إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ما الفرق بين الاجتناب والتحريم؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما الفرق بين الاجتناب والتحريم؟



    المسلم الذي يتوسَّع ولا يستقيم على أمر الله أنسب عقيدة له أن يؤمن بالشفاعة إيماناً ساذجاً يردد: نحن أمة محمد، نحن أمةٌ مرحومة، يوم القيامة يشفع لنا النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: أمتي أُمتي، ولا يقبل إلا أن يدخلنا الجنة جميعاً، هذه العقيدة الساذجة عند الفاسقين، مع أن الشفاعة حق وفيها نصوص صحيحة، لكن لها معنى فوق هذا المعنى، أما غير المسلمين فهم يعتقدون:
    ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80))( سورة البقرة )
    يؤمن الفسقة والمنحرفون والمُقَصِّرون والمتفلتون دائماً بعقائد تسوغ أعمالهم حتى يستعيدوا توازنهم، حينما يعصي الإنسان الله يختل توازنه، حينما يعصي الله تحاسبه فطرته، ينزعج، يضيق ذرعاً، توازن الإنسان العاصي دائماً مختل، كيف يستعيده ؟
    يستعيده بعقيدةٍ تسوِّغ له عمله
    حينما يختل توازن الإنسان فلديه طريقان لاسترجاع التوازن:
    حينما تعصي الله ـ لا سمح الله ولا قدَّر ـ يختل التوازن، حينما يختل هذا التوازن لديك طريقان لاسترجاع التوازن:
    1ـ الطريق الأول الصحيح هو التوبة:
    تتوب إلى الله، تصطلح معه، تطبِّق منهجه، تستعيد توازنك وترتاح نفسك، هذا الطريق الطبيعي لاسترداد التوازن.
    2ـ إن كان مصراً على هذه الشهوة فيحتاج إلى عقيدة زائغة تغطي انحرافه:
    أما حينما يعصي الإنسان ربه فيتفلَّت، يطلق بصره، يتوسَّع في المعصية، يقبل السلوك اليومي المعاصر، يقبل السلوك الإباحي ويستسيغه، فهو يحتاج الآن إما إلى توبةٍ نصوح يستعيد بها توازنه، أما إن كان مصراً على هذه الشهوة فيحتاج إلى عقيدة زائغة تغطي انحرافه، هو يتوهَّم أنه يفعل الشيء الصحيح، لذلك تجد الإنسان المبتلى بشرب الخمر مُصِراً على أن الله لم يحرِّم الخمر، يقولون: نصحنا أن نجتنبه، ولكن اذكر لي آية تنص على شرب الخمر، هذا كلام مريح له جداً، لأنه مدمن خمر، فإذا اعتقد أن الخمرة حرام اختل توازنه، انكشف، أما حينما يعتقد أن الخمر رجس فاجتنبوه، وهذا أسلوب صريح بالتحريم، فيقلع عنها راضياً عندئذٍ، ويصغي بقلبه:
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) )
    ( سورة المائدة )
    بعض الناس يظنون أن الخمر لم يأت لها تحريم وإنما جاء الأمر فيها بالاجتناب.
    ونقول لهم: إن التحريم هو النص بعدم احتسائها، وأما الاجتناب فهو أقوى من التحريم لأنه أمر بعدم الوجود في مكانها

    كلمة اجتناب فيها أشد نوع من أنواع التحريم، فمثلاً تيار ثمانية آلاف فولت، أردنا أن ننصح الناس بالابتعاد عنه، هذا التيار له مساحة جذب تقدر بثمانية أمتار، إذا دخل الإنسان هذا الحرم يجذبه هذا التيار ويجعله فحماً أسوداً، فلو أن وزير الكهرباء أراد أن يضع إعلاناً تحذيرياً فهل يقول: " ممنوع مس التيار "، أم يقول: " ممنوع الاقتراب منه " ؟ يقول: "يمنع الاقتراب منه "، إذا كان ضمن مسافة ثمانية أمتار أصبح فحماً، فهذا الإعلان التحذيري لا يأمر بعدم المس ولكنه يأمر بعدم الاقتراب، وكذلك لا بدَّ من أن تدع بينك وبين هذا التيار هامش أمان، لو أن الله تعالى قال في الخمر: حُرِّمت الخمر عليكم، فيجوز بذلك أن تبيعها وأن تشتريها وأن تتاجر بها وأن تعصرها وأن تُعْلِن عنها، كل هذا يجوز لكن المنع أن تشربها فقط، أما حينما قال:
    ( فَاجْتَنِبُوهُ (90) )( سورة المائدة )
    ثم أوضح رسول الله المزيد، فقال:
    ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وشاربها وآكل ثمنها.))
    [ابن مردويه والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن عمر]
    من يزرع عنباً من أجل أن يبيع هذه المعصرة أو هذه الخمَّارة هذا كله ملعون إذاً:
    ( فَاجْتَنِبُوهُ (90) )( سورة المائدة )
    اجتنبوه تعني أشد أنواع التحريم، اجتنبوه، أي أن هذه المعصية لها قوة جذب، فلا بدَّ من أن تدع بينك وبينها هامش أمان، كيف أن النهر العميق المخيف الذي ينذر من وقع فيه بالموت، لهذا النهر شاطئ مائل عليه حشيش مُبْتَل، وله شاطئ جاف مستوٍ، المشي على الشاطئ المائل المبتل الزَلِق فيه مخاطرة كبيرة جداً، ممنوع أن تمشي على هذا الشاطئ المائل الزلق لئلا تقع في النهر، ينبغي أن تمشي على الشاطئ الجاف المستوي، هذه قاعدة.
    قال الله عزَّ وجل (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) )( سورة الإسراء )
    لم يقل: لا تزنوا، بل قال(وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا )(32)
    هذه شهوة تثور بوجود الخلوة، وإطلاق البصر يثير هذه الشهوة، متابعة مشاهد مثيرة على الشاشة أيضاً يثير الشهوة، فكل ما يُقَرِّبُكَ من هذه الشهوة مُحَرَّم، هذا معنى:
    (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا (32) )
    اجعل بينك وبين الزنى هامش أمان، اجعل بينك وبين مال اليتيم هامش أمان، لا تخلط مالك بماله، لا تجعل الحساب هو الحكم، اجعل خلط المال هو الحكم فلا تفعله، هناك موضوع دقيق جداً، هناك شهوات لها قوة جذب أو فيها وهج، هذه الشهوات التي يضعف الإنسان أمامها في بعض الظروف أمرك الشرع الحكيم أن تبتعد عن أسبابها، الشهوات التي فيها قوة جذب، والتي يَضْعُف الإنسان أمامها في بعض الظروف نهاك من الاقتراب منها
    مما سبق يتبين أن الاجتناب أشد درجة من التحريم

    الشيخ راتب النابلسى
يعمل...
X