست علمية محضة بل هي صحبة تربوية عميقة
فالأنصاري يحكي عن التحول الوجداني الكبير الذي مر به
وكان سببه هو مدارسة له مع أستاذه البوشيخي
فيحكي الأنصاري قصة فهمه للعقيدة حيث يؤكد أنه
مر بثلاث مراحل؛
المرحلة الأولى الفهم التقليدي، العقيدة شهادة وانتهى الأمر،
المرحلة الثانية مرحلة أن معنى العقيدة هي «الحاكمية لله»
وتلقى هذا المعنى في فترة ارتباطه بالحركة الإسلامية
المرحلة الثالثة مرحلة اليقظة الوجدانية
حيث يقول: “وبقي الأمر بالنسبة لي غامضا، حتى لقيت بعض أساتذتي الأجلاء
ممن تتلمذت عليهم، وأخذت عنهم علم الدعوة وعلم البحث العلمي،
فكانت لي معه جلسة مذاكرة حول بعض مفاهيم القرآن الكريم
وتحدثنا عن بعض النماذج من بينها مفهوم الإله في القرآن الكريم
فنبهني إلى أن الأصل اللغوي لهذه العبارة، راجع إلى معنى قلبي وجداني،
وذكر لي شيئا من الدلالة اللغوية على المحبة، مما بينته انفا
، فكانت بالنسبة لي مفاجأة حقيقية!
لا على مستوى الفهم فقط، ولكن على مستوى الوجدان والشعور !»
ويتضح من هنا؛ أن المعرفة الإسلامية كذلك ليست معرفة معلوماتية،
بل هي معرفة هدفها الوصول إلى خشية الله ويتحقق ذلك بصحبة العالم المربي،
وهذه الصورة التي نرسمها، قلت واضمحلت وانعدمت في ما يسمى بالجامعات العلمية العصرية
وفي شعب الدراسات الإسلامية، وهذه العلاقة بين الطالب والأستاذ تذكرنا
بعصور علمية زاهرة عرفها التاريخ الإسلامي،
بمعنى أن الذي صنع الأنصاري ليس هو نظام تعليمنا الجامعي المغربي في شعب الدراسات الإسلامية، وإنماالذي خرجه هو صحبته «لشيخ عالم مربي» لمدة تصل إلى أكثر من عقد من الزمن، أخذ عنه علم الدعوة والبحث العلمي
تعقيب
ان الجيل الذي يتربى على يد مربي فاضل رباني في المحاضن الايمانية
هو الذي يكون له الريادة والتأثيروالإنجاز ومقاليد القيادة
هو يكون ثمرة لمجهود وسهر رجالا صنعهم ربهم واختارهم لهذا الغرس المبارك
وتربية أبناء لهم تربطهم بهم محبة لله عزوجل
يعطونهم كل ماعندهم من خير وعلم وتوجيه
رغم التعب والمشقة ولكن تشعر بسعادة تغمر قلوبهم وتفاني كبير في عملهم
وشعارهم
" إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ "
و يهون عليهم مايجدون من المشقة والتعب حبهم الصادق لهذا العمل
ويأتون يوم القيامة زمرا زمرا وأفواجا
مع من أحبوهم لله وفي الله وعلى دين الله
وكانوا سببا في دلالتهم على ربهم
من كل شعاب الدنيا لهم مريدين ومحبين
والكل يطمع أن يكون في زمرتهم يوم القيامة
وهذا هو السؤدد وهذه هي العزة وهذا هو الشرف
وهذا هو العطاء
ولهذا تشرئب الأعناق
ويطمح أولي الألباب
فهنيئا لمن جعل حياته وقفا لله ووقفا لخدمة عباد الله
شجرة مباركة أغصانها ممتدة في كل بقعة على الأرض وفي كل قلب موحد
وثمارها مباركة
إنها التربية
ونعمة وجود المربي
وجزاكم الله خيرا
تعليق