أشد وسيلة وأخطرها وأسرعها انتشارا( الواتس آب )وما تضخه من معلومات مهولة، وفرائد عزيزة، وتعليقات مثيرة، ومراسلات غزيرة،وإنشائيات عريضة، وتافهات وسيعة،
حتى شغلت الناس واجتثت أوقاتهم بلا حسبان فكان من آثاره الآتي :
الإشغال : عن معالي الأمور، وجلائل الأعمال.
الإلهاء : بسفاسف الدنيا عن غالياتها، وتوافهها عن معاليها.(( والعصر إن الانسان لفي خسر )) سورة العصر .
الالتصاق : بمعنى الإدمان التام، والتحجر المطلق أمام الجوال. عكفنا عليها كالدواب على الجنى// وليس لنا من بعدهنّ صعودُ !
النسيان : من جراء الالتصاق والمتابعة والاعتكاف الدقيق. والتسبب في حوادث السيارات .
التخليط : بسبب كثرة المجموعات وزخارة الرسائل وصور الدردشة.
الجدال : في حوارات جيدة أو عقيمة تنتهي للإساءة والاتهام.
الخصام : إذا خفيت الآداب الحوارية، ودخلت حظوظ النفس.
النفور : بسبب عدم التكافؤ، والتوافق النفسي، أو إساءة بعضهم.
التذكير : بمواعيد مهمة وإعلانات مفيدة أو جلسات علمية، ما دق وما جلّ، وبلا استثناء...!
النصح : لحث خير أو دفع شر، أو إحياء سنن ودفن بدع ومسالك غواية..!!
الجفاف: وقسوة القلب من جراء المعلومات التافهة والتهريجية، والماجَرَيات السياسية والدرامية اليومية، وقد يحاول تخفيف ذلك بلقطات إيمانية ووعظية للبقاء برغم ضخامة الفتن الجائحة ، والله المستعان،وعنِ ابن عُمَر رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
(( لاَ تُكْثرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَة لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ الناس منَ اللَّه الْقَلْبُ الْقَاسِي )).
وهذا لدى مستعملين حرصاء على الخير،
ومتجنبين للسوء وصوره والغواية ووسائلها ومن ذلك :
السخف الفكري: القائم على إضحاك الناس وتسجيل مقاطع وصور ومسلسلات لتحقيق أهداف معينة.
الصور المخلة: بلا حياء وأدب.(( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم )) سورة النور .
مقاطع الإضحاك : والمبالغ فيها وقد تصل للسخرية والاستهزاء .
التبليغ اللحظي: والذي لا يردعه رادع، ولا يكفه كافٍ قد التصق صائما وذاكراً عنده...!
الجرأة: على الباطل واستسهاله حتى يجعل من نفسه ولسانه بريدا لها، ومن وصايا عمر رضي الله عنه
( ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه ).
وخلاصة صيام الواتسيين التعلق الشديد بالآلة، والعكوف عليها طوال الساعات، خيرا وشرا،،،! وفِي الصحة والتعب والحضر والسفر، والبيت والمسجد، بحجة الدعوة والتعرف..! حتى يلجوا ( مستنقعات الثرثرة )..!
ومع اتساعه يكثر الانسحاب والمغادرة لا سيما مع إطلالة رمضان، فلا بد من التفقه هنا وامتطاء الحكمة والرزانة .
ومع الخير الدعوي المرتجى منها، فلا يصح أن يبقى الصائم بلا تلاوة يُدمنها أو صلاة يطيلها أو آداب يلتمسها،،،!
(( شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن )) سورة البقرة .
ومعنى ذلك الاعتناء بالقرآن، والغوص في معانيه وبيناته
(( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )) سورة محمد .
وفي الجانب التفريطي، فما صام إلا ممسكا عن الطعام والشراب وقد صح حديث (( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش )) وكفه عاكفة على الزرار، قد تسمرت تقليبا وتحريكا..!
(فالواتسي) مؤثِر للجوال على كل حال، مأسور بعجائبه، ومبهور بفوائده، ومنهمك في أخباره، يراسل ويحول ويهدي، ويبارك، ويعزي، ويذكر وينصح،،،،!
وجميل بعضها ولكن الشيء المبالغ فيها تتكنفه الأضرار، وقد تلتفه السلبيات، واغترار بعضنا بفوائده الجمة والتي تفوق الحصر والجمال، لا يسوغ الإدمان الدعوي والوعظي، كالذي يرسل فرائد رمضان كل لحظة، وإشراقاته كل ساعة، وموائده كل هنيهة ،،،!
فإن ذلك من الإملال وليس من الفقه الدعوي والتوجيهي في شيء،،،،!
ومن آثاره السلبية ما يلي :
ضيقة المنصوح من توالي الرسائل والنصائح، وتفكيره الجدي في التخلص منها بحظر صاحبها .
إحداث الملل والسآمة من طولها وتتابعها، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه كما في الصحيح
( كان رسول الله يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا ).
إشغال الناس وإزعاجهم بالرنين والمتابعة.
تشويه المعنى الدعوي القائم على الرفق والأناة ومراعاة أحوال الناس.(( إن الله يحب الرفق في الامر كله )).
وفي الواتس أضحى الجميع ناصحا ومُذكّرا، وواعظا بالرمضانيات والوجدانيات، وجميل ذلك لولا الترف الوعظي والمبالغة الشديدة، فوجبت الحكمة والترشيد واعتقاد أن جماهير الناس يفعلونه، وقد كفوك فتقلل، وكن حكيما عاقلا..!
إذا أرسل الناسُ الفوائد كلها// غدوتَ رسولا مرسلاً ونصوحا
فالخلاصة أن الواتس الدعوي الرمضاني ينبغي فيه مراعاة التالي :
التوسط والاعتدال في الإرسال الرمضاني.
توخي الحكمة دعويا ووعظيا .(( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا )) سورة البقرة.
واجب الوقت هو التلاوة وحسن الصيام، ولزوم الذكر المطلق. وهنا فتوى لطيفة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تدل على فقهه وعمقه:
فقد سئل أيهما أنفع للعبد الاستغفار أم التسبيح ؟!
فأجاب : إذا كان الثوب نقياً فالبخور وماء الورد أنفع ,
وإذا كان دنساً فالإشنان والماء أنفع !!
والمعنى أن الاستطالة الدعوية في رمضان ليست بأفضل من واجب الوقت وهو التلاوة والتدبر، فاقدر لكل شيء قدره..!
تجنب الإفراط الباعث على نسيان الورد القرآني.
ولا أطيب من تنظيم المهام، وترتيب الأمور، فلا يطغى جانب على آخر،
ولتكن الدعوة باعتدال وبصيرة (( أدعو إلى الله على بصيرة..)) سورة يوسف.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
د.حمزة بن فايع الفتحي
صيد الفوائد